صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الدكتور سعد الشدوخي: تغيير المناهج في السعودية نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية

 

د/ سعد الشدوخي


أحدثت المتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية خلال السنوات القليلة الماضية؛ العديد من التأثيرات في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، تراوحت بين السلب والإيجاب.
واستطاعت دول قوية وأفكار جديدة أن تجد لنفسها موطئ قدم في معظم دول المنطقة، ما ينبئ بمستقبل قد يشهد تحولات فكرية وثقافية وسياسية، رُسِمَ لها أن تكون كذلك.

ومن بين التغييرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال المدة السابقة، قضية تغيير المناهج الدراسية والتعديلات التي أدخلت عليها بعد سنوات طويلة من تدريسها واعتمادها.

ولتبيان بعض من ملامح التغيير التي حدثت، وآثارها القادمة، وطرق التعامل معها، وغيرها من الأفكار التي تدور حول هذه القضية، التقى موقع (المسلم) مع الدكتور سعد الشدوخي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، قسم التربية).

دكتور سعد الشدوخي، أهلاً وسهلاً بك عبر صفحات موقع (المسلم)، وبداية نحب أن نعرف منك، ما هي الأسس التي تم وفقها تقويم المناهج المدرسية في السعودية، وعلى ماذا استندت عمليات التغيير؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أولاً أشكر للإخوة في موقع (المسلم) حسن ظنهم وإعطائي هذه الفرصة للحديث حول هذا الموضوع الذي هو على درجة كبيرة جداً من الأهمية، وذلك بالنظر إلى ما له من انعكاسات حاضرة ومستقبلة خاصة أن المناهج هي إحدى الأدوات المهمة في صياغة مستقبل الأمة بالنظر إلى ما لها من تأثير طرائق تفكير الناس ومفاهيمهم ومعتقداتهم وصور سلوكهم، فضلاً عن ما لها من أثر أيضاً فيما يكتسبونه من معارف ومهارات ومعلومات واتجاهات وغير ذلك، فهي على درجة كبيرة جداً من الأهمية، فالشكر لموقع المسلم على حسن ظنه، وأسأل الله _سبحانه وتعالى_ التوفيق.

بالنسبة للأسس التي تم وفقها تقويم المناهج المدرسية في السعودية وعلى ماذا استندت عمليات التغيير، لا بد من الإشارة أولاً إلى أن بناء المنهج من الناحية التربوية المتخصصة يقتضي أن يبنى على أسس عقدية من جانب، بالنظر إلى اتكائها على الفلسفة التي يقوم عليها المجتمع، رؤية المجتمع للحياة، رؤية المجتمع للإنسان، رؤية المجتمع للكون، إلى غير ذلك مما له علاقة بهذه القضايا الكلية، كما يبنى أيضاً على أسس اجتماعية قائمة على أساس من طبيعة المجتمع وهويته الثقافية والحضارية، وأيضاً المشكلات التي يعاني منها المجتمع والتحديات التي يواجهها والتطلعات التي يأمل أن يحققها وأيضاً أسس نفسية راجعة للطبيعة النفسية لمتلقي التربية، إذ إنه هو المستهدف من العملية التربوية كلها، ولذلك لا بد من أن يبنى المنهج على معرفة بطبيعته وخصائصه ومشكلاته واحتياجاته، كذلك أيضاً أسس معرفية راجعة إلى طبيعة المعرفة؛ لأن التربية – عندما نتأملها بعمق- هي عملية تغيير تتم من خلال معرفة تقدَّم لمتلق ينتمي إلى مجتمع يقوم على فلسفة أو على رؤية في الحياة، فالمعرفة أو المحتوى المعرفي له أهمية كبيرة جداً؛ لأن التغيير يتم من خلال تنظيم الخبرات التربوية حول هذا المحتوى المعرفي.

هذه تقريباً الأسس التي يقوم عليها بناء المنهج أصلاً، و ينبغي أيضاً أن يقوم عليها تطويره، وحينما يطور المنهج الدراسي ينبغي أن يكون هذا التطوير مستنداً إلى هذه الأسس، ومن غير شك أنه ينبغي أن يكون لهذه الأسس انعكاس على أهداف التربية، وأن يكون لها انعكاس على محتوى التربية، وأن يكون لها انعكاس على الطرائق والأساليب التي تستخدم في تحقيق التربية وفي تحقيق أهداف التربية، وأن يكون لها انعكاس أيضاً على طرق التقويم التي توظف، ومن المفترض أيضاً أن تمثّل مستمداً تستمد منه المعايير التي تقوّم بها كل العناصر المؤثرة في العملية التعليمية بما في ذلك المنهج الدراسي، ومن المفترض عند تقويم المنهج أن تكون أدوات التقويم وإجراءاته واضعة في الحسبان هذه الأسس التي أشرتُ إليها.

ولو تأملنا على سبيل المثال ما يجري الآن من مراجعات، سواءً في السعودية أو في غيرها، وطبعاً هي جاءت في ظروف معينة وما أظن أن أحداً يستطيع أن يقول: إن هذه الظروف لم يكن لها انعكاسات على ما تم أو ما ربما أن يتم من عمليات تطوير أو تغيير، فهناك حقائق موجودة على الأرض مؤثرة في العالم أجمع ونحن في بؤرة الحدث، وتتعرض المملكة لضغوط شديدة جداً من جهات متعددة لإحداث تغيير شامل على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، ويركز فيها على أن التربية واحدة من أهم نقاط البداية.

في هذه الأجواء المشحونة بهذه الصورة، تتسم أحياناً كثير من الأعمال بشيء من العَجَلة ورد الفعل لهذه الأحداث المؤثرة، وبخاصة حينما يكون هناك أصوات صاخبة تشوش على تفكير متخذي القرار؛ لذلك أقول: أظن لو أن الأمر تم في حال من التحرر من الضغط الموجود ربما لكان المحصلة والناتج مختلفاً.

إن ما تم حتى الآن يمكن أن ندرجه في إطار التعديلات، حيث إن هناك مصطلحات متعددة في موضوع المنهج (تعديل وتطوير وتغيير) وكل واحدة من هذه العبارات مختلفة عن الأخرى اختلافاً كبيراً.

فالتعديل: هو ما يمكن أن يتم من حذف وإضافة على شيء قائم وموجود.
والتطوير: هو نوع من محاولة الارتقاء بوضع قائم في أطُر قائمة.
والتغيير: قد يتناول الهياكل والأطر كلها.

فما يجري في هذا المجال، لا يتجاوز الآن إطار التعديلات التي لا تصل إلى مستوى التغيير، حتى ولو كانت التعديلات أحياناً تتناول موضوعات على درجة كبيرة من الأهمية، ولكنها تعديلات بالحذف والإضافة وما إلى ذلك، وطبعاً جاءت هذه التعديلات بعد ما وُضعت المملكة ككل ومناهج التعليم فيها بصورة خاصة في قفص الاتهام، وانصب التركيز بدرجة أكبر من أي شيء آخر على مناهج التعليم على أنها هي المتهم الأول.

نعم قد يكون هناك بعض المفاهيم التي ربما لم يكن التعبير عنها - في بعض الكتب الدراسية- دقيقاً بدرجة كافية، وربما تختلف فيها التفسيرات، و إذا وُجد الخلل والعيب فإنه يمكن أن يستغل فيتخذ ذريعة لتعديل يتجاوزه ولا يقتصر عليه.

الخلاصة أن هناك بعض الملحوظات التي تقتضي بالفعل شيئاً من التعديل، وفي تصوري أن بعض هذه التعديلات تقتضيها طبيعة المرحلة، بمعنى لو كان الإنسان يربي في داخل بيته ويقول ما شاء وكيف شاء، لكان في متسع من الأمر ليفعل ما يريد، لكن في عالم وضعه مثل الوضع الذي نشهده الآن، من الطبيعي جداً حدوث هذا التعديل.

وأنت تقول كلمة أو تكتب كلمة لا بد أن تحسب حساباً لانعكاساتها وأصداءها وما يمكن أن يصاغ منها بطريقة تحقق الهدف وتقطع الطريق على أن تُتخذ ذريعة إلى شيء غير مرغوب فيه.
ومن غير شك أن العقل والحكمة تقتضي هذا، فطبيعي جداً أن يحصل نوع من المراجعة السريعة لإعادة صياغة بعض المفاهيم بألفاظ وعبارات تضع في الحسبان المتغيرات الجديدة، لكن مع هذا الوضع أيضاً متوقع وطبيعي جداً أن يحصل أن يجد مَن لم يكونوا راضين عن المنهج الدراسي وتوجهه ومحتواه وأهدافه في السابق فرصة بأن يشاركوا في الضغط باتجاه التخلص مما لا يريدون، وأيضاً إحلال ما يريدون محله، وهذا أيضاً شيء متوقع وبالتأكيد أن الإعلام يعج بالكثير جداً من الضغوط في هذا الاتجاه التي تمثل مواقف مسبقة، أرادت أن توظف الحدث إلى أكبر حد ممكن لتتخلص فيه مما لا تريد وتحل محله ما تريد، وهذا شيء متوقع ليس شيئاً غير متوقع.

بإيجاز أستطيع أن أقول من خلال ملاحظاتي: إن التعديلات التي تمت هي ليست نتيجة تقويم شامل للمنهج وإنما هي نتيجة مراجعة عاجلة سيطر عليها هاجس إعادة الصياغة أو التخلص من بعض الأشياء التي ربما تسبب إزعاجاً بصورة أو بأخرى.

بحكم قربك من قضايا التربية في المملكة ما هي أهم الفصول التي تم استبعادها من المناهج الدراسية؟
حقيقة قد لا أستطيع أن أجيب على كل شيء في هذا؛ لأني أيضاً لست متابعاً بدرجة دقيقة، فلا أستطيع أن أقول كل ما جرى تعديله أو تغييره من هذه الأشياء، لكن من أهم الأمور التي تناولها التعديل ما له علاقة بقضايا الولاء والبراء ونحو ذلك من الأمور.

وربما أحياناً تكون الصيغة التي وردت بها بعض هذه المفاهيم في الكتب الدراسية لم تكن من الدقة والوضوح بحيث تحقق المراد منها أصلاً، فهي من الأصل كانت تحتاج إلى شيء من إعادة الصياغة.

لكن المفترض طبعاً أن روح هذه المفاهيم تظل موجودة في المنهج؛ لأن كل أمة لها ولاء وبراء، وليس المسلمون فقط هم الذين لهم ولاء وبراء.
ولا تكون أمة ذات استقلالية ما لم يكن لديها خطوط واضحة تحدد بها مَن تكون، وعلى ضوء تحديدها لمن تكون تعرف مَن هو ليس جزءاً منها، هذا من جانب وتعرف أيضاً كيف تتعامل مع الآخرين ومواقع الآخرين فيها.

أيضاً حيث ما وُجدت الأمم لها ذاتها ولها أعداؤها فهذا شيء طبيعي في جميع أمم الأرض، ليس حصراً على المسلمين، والمسلمون طبعاً في موضوع الولاء والبراء عندهم له أسس عقدية ودينية مرتبطة بفهمهم للحياة وغايتها وللوجود وتفسيرهم له من غير شك، فلذلك أقول من أهم هذه الموضوعات التي تناولها التعديل تلك الموضوعات ذات العلاقة بقضايا الولاء والبراء، وبخاصة أنها هي الموضوعات التي يرد فيها كثيراً ما له علاقة بما يسمى الموقف من الآخر، وهو أهم ما تناوله التعديل.

كيف تنظر إلى تأثير حذف مثل هذه الفصول والمقررات من المناهج التربوية على الطلاب؟
أولاً كما ذكرت في البداية، الموضوع ربما حتى الآن لم يتجاوز دائرة التعديل، وهو من المفترض أنه لم يزل في إطار إمكانية إعادة الصياغة وإبقاء روح الموضوعات هذه ؛ لأنها جزء من عقيدة الأمة.
لكن لو انتهى الأمر لشيء غير هذا، بمعنى أن استُبعدت هذه تماماً وغيرها من الموضوعات التي أيضاً يمكن أن يتناولها التعديل ومن ثم ربما التغيير، فالأمر هنا يصبح ذا مخاطر كثيرة جداً، إذ إن الجهل بالدين بصورة عامة أشد إضرارا بالمسلمين من أي شيء آخر.

وبالنظر إلى كون هذه المفاهيم مفاهيم دينية موجودة في الدين، فإن الفرد المسلم بحكم بقائه مسلماً واستمراره على هذا الدين، سيظل يشعر بالحاجة إلى معرفتها، بمعنى أنه إذا شطبت عليها من المقرر الدراسي فإنك لن تشطب عليها من الاحتياجات المعرفية للمسلم، والحاجة القائمة سيظل صاحبها يبحث عما يلبيها وما لم يكن المنهج الدراسي هو الذي يقدم المعلومة الصحيحة والمعلومة الكافية الوافية، فإن الناس سيبحثون عن المعلومات في أماكن أخرى، وتلك المعلومات التي يصلون إليها لن تكون بالضرورة هي المعلومات الصحيحة ولن تكون بالضرورة المعلومات الوافية، ولكنها حينما توافق جهلاً قد تشبع الحاجة لكنها تنشئ انحرافاً، وسيكون الانحراف ربما أشد من الانحراف الذي أريد أن يعالَج من خلال هذه التعديلات.

فالتجهيل بالدين وتجاهل احتياجات الطلاب فيه سيجعل الطالب كما قلت يبحث عن المعلومة في جهة أخرى؛ لذلك لا بد أن يقدِّم المنهج الدراسي المعلومة الصحيحة وفي الوقت نفسه الكافية.
يعني لو قدّم المعلومة مثلاً صحيحة ولكنها ناقصة سيدرك الطالب أو سيقال له ذلك، ويأتي من ينبهه إلى أن هذه المعلومة ناقصة وسيبحث عمّن يكملها له.
أو حينما تكون المعلومة التي يحتاجها غير موجودة فسيبحث عنها وسيجدها بطريقته الخاصة وحينئذ يتسع الخرق على الراقع بعد أن تكون المشكلة محصورة بأعداد يسيرة ليس لها وزن من حيث الكم ربما تكون المشكلة الناتجة عن التجهيل أو التضليل، التجهيل الناتج عن قلة المعلومات، أو التضليل الناتج عن خطأ المعلومات أقول يمكن أن تكون النتائج المترتبة عليه أسوأ بكثير جداً مما يراد تلافيه.

تؤكد الكثير من الفعاليات وغيرها داخل المجتمع السعودي وخارجه بأن تغيير المناهج بسب ضغوطات خارجية. إلى أي حد يعد هذا الكلام صحيحاً؟
أشرت قبل قليل إلى شيء من كون التعديل الذي يجري متأثراً بصورة أو بأخرى بضغوط سواءً داخلية أو خارجية، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن من المهم أيضاً بنفس الدرجة أن نقول: إن حاجة بعض المقررات الدراسية، بل حاجة المنهج ككل لصور من التعديل أو التطوير موجودة من قبل وتقتضيها أسباب أخرى غير هذه الضغوط.

نعم هناك الكثير جداً من التغيرات التي شهدناها أو التي حدثت على أصعدة مختلفة محلية، إقليمية، عالمية، سواءً ما كان منها سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، أو ما كان منها أيضاً ذا صلة بالانفجار المعرفي وتقنية المعلومات وثورة الاتصالات وغير ذلك من الأمور التي تقتضي أن تواكب من خلال المنهج الدراسي.
فالحاجة إلى شيء من التعديل والتطوير قائمة من غير شك، ولكن لو تم التعديل والتطوير على أساس من احتياجات المجتمع وأيضاً التحديات التي تواجهه وتحقق تطلعاته وقائمة على الأسس التي يقوم عليها هذا المجتمع ومراعية احتياجات الطالب أيضاً من جهة وخصائصه وطبيعته ومراعية أيضاً طبيعة المعرفة ومقتضيات الانفجار المعرفي، لكان هذا شيئاً مرغوباً فيه، لكن المحذور هو أن يكون نصيب الاستجابة للضغوط الواقعية، سواء كانت داخلية أو خارجية أكبر من نصيب تلبية أو مواكبة الاحتياجات والتطلعات ومواجهة التحديات واحتياجات الطالب وما إلى ذلك.

عملية تغيير المناهج يراها الكثيرون أنها جزء لا يتجزأ من حركة تغيير واضحة في المملكة. برأيك ما هي المتغيرات التي حدثت أو قد تحدث لاحقاً على القاعدة الدينية والثقافية والسياسية في المملكة؟
أنا حتى الآن لا أسمي ما يجري تغييراً للمناهج وما زلت أرى أنه تعديل، لكن من الممكن أن يصل إلى التغيير، فبالتأكيد هناك ضغوط خارجية تمارَس على العالم الإسلامي كله وعلى البلاد العربية بصورة خاصة وعلى هذه البلاد بصورة أخص، وهذه الضغوط ليست أشياء تدور في الخفاء وإنما تأتي صريحة ومباشرة وواضحة في تصريحات كثير من الزعماء السياسيين وكثير من القيادات الإعلامية الغربية، ثم أيضاً لها أصداء في الداخل ممن يتأثرون بها أو ممن تحقق الاستجابة لها شيئاً من جداول أعمالهم المسبقة، وتحقق شيئاً من التغيير الذي يأملونه، وهذا شيء أيضاً ملحوظ والكتابات الصحفية وكثير من الأحاديث الإعلامية، سواءً في الإذاعة أو التلفاز أو القنوات الفضائية تعكس هذا، لذلك أقول إن هذه الضغوط يُخشى أن تؤثر في تحقيق التغيير في المناهج.

وطبعاً نفرّق بين مصطلح تعديل، ومصطلح تطوير، ومصطلح تغيير، وبخاصة إذا كان هذا التغيير منبثقاً عن الأسس العقدية والثقافية لهذا المجتمع، والذي أخشاه أنه لو تم تغيير خارج هذه الأطر أن تحصل أزمات سياسية واجتماعية؛ لأن المنهج كما هو معلوم هو أداة صياغة المجتمع .

قضية المناهج أليست قضية علمية أكاديمية، فلماذا هذه الضجة حولها؟
قلت قبل قليل: إن المنهج أداة صياغة الأمة، وعلى هذا الأساس فهو يهم الجميع، والتربية هي تخصص، ومن المفترض أيضاً أن تكون كذلك، يعني عمل التربويين هو المقدم والمؤثر بدرجة كبيرة لكن، أيضاً في الوقت نفسه التربية لها امتداد في كل بيت وفي كل حي. ويندر أن تجد أحداً في المجتمع إلا وقد دخل الحياة من بوابة المدرسة أياً كان موقعه، فطبيعي جداً أنها تهم الجميع الآباء والأمهات وأرباب الأعمال والمؤسسة السياسية الحاكمة، كل فئات المجتمع كل شرائحه كل فعالياته يهمها شأن التربية، ولذلك يكون الحديث عن المنهج بطبيعة الحال حديثاً يمس مستقبل الجميع.

يدعي البعض أن الخوف من تغيير المناهج مبالغ فيه، وأنه يشير إلى ضعف في بنية المجتمع وعدم الثقة بأبنائه، فما رأيكم؟
مرة أخرى أؤكد على التفريق بين التعديل والتطوير والتغيير، تغيير المنهج هو شيء يتضمن إبدال شيء بشيء، أما تطوير المنهج وفق الأسس التي ذكرتها وتلبية الاحتياجات القائمة والتعامل مع مشكلات قائمة وتحديات قائمة في إطار من ثقافة المجتمع وهويته سعياً لتحقيق أهدافه وإحلاله الموقع الذي يتلاءم ويتناسب مع رسالة أمة المسلمين في هذا الوجود "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (آل عمران: من الآية110).

فهذا التطوير بهذه الصورة مطلب لكن التغيير الذي يتضمن شيئاً من تغيير التوجهات وتغيير الأهداف، وتغيير سياسة التعليم، من غير شك أن الجميع يتوجسون من مثل هذا التوجه، ويرون أن فيه مساساً إذا جاء استجابة لضغوط من الخارج وما إلى ذلك فيه مساس بسيادة الأمة من جانب وهو أيضاً تغيير أو قناة لتغير هوية المجتمع وطريقة حياته وثقافته وما إلى ذلك من جانب آخر، فهو بهذه الصورة غير مرغوب فيه وللخوف من نتائجه ما يسوغه، أما في إطار التطوير فالتطوير كما أشرت مطلب ويؤخذ على التربية في المملكة بطء عملية التطوير فيها.

أما وقد وقع وتم التعديل، فما هي الوسائل التربوية لمعالجة المشكلة أو النقص الذي حدث؟
العلاج الصحيح من وجهة نظري أن يتم تطوير وفق أسس صحيحة، بحيث يكون قائماً على أساس من عقيدة المجتمع ورؤيته للحياة والكون والإنسان والوجود، وأيضاً موقع الإنسان في هذا الوجود وغاية وجود الإنسان وهي تحقيق العبودية لله _سبحانه وتعالى_، وكذلك أيضاً قائماً على أساسٍ من ثقافة هذا المجتمع وهويته الاجتماعية، وأن تكون المدرسة ناقلةً لهذه الثقافة من جيل إلى جيل محافظةً عليها عاملةً على تأصيل ثوابتها ونقد متغيراتها بمعنى تقويم هذه المتغيرات على أساس من الثوابت، وكذلك أيضاً يراعي خصائص متلقي التربية المستهدف بها وطبيعته واحتياجاته ومشكلاته، وكذلك أيضاً يراعي المتغيرات فيما يتصل بقضايا المعرفة ويضع هذه كلها في الحسبان. أقول هذا هو الأمر المهم أن تراجَع المناهج على هذا الأساس بعيداً عن الاستجابة للضغوط وإنما يكون التطوير قائماً على أساسٍ من فلسفة المجتمع من جانب ومحققاً لأهدافه مستقلة عن رؤية الآخرين من جانب آخر، هذا كل ما يمكن قوله بإيجاز شديد.

الوضع الصحيح أن يتم تربية الطلاب وتعليمهم داخل المؤسسات المعتبرة في التربية، طبعاً الأسرة عليها دور وعليها مسؤولية والمدرسة عليها مسؤولية، والمدرسة هي المؤسسة التربوية التي أعدت اجتماعياً لتتولى مهمة التربية وفق أسس صحيحة ومنظمة، وقد هيئت لها كل الإمكانات اللازمة، ولذلك فمن المهم أن يجد الطالب كل ما يحتاج إليه تربوياً في المدرسة؛ لأن المدرسة هي التي يمكن أن تسد الخلل الذي يمكن أن يوجد في الأسرة، ويمكن أن يوجد في المؤسسات التربوية الأخرى، والمؤسسات التربوية الأخرى بالنسبة للمدرسة هي روافد، من غير شك يبقى أهمية الأسرة لكن على مستوى المجتمع المدرسة أكثر أهمية من الأسرة؛ لأنها يمكن أن تسد الخلل الذي يمكن أن يوجد في تربية بعض الأسر أو كثير من الأسر، فإذا كانت المدرسة نفسها لا تقدم الاحتياجات التربوية الصحيحة، لا تلبي الاحتياجات التربوية الصحيحة فهنا خلل كبير.

من المفترض أن يكون للمؤسسات التربوية الأخرى دور، هذه المؤسسات الموازية والرديفة، ودور الأسرة بالتأكيد أساسي بصورة مستمرة من قبل أن يلتحق الطالب بالمدرسة.
ومن غير شك أن لها أثراً كبيراً جداً في تكوين شخصية الناشئ ولها أثر في تفكيره وفي اتصاله الاجتماعي وفي تفاعله مع الآخرين، وفي قيمه ومعتقداته، لها أثر عميق، ولذلك الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "ما من مولود إلا وولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" مبيناً في هذا أثر الأسرة في هذا التكوين.

فالمؤسسات التربوية من المفترض أن تتعاون ويتكامل جهدها ونشاطها لكي يكون المنتج النهائي أن يتحقق في الشخص متلقي التربية غاية وجوده في هذه الحياة.

كيف ترون التناول الإعلامي لموضوع المناهج والتعليم؟
للأسف الشديد بعض الوظائف الإعلامية تغلب على وظائف أخرى، فعلى سبيل المثال الإثارة في الإعلام ينظر إليها الإعلاميون على أنها شيء مهم؛ لأن لها أثراً في توسيع دائرة انتشار الصحيفة أو القناة أو هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، فكلما كانت طرقها مثيرة أمكنها اجتذاب أعداد أكبر من القراء و الوصول إلى دائرة أوسع من الانتشار، وهذا يخدم أغراضاً كثيرة جداً منها أنه يزيد في عائداتها المادية من خلال بيع الأعداد الزائدة في التوزيع أو أيضاً استقطابها لمعلنين وما إلى ذلك فلها أثر مادي على استمرار الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية، وللأسف الشديد كثير من الإعلاميين يغلبون جانب الإثارة حتى لو كان على حساب قضايا مهمة مصيرية خطيرة جداً.

الأمر الثاني: أن وسائل الإعلام لزمن طويل احتُكرت رغم أن الإعلاميين يرون غير ذلك، يعني لم يزالوا يريدون أن يخرجوا أي منافس للفكر الذي يحملون عن أية وسيلة إعلامية، وذلك بشنهم الحملات على من لا يتفقون معهم في الرأي ممن لم يزالوا يظهرون إعلامياً، سواء في الإذاعة أو التلفاز وقليل منهم في الصحافة.

أقول الإعلام مُحتكر؛الوسائل الإعلامية محتكرة بتوجهات أحادية، وكثير منها لها مواقف مسبقة من المناهج ومن المؤسسات التربوية، ولها مواقف مسبقة من كثير مما ينظر إليه المجتمع على أنه من ثوابته وقيمه ومقوماته، وجاءت هذه الفرصة سانحة فنشطوا في تحقيق الأمرين معاً تحقيق مزيد من الإثارة وأيضاً مزيد من الضغط باتجاه الفكر المسيطر على كثير من وسائل الإعلام في العالم العربي وهذه البلاد ليست استثناءً، فلذلك صار تناول الإعلام متأثراً بهاتين السمتين متأثراً بجانب الإثارة، والإعلامي الذي يركض وراء الإثارة ليس باحثاً علمياً بحيث إنه يوثق المعلومة وينقل كل الحقيقة وإنما يأخذ ما يخدم موضوع الإثارة ويترك ما سواه، وقد يضخم شيئاً يسيراً فيظهر للناس وكأنه هو السائد وهو العام فيبالغ بدرجة كبيرة جداً هدفه في الأصل هو الإثارة لكن ضرره كبير جداً؛ لأن هناك أيضاً كثير من الناس ليسوا من القدرة النقدية بحيث يستطيعون أن يميزوا بين ما هو صحيح وما ليس كذلك فيتأثرون بهذا الجانب، هذا فضلاً عن الجانب الثاني وهو قضية التسويق لفكر له مواقف مسبقة من كثير من القيم والمقومات السائدة في المجتمع.

لماذا كان موقف العلماء ورموز الأمة من تعديل المناهج موقفاً ضعيفاً لا يتماشى مع خطورة القضية؟ مع أنهم وقفوا موقفاً أشد منه في قضايا أقل شأناً؟
بالنسبة لموقف العلماء ورموز الأمة من تغيير المناهج، أظن أنه هناك مواقف جيدة في إطار البيان للناس، وقد تحدث أناس كثيرون عن المناهج وأهميتها، طبعاً بأساليب متنوعة بعضها تتسم بالرصانة والموضوعية وأيضاً استفادت من الاستشارات المهنية المتخصصة في التربية وانعكست هذه الاستشارة على رؤيتها ونظرتها وبعضها ردود أفعال غاضبة لما يجري مما يُرى أنه قد يهدد مستقبل هوية الأمة واستقلال ثقافتها، لكن على العموم هناك مواقف متفاوتة من حيث قوتها أو ضعفها.

طبعاً العلماء والمفكرون ورموز الأمة قد لا يكون لهم دائماً نفس القنوات الإعلامية المتوافرة لغيرهم، هذا جانب، إلى جانب أيضاً هجمة ليست فقط على المناهج التعليمية وإنما على أمور كثيرة جداً، المناهج التعليمية أحد هذه الأمور، لكن المأمول طبعاً أن تكون النظرة لهذا الموضوع أكثر عمقاً وأن تكون الأدوات المستخدمة لدرء الأضرار المتوقعة وحماية مستقبل الأمة متكافئة مع حاجة الواقع وطبيعة التحدي ولم تزل في نظري أقل من أن ترتقي إلى هذا المستوى ربما واحد من الأسباب ضعف إسهام المتخصصين؛ هذه قضية تربوية من المفترض أن يكون للتربويين إسهامهم تضافراً مع غيرهم في معالجة هذا الموضوع؛ لأنهم هم أقدر على تقدير ما هو صحيح ومطلوب من جوانب التعديل أو التطوير وما ليس كذلك.

كيف يمكن أن تساهم المواد الشرعية والتربية الإسلامية في المناهج على المدى الطويل في تشكيل تحديات فكرية وأمنية واجتماعية على الأمة؟
أشرت قبل قليل حينما قلت: إن الفرد المسلم لديه حاجة، وهي طبعاً ضمن حاجات كثيرة للإنسان، لكن حاجته إلى معرفة دينه وهذه القضية بالنسبة للمسلم جوهرية؛ لأنها يرتبط بها آخرته، ويحسب حساباً لما سيؤول إليه بعد الموت، ولذلك يبقى هذا ملحاً عليه أن يعرف مراد الله _سبحانه وتعالى_ منه، وهو يقرأ كتاب الله _سبحانه وتعالى_ ويقرأ سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.

فما لم يجد المعلومة الصحيحة وفي الوقت نفسه الكافية لتلبية حاجته الدينية فإن البديل أن يبحث عنها من مصادر أخرى، ومن السهل جداً أن يصل إلى معلومات في زمن ثورة الاتصالات، حيث أصبح الكتاب ينزل من الإنترنت، وكذلك الحوار الصوتي، وأمور كثيرة جداً، فلم يعد الناس يعيشون في غرفة مغلقة بحيث يستطيع أحد أن يتحكم بطرق تفكيره وبالمعلومات التي تصل إلى أذهانه.
ربما كان هذا ممكناً قبل ثلاثين أو أربعين سنة، لكنه الآن لم يعد ممكناً على الإطلاق.

فما لم تكن المناهج الدراسية كافية في تلبية الاحتياجات الدينية للمسلم، وما لم تكن كافية في بناء التفكير الإسلامي الصحيح، فالضرر كبير؛ لأن البديل هو أن هذه الحاجة ستظل قائمة، وستلبى بطرق أخرى، وحينئذ سيكون هناك الكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية ما لم تتدارك في وقت مبكر.
 

المصدر موقع المسلم
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
تبرئة المناهج
  • تبرئة المناهج
  • بحوث ومقالات
  • التربية البدنية
  • مناهجهم..لامناهجنا
  • المدارس الأجنبية
  • الصفحة الرئيسية