صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كلما ازددتم جوراً ازددنا عدلاً
3/1/1430 هـ

د. عبد العزيز بن عبد الله الأحمد


خير ما يبدأ به المقال، قول الكبير المتعال: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا" 82-المائدة..وإلا..ما الإجابات المنطقية الآدمية لحصار أكثر من مليون ونصف من البشر لمدة ثلاث سنوات في جميع الشئون: غذاء وطباً وطاقة؟ وما الإجابات العقلية لإغلاق القطاع تماماً فوق الحصار القاسي؟!
إنها إبادة شعب كامل أطفالاً ونساءً ورجالاً، يقود ذلك الشرمذة اليهودية بعمليات تخويفية فوبية، محروسة بالعالم الغربي الذي سمعناه ليلة حصد القطاع يدين صواريخ القسام "البسيطة" بدلاً من إدانة طائرات الأباتشي إف 16 وغيرها من قنابل إجرامية تقطع الآدميين كفتات الخبز!
ولا عجب! فجراح الرافدين لا زالت نازفة بشكل كاشف لكل تلك المسرحيات التي يفبركها ساسة الأمم المتحدة لقتل إرادة الشعوب الإسلامية والعربية، وإلا لماذا تُسقط دولة العراق وجميع مؤسساتها وتهاجم وهي بلد مستقل، مشنوقة بين عدوان غربي وتخاذل إسلامي، فهل ذلك تم وفق العقل والمنطق والقانون؟

وما سبب مصادرة إرادة الشعب الفلسطيني حينما اختار توجهاً معيناً وبنسبة تتجاوز 80 % ؟ ثم محاولة سرقة هذا الاختيار بتأليب اتجاه أمني تجسسي (انقلابي)؟ ومع ذلك.. فقد حطمته الإرادة الشرعية التي اختارها الشعب بضربة خاطفة!!
ثم أخيراً بدأ الحصار من الجميع بلا استثناء، وإغلقت المعابر لثلاث سنوات لإزهاق القطاع رويداً رويداً وليحصل الموت البطيء على مرأى من العالم وبصره، وهذا ما يريده اليهود وأحلافهم!

وهنا أقف وقفات مهمة في مرحلة الاهتزاز العالمي القيمي والاقتصادي والاجتماعي:

- أولاً، إن ما فعله أعداء المسلمين في بلدان المسلمين من تدمير أفغانستان، العراق، الصومال، الجزائر، فلسطين، طاجيكستان، الشيشان..الخ ليس غريباً، فهذا مصداق ما ذكره العليم الخبير عن طبيعة اليهود والصليبيين في المعاداة الدائمة، من عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر..

- ثانياً، أن موازين البشر زائفة ظالمة تدور حول الهوى والمصلحة الفردية الأنانية، وإلا ما الفرق بين قتل المدنيين في غزة فلسطين وبومباي الهند؟ لماذا هب العالم من مقعده وكاد يفقد صوابه حين أحداث بومباي بينما هو الآن يدين الضحية ويحيي القاتل؟! وما الفرق بين آدمية قتلى نيويورك وآدمية قتلى الفلوجة والعامرية والرمادي؟ من يحدد معايير الخطأ والصواب والظلم والعدل؟ إنه القوي المستبد الظالم الذي يظن أنه بأفعاله هذه يقود العالم بينما هو يطأهم تحت قدمه! وفعلاً كما قال أحدهم: "ما أحوج العالم لشريعة عادلة مقدسة لا تتأثر بهوى أو مصلحة آثمة!".

- ثالثا:
إن ما يحصل لأمة المسلمين من شرقها إلى غربها داخل تحت مفهوم الابتلاء والتمحيص والذي ينصع الطيب وينفي الخبث، ويظهر الزيف ويبين المنافقين ويُسقِط المنهزمين، وتقوم حجة الله على الحكام والشعوب، وهذه الحجة الدنيوية القائمة اليوم ستفتح لهم يوم التناد والتخاصم ولا ينفع حينئذ إلا الصدق، والإيمان، وعبودية الله تعالى لا عبودية الجاه أو الشهوات أو الذوات، قال تعالى: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" 140-141-142 آل عمران.

- رابعاً،
إن أحوج ما نكون إليه الآن بعد تجديد ولائنا مع الله وتصحيح المسار الحق هو اجتماع كلمة المسلمين علماء وسادة وقادة وشعوباً، والبعد عن الفوقية في التعامل والتخاذل في النصرة حال الاستنصار، فالنصرة للمسلمين بعضهم لبعض من صميم العقيدة، ومن لوازم الولاء فيما بينهم، وقد قال سبحانه: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر"72 - الأنفال. أما إن خذل بعضنا بعضاً من عرب ومسلمين، فإن الحبل على الجرار، ولسنا أشد بأساً من أهل الرافدين، ولا أقوى شكيمة من أهل أرض الإسراء والمعراج، وتلك الدول هم صمامات الأمان لبلاد المسلمين والعرب وبيضتهم..!

- خامساً،
الصبر الصبر على الامتحان، وعدم التنازل أو التخاذل أو اليأس، ولنتق الله في الأمر كله، فهذا مراد الله منا حينما يقع علينا أذى أعدائنا، لا سيما في حال ضعفنا، وقد قال رب العزة: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً"120-آل عمران، وقال سبحانه في تضاعيف قصة يوسف: "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين"90-يوسف، والخير والنصر قادم بإذن الله تعالى، فلنملأ قلوبنا تفاؤلاً وثقة بالله، ولنراجع أنفسنا وعلاقتنا بالله وبخلقه، ولنكن مع الله دائماً فإن الله مع (المحسنين) و(المتقين) و(الصادقين)، ولن يخلف الله وعده لعباده المستضعفين الصادقين الصابرين، فهذه هي العدة الحقيقية: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً"..الآية 55- النور. وقوله: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض".. الآية 5 -القصص.

- سادساً،
الجولة الكبرى مع اليهود التي نبأنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" رواه الشيخان، فهذه الجولة العظيمة والتي ينتصر فيها المسلمون انتصاراً شاملاً سيسبقها صولات وجولات، وهو ما نراه الآن من مرحلة الاستضعاف، وفي سنة الله الاجتماعية أن العز يسبقه بذل، والنصر يتقدمه تضحيات، والتمكينَ يعقب تمحيصاً وابتلاءات! ولستُ أخال الجولة الكبرى قريبة، لكن حدوثها سيتهيأ ببذر من الآن، وسبب بُعد هذه الجولة عنّا هو لحال شعوبنا الإسلامية من ظهور الشركيات وفشو الربا والزنا، وتحكيم القوانين الوضعية بدلاً من الشرعية، وفتنة الناس بالدنيا وزخرفها، وهذه الأوضاع لا تمكن أهلها من التسيّد الآن لأنهم ليسوا أهلاً، حتى تظهر على حياتهم مقومات السيادة، من الإيمان والجد والصدق والجهاد والإحسان والعبودية الحقة.

- سابعاً، أن هذه الحرب قد تكون ناجحة بمقاييس بشرية، لكنه بمقاييس غيبية تتجه نحو الفشل الذريع، إذ تحشد من حول أهل غزة تأييداً عالمياً، وتوجهاً لمساندة المسلمين، وتطلعاً للتعرف على دينهم العظيم، وهذا ما نراه حاصلاً في مختلف دول العالم من مظاهرات وتنديدات وكتابات لعقلائهم، تنادي بوقف دعم أمريكا لإسرائيل، وإعطاء الفلسطينيين حقهم في السيادة، مما يخلق توجهاً عالمياً لمعاداة اليهود الظالمين، وكرههم ونبذهم أينما حلوا، فسبحان علام الغيوب!

- ثامناً،
كم يجدر بنا في ظل هذه الظروف العصيبة أن نفتح مصحفنا ونرتل آيات آل عمران وسورة الأنفال، ففيهما من الحديث عن المنافقين واليهود والنصر والخذلان ما يشابه إلى حد كبير ما يعيشه المسلمون الآن، وإن مثل هذه الآيات لتهبط برداً وسلاماً مذكرة بالنصر المبين الذي ختمت به السورتان بشرط الأخذ بمبدأ عظيم والتزام قوي: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.."الآية-آل عمران

- تاسعاً، أنه كلما طغى العدو وبغى، كلما دق مسماراً كبيراً في نعش زواله، وقرب دماره، لأن الدنيا -بل الكون- لا يقومان إلا بالعدل والقسط وأي أمة مهما قامت على الظلم والجور سيسقطها الله تعالى، حتى لو كانت دولة تدعي الإسلام وتحكم ببعضه، وأي أمة تنهج العدل والقسط سيمدها الله بأسباب البقاء ما بقي فيها ذلك حتى لو كانت كافرة، وما حصل ويحصل بين الدول القريبة و اليهود من الظلم والجور والقتل وسرقة ثروات الشعوب لهو إيذان بالزوال حسب عمر الأمم، وما الاهتزازات الأمنية والاقتصادية إلا إرهاصات لذاك، ولنا في سقوط الاشتراكية خير عبرة، ولنؤمن أنه مهما ظلمنا العدو وجار ودمر، فإننا نعلو بالحق ونسود بالعدل، ونأتمر بأمر ربنا بالصبر والتقوى في حال الضعف، وبالعدل والإحسان حال الأمن والقوة، وكلاهما سر تميز الأمة الإسلامية ومرتكز عزها وبقائها منذ 1430 سنة رغم تتابع الفريات وتوالي الإحن والحروب..فنقول لكل عدو متربص قريب أو بعيد، مهام زدتم إذلالاً وظلماً، سنزيد عزاً وعدلاً والله المستعان على ما تصفون، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


د. عبد العزيز بن عبد الله الأحمد
غرة محرم 1430 هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل