اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/mktarat/egazh/34.htm?print_it=1

السفر آداب وأحكام

د.ناصر بن يحيى الحنيني

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أيها المسلمون :بعد فصل دراسي مليء بالأعمال والواجبات ، تحتاج النفس إلى شيء من الراحة والاستجمام ، لتعود بعدها لمواصلة العمل والجد والمثابرة بهمة عالية ، ونفس مقبلة، وقد راعى ديننا الحنيف هذه الفطرة ، فأباح للإنسان أن يعمل المباح ليرفه عن نفسه ويُذهب عنها الملل والسآمة ، وقد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم  هذا الجانب حتى في مواعظه وخطبه فكان يتجنب أن يصيبهم بالسآمة والملل فقد قال أصحابه عنه صلى الله عليه وسلم  أنه كان يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم ، وغالب الناس يتخذون وسيلة -مباحة في أصلها- ليرفهوا عن أنفسهم، ونحن بحاجة لمعرفة آدابها وأحكامها ، وهذه الوسيلة هي السفر والتنقل بين المدن والبلدان طلباً للراحة والنزهة وزيارة الأقارب ونحو ذلك من الأغراض.

أيها المسلمون : إن مما يكمِّل فرحة المسلم ، ويكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة أن يحرص على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم  في سفره ومعرفة ما يحل ومايحرم ، ومعرفة الآداب والأحكام التي تقربه من ربه الرحيم العلام ، ونوجز هذه الآداب والأحكام بما يلي :
أولاً : الحرص على صلاح النية وأن ينوي بسفره القُرَب والطاعات ، وإن مما يؤجر عليه المسلم النية الصالحة في بعض أسفاره كأن يشد الرحل إلى المساجد الثلاثة طلباً للأجر في الصلاة فيها وهي المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، والمسجد الأقصى بالقدس -فك الله أسره وحرره من براثن يهود ورزقنا فيه صلاةً قبل الممات -، وكذلك أن ينوي بهذا السفر أن ينشط نفسه ويبعد عنها الملل حتى تعود للعمل الصالح والعلم والدعوة بهمة عالية فإن المباحات إذا نوي بها التَّقوِّي على العبادات انقلبت هذه المباحات والعادات إلى عبادات يؤجر عليها المسلم .
وإن من الأمور التي ينبغي مراعاتها :الحذر من النية السيئة كالنية لفعل المعصية أو مقارفة المنكر ، فالله أعلم بما توسوس به النفوس ويعلم خائنة الأعين وما تخفيه الصدور.

ثانيا : الحرص على اتباع السنة في السفر ومعرفة هديه صلى الله عليه وسلم  في السفر والاقتداء به ومن ذلك:
- أنه صلى الله عليه وسلم  كان يخرج أول النهار إذا أراد أن يسافر ، وكان يستحب الخروج يوم الخميس ، ودعا الله تبارك وتعالى ، أن يبارك لأمته في بكورها.
- وأمر أصحابه إذا كانوا ثلاثة فأكثر أن يؤمروا عليهم أحدهم ، ونهى أن يسافر الإنسان وحده ، وأخبر أن الراكب الواحد شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب .
- وكان إذا هم بالسفر ووضع قدمه على الراحلة قال بسم الله ثم يقول الدعاء المأثور كماجاء في صحيح مسلم أَنَّ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ قال: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ).، وجاء في رواية أخرى عند مسلم أيضاً : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوْ السَّرَايَا أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إِذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) أ.هـ ، وكان إذا على الثنايا والأماكن المرتفعة كبر وكبر معه أصحابه صلى الله عليه وسلم  ، وإذا هبطوا الأودية سبحوا .
- وكان إذا أشرف على قرية أو مدينة يريد دخولها قال :(اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ،ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها ).
- وكان يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين ، ويجمع بين الصلاتين : المغرب والعشاء ، والظهر والعصر ، وهما من الرخص التي أنعم الله بها على هذه الأمة في حال سفرها ، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم  أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أي قبل الزوال وقبل دخول وقت الظهر أخر الظهر وجد بالسير وجمعها مع العصر جمع تأخير ، وإذا زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب وسافر ، وكان إذا أعجله السير أخر المغرب إلى وقت العشاء وجمع بينهما جمع تأخير .
- ومن هدية صلى الله عليه وسلم  أنه يقتصر على الصلاة المفروضة وركعتي الفجر والوتر ، أما السنن الرواتب القبلية والبعدية فإنه كان يتركها في حال سفره حتى يرجع إلى المدينة ، ويجوز للمسافر التطوع المطلق و وصلاة ذوات الأسباب كصلاة الاستخارة وسنة الوضوء وغيرها.
- ومن هديه أنه إذا أراد التطوع وهو مسافر على الراحلة صلى وهو على راحلته وعند الركوع والسجود يومئ إيماءً ، وهذا الحكم يقاس على من كان راكباً بجوار السائق في السفر من زوجة أو صديق أو أب أو ابن ونحوهم وينبغي تعليمُ الاهل والأبناء هذه السنن وإحياؤُها أثناء أسفارنا ، ويجتهد في القبلة عند تكبيرة الإحرام ثم لا يضره لو تغير الاتجاه لأنه صلى الله عليه وسلم  كان يصلى على الراحلة حيث توجهت به راحلته .
- والمسافر حال سفره وجد السير به لا تجب عليه صلاة الجماعة ولا حضور المساجد ، ولكن ان استقر في بلد ويسمع الآذان وهو بجوار المسجد فالأفضل والأولى أن يصلي معهم جماعة وإن جمع مع أهله وذويه فلا حرج عليه لكنه ترك الأولى ، وذلك لحاجة المسافر في جمع متاعه وترتيب أموره وانشغاله وهذا من رحمة الله به ومراعاة حاله بخلاف المقيم الذي لا عذر له .

ثالثاً: الحرص على السفر إلى بلد الله الحرام وأداء العمرة فقد ثبت في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ، فهي من أفضل المواطن التي تنفق فيها الأوقات ، وذكر أهل العلم أن من أفضل القربات حين الذهاب إلى بلد الله الحرام الإكثار من الطواف بالبيت فهي فرصة لاتتكرر للزائر طول العام تقبل الله منا ومنكم سائر العمل.

رابعاً : مما جاء النهي عنه السفر إلى بلاد الكفار فقد جاء في الحديث قَالَ صلى الله عليه وسلم  : (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ قَالَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ).
وهنا أقف معك أخي المسلم يامن تعظم أمر ربك ومولاك ، إني أظن بك خيراً وأعلم أنك لا تقصد الفساد والإفساد ، ولكن محبة النزهة والترويح عن النفس دافعك ولا أدل على ذلك محافظتك على الصلوات التي افترضها الله عليك ، واجتنابك الموبقات ، ولكن تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم  : (لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من وولده ووالده والناس أجمعين) إن حقيقة الإيمان أن تسلم أمرك لله ولا تتعرض لمعصيته وتقدم محبته وأمره على كل محبوب وكل آمر، كما نعت الله المؤمنين بقوله –وأنت إنشاء الله منهم – قال سبحانه : (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ).
أخي يامن تسافر إلى بلاد الكفار إن الله لم يحرم علينا أمراً إلا والسعادة والخير في اجتنابه والضرر والوبال في اقترافه ، أسألك بالذي خلقك فسواك فعدلك ، ألم يتأثر قلبك وإيمانك ، ألم يدخل قلبك الإعجاب بهم والاغترار بحياتهم ، ومن يأمن على نفسه الفتنة ثبتنا الهل وإياك على الحق والدين حتى نلقاه.

أيها المسلمون: إن تلكم المجتمعات مجتمعات تقوم على الإباحية ونشر الفاحشة في الطرقات والأسواق والحدائق حتى في أماكن العمل فكيف تبرر لنفسك الذهاب إلى تلك الأماكن ، وتعظم المصيبة حينما يذهب العاقل من المسلمين ومعه زوجه وأبناؤه وبناته من غير حاجة فيعرضهم للفتنة في دينهم وهو مأمور بالمحافظة عليهم وتربيتهم وتحصينهم من كل سوء (ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) .
وإن مما يقاس على السفر إلى بلاد الكفار كل سفر يتعرض فيه الإنسان ومن معه من زوجة وولد للفتن حتى ولو كان السفر إلى بلاد المسلمين وفي بعض بلدان المسلمين من المنكرات ماهو مقارب أو مماثل لما في بلاد الكفار من وجود المراقص والملاهي المحرمة وأماكن بيع الخمور ونحوها ،بل وفي بعض الأماكن في بلادنا أماكن فيها المنكرات والاختلاط وسماع الموسيقى ونحو ذلك فينبغي ترك هذه الأماكن والحرص على عدم التعرض لسخط الله نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخاتمة الحسنة وأن يجنبنا وإياكم الزلل واتباع الهوى والشهوات إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 

استغلال الإجازة
  • الأنشطة الصيفية
  • مشـروعات للإجازة
  • رسائل
  • الأسرة والإجازة
  • الفتاة والإجازة
  • السفر وآدابه
  • منوعات
  • أحكام العمرة
  • الصفحة الرئيسية