صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سنة الله في استبدال أهل الصلاح بمتخذي الكافرين أولياء من دون المؤمنين

د محمد الدسوقى بن على


يكفي- كي نقف على فظاعة ما ارتكبته قوات الاحتلال والمارينز في حق مسلمي العراق ولا زالت، وكي نتعرف على مدى الحقد والرغبة في الانتقام والتشفي لدى هذه القوات- لأن نشير إلى ما ذكره الكولونيل (مايكل شوب) في 14/ 11/2004 أثناء اجتياح الفلوجة في قوله: "لن ندع حجراً واحداً في المدينة دون أن نقلبه" .. وإلى ما قيل حينها عن قتل آلاف الضحايا من النساء والأطفال والعجزة، وعن تدمير 33 مسجدًا كانت خالية من أية أسلحة ولم تستخدم إلا للصلاة ولمعالجة المصابين تم تسويتها بالأرض.. وإلى ما جاء على لسان مصدر عسكري أوربي عن قيام فريق سري من الأطباء الأمريكيين الذين يرافقون قوات الاحتلال في العراق بنزع وتقطيع الأعضاء البشرية للقتلى وبعض الجرحى قبل القضاء عليهم نهائياً وبيع هذه الأعضاء إلى المراكز الطبية والمرضى في أمريكا والمتاجرة فيها .. وإلى ما ذكره مراسل وكالة (أسوشيتدبرس) الأمريكية (بلال حسين) في تقريره الذي أعرب فيه عن أسفه من فتح النار على المنازل ومقتل من فيها بطريقة عشوائية، وما ذكره الكولونيل (ليوناردو)- الذي كان قائداً للفرق المدنية التابعة للكتيبة القتالية ومكلفاً بمهمة طمس معالم جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات المارينز في حي الجولان ومواراة القتلى التراب في مقابر جماعية قبل السماح لوكالات الأنباء بتصويرهم- في تصريحاته لوكالة الأنباء الفرنسية في 17/ 11/ 2004 من أنه يتوقع "أن يبلغ عدد الجثث في حي الجولان وحده حوالي 600 جثة".. وكذا ما ذكره مراسل وكالة الأنباء الفرنسية (فارس الديلمي) في (يوميات صحفي تحت النار في الفلوجة) من رائحة الموت التي كان يشمها في كل مكان، ومن أشلاء الأبرياء المتناثرة في الشوارع والبيوت التي تهدمت على أصحابها، ومن استهداف مراكز العلاج وتعمدهم ترك الجرحى من النساء والعجائز والأطفال ينزفون حتى الموت، ومن أنه سمع امرأة تبكي على مقتل طفلة وطفل لها في الثانية عشرة والعاشرة على يد قوات المارينز، إلى غير ذلك مما تشيب من هوله الولدان.
ولأن يقع ذلك من أعداء الإسلام وممن أخبرنا القرآن عنهم بقوله: (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة)، هذا أمر نصدقه، لكن أن يقع بإيعاز وبسبب منافقين عرب وبتحريض منهم- على ما سنذكر- فهذا ما لا يمكن تصوره، سيما وقد أفصحت الآيات الكريمات وأوضحت أن أكبر وأعظم وأشد ما يميز المنافقين أصحاب القلوب المريضة ويبرزهم ويكشف عن وجههم القبيح من الوجهة الشرعية، هو اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وحسبنا من ذلك قول المولى سبحانه: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً.. النساء/ 138، 139)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين . فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة .. المائدة/ 50، 51).
لقد أكدت جميع وسائل الإعلام ووكالات الأنباء وتقارير مفتشي الأسلحة النووية الدوليين أن المبررات التي استندت إليها قوى الشر وفئة التحالف الضالة ومن والاهم من أهل النفاق لشن هذه الحرب الظالمة، لا تعدو أن تكون- ومنذ البداية- سيلاً من الافتراءات والأضاليل، ولعل هذا هو ما حدا بمستشار الأمن القومي الأسبق (زيجينو بريجنسكي) أثناء مشاركته في برنامج (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية ووفق ما جاء في أهرام 28/ 12/2004 لأن ينتقد الرئيس الأمريكي الأسبق في غزوه العراق، في إشارة منه إلى أن واشنطن لم تكن في حاجة للإطاحة بالرئيس العراقي لأنها نجحت في احتوائه، مؤكداً على ضرورة أن تخفض الإدارة الحالية من سقف طموحاتها في العراق .. كما حدا بالإدارة ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مؤخراً وتحديداً في 12/ 1 / 2005 لأن تعلن وقف عمليات البحث عن أسلحة دمار شامل في العراق بناء على ما أوضحه المتحدث باسم البيت الأبيض (سكوت ماكليلان) من تأكيد رئيس فريق المفتشين الأمريكي في العراق (تشارلز دولفر) على عدم العثور على أسلحة الدمار العراقية التي كانت ذريعة لشن الحرب ضد العراق، وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي ) حسب ما جاء في أهرام 13/ 1/ 2005 أن (دولفر) لا يعتزم العودة إلى بغداد مجدداً، وكانت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية قد كشفت النقاب عن أن تقريراً قدمه (دولفر) للكونجرس في سبتمبر الماضي سيكون بمثابة النتيجة النهائية لعملية التفتيش عن أسلحة العراق المزعومة، وخلص تقرير (دولفر) إلى أن العراق لم يكن لديه مخزونات من الأسلحة الكيميائية والبيلوجية وأن برنامجه النووي كان قد انتهى قبل الغزو الأمريكي البريطاني.
الأمر الذي يجسد قصة الصراع في عصرنا الحاضر بين الصليبية والإسلام، وإن شئت فقل بين الكفر والإيمان، وقد تمثلت فصولها في جرائم حرب ترتكب في حق مسلمين بلا مبرر.. كما تمثلت في مبررات صيغت بإحكام بغرض النيل من الإسلام وأهله، ومسوغات ترمي إلى تحقيق أهداف تصب في خدمة أعداء الإنسانية شاء الله لها أن ينكشف أمرها، وفي أعمال فاضحة يقوم بها حانقين على الإسلام وتصرفات همجية وضعت البشرية كلها والعالم أجمع في مختبر صعب وأظهرته بجميع طوائفه على حقيقته، ليتمايز الناس وليشهدوا على أنفسهم شهادة يحاسبون بموجبها أمام صاحب القُوى والقُدر يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويسجلها التاريخ وملائكة الرحمن لهم أو عليهم ويتحدد من خلالها ما إذا كانوا مع قوى الشر والبغي والعدوان، أم عليهم في معسكر الإيمان ضدهم وضد أعمالهم البربرية، أم أن الأمر عندهم يستوي.
لقد توالت الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية تعلن في أنحاء العالم منذ بداية هذه الحرب القذرة استياءها لما ترتكبه أمريكا وتحالفها البغيض من تدمير وإبادة جماعية وجرائم حرب في حق مدنيين، كان آخرها وربما لا تكون الأخيرة ما جرى في 12/ 2004 من مظاهرات حاشدة في كندا بلغ مجموع المشاركين فيها 13 ألفاً كلهم ينددون بزيارة الرئيس الأمريكي لبلادهم ويصفونه بالجهل وبأنه مجرم حرب، فما بال المنافقين العرب يواصلون سعيهم ويصرون- على الرغم من هذه الحقائق- على القتال في سبيل الطاغوت ويكرسون بشتى الطرق والوسائل وبزعم مكافحة الإرهاب احتلاله.. وعلى نحو ما توالت الاحتجاجات، توالت كذلك الاعترافات التي كان آخرها اعتراف (تشارلز دولفر) رئيس فريق المفتشين الأمريكي الذي قررت الإدارة الأمريكية و(البنتاجون) على إثره وقف عمليات البحث عن أسلحة دمار في العراق، واعتراف السيناتور (جون كيري) المرشح السابق للإدارة الأمريكية الذي أعرب لشيخ الأزهر في 12/ 1/ 2005 عن أسفه للوضع الصعب للعراقيين وأقر بارتكاب الأمريكيين أخطاء فظيعة في العراق.
كما توالت الإدانات من جميع المؤسسات والهيئات والمنظمات الراعية لحقوق الإنسان ومن ذلك ما أكدته منظمة العفو الدولية في غير ما مرة من أن تصرفات قوات الاحتلال الأمريكية في العراق ضد المعتقلين العراقيين تُعَد "انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية"، مشيرة إلى أن الأمريكيين يعاملون المعتقلين العراقيين بطرق "قاسية وغير إنسانية ومهينة"، وما أوضحته في تقريرها الصادر في 30/ 6/ 2003 ونقلت صحيفة (الجارديان) البريطانية فقرات منه من أن "القوات الأمريكية تحتجز مئات العراقيين في مخيم أعدته في بغداد، وتحرمهم من رؤية عائلاتهم أو محامين أو حتى المثول لمحاكمة"، ولم تعطِ المنظمة في تقريرها أرقاماً محددة لإجمالي عدد المعتقلين العراقيين على يد الاحتلال الأمريكي، واكتفت بالإشارة إلى أن المحتجزين "لا يسمح لهم باستخدام المياه أو حتى الدخول إلى دورات المياه في أول أيام اعتقالهم"، وأن "القيود البلاستيكية التي تستخدمها القوات الأمريكية في تقييد المعتقلين تظل مؤثرة على أيديهم لمدة كبيرة تزيد عن شهر"، وطالبت المنظمة الدولية الولايات المتحدة والحاكم الأمريكي في العراق (بول بريمر) بمعاملة المعتقلين العراقيين بطريقة إنسانية، وبالتحقيق فيما يتردد حول استخدام القوات الأمريكية (القوة المفرطة) ضد العراقيين، بينما رفض متحدث عسكري أمريكي في العراق التعليق على التقرير، مشيراً إلى أنه لم يحصل على نسخة منه.
وعلى صعيد الأوساط الدينية، تابع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ذاتها بقلق بالغ ما يتعرض له شعب العراق المسلم من عدوان غاشم يشيع في ربوعه الخراب والدمار، وما يستهدفه هذا العدوان من انتهاب مقدرات الأمة وتفتيت دولها وطمس هويتها بدءاً من العراق، ومروراً ببقية ديار الإسلام، لحساب الغطرسة الأمريكية وتحقيق أوهام التوسع الصهيونية ..

 
وأوضح أن أمانة المجمع انطلاقا من ثوابت الشريعة وأصولها القطعية، ووفاء بالميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم وحملة الشريعة بالبلاغ والنصيحة، تعلن على الأمة الإسلامية قاطبة وعلى كل محبي الحق والعدل من البشرية كافة ما يلي:
أولا: أن ما يقوده التحالف الأمريكي البريطاني على أرض العراق من حرب ظالمة يعد جريمة منكرة وعدواناً صارخاً تدينه الأرض والسماء بل سطو مسلح وصيال على الأنفس والأموال والأعراض لا تحله شريعة ولا قانون.
ثانيا: أن جهاد الدفع متعين على جميع العراقيين، لا إذن فيه لأحد ولا يُستثنى منه أحد، لقوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله إن كنتم تعلمون .. التوبة/ 41) ولإجماع أهل العلم قاطبة على ذلك [فما بال هؤلاء المنافقين لا يكادون يفقهون حديثاً؟]..
ثالثا:
أن الجهاد ماض مع كل بر وفاجر إلى يوم القيامة ما قوتل الكفار وكان لهم شوكة، فلا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.
رابعا: أن على بقية الأمة شعوباً وحكومات إقدار أهل العراق على دفع هذا العدوان، وإمدادهم بكل ما يحتاجون إليه من أنواع الدعم الأدبي والمادي إلى أن ينقشع هذا العدوان وتنكسر شوكته..
خامسا:
أن كل تأييد على هذا العدوان بقول أو عمل جريمة منكرة وإثم عظيم، وأن الإكراه لا يصلح عذراً في هذا المقام إذ ليس لأحد أن يفتدي نفسه بدماء الآخرين، فليس دم المقتول بأرخص من دم القاتل، ولا دم القاتل بأغلى من دم المقتول.
سادسا: أن من أُحصر دون الجهاد بالنفس فهو معذور إذا نصح لله ورسوله، وبذل المقدور من أنواع الجهاد الأخرى، وذلك بالصدع بإدانة هذا العدوان، وإدانة من يظاهرون عليه، وعدم مشايعتهم على باطلهم بقول أو عمل، وبذل الميسور من ماله وصدق الله في تضرعه وابتهاله.
سابعا: أن ما وقع من كثير من الدول المحيطة بالعراق من تقديم تيسيرات عسكرية وغير عسكرية أعمال محرمة تُسخط الله ورسوله، وأن على أهل العلم في هذه الأقطار بذل النصيحة الواجبة، وبيان خطورة هذا المسلك على أصل الدين ومساسه بثوابت الملة.
ثامنا: أن على المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب التواصي بالصبر، وممارسة حقوقهم في التعبير عن إدانة هذا العدوان، والتنادي لإيقافه، وإغاثة المنكوبين بأقصى ما يستطيعون، وذلك من خلال الطرق والوسائل السلمية المشروعة في هذه المجتمعات، ونوصيهم بالتحلي بضبط النفس وعدم الانسياق وراء الأعمال التخريبية التي تُعطي مبرراً للمزيد من التنكيل بالمسلمين وإثارة مشاعر الغضب و الكراهية ضدهم.
تاسعا: أن على أهل العلم وحملة الشريعة في مختلف المناطق القيام بما أنيط بهم من أمانة البلاغ، والصدع بالحق، وتجديد الثقة بوعد الله عز وجل والرد على شبهات المثبطين والمرجفين..
عاشرا:
على المسلمين كافة التوبة إلى الله عز وجل، وصدق اللجأ إليه فإنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يُكشف إلا بتوبة، وإن ذنوب الأمة أخوف عليها من عدوها، كما يجب عليهم السعي الحثيث إلى التراص ووحدة الكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف، فإن هذا أرجى لنصر الله عز وجل، وأقوى لهم في مواجهة عدوهم.. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

كما أشارت وكالات أنباء عديدة ومختلفة إلى ما جاء في بيان علماء السعودية الذي وقع عليه 29 عالماً من علماء الأمة المخلصين ووافقهم عليه فيما بعد قرابة هذا العدد من علماء اليمن، وكذا ما جاء في بيان مجمع البحوث الإسلامية وهي في مجموعها لا تخرج عما جاء في البيان سالف الذكر من وجوب جهاد المحتلين على أي حال لأنهم من المعتدين المحاربين الذين اتفقت الشرائع والقوانين البشرية والأعراف الدولية على قتالهم ومقاومتهم، ولكون جهادهم من قبيل جهاد الدفع الذي لا يشترط له وجود قيادة علنية، ومن أنه لا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة أو يدل عليه بل يجب نصرته وحمايتهم، كما أنه يحرم على كل مسلم أن يقدّم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية التي يقوم بها جنود الاحتلال لأنهم يستهدفون عقيدتنا ومقدساتنا وأمتنا وسائر بلاد المسلمين وإلا عُدّ ذلك خيانة وإعانة على الإثم والعدوان، وناشد الجميع العالم الإسلامي قاطبة بالوقوف إلى جوار رجال المقاومة ومناصرتهم، وبتحريم القتال تحت راية المحتل الكافر, لأن ذلك من أشد صور الموالاة التي نهى الله عنها بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لاتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، كما أنه سيؤدى إلى إيقاد الأحقاد والثارات بين أبناء الشعب العراقي, وغير ذلك من المفاسد التي تنذر بالعواقب الوخيمة في الدنيا والدين وتستهدف السيطرة على جميع دول المنطقة.

ومن جانبها استنكرت الحملة العالمية لمقاومة العدوان وأدانت بشدة العدوان الهمجي الذي تقوم به قوات الاحتلال الأمريكي في العراق والتي استهدفت المدنيين الأبرياء وقصفت المساجد واستباحت حرماتها ودمرت المنازل وقتلت الرجال والنساء والأطفال وحاصرت المدن والأحياء. هذا العدوان الذي ترفضه جميع الشرائع السماوية ومبادئ العدل، وطالبت الحملة قوات الاحتلال الأمريكي بالانسحاب فورا من أراضي المسلمين وناشدت الشعب الأمريكي عامة وأمهات الجنود خاصة أن يضعوا حدا لهذا المصير المأساوي الذي تستدرجهم إليه قيادتهم المتطرفة، كما ناشدت الحملة محبي العدل والسلام في العالم أن يتحركوا لوقف هذا الظلم وردع إرهاب الإدارة الأمريكية الذي يستهدف الأبرياء والمستضعفين في الأرض وهم آمنون في ديارهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه إنما أردنا بسوق هذه الإدانات وسرد تلك الحقائق التنديد بمنافقي العصر والأوان وإدانة الأنظمة العربية والإسلامية التي جبُنت حتى عن أن تفعل ما فعلته الأمم الكافرة من توجيه اللوم والمناداة برفع الظلم عن أخوة الدين والوطن، وراحت بدل ذلك وبحجة محاربة الإرهاب- الذي كانوا هم فيه السبب المباشر على ما سيتضح- تتقرب لمن احتل الأرض واغتصب العرض بقتل الشباب المسلم واستحلال دمه والحكم عليه بالإعدام وبإغداق أموال المسلمين في عقد المؤتمرات والاجتماعات والندوات التي لا طائل من ورائها سوى جلب رضا أمريكا.. وهذا أمر عجيب!!.
والأعجب منه أن نجلب نحن على أنفسنا كل ذلك بمخالفتنا لما جاء به ديننا الحنيف من عدم جواز الاستعانة بكافر ولصريح ما جاء على لسان رسولنا: (لا تستضيئوا بنار المشركين)، فإنه قبل وإبان وبعد الغزو وتوالي هذه الإدانات والاعترافات له، وفي الوقت الذي كان العالم كله يحتج ويشهد بفظاعة الإجرام الذي يرتكبه الغرب ويندد بالانتهاكات الصارخة لحقوق أخوة العقيدة والعروبة .. لم تكتف تلك الأنظمة العربية وبخاصة الخليجية منها بعدم إدانة العدوان أو حتى بالتزام الصمت إزاء ما يقع، حتى أتبعت ذلك بمساندة وتقديم دعمها لقوى الشر فصارت معها ضد الإسلاميين المدافعين عن بلادهم وأموالهم في خندق واحد، تتهافت على نصرة أولئك القتلة المجرمين الذين شهد العالم كله ببغيهم، وتشرع في مناصرتهم والدفاع عنهم داخل العراق وخارجه، وتجدّ- على الرغم من كل ما حكيناه عنهم مما لا يمثل سوى قليل من كثير- في طلب رضاهم، وتسارع في تلبية رغباتهم وتتهالك وتتفانى في تنفيذ مخططاتهم وتقف معهم وتدعم قضاياهم وتؤيد عملاءهم، بل وتدفع أثمان حروبهم الخاسرة وغير العادلة من أقوات المسلمين بعد أن منعوها عن مستحقيها من مستضعفي أفغانستان والعراق وعن مصارفها الشرعية التي منها (وفي سبيل الله).

وكانت صحيفة الأهرام القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 7/ 9/ 2004 قد نقلت في مقال تحت عنوان (كيف تم التآمر لغزو العراق) عن كتاب (خطة الهجوم) لـ (بوب وودوارد) أنه "وفي يوم الجمعة 5 /11/ 2002 طلب الأمير (بندر بن سلطان) السفير السعودي في واشنطن مقابلة الرئيس الأمريكي فاستقبله في المكتب البيضاوي بحضور (تشيني) و(رايس) نائب ومدير مكتبه يومها، وقام الأمير السفير بتسليم رسالة من الأمير عبد الله ولي العهد مكتوبة بالعربية وبخط اليد مرفق بها ترجمتها بالإنجليزية، يقول فيها عبد الله بالحرف الواحد: منذ عام 1994 كنا على اتصال مستمر معك وعلى أعلى مستوى بخصوص ما يعمل إزاء العراق ونظامه، وطوال هذه المدة كنا نتطلع إلى الاتفاق الجدي معكم لعمل خطة مشتركة بين حكومتينا للتخلص من صدام، وفي عام 1994 اقترح الملك فهد على الرئيس (كلينتون) تحرك سري مشترك لقلب نظام صدام، وفي أبريل 2002اقترح ولي العهد على بوش أنه يمكنه إنفاق بليون دولار لتنفيذ الأمر مع وكالة المخابرات المركزية، ولكن رغم ذلك وفي كل المقابلات التي تتم بيننا- والكلام لا يزال لسمو الأمير ولي عهد المملكة السعودية عبر رسالته لحامي حمى الحرية والديمقراطية- نفاجأ بأن أمريكا تسألنا عما يمكن فعله إزاء صدام، مما شكك في جدية أمريكا في تغيير نظام حكمه، والآن يا سيادة الرئيس نريد أن نعرف نواياكم الحقيقية بخصوص هذا الموضوع حتى نقرر سياستنا، وهذا أمر صعب وحساس ولكننا في النهاية سنتخذ القرار الصحيح المبني على صداقتنا ومصالحنا، فإن كنتم جادين فإننا سوف نقدم المساعدة الواجبة التي تحتاجها القوات المسلحة في بلدينا لخدمة العمليات الحربية الأمريكية، وهذا سيجعل السعودية حليفاً رئيسياً لأمريكا .. وللمحافظة على مصالحنا ومصالحكم نطلب منكم أن تؤكدوا لنا أنكم ستتدخلون لحل مشكلة الشرق الأوسط، كما نتوقع أن تلعب السعودية دوراً لتشكيل الأوضاع في المنطقة كلها بعد سقوط صدام"، وحسب تعليق الأهرام شكر بوش ولي العهد باعتباره حليفاً عظيماً واعداً بأنه سوف يخطرهم حينما يتخذ قراره، ثم انفرد بوش بالسفير في نهاية المقابلة لمدة ربع ساعة، أما عن ماذا قيل في هذه الربع ساعة!! فهذا ما لم تذكر المصادر عنه شيئاً.. ويبدو أن الأمير السفير لفرط استعجاله ترك ذقنه دون تشذيب حتى يُتخذ القرار ويتم الغزو وهو على أحر من الجمر، وعندما طالت المدة كان يتندر مع أصدقائه الأمريكان بأنه "يشعر بأن شعر لحيته سيطول حتى يبلغ شعر لحية بن لادن قبل أن يصلوا إلى قرار".. ولكن كان في النهاية ما أرادوا .. ولا تعقيب!!

وإذ قد عرفنا ذلك فليس بغريب أن يتم دفع فاتورة هذه المعركة القذرة من أموال سفهاء المسلمين الذين يفكرون بهذه الطريقة، وأن نقرأ في جريدة الأسبوع بتاريخ 26/ 11/ 2001 وتحت عنوان (عندما تحارب أمريكا بفلوس المسلمين) أن مصادر خليجية مطلعة وموثوق صحة معلوماتها أفادت بأن أمريكا طالبت قطرين عربيين خليجين على جهة الإلزام بدفع مبلغ 28 مليار دولار مناصفة بصفة مبدئية لتغطية تكاليف الحرب التي تشنها أمريكا ضد طالبان وضد تنظيم القاعدة في أفغانستان، وأن هذه المطالبة كانت مصحوبة بسلسلة من التعليمات فيما يجب على الدولتين اتباعه لترشيد التعليم الديني والدعوة الإسلامية على النحو الذي يقضي على التعصب الديني وبالتالي يجتث جذور التطرف والإرهاب.. ويثير ذلك حفيظة صاحب المقال فيصدره بقوله: "أن تحارب أمريكا بفلوس عرب الخليج فيما يخصهم، فهذا أمر يمكن فهمه، أما ما لا يمكن فهمه ولا يحتمل ابتلاعه أو هضمه هو أن تحارب أمريكا بفلوس عرب الخليج فيما لا يخصهم ولا يعنيهم من قريب أو بعيد" .. ومن نكد الدنيا الواقع على أمة الإسلام ومن عظيم البلاء الناتج عن عظيم المهانة والمذلة، ما أوردته نفس الصحيفة في نفس التوقيت من نبأ رد عمدة (نيويورك) مبلغ عشرة ملايين دولار كان قد تبرع بها رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال مساهمة منه في تعويض الخسائر الأمريكية في حرب أخوة الإسلام في أفغانستان .. وذلك لمجرد أن أشار الأمير في تصريح صحفي إلى ضرورة اضطلاع أمريكا بدور فاعل في حل المشكلة الفلسطينية باعتبارها ظلماً يولد الإرهاب.

ونقرأ في 11/ 2004 من أعاجيب ما جنيناه على أنفسنا: "مؤتمر شرم الشيخ الذي شاركت فيه دول الجوار إلى جانب مصر والدول الصناعية الثماني الكبرى والمنظمات الدولية وتونس والبحرين والجزائر عن الجامعة العربية .. استمرار للتآمر الرسمي العربي ضد عراق المقاومة"، "البيان الختامي للمؤتمر يدين أعمال المقاومة الشعبية المشروعة ضد الاحتلال الأجنبي ويضيق الخناق عليها ويصفها بالإرهاب، ويشجع العناصر الرافضة للعنف على الانخراط في العملية السياسية، ويضفي الشرعية على مهزلة الانتخابات التي تصر الحكومة العميلة على إجراءها تحت نير الاحتلال، ويعد مخرجاً لعلاوي الذي يستمد حمايته من الأمريكان، ويخلو من أية إشارة تؤكد عروبة وهوية العراق الإسلامية أو تدين جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الأمريكية في الفلوجة التي جرى تدميرها بالكامل وقتل نسائها وأطفالها وجرحاها وقصف بيوتها ومساجدها، ويدعم الاحتلال ولا يضع سقفاً زمنياً لإنهائه"، "فرنسا تعترض بشدة على ما جاء في البيان وتجدد مطالبتها بضرورة مشاركة القوى المناوئة للاحتلال وبالوقف الفوري لإطلاق النار في الفلوجة والمدن الساخنة الأخرى وبتحديد جدول زمني للانسحاب الأمريكي من العراق"، "أمريكا هي الرابح الأكبر بعد أن نجحت وبموافقة الحكومات المشاركة في فرض وتمرير أجندتها السياسية في العراق ومن ثم وبعد ذلك في (الشرق الأوسط الكبير) بزعامة إسرائيل".
و"في البيان الختامي لدول الجوار بطهران بمشاركة مصر، أعرب الوزراء عن استعداد البلدان المجاورة للعراق لتدريب وتجهيز الشرطة وقوات الحدود العراقية بناء على طلب الحكومة العراقية، وأكدوا على ضرورة تعزيز التعاون المتبادل بشأن أمن وضبط الحدود إضافة إلى دعمهم لمكافحة تهريب الأسلحة ومنع انتقال رأس المال إلى أفراد المقاومة للحيلولة دون دعم النشاطات الإرهابية عبر حدودهم"، ويتكرر مثل ذلك في العديد من مؤتمرات دول الجوار الأخرى .. وفي إسقاط هذه البنود على أرض الواقع وإخراجها إلى حيز التنفيذ نطالع في12/ 7/ 2004 "سلمت السلطات الأردنية المختصة الولايات المتحدة معلومات عن تنظيمات مسلحة وإسلامية وصفت بأنها خطيرة وتعمل على الساحة العراقية وخارجها، وذلك في إطار التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الأردن والولايات المتحدة"، وفي ديسمبر من نفس العام: "عاهل الأردن يؤكد في ختام لقائه مع علاوي مساندة الأردن الكاملة للحكومة العراقية"، "الأردن تقوم بتدريب ألف جندي عراقي لمواجهة المتمردين (المقاومة العراقية)"، كما نقرأ في 6/ 1/ 2005 :"على هامش اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار بعمّان، زيباري يشير إلى وجود عملية سياسية تمنع هيمنة أية مجموعة دينية في العراق" .. وهلم جراً.

إن هذه الوقائع والفظائع والكبائر- والتي لا ينبغي أن تفهم على أنها دفاع عن صدام وإلا فهو أحسن حالاً وأوفر حظاً في وقوفه أمام الوقاحة والابتزاز الأمريكي وتجاه الصلف والغطرسة الإسرائيلية من أولئك المتسترين بالدين- هذه الوقائع وأمثالها كثير، لا تصب إلا في دائرة الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا تعني إلا تقرير حقيقة أن ولاة أمور المسلمين هم الذين يعطون بسبب أفعالهم وولائهم لأهل الكفر الفرصة للشباب المتحمس لأن يتمرد، وأنهم لم يعودوا يصلحوا لحكم المسلمين لخيانتهم ولاتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بل وحقيقة أننا الذين نعذب أنفسنا بأنفسنا ونحن أولئك الذين يجعلون مصائرهم في أيدي أعداءهم .. كما لا تعني إلا معرفة كيف تهدر أموال المسلمين وتسخر على أيدي ولاة أمور سفهاء لقتل مسلمين ولتدمير مساجدهم، وكيف يلتقي النفاق ويتوافق مع ما يخطط له الكفر وكيف يصدر أهلاهما في تفكيرهما من مشكاة واحدة وتلتقي مساعيهما لتحقيق هدف واحد .. لا تعني هذه الوقائع إلا معرفة مغبة ما وقع فيه أولياء أمورنا ولا يزالون ومدى مخالفتهم وعلماء السوء الصريحة لنصوص القرآن والسنة ولما استقر عليه ساعتها وفيما بعد أمر العلماء العاملين في عدم جواز الاستعانة بالكفار بموجب ما نطق به وحيا المسلمين.

وهذا يجعلنا نقرر بأن كل من ساهم أو تسبب بالقول أو بالفعل أو بالفتوى، له كفل من كل عِرض اغتصب في أرض الإسلام سيما أرض العراق وأفغانستان، ومحاسب مع من يحاسب عن كل جريح أجهز عليه وكل نقطة دم مسلمة أريقت، ومساءل- إزاء السماح بتمكين من لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة من رقاب المسلمين- أمام محكمة العدل الإلهية عن كل مسجد أبيد وكل منزل دمر وكل قذيفة سقطت وكل شبر ديس، لكونه السبب المباشر في كل هذه التداعيات.. بل ولا يبعد أن يكون له نصيب ممن قال الله في حقهم (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري والحاكم: (لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقوله فيما رواه مسلم النسائي والترمذي والبيهقي وابن ماجة: (لقتل مؤمن أعظم من الدنيا وما فيها) .. وواحد ممن عناهم صلوات الله وسلامه عليه في قوله فيما رواه ابن ماجه والبيهقي ورفعه: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة قي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله)، وقوله فيما أخرجه النسائي والحاكم وأبو داود: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا رجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً)، وما ذلك إلا لأن حرمة المسلم الذي يقتل في العراق أو السعودية أو الكويت أو اليمن هي من حرمة الكعبة على ما تقرر على لسان بني الإسلام وصاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه.

لقد صدق في كل من أعمل في مسلم خيانة أو أحسن الظن بