صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كسر الحصار قاب قوسين أو أدنى

مجدي داود


بسم الله الرحمن الرحيم

ليس يخفى على أحد أن الحصار الصهيوني والأمريكي والعربي لقطاع غزة، قد اكتمل أربعة أعوام في نهاية يناير 2010، هذا الحصار الذي فُرض عقب فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخاباتٍ تصدعتْ رؤوسُنا من كلام القوم عن أهميتها وتداعياتها المهمة على القضية الفلسطينية، هذه الانتخابات التي أُريدَ من وراء دخول حركة المقاومة الإسلامية حماس فيها إحكامُ فخ على الحركة؛ كي تطلِّق المقاومة طلاقًا بائنًا، وكي تتخلى نهائيًّا عن شعبها، وأن تلقي السلاح، وأن تبدأ كحركة فتح في عملية تفاوضية طويلة الأمد، تستغرق بضع عقود من الزمن، ثم في النهاية لا يستفاد منها شيء.

أربعة أعوام مرَّتْ من الحصار الغاشم على قطاع غزة، في محاولة بائسة لتركيع الشعب الفلسطيني وحركاته المجاهدة، التي رفضتْ أن تكون ذيلاً من ذيول الكيان الصهيوني، أربعة أعوام مرت عاشها الشعب الفلسطيني وما رأيناه يركع ويقول لبني صهيون ومساعديهم: "لبيَّكم لبيكم، أجبنا مطالبكم"، أربعة أعوام من نقص الطعام والدواء، وتلوث الماء، واختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، أربعة أعوام والحرب مستمرة، حتى وصل الأمر إلى منع الحجاج في العام 1429هـ من أداء فريضة الحج، وهو أمر لم يحدث قط، حتى حينما احتل الصليبيون القدس الشريف وكثيرًا من مدن بلاد الشام.

أربعة أعوام مرَّتْ مارس فيها العدوُّ كافة أشكال الحصار، السياسي والعسكري، والمالي والغذائي، كلُّ هذا والحرب قائمة، وكانت آخر موجات الحرب العسكرية تلك الحربَ الغاشمة، والعدوان القذر على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، وفي ذات الوقت يقوم وكلاء المحتل بواجبهم في الحصار على قطاع غزة، من خلال الهجوم على حركات المقاومة، واستعداء كافة الأطراف ضدها، ومحاولة نزع الشرعية عنها.

هذا كله، بالإضافة إلى محاولة إضفاء الشرعية الدينية لهذا الحصار الغاشم، من خلال ما يقوله بعض علماء السلطان، الذين يتَّهمون قوى المقاومة الفلسطينية بأنها السبب في الحصار؛ لأنها تقف ضد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، أو لأنها خرجتْ على ولي الأمر.

بعد كل هذا، أدرك هؤلاء الذين يحاصرون غزة أن الحصار لم يُجدِ في تركيع الشعب الفلسطيني، وأنه ما زال متماسكًا، مقاومًا، رافضًا الذلَّ والاستسلام؛ لكنهم لم ييْئَسوا، وقرَّروا الشروع في تنفيذ المرحلة الأخيرة في عملية الحصار، فرموا بآخر سهم في جعبتهم، وآخر ما يمكن لهم فعلُه، ألا وهو بناء الجدار الفولاذي الفاصل بين قطاع غزة ومصر، والذي سيكون ارتفاعه ما بين 18 إلى 30 مترًا، بحجة حماية الأمن القومي المصري، هذا الجدار الذي أَعلن عنه هو الكيانُ الصهيوني عبر صحيفة هآريتس الصهيونية، ويشرف على بناء هذا الجدارِ الولاياتُ المتحدة وفرنسا.

جدار عازل أم فكرة شيطانية؟! جدار عازل أم جدار خانق؟! كل هذا لا يهم، لكن ما يهمنا هو التأكيد على أن هذا آخر ما يمكن لهؤلاء القوم القيام به، ليس هناك بعد هذا الجدارِ سبيلٌ لحصار غزة، هذا الجدار هو آخر ما توصلتْ إليه عقولهم المخرّبة، فماذا بقي في جعبتهم بعد الحرب الشعواء التي استمرتْ اثنين وعشرين يومًا؟! وماذا بقي في جعبتهم بعد هذه الحالة المزرية التي وصل إليها الشعبُ الفلسطيني، والتي تقول عنها مؤسسات حقوق الإنسان الغربية: إنها حالة كارثية؟!

قال الشاعر:

إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى البُؤْسِ القُلُوبُ --- وَضَاقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وَأَوْطَنَتِ المَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ --- وَأَرْسَتْ فِي مَكَامِنِهَا الخُطُوبُ
وَلَمْ نَرَ لاِنْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا --- وَلاَ أَغْنَى بِحِيلَتِهِ الأَرِيبُ
أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ --- يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ المُسْتَجِيبُ

هذه آخر حلقات الحصار، فهناك أمران لا ثالث لهما، فإما أن ينجح العدو في إذلال الشعب الفلسطيني ويحصل منه على ما يريد من تنازلات، أو أن يصمد الشعب الفلسطيني ويكون كما عهدناه صاحبَ نَفَسٍ طويل، وهذا هو الأمر الأكيد، وبالتالي فإن كسر الحصار بات قريبًا، ليس هذا كلامًا لا دليل عليه، ولا أمنيات لا سبيل إلى تحقيقها؛ بل نأخذ من كتاب ربنا - عز وجل - ومن كتب السيرة والتاريخ الدروسَ والعِبر، ونستفيد بها في واقعنا وحالنا.
فلما نزل قول الله - تعالى - في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أبْشِرُوا؛ أتاكُمُ اليُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ))، وما الحصار الذي يعانيه أهل غزة اليومَ إلا عسرٌ، فلا بد أن يكون بعد هذا العسرِ يسر.

قال الشاعر:

عَسَى الهَمُّ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ --- يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
فَيَأْمَنَ خَائِفٌ وَيُغَاثَ عَانٍ --- وَيَأْتِيَ أَهْلَهُ النَّائِي الغَرِيبُ

ومن السيرة نجد أن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - عاش في مكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، كان يدافع عنه عمُّه أبو طالب ومعه جميع بني هاشم إلا أبا لهب، وكان الأذى يزداد يومًا بعد يوم مع إسلام فردٍ جديد من قريش، وحاولتْ قريش إثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرق شتى، فلم تنجح، ولما فشِلتْ قررتْ محاصرة الرسول الكريم في شِعب أبي طالب، ودخل معه في الحصار بنو هاشم جميعًا مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب، وبقي بنو هاشم جميعًا والمسلمون من قريش محاصرين في شعب أبي طالب، حتى أكلوا ورق الشجر، ثم لما ضاقتْ واستحكمت حلقات الحصار، أذن اللهُ بكسره.

قال الشاعر:

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الفَتَى --- ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا المَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلقَاتُهَا --- فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لاَ تُفْرَجُ

كُسر الحصار، ومات أبو طالب، ثم ماتت السيدة خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - واشتدَّ الأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب إلى الطائف، فطردوه وصدُّوه وأدمَوْا قدمه، ولكن من بين هذه الصعاب والشدائد إذا بفتيةٍ من يثرب يؤمنون بالله ورسوله، وفي العام الذي يليه تكون بيعةُ العقبة الأولى ثم الثانية، ويحاول المشركون قتْل النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولكن نجَّاه الله منهم، وهاجر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ومن المدينة خرجتْ دولةُ الإسلام إلى النور.

قال الشاعر:

الأَمْنُ وَالخَوْفُ أَيَّامٌ مُدَاوَلَةٌ --- بَيْنَ الأَنَامِ وَبَعْدَ الضِّيقِ تَتَّسِعُ

إنَّ كسر الحصار بات اليوم قاب قوسين أو أدنى، ونحن الآن في مرحلة عضِّ الأصابع بين الأبطال في فلسطين، وهؤلاء الأشرار دعاة المدنية والديمقراطية المزيفة، وحقوق الإنسان الكاذبة، والتاريخ والواقع يشهدان أن الفلسطينيين قادرون على الصمود، فالذين تحمَّلوا الحصار أربعة أعوام قادرون على تحمُّله بعض الوقت أيضًا، وسيفرج الله كربهم ويذلُّ عدوَّهم وينصرهم.

قال الشاعر:

وَكُلُّ حُرٍّ وَإِنْ طَالَتْ بَلِيَّتُهُ --- يَوْمًا تُفَرَّجُ غُمَّاهُ وَتَنْكَشِفُ

وفي النهاية رسالة إلى كل من يشارك في حصار غزة من العلماء الذين يُفتُون بما يريده منهم حكَّامهم، فأقول لهم: "رحم الله الشيخ العز بن عبدالسلام حينما صعد على منبر الجامع الكبير بدمشق؛ ليحث الناس على قتال الفرنجة، وعصيان الصالح إسماعيل حاكم دمشق؛ لأنه اتَّفق مع الفرنجة على غزو مصر، فبقيتْ سيرتُه بيننا نذكرها وندعو له، وهناك غيره الآلاف يُذكَرون أمامنا فندعو عليهم أو نلعنهم، فاختاروا لأنفسكم قبل أن لا تختاروا".
 

نشر في موقع الألوكه
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل