صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المنهج المأمول في دراسة علم الأصول

أبو حاتم محمد بن حسين الأنصاري

 
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
رب أعن ويسر، وسددنا إلى أقوم الطرق،
وأرشد السبل..
قال الشيخ الفاضل/ أحمد بن حميد - سلمه الله - حول هذه القضية:
نصطحب القاعدة التي تقول: أن كل شيء حقق الاستفادة أكثر ينبغي أن يؤخذ به .
هذه القاعدة ينبغي لطالب العلم أن يستصحبها دائما في كل مكان ، لأنها مأخوذة من مقاصد الشريعة العامة وهي حفظ الوقت، فكل ما يحقق الاستفادة المرجوّة بسهولة ويسر ووقت قصير، فهو المطلوب والمقدم .
والذي يظهر - والله أعلم- أن الطالب لو اقتصر على متن من متون الأصول، ثم كتاب آخر في تخريج الفروع على الأصول، ثم كتاب آخر فيه توسع قليل لاكتفى بهذا، إلا إذا أراد أن يتعمق في هذا العلم تعمقا كبيرا، فهذا له كتبه وله مجاله ، لكن لو اقتصر على كتاب الشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين - رحمة الله عليه- "الأصول من علم الأصول" ، أو "الورقات"
( مع أحد شروحه ) فإذا أتمه وضبطه ضبطا جيدا ، انتقل لكتاب آخر هو "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف بن عبد الله التلمساني، وهو كتاب جيد، وعبارته متقنة ، والقواعد الأصولية التي يذكرها في الغالب منضبطة ، وأجود ما فيه أنه يذكر القاعدة الأصولية، ويذكر خلافا فعليّا؛ ليس خلافا نظريّا بين علماء المذاهب ، بناء على الخلاف في القاعدة الأصولية .

وهنا مسألة وهي ما هو الأولى بالدراسة النظم أم المتن؟
الذي يظهر أن الجواب عن هذا التساؤل ( نسبي ) إن كان ( هناك من ) يقول: النظم أسهل عليه من المتن ، فهذا نقول له: النظم أولى بالنسبة لك.
وإن كان هناك من يقول: عندي من ملكة الحفظ ما يجعلني أحفظ المتن كما أحفظ النظم وهما عندي في درجة واحدة.
فنقول له: المتن بالنسبة لك أفضل.لأن النظم قد لا يكون دقيقا في العبارة يحكمه الوزن والقافية ، فتكون عبارته أقل إتقانا من عبارة المتن.

انتهى كلام الشيخ

=====================

هذا ما ذكره الشيخ الفاضل/ أحمد بن حميد في مقدمة شرحه للورقات. وقد فصّل بعض الشي في محاضرة له بعنوان: كيف نستفيد من أصول الفقه؟ ففي هذه المحاضرة ذكر المنهج التالي بهذا الترتيب:
الأصول من علم الأصول – قواطع الأدلة – مفتاح الوصول – الموافقات.

إضافة وتفصيل:
ذكر الشيخ في كلامه أن هذه الطريقة التي قررها تصلح لفئة من المتعلمين ، وهم الذين لا يريدون التعمق في هذا العلم . بمعنى أن هذه الطريقة لا تصلح للمتخصص الذي يقصد التعمق في هذا العلم. وهذا ما أشار له بقوله:
إلا إذا أراد أن يتعمق في هذا العلم تعمقا كبيرا، فهذا له كتبه وله مجاله ..!!
قد يكون مراده أن هذا المنهج يكفي في إدراك الفائدة المقصودة من علم الأصول، وما زاد على ذلك فهو صناعة لا يحتاجها غير المتخصص. وهذا له حظ من النظر، خاصة مع وجود الثناء البالغ على كتاب القواطع. ناهيك عن الموافقات، وما أدراك ما الموافقات؟‍
وكأنه بهذا يشير إلى أن المتخصص ينبغي أن يقصد مع تمام الفائدة من هذا العلم الغوص والتعمق في دقائقه وتفاصيله.
بناء على هذا التقرير يحسن تقسيم طلاب هذا العلم إلى فئتين، كل فئة لها طريقتها ومنهجها الذي قد يتوافق مع اهتماماتها ومقاصدها.
(مع التنبيه إلى أن هذه الأمور في الغالب ما تكون اجتهادية ونسبية فكلٌ أبصر بنفسه)

# فئة غير المتخصصين:
وهم الذين يريدون أن يعرفوا من هذا العلم أصوله، ويدركوا الوجه الذي يستقلون فيه بأنفسهم، ولا يحتاجون فيه إلى غيرهم .دون الإحاطة به، والبلوغ إلى درجة التحقيق والاجتهاد.
وهذه الفئة ألغير المتعمقين في هذا العلم يكفي في حقهم ، تصويرًا للأصول في أذهانهم، هذه المصنفات على هذا الترتيب، كما ذكر الشيخ.

أولاً: كتاب "الأصول من علم الأصول" لابن عثيمين - رحمه الله -. وهو اسم على مسمى فقد اختصر فيه الشيخ على أصول الأصول في هذا الفن، مع ما ضمه بين دفتيه من تحقيقات واختيارات، مع عدم التأثر الظاهر بالمنطق.
أو متن "الورقات" للجويني، مع أحد شروحه، وهي كثيرة جدًا من أقدمها وأجودها "شرح الورقات" لعبدالرحمن الفزاري المعروف بابن الفركاح الشافعي، ت:690هـ فإنه سهل العبارة، قريب المأخذ.

ثانياً: كتاب "قواطع الأدلة" للسمعاني - رحمه الله -. وهو مهم جدًا لكل من أراد الدخول في هذا العلم، فإن السمعاني جاء على فترة من الركود، وعدم التحقيق، والخلط في هذا العلم، فشن الغارة على أرباب علم الكلام الذين لا قبيل لهم ولا دبير، ولا نقير ولا قطمير في هذا العلم الشريف. فهو كتاب جدير بالعناية والاهتمام، ولو جعله الأصولي هجّيره وأنيسه بعد التأصيل، لاستفاد فائدة عظيمة لا تقدر بثمن، خاصة ما يتعلق بالأخبار.

ثالثاً: كتاب "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف التلمساني.

رابعاً: كتاب "الموافقات" للشاطبي.

بالنظر إلى هذا المنهج المرسوم لو قال قائل: بأنه يصلح للمتخصص وغير المتخصص، لما أبعد، بل قد يقال: يزيد على حاجة غير المتخصص . وكتاب الشاطبي والتلمساني فيهما شيء من الصعوبة والدقة، قد يعسران على من لم يمارس الفن، ويتمكن من التصور التام لقواعده.
ومما يصلح الاعتناء به لغير المتخصص في الغالب، القراءة في بعض كتب المعاصرين القاصدين للتحقيق، ككتاب أبو زهرة، ومصطفى شلبي، والجديع والأشقر والخن والجيزاني.
بل غير المتخصص لو اكتفى بكتاب ابن عثيمين وشرحه له، وكتاب الجديع، وكتاب الخن، وشرح الروضة للنملة، إضافة إلى ما كتبه ابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي "رحم الله الجميع" = لما فاته من علم الأصول شئ يذكر له فائدة محققة. بل ممكن الاستعاضة بكتاب الجيزاني بما كتبه ابن تيمية، وابن القيم خاصة، فقد أكثر المؤلف من النقل عنهم، إضافة إلى ابن عبد البر وغيره، وهذا من حسناته.
وكتب النملة عموما يستفيد منها غير المتخصص أكثر من المتخصص، خاصة إتحاف ذوي البصائر شرح روضة الناظر، لأن غاية ما يقال فيه:
أنه عبارة عن تلخيص وعرض لكتب الأصوليين المتقدمين بالفهم ذاته، والتأثر بهم في طريقتهم ومنهجهم، أجود ما فيه أنه يعرضها باللغة العصرية السهلة الميسرة، وله اهتمام ظاهر بدرجة الخلاف وتقويمه.
وهذه الملاحظة عامة في مصنفات المتأخرين، إلى ما ندر.

تنبيه: من باب التأكيد والاستفادة، أرشح كتاب ابن عثيمين للمبتدئين، فمن أراد منهم أن يحب هذا العلم، ويتلذذ به، فعليه بسماع شرح الشيخ لكتابه "الأصول من علم الأصول" فقد أجاد في التيسير والتسهيل إلى حد كبير، وهو موجود في أشرطة في حدود العشرين، وقد طبع مؤخرا طبعة مصرية، لكن الأشرطة أجود.
الخلاصة:أن غير المتخصص قد لا يحتاج في هذا الفن أكثر من معرفة أصول المسائل فيه، مع أدلتها وضرب الأمثلة عليها، وهذا خدمه المعاصرون كثيرا في كتبهم. ومن أراد الاستزادة من كتب المتقدمين فعليه بـ"اللمع" للشيرازي.

# فئة المتخصصين:
وهم الذين أرادوا مع تكوين الملكة الأصولية، الإحاطة والإدراك بدقائق مسائله، مع الوصول إلى درجة التحقيق والاجتهاد، وأنى لهم البلوغ إلى تلك الرتب العالية، إلا بالصبر والبذل، (ومن يطلب الحسناء لم يُغله المهر)(بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) .

ضرورة التخصص:
وهنا أستأذن القارئ الكريم في مقدمة يسيرة، نؤكد فيها على ضرورة التخصص في هذا العلم الشريف.
فقد اتفق العقلاء قاطبة على أن التخصص العميق في دائرة معرفية محددة = يساعد على الفهم الدقيق ، والتصور الصحيح لمفردات ذلك التخصص أيـًّا كان، ويكشف بعد زمن من البحث والتنقيب المسائل المخبأة في الزوايا هنا وهناك، وهذا يعين الباحث على الوصول إلى نتائج علمية مُحققة.
لأن المتخصص - الذي انقطع عن كل ما سوى فنه - أقدر على الاستقراء والتتبع من غيره ، فهو لا يدع شاردة ولا واردة إلا أتى عليها. ومن هنا قيل:
دققوا كي لا يضيع دقيق العلم .
وإن أردت برهانا ودليلا بينا وواضحا لما نقول: فالواقع خير شاهد على ذلك!! هل ترى في دور الطباعة وتجد فيها، ما يغني وما يسمن من جوع؟!
إلا إذا كان من متخصص أتقن تخصصه، وسبر أغواره ، وأحاط بما دقّ فيه وجل.
ومع هذا الطغيان المعلوماتي، والتقنية المعاصرة ، التي يسّرت طرق البحث، كثر التصنيف، وقلّ التدقيق. فمسألة التخصص قضية لا محيص عنها، ولذلك قال أبو هلال العسكري: من أراد أن يعلم كل شيء فينبغي لأهله أن يداوه فإن ذلك إنما تصور له لشيء اعتراه.
وقال محمد بن يزيد: ينبغي لمن يحب العلم أن يَفتنَّ في كل ما يقدر عليه من العلوم إلا أنه يكون منفردًا غالبًا عليه منها علم يقصده ويبالغ فيه.
وقال الأصمعي: ما أعاني إلا المنفرد. يعني: المتخصص عند المناظرة.
فالساحة العلمية اليوم أحوج ما تكون إلى المتخصصين المدققين في جميع مجالاتها وفنونها ، خاصة فيما يحفظ لها خصوصيتها وما تنفرد به من بين ثقافات الأمم، ولا ريب أن علم أصول الفقه هو السد والحصن الحصين لكل من تسوِّل له نفسه الطعن في أصل من أصول التشريع الإسلامي ، إذ به تنضبط الأدلة وطرق الاستدلال بها ، فهو علم جم الفوائد ، مكانته تنبثق من أصول رسالتنا الخالدة ، المتمثلة في الكتاب والسنة ، وكل ما يتصل بهذين بسبب ونسب،
بحاجة إلى بذل الجهد وصرف الأوقات في خدمته. ولا سِيَّما إذا علم أن أصول الفقه غزير المادة ،كثير الشعب والمسالك، لهذا كثر فيه الخلط والغث ، وعزّ فيه التحقيق، مع كثرة التصنيف وادعاء التجديد.
فهو علم لا يمكن الإضافة فيه، وتقويم هذه الجهود المتكاثرة، وبناء منهج راسخ البنيان، قوي الاعتماد والصلة، بتراثنا الذي لا يتغير ولا يتبدّل، بفهم سلفنا الصالح أصحاب القرون المفضلة = إلا بالانقطاع له والتخصص فيه. وهذا من أكثر ما يحتاج له هذا العلم في هذه الأزمنة، وفي تقديري لا يمكن خدمته الخدمة التامة إلا بما ذكرت. والله أعلم .

