صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المتمالئون على غزة

زياد آل سليمان


حجاج غزة كغيرهم من المسلمين ممن يحلم بأداء فريضة الحج، تلك الفريضة التي فرضها رب العالمين، لم تفرضها عليهم حكومة مقالة أو مؤقتة، وقفت الحكومة المصرية موقفاً مشرفاً فأخرجتهم من المعبر بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية بغزة، ولم تطلب حينها وجود مراقبين أوروبيين، سرعان ما طاشت عقول اليهود لتطيش معهم عقول ممثلهم بالمنطقة الخضراء – عفوا بالمقاطعة، لأن تلك الخطوة تمثل انفراجاً للحصار المفروض على قطاع غزة ولو جزئياً.
ولفرض المزيد من الضغوط على غزة وتعزيز الحصار قامت وزيرة الخارجية الصهيونية بإرسال فيلم مفبرك إلى الولايات المتحدة الأمريكية يظهر تسهيل تهريب السلاح – كما زعموا – إلى غزة، واستطاعت أن تمارس الابتزاز السياسي على مصر الكنانة، وكأنه كان ينبغي على الحجاج أن يعجلوا بالعودة إلى ديارهم قبل أن يزور باراك وزير الدفاع الصهيوني مصر وقبل أن تبعث ليفني الشريط، إلا أن تلك الزيارة توافقت مع موسم الحج وأيامه الفاضلة فبينما كان الحجاج على صعيد عرفات يسكبون الدمعات ويرفعون الأكف إلى رب العالمين بأن يغفر زلاتهم ويفرج عنهم وعن ذويهم بغزة، كانت المؤامرة تحاك ضد غزة.
ها هم يعودون إلى وطنهم وقبل الصعود إلى العبارة يُطلب منهم أن يوقعوا على ورقة تسليم أنفسهم إلى الصهاينة، أيطلب من هؤلاء الحجاج الذين خرجوا من غزة غزة الصمود ..غزة الكرامة .. غزة التحدي ..غزة التضحيات .. غزة الخنساوات .. غزة المجد .. غزة العزة .. أيطلب ممن وقف في وجه الحصار وضحى وبذل ما بذل من أجل مبادئه ومطالبه العادلة ومنها الإفراج عن الأسرى، أيطلب منه اليوم أن يمضي على تعهد يترتب عليه زيادة أعداد الأسرى لدى اليهود؟! ..وسؤال أشد مرارة: ممن يكون هذا الطلب؟!
وبعد صمود وثبات عجيب يسمح لنصفهم بالنزول إلى ميناء نويبع، أكثر من 2200 حاج، 60% منهم من النساء، وأما البقية فهم من كبار السن وغيرهم ، لا تسأل عن دوار البحر، ولا عن نفاد الدواء والطعام، ولا عن الأمراض الجلدية، ولا الإنفلونزا الحادة بسبب البرد القارس، ولا عمن مات من بينهم.
بعد ذلك يتم نقل جزء منهم إلى الاستاد الرياضي بالعريش فيرفض من استطاع منهم النزول من الحافلات، وتحجز العبارة الثانية، ويسقط ضحايا من بينهم، وتتفاقم حالات المرضى وتزداد سوءًا ويستمر الصمود ورفض التسليم، ومطلبهم الوحيد الدخول من معبر رفح المصري الفلسطيني، وهم حقيقة بطلبهم هذا إنما سيعيدون لمصر السيادة والكرامة على جزء من أراضيها وإن كان معبراً.
أيقال عن توسلات الحجاج (جعجعة)؟! .. ألم تكن تصريحات وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي (جعجعة)؟!
أيقال عن الحجاج أنهم يحملون ممنوعات؟! .. أهم قدموا من (تورا بورا) أم (وزيرستان) أم (الفلوجة)؟!
لقد قدموا من بيت الله الحرام ولقد قال ربنا عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال القرطبي رحمه الله : "الْمُرَاد مَنْ مَنَعَ مِنْ كُلّ مَسْجِد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة, وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْجَمْع , فَتَخْصِيصهَا بِبَعْضِ الْمَسَاجِد وَبَعْض الْأَشْخَاص ضَعِيف, وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم "، فإن كان هذا الوصف لمن يصد عن المساجد، فكيف حال من يصد عن البيت الحرام والمسجد الأقصى؟!
لقد استطاع الصهاينة أن ينقلوا ولو شيئاً من تبعات الحصار على غيرهم بإثارة أزمة الحجاج، وتظهر الصورة أن هذا فعل بعضكم ببعض فكيف تريدون الرحمة من أعدائكم؟!

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد

وما حصل من إطلاق قوات الاحتلال النار على الحجاج القادمين من معبر إيرز - بعد التنسيق مع حكومة رام الله - ليسقط منهم شهداء ويجرح البعض، ما هو إلا مؤشر على ما يريد اليهود فعله بالحجاج – لا قدر الله - في حال دخولهم من جهته.
ماذا لو رأى عمر رضي الله عنه من يتمالأ على قطاع غزة اليوم، وهو الذي " قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ" وَقَالَ عُمَرُ: " لَوْ تَمَالَأَ – أي: توافق - عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا" أخرجه الإمام مالك في الموطأ.
بل ماذا لو رأى صلاح الدين من سار على خطى أرناط صاحب قلعة الكرك الذي كان يقطع قوافل الحجاج فأقسم أن يقتله بيده وبر بقسمه يوم فتح بيت المقدس.
فإلى أولئك المتمالئين على الحجاج، إن أرواح من سقط منهم في أعناقكم، وما تقومون به إنما هو صد عن بيت الله الحرام، وعن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا أحد يدري ما نهاية مأساة الحجاج، وما نهاية مأساة حصار قطاع غزة، ولكن ما جرى كفيل بأن يهز مشاعر الملايين من المسلمين في كل مكان.
أما الحجاج فلا نخشى عليهم.. وقد عادوا من أقدس البقاع، وكانوا من قبل ذلك في أرض الرباط.. وإنما الخشية كل الخشية على المتمالئين وإن (جعجعوا) فإن الله العليم القدير قد علم من الذي تمالأ على حجاج بيته، ومن الذي تمالأ على عباده المستضعفين في غزة.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل