بسم الله الرحمن الرحيم

تحية للشعب المقاوم
سلمان بن فهد العودة


لا يضيف جديداً أن يحضر نائب الرئيس الأمريكي الاجتماع الأمني المغلق، والذي هو حلقة ضيقة من الوزراء المختصين ... فالتحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل ليس دعوى يبحث الناس لها عن دليل، بل حقيقة قائمة لا يرقى إليها الشك .
وليس مهماً أيهما في قبضة الآخر، وأيهما ذيل الكلب أو رأسه .
المهم، كيف يتعامل العرب والمسلمون مع هذا الواقع؟
إن أمريكا ملتـزمة بأمن إسرائيل وتفوقها الاستراتيجي على حساب الجانب العربي والإسلامي، بينما مصالح أمريكا الاقتصادية كلها في الوطن الإسلامي، وإسرائيل عبء على الاقتصاد الأمريكي.
وإبّان ضرب أفغانستان، بدت أمريكا وكأنها تعدّل من لهجتها، وتتحدث عن دولة فلسطينية، وكأن الهدف منع الصراع العربي الإسرائيلي من أن يؤثر سلباً في مجرى الحرب على الإرهاب كما تسميها!
وعلى ذلك مارست الحكومة الإسرائيلية تصعيداً خطيراً، واغتيالات بالجملة، ومزيداً من الاحتلال، وضغطاً حتى على المؤسسات الرسمية للسلطة، ولم تحرك مشاهد القتل والدمار، ولا دموع الثكالى، ولا جثث الصغار أي ساكن في نفسية رجال الإدارة الأمريكية.
فالطرف الفلسطيني هو الظالم الذي يطلب إليه ضبط النفس، والتوقف عن ممارسة العنف والإرهاب .
وحتى بعض المثقفين من أمثال ( هنتينجتون ) يعدّون ما يجري حرباً يشنها المسلمون ضد اليهود، كما في مقاله( عصر حروب المسلمين ) المنشور في نيوزويك، في عددها السنوي الخاص.
ويبدو أن ضربة محتملة على العراق تحمل أمريكا على تهدئة مؤقتة للقضية على غرار ما جرى في الحرب على أفغانستان، وإسرائيل تعي أهمية هذه التهدئة من أجل القضاء على قوة عربية مجاورة، وإحداث المزيد من التفكك والانهيار في الأمة المسلمة، وتعريضها لخطر التمزق والحروب الداخلية.
إن إسرائيل والغرب يتعاملون مع العرب والمسلمين تعاملا ًيقوم على الازدراء والتحقير، وهم يعتقدون أن ما يقوله المسلمون -قادة وشعوباً- لا يمكن أن يؤخذ مأخذ الجد، وأنه لا شيء يقنع العرب والمسلمين مثلما يقنعهم استخدام القوة والحسم .
وقد يكون من الاستثناءات القليلة التي حققت نجاحاً مبهجاً في واقعنا الأليم: الانتفاضة الفلسطينية المباركة، التي جعلت الآلة الإسرائيلية المتفوقة تترنح أمام مطارق الأبطال الذين باعوها رخيصة في سبيل الله، ولذلك ظلت الانتفاضة رقماً عصياً على العدو، وورقة رابحة في أيدي المخلصين وجرب اليهود سياسة لـيِّ الذراع والإمعان في العسف، فما أنجحوا ولا أفلحوا .
ومن حق الأمة -والشعب الفلسطيني خاصة- علينا جميعاً أن نشيد بهذه الانتفاضة ونقف وراءها جميعاً صفاً واحداً، ويداً واحدة، وأن نعدّها دليلاً على أن هذا الشعب أمين على أرضه، وجدير بها.
ومن أبرز معالم النجاح الفلسطيني في إدارة المعركة على أرض الإسراء والمعراج ما يلي:
لقد نجح الفلسطينيون في تحديد ميدان المعركة، وهو الأرض المحتلة، فصراعهم هو مع من سلبوا أرضهم، وهدموا منازلهم، وقتلوا أطفالهم، وشرّدوا رجالهم، وبهذا حفظوا قوتهم من التشتت والتفتت، ولم ينقلوا المعركة جديـّاً إلى ميادين أخرى.
ونجحوا في إدارة المعركة وتوليها بأنفسهم، فالشعب الفلسطيني وحده يقاتل في أرضه، والشعوب المسلمة من ورائه بالدعم والمساندة والتأييد، وهذا أحفظ للقضية، وأبعد عن اختلاف الرؤية من دخول عناصر من شعوب أخرى للحرب والمواجهة العسكرية المباشرة مع العدو المحتل.
ونجحوا في حفظ وحدتهم وضبط اختلافاتهم، التي هي جزء من المشهد الإسلامي في كل مكان، لكن الإخوة في فلسطين نجحوا في تحجيمها والتعامل معها، بحيث لا تفضي إلى صدامات تستنـزف طاقاتهم وتريح عدوهم .
ولا يشك من عرف اليهود وحيلهم وألاعيبهم أنهم بذلوا ما يشبه المستحيل في دقِّ إسفين الخلاف بين الفصائل الفلسطينية، ولكنهم فشلوا لحد الآن، وهذا -في تقديري- ربما كان من أهم أسباب النجاح.
وربما كان هذا ما يفسر الضغط الهائل الذي تمارسه إسرائيل على السلطة الفلسطينية؛ إذ قد يعتقدون أن هذا الضغط يفضي إلى انشطار في الصف الفلسطيني يجعل سهامهم موجهة إلى نحورهم.
ونجاح آخر لا يقل أهميةً عما سبق، هو شمولية العمل الفلسطيني وعدم انحصاره في العمل العسكري، فالشعب يحتاج إلى الإغاثة، وإلى التعليم، وإلى العمل، وإلى التربية، وهذه الشمولية ضرورية لنبقى قريبين من نبض هذا الشعب، متحسسين لآلامه، مشاركين في معاناته .
وثـَمَّ نجاح خامس، وهو القدرة على المواءمة بين السياسي والعسكري، فهما مترابطان لا ينفكان، والعملية العسكرية لكي تكون مثمرة تحتاج إلى قراءة صحيحة للأجواء المحيطة، والتخيير بينها وبين العملية السياسية يحتاج إلى ذكاء ووعي.
لقد أحسن الفلسطينيون التوقيت، وأثبتوا -في هذا الظرف العصيب من تاريخ الأمة- أنهم أمناء على القضية، وأنهم أحقُّ بها وأهلها.
وإن من الصبر معهم أن تظل شعوب المسلمين عصية على التطبيع مع العدو الغاصب وفيّةً لشهداء فلسطين ومجاهديها رجالاً ونساء ، وسيكون لنا مع موضوع التطبيع حديث خاص.
إن عاماً واحداً يكلف العدو أكثر من ملياري دولار، أي: ما يعادل 2.5% من الناتج القومي.
وحسب تقرير (البنك المركزي الصهيوني) فإن المعدل الإنتاجي العام انـخفض بنسبة 6% منذ بداية الانتفاضة، في حين أن المعدل نفسه كان قد ارتفع بنسبة 5.5% خلال الفترة نفسها من العام السابق.
وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 11% وتأثرت بشكل جاد المصانع وأدوات النقل وأجهزة الاتصال، وكثير من مبيعات السلع، والمواد الإعلانية، وقطاع السياحة، والتجارة، والزراعة وغيرها.
وهناك خسائر الأرواح التي تقدر بالمئات، فضلاً عما تحدثه الانتفاضة من آثار نفسية سيئة تحمل الكثير من اليهود على الهجرة المعاكسة .
فدعونا -في زمن التشرذم والانشقاقية- نوجِّه تحية صادقة لهذا الاصطفاف الموحَّد في مواجهة الطغيان اليهودي والطغيان الأمريكي، ولهذا النجاح الإسلامي الذي جاء في وقت تعاظمت فيه الإخفاقات، وتفاقم اليأس، وعزَّ النصير.
إلى المدى أنت أهْدى *** وبالســــراديب أعْرَفْ
وبالخــــــيَارات أدْرى *** وللــــــغرابات أكشفْ
وبالمـــهـــمَّات أمضى *** وللِـــــملمَّـات أحصَفْ
فلا وراءك ملْـــــــهى  *** ولا أمــــامك مصرفْ
ولا مــــن البعد تأسَى *** ولا على القرب تأسَفْ
لأن هـــــــــمَّك أعلى *** لأن قــــــصدَك أشرفْ
لأن صـــــــدرك أمْلى *** لأن جــــــــيبَك أنظَفْ
قد يكـــــــسِرُونك لكن  *** تقومُ أقــوى وأرهــفْ!
قد يقتلـــــــــونك تأتي *** من آخر القتل أعصَفْ
لأن جـــــــــذْرك أنْما *** لأن مجـــــراك أرْيَفْ
لأن مــــــــــوتك أحْيا *** من عُمْر مليون مُتْرفْ
فليقذفوك جـمـــــــــيعاً *** فأنــــــت وحَدك أقذفْ
فيـــــــــتلفون ويزكو  *** فيــك الذي ليس يتلفْ
لأنك الـــــــــكلُّ فرداً *** كيــــــــــفية لا تكيَّفْ

شكراً لك أيها الشعب الجدير، وإذا لم تقف معك شعوب الإسلام في كل مكان فلا خير في العيش إذاً ... والسلام .