بسم الله الرحمن الرحيم

((( ... خطر داهم يحدق بالمسجد الأقصى المبارك ... )))
بقلم الشيخ تيسير رجب التميمي
قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي


تعتبر مدينة القدس المباركة جزءاً من عقيدة المسلمين ، فمسجدها الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج ؛ إليه انتهى الإسراء ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا ؛ وفيه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً . قال تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الإسراء1 فتحها الفاروق عمر دون أن تراق فيها قطرة دم ، ووقَّع مع بطريرقها صفرونيوس وثيقة الأمن والسلام " العهدة العمرية " التي نسير على هداها حتى الآن . وروى الصحابة والتابعون والمجاهدون الأخيار ثراها بدمائهم الزكية ، وحررها الناصر صلاح الدين من الصليبيين . إن قدسية هذه المدينة ومكانة المسجد الأقصى المبارك العقائدية لدى المسلمين جميعاً جعلتها مطمعاً للغزاة ، لكن الاحتلال الإسرائيلي لها ولأرض فلسطين كان أبشع صور غزوها على مر التاريخ ، فقد دنس المقدسات وانتهك الحرمات وحاك ضدها مؤامرات لا تخفى على أحد .

فقد أعلنت الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة مؤخراً أنها تنوي اقتحام المسجد الأقصى المبارك في العاشر من الشهر الحالي ، وسبق أن كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي النقاب عن تخطيط هذه الجماعات لقصف المسجد الأقصى المبارك بطائرة محملة بالمتفجرات ؛ أو لارتكاب مجزرة جديدة ضد المصلين فيه ، كما سبق أن كشف الشاباك والشين بيت جهاز الأمن العام الإسرائيلي قبل فترة أن تلك المخططات جدّيّة بنسبة 70%.

إن هذه المخططات لم تكن الأولى ضد المسجد الأقصى ولن تكون الأخيرة ، فمنذ زمن بعيد بيّت اليهود النوايا للنيل من القدس ومقدساتها وبالأخص المسجد الأقصى المبارك ، وتعددت محاولاتهم في ذلك وتواصلت ، فقد أصدرت سلطات الاحتلال القوانين والأنظمة لضمها إلى الكيان الصهيوني رغم أنها مدينة محتلة لا يجوز ضمها ؛ مخالفة بذلك القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة . واتخذت الإجراءات لطمس معالمها الحضارية العربية والإسلامية بهدم بيوتها ومصادرة أراضيها ، ففي 11/6/67 هدمت حارة المغاربة بكل مبانيها ومساجدها الأثرية لتوسيع ساحة البراق التي يصلون فيها ، وهدمت أيضاً حارة الشرف بكاملها في 18/4/68 والمكونة من 1034 منزلاً و425 متجراً و6 مساجد وعدد من المدارس ، وأقامت مكانها حياً لليهود . وواصلت محاولاتها لإحداث خلل ديمغرافي فيها لصالح اليهود ؛ وأخيراً ببناء جدار الفصل العنصري لعزلها عن المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية ومنع المصلين من الوصول إلى مسجدها .

ومع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به حكومة إسرائيل ؛ إلا أنها ماضية في تهويد المدينة المقدسة ومواصلة الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى بهدف تعريضه للانهيار تلقائياً ؛ رغم أن علماء الآثار اليهود قد اعترفوا بعدم العثور على أي أثر لهيكلهم المزعوم ؛ إلا أنهم أكدوا أن استمرار الحفريات يستهدف بنيان المسجد الأقصى المبارك وهدمه لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه .

وأذكر بعض اعتداءات الجماعات الدينية المتطرفة وبدعم من سلطات الاحتلال على سبيل المثال لا الحصر ؛ لكشف ما يدبرون ضد المسجد الأقصى لعله يستبين لكل صاحب ضمير حي أن المسجد الأقصى في خطر ؛ مما يوجب على الأمة بكاملها القيام بمسؤولياتها في الدفاع عنه .
ففي 16/7/48 قصفت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى وساحاته بخمس وخمسين قنبلة ، وفي 6/6/67 قصفته بمدافع الهاون . أما الجريمة الكبرى فكانت في21/8/1969 حيث أقدم السائح اليهودي المجرم مايكل دينيس على إحراق منبر صلاح الدين وجزء كبير من المسجد الأقصى ، بسبب إعاقة سلطات الاحتلال لعمليات الإطفاء والتباطؤ في تقديم أية تسهيلات لإخمادها .
أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي كثيرة أعيد التذكير ببعضها ؛ ففي 21/5/1980 ألقي القبض على مجموعة كانت تنوي نسف المسجد الأقصى واكتشف بحوزتها كميات كبيرة من المتفجرات لتنفيذ الجريمة . وفي 8/4/1982 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على متفجرات موقوتة . وفي يوم الجمعة 2/3/1983 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على 3 كيلوغرام من المتفجرات . وفي 25/7/1982 خطط أحد قادة حركة كاخ لنسف المسجد الأقصى . وحاولت مجموعة من اليهود في 26/1/1984 الدخول إلى المسجد الأقصى حاملين 3 قنابل يدوية و6 حقائب من المتفجرات في محاولة لنسف المسجد ، وعثر في 27/1/1984 على 18 قنبلة يدوية و 10 كيلوغرام من المتفجرات قرب السور الشرقي للمسجد ، وعلى 3 قنابل مخبأة في قطعة قماش عند باب الأسباط في30/1/1984 . ومن المحاولات المسلحة لاقتحام المسجد الأقصى محاولة مجموعة مسلحة اقتحام المسجد الأقصى في 2/3/1982 ، وفي 17/10/ 1986 أقلع طيار من سلاح الجو الإسرائيلي بطائرته المزودة بالصواريخ مستهدفاً المسجد الأقصى ، لكن أوقفته طائرات من سلاح الجو .
وارتكبت فيه كثير من المجازر ؛ ففي 11/4/1982 اقتحم الجندي الإسرائيلي من أصل أمريكي هاري جولدمان مسجد قبة الصخرة وأطلق النار بشكل عشوائي فاستشهد اثنان من المواطنين وجرح ستون ، وبعد اعتقال لفترة قصيرة أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية ، وفي 8/10/1990 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فظيعة في المسجد الأقصى حيث استشهد فيها 23 وجرح 85 أثناء تصديهم لمحاولة وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم . وفي 24/9/1996 أمر رئيس حكومة إسرائيل آنذاك بنيامين نتانياهو بحفر نفق تحت المسجد الأقصى ؛ فهب أهل فلسطين في انتفاضة استشهد فيها العشرات منهم وجرح المئات ، فاضطره ذلك إلى إغلاق النفق المذكور . وفي تحد لمشاعر المسلمين قام المجرم شارون بتدنيس المسجد الأقصى في 28/9/2000 ؛ فثار أهل فلسطين في انتفاضة شاملة ما زالت مشتعلة حتى اليوم سقط فيها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى الذين نذروا أرواحهم دفاعاً عن المسجد الأقصى .
ولا تزال الاعتداءات متواصلة ففي 15/2/2004 انهار الطريق التاريخي المؤدي إلى باب المغاربة بسبب الحفريات الإسرائيلية تحت هذا الطريق ، وفي27/2/2004 اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مما أدى إلى إصابة 65 من المصلين بجراح . وفي 4/7/2004 انبعث من مسجد البراق دخان في ساحات المسجد الأقصى المبارك ناتج عن حريق متعمد في الأنفاق التي تم حفرها تحته ، وهذا مؤشر خطير على إمكانية استغلال الأنفاق لإدخال المتفجرات بهدف نسف المسجد الأقصى أو ارتكاب أي مذبحة أخرى ضد المصلين فيه .

إننا نحمّل حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي مساس بالمسجد الأقصى المبارك ، فهي تعرف هذه الجماعات وأعضاءها وتستطيع اعتقالهم ومنعهم من القيام بجريمتهم التي إذا ما وقعت فستضع المنطقة بأسرها على فوهة بركان ، لأن المسلمين لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أصاب مسجدهم الأقصى المبارك أي مكروه . ونناشد المجتمع الدولي ومنظماته العالمية والإقليمية منع كارثة قد تحل بالمنطقة ، أسوة بالقضايا الأخرى التي تسترعي اهتمامها وتصدر فيها قرارات ملزمة . ونوجه نداء إلى القيادات والحكومات والشعوب العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس بالتحرك على وجه السرعة لحماية المسجد الأقصى المبارك ، رمز عقيدتهم وعزتهم وكرامتهم من الأخطار التي تداهمه قبل فوات الأوان قال تعالى " وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ " الأنفال 72 . أما أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس وفي كافة المواقع فندعوهم أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ، ولإفشال كل المخططات الصهيونية المتربصة به وللدفاع عنه وافتدائه بالمهج والأرواح ، قال تعالى " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " يوسف 21.
 

الصفحة الرئيسية      |      فلسطين والحل الإسلامي