ومن القضايا المهمة كذلك للمتخصصين في هذا العلم أمور منها:- الرجوع إلى العلوم الشرعية التي لها علاقة بالأصول. فإن على طالب علم الأصول أن يتنبه غاية التنبه إلى أن هذا الفن أثّر في بناء بعض قواعده جملة من العلوم الشرعية، كالمصطلح، والنحو، والبلاغة، واللغة وغيرها، فعلى الدارس للأصول أن لا يهمل تحقيقات وتقريرات المتخصصين في تلك العلوم، ولا سِيّما إذا كانت مخالفة لما هو مقرر عند الأصوليين.

- كذلك على المتخصص في هذا الفن أن يكون على وعيٍ وبصيرة بما دخل في هذا الفن وعلق به من أو ضار من جرّاء المتكلمين والمناطقة، فقد مزجوا قواعد هذا العلم بكثير من قواعدهم العقيمة، فدخلوا في أودية سحيقة، وطرق ملتوية من علم الكلام وعلم المنطق، لا تنـتج مع طول البحث والتنقيب علماً ولا معرفة. وعلى المتعلم أن يكثر من علامات الاستفهام ببعض المسائل في هذا العلم، من أبرزها: تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وتقسيم الأدلة إلى قطعية وظنية، دلالة العموم....الخ.

- كذلك على المتخصص الصبر والمواصلة في تحصيل هذا العلم، فإنه بطيء الثمرة، خاصة مع قلة التطبيق.(لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا)
وبعد: فهذه محاولة لوضع منهج للمتخصصين في هذا الفن.

أعرضه لك في نقاط منها:
- بعض العلماء يحبذ لو كان لدى طالب علم الأصول: تصور مجمل لمسائل الفقه، لو لم يكتفي في ذلك إلا بأقل مختصر في مذهبه، كمختصر القدوري للأحناف، ومختصر خليل للمالكية، ومتن أبي شجاع للشافعية، والعمدة للحنابلة.
قالوا: بأن ذلك يعين على معرفة تأصيل الأصول، واستفادة الفروع من الأصول، وهذا قد ينازع، كما قال بعضهم: للدور، (وهو توقف كل واحد من الشيئين على الآخر) والأمر في هذا سهل. (فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق)

- المرحلة الأولى: في هذه المرحلة يحتاج فيها الطالب إلى معرفة مجملة وتصور عام عن هذا الفن، وهذا يحصل بأقل متن فيه، فإذا كان الطالب في حدود المرحلة (الثانوية) فإنه قد يـُحفَّظ في هذا السن، متن مختصر في الأصول، أو على أقل تقدير يضبطه ضبطا جيدا، كمختصر المنار لا بن حبيب، أو الورقات، أو مختصر تنقيح الفصول للقرافي، أو الرسالة اللطيفة لابن سعدي، أو كتاب ابن عثيمين، ويحسن ذلك على يدي شيخ أو طالب علم. فإن هذا يعطيه على أقل تقدير الخطوط العريضة والأبواب الرئيسية لمباحث الفن. وأعتقد جازما أن كتاب "الواضح" للأشقر مفيد جدًا في هذه المرحلة.

(تمهيد في المنطق)
- قبل المرحلة الثانية، قد يحسن بطالب علم الأصول، معرفة المقدمات الأساسية في علم المنطق، وهذا في غاية الأهمية للمتخصص، ودعك من الذين يقللون من هذا الأمر لفرضيات ذهنية لا حقيقة لها في الخارج، فإن الواقع شيء، والمفترض شيء آخر. فمن نظر في علم الأصول أدرك أن العلاقة بينه وبين المنطق تتجاوز التأثير إلى الاندماج. فهما كما قال بعض العلماء: علاقة فرع بأصل. على ما قد يكون في هذه العبارة من مبالغة، إلا أنها تكشف عن بيان حال الكتب الأصولية، فمن أراد أن يخوض غمار هذا البحر المتلاطم – من كتب الأصول من لدن الجصاص والباقلاني إلى الشنقيطي – فعليه بالمنطق، حتى يدرك تمام الإدراك أسلوب المناطقة في الاستدلال، ويقارعهم الحجة بالحجة، ويتأهل للنقد والتنقيح. وكما قال الشوكاني: ليس المراد هنا إلا الاستعانة بمعرفة مباحث التصورات والتصديقات إجمالا لئلا يعثر على بحث ...... سلك فيه صاحب الكتاب مسلكا على النمط الذي سلكه أهل المنطق فلا يفهمه كما يقع كثيراً في الحدود والرسوم .... فإذا كان الطالب عاطلاً عن علم المنطق بالمرة لم يفهم تلك المباحث كما ينبغي. وقال أيضاً: فإن العلم بهذا الفن على الوجه الذي ينبغي يستفيد به الطالب مزيد إدراك، وكمال استعداد عند ورود الحجج العقلية عليه. وأقل الأحوال أن يكون على بصيرة عند وقوفه على المباحث التي يوردها المألفون في علوم الاجتهاد من المباحث المنطقية كما يفعله كثير من المؤلفين في الأصول والبيان والنحو.ا.هـ

ولا يفهم من كلامي هذا عدم توجيه النقد للأصوليين، في تأثرهم بالمنطق. فإن نقدهم ينبغي أن يتجاوز الخلط في النصوص والألفاظ إلى الخلط بين منهجين متباينين.
- وتحصيل هذه المقدمات يكفي فيه "السلم المنورق" مع أحد شروحه، أو كتاب الشنقيطي، ومن أراد التوسع فعليه "بمعيار العلم" للغزالي، وهذا حسبك به. أو كتاب المنطق للشيخ الفاضل/ الباحسين .

- المرحلة الثانية: هذه المرحلة تعتبر بداية البناء والتأسيس لفهم أصول الأقوال والاستدلال لها بالأدلة المعتبرة، لذا على طالب العلم الاهتمام بهذه المرحلة على أكمل وجه. وأعتقد أن كتاب "اللمع" للشيرازي يخدم هذه المرحلة تمام الخدمة.
ولو أن البعض يفضل في هذه المرحلة أن يهتم الطالب ببعض المتون الأصولية التي كان لها عند الأصوليين محل اهتمام ونظر، كالمنار للنسفي، ومختصر ابن الحاجب، والمنهاج، والبلبل، - والطالب الجامعي وغيره قد يكتفي بهذه المرحلة عن تلك، متى ما وفِّـق لشيخ يفتح له مغاليق هذه المتون مع الاستفادة بشروحها وكتب المعاصرين - .

وفائدة هذه المتون الكبرى:
- أنها مخدومة بعدة طرق، شروح متعددة لجهابذة من العلماء، وحواشي وتقريرات، ونقد واستدراكات، لمجموعة منهم كذلك. على ما في هذه الكتب أحيانا من الطول والصعوبة، إضافة إلى سؤ الطباعة في كثير من الأحيان، وعلى تشقيق الخلاف اللفظي في بعض الأحيان = لكن في النهاية قراءتها للمتخصص أمر لا خيار فيه، ولو مرورا على أقل تقدير، فإنها لا تخلوا من كنوز، (يغوص البحر من طلب اللآلي) (ودون الشهد إبر النحل).

- ومنها أيضاً: أنها تربي في الطالب ملكة أصولية، يستطيع بها الدخول إلى أمهات الفن، كالتقريب للباقلاني، والبرهان للجويني، وغيرهم من أعلام الأصول، وملاحظة هذا الأمر من الأهمية بمكان، لأن غالب كتب المعاصرين، لا تربي هذه الملكة، ولا تصلح أن تكون بوّابة للدخول إلى كتب المتقدمين، لتباين الأسلوب واللغة.

- وهنا مسألة للنقاش: هل للمذاهب الفقهية أثر في دراسة أصول الفقه؟
وهل التفريق بين طريقة الأحناف والمتكلمين كذلك أثر في دراسة الأصول؟

المتون المذهبية:
- ومتون أصول الفقه المذهبية كالتالي: - وأنا اخترت هذه الطريقة حتى يكون المقال أكثر فائدة، ويجد الكل بغيته -

- المذهب الحنفي: الأحناف لهم متن التنقيح لصدر الشريعة، أو التحرير لا بن الهمام، وكلاهما مخدوم، أو المنار للنسفي وهو أكثر عناية. لكن فائدة التحرير لا بن الهمام أنه جامع بين طريقتي الشافعية والأحناف. ولو أن عبارته مضغوطة وقوية جداً.

- المذهب المالكي: المالكية لهم مختصر ابن الحاجب، وهذا المختصر له شروح في غاية الكثرة لكن غالبها مخطوط أو مفقود. المهم في الأمر أن هذا المختصر صدر له من سنتين، شرح لعالم من علماء المالكية في غاية النفاسة والجودة، حرص فيه على تحرير مذهب الإمام مالك في الأصول وهو "تحفة المسؤول" لأبي زكريا يحيى الرهوني ت: 772هـ .
وبعض المنتحلين لمذهب الإمام مالك - رحمه الله - لهم عناية واهتمام، حفظا وتدريسا وشرحا، بمنظومة "مراقي السعود" خاصة في القطر الموريتاني، وهي من أجود المنظومات في الأصول، وعلاقة هذا النظم بجمع الجوامع ، كعلاقة روضة الناظر بالمستصفى للغزالي .
وصاحب النظم هو سيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، وقد شرح نظمه بكتاب سماه "نشر البنود" وهو شرح نفيس يعتمد عليه الشناقطة كثيراً جداً في الأصول، ويعتبر كتاب نثر الورود تلخيصاً له واستدراكا عليه في مواطن .

- المذهب الشافعي: الشافعية لهم في الأصول متنان بلغاء من الذيوع والشهرة، مالم يبلغه كتاب، وهما: منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي – رحمه الله - ت:685هـ ، وجمع الجوامع في أصول الفقه للقاضي تاج الدين عبد الوهاب السبكي – رحمه الله – ت:771هـ . وعلى كلا الكتابين شروح متعددة، تناهز الأربعين، ما بين شرح، وحاشية، وتقرير، وهي متفاوتة في النفاسة والجودة، والطول والعرض.
ولطالب علم الأصول الخيار في تحديد المتن "المنهاج" أو "الجمع" ولأجل حكم صائب، واختيار موفق، مبني على تصور، دونك بعض ما قيل في المتنين:

المنهاج:
قيل أنه: "بلغ الحد في الاختصار حتى كاد الكلام يكون ألغازاً.." وهذا لا يخلوا من مبالغة، أو ردة فعل من كلام الإسنوي الذي يقول عن المنهاج: كثير العلم، مستعذب اللفظ..!!
وكلام البدخشي الذي يقول فيه: ففي كل لفظ منه روض من المنى، وفي كل سطر منه عقد من الدرر، فلولا تقوى الله لنظم في سلك المعجزات، ولقيل منه آيات محكمات وأخر متشابهات.!!؟
واختلاف الحكمين يشهد باختلاف الرجلين، وتباين العصرين، فالإسنوي أصوليٌّ فحل، قد يستعذب ما هو أشد إغلاقا من المنهاج، وذاك حكم بما شاهد ورأى، فمثله يقال فيه ما قال بعض العلماء:
ما ضر شمس الضحى في الأفق طالعة *** أن لا يرى نورها من ليس ذا بصر
فمسألة الإدراك لأي متن ما مستعذب أم مستغلق لدرجة الإلغاز = نسبية.
ولو وجد حد متفق عليه لكان وسطا بين الحكمين السابقين. كما قال السبكي الأب: وقد أكثر الناس من التصنيف فيه(أي الأصول) فكم من تصنيف فيه مبسوط ومختصر، وناقص وزائد. ومن أحسن مختصراته كتاب "المنهاج" الذي صنفه القاضي البيضاوي - رحمه الله – فلقد أحسن فيه المعاقد.
وعلى كلٍ فمن اعتاص عليه متن ما فليفزع إلى أرباب التخصص، فإن لم يجد، فعليه بالشروح والحواشي، وهي متوافرة.
وأجود الشروح على المنهاج شرح الإسنوي، "نهاية السول"، وهو مرصّع بحاشية نفيسة لعلاّمة مصر ومفتيها محمد بخيت المطيعي الحنفي. مع الاستعانة بشرح السبكي، ومحمد بن الحسن البدخشي الحنفي.

مقدمة مؤلف المنهاج:
وبعد: فإنّ أولى ما تهتم به الهمم العوالي ، وتصرف فيه الأيام والليالي ، تعلم المعالم الدينية والكشف عن حقائق الملة الحنيفية ، والخوض في تيار بحار مشكلاته ، والفحص عن أستار أسرار معضلاته ، وإن كتابنا هذا ((منهاج الوصول إلى علم الأصول)) الجامع بين المعقول والمشروع والمتوسط بين الأصول والفروع ، وهو وإن صغر حجمه كبر علمه ، وكثرت فوائده ، وجلت عوائده ، جمعته رجاء أن يكون سبباً لرشاد المستفيدين ، ونجاتي يوم الدين ، والله تعالى حقيق بتحقيق رجاء الراجين .

جمع الجوامع:
أفضل ما يعطينا تصور عن الكتاب، هو صاحب الكتاب نفسه، لذلك ثَـمّتَ هنا بعض النقول المجملة، من المؤلف في هذا المجال.
قال - رحمه الله – (ولو أن الفطن تأمل صنيعي في هذا المجموع الصغير، الذي سميته "جمع الجوامع" وجعلت اسمه عنوانا على معناه ... واطلع على مغزاي في ذلك، لقضى العجب العجاب، وعلم كيف أمطنا القشر عن اللباب).
وقال أيضًا في الطبقات: (وكتابنا "جمع الجوامع" مختصر جمعناه في الأصلين، جمع فأوعى، نفع الله به. وغالب ظننا أن في كل مسألة فيه زيادات، لا توجد مجموعة في غيره، مع البلاغة في الاختصار).
وقال: (وأيْـمُ الله لقد استوعب مني كثيرًا من أوقات الفراغ، وأخذ من أقلامي وأفكاري ما كاد يستفرغ مدد المداد والدماغ ... فلو كان ذا لسان، لادّعى أنه نفيس عمري، ونخبة فكري، والذي شمرت فيه عن ساق الجد، وقد عدمت في الديجور أعوانا على سهري..)
وهذا الجهد الدائب هو الذي جعله يقول: ( في كل ذرة منه درة) وجعل العلماء كذلك يقبلون عليه إقبالاً منقطع النظير، بالشرح والنظم والنقد إلى غير ذلك.
فمن أجود شروحه وأوسعها علماً وتحقيقا هو المسمى بـ"الآيات البينات" للعبادي - رحمه الله – وهو عبارة عن حاشية وتعليق موسع على شرح المحلي "لجمع الجوامع" ودفع الاعتراضات الواردة عليهما.
ومن الشروح الموسعة كذلك شرح الزركشي "تشنيف المسامع" ولا تنسى أثناء درسك كتابا في غاية الأهمية، العلاقة بينه وبين "جمع الجوامع" علاقة الروح بالجسد، هو كتاب"منع الموانع عن جمع الجوامع" للمؤلف نفسه.
وهناك مجموعة من الشروح والحواشي والتقريرات يستحسن ألا تهمل بالمرة.

مقدمة مؤلف جمع الجوامع:
نحمدك اللهم على نعم يؤذن الحمد بازديادها ، ونصلى على نبيك (محمد) هادي الأمة لرشادها ، وعلى آله وصحبه ما قامت الطروس والسطور ، لعيون الألفاظ، مقام بياضها وسوادها ، ونضرع إليك في منع الموانع ، عن إكمال جمع الجوامع الآتي من فنَّي الأصول بالقواعد القواطع ، البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير، الوارد من زهاء مائة مصنفٍ يروي ويمير ، المحيط بزبدة ما في شرحيَّ ، على المختصر والمنهاج ، مع مزيد كثير ، وينحصر في مقدمات وسبعة كتب...الخ.

- المذهب الحنبلي : الحنابلة لهم عدة متون في الأصول منها: تحرير المنقول للمرداوي، ومختصر التحرير للفتوحي، وروضة الناظر للمقدسي، والبلبل للطوفي. وهذه المتون الأربعة متداخلة، فالمرداوي أخذ عنه الفتوحي، والطوفي أخذ من ابن قدامة. وكل هذه المتون مشروحة.
وأول متن للحنابلة ظهر في الأصول هو "رسالة في أصول الفقه" للعلامة العكبري الحنبلي ت: 428هـ وهو سهل العبارة يصلح للمرحلة الأولى جدًا لأنه قليل المسائل. والله تعالى أعلم وأحكم

هذه بعض الأفكار التي علقت في ذهني وخاطري، وبعضها قد يكون دعوى تحتاج إلى دليل، لكني أضعها بين أحبابي من طلبة العلم لتقويمها وتصحيحها، وأنا أقصد بها دعوى إلى النقاش الهادف، والنقد البناء .... "رحم الله من أهدى إلي عيوبي"

أخوكم / أبو حاتم محمد بن حسين الأنصاري .
مكة المكرمة

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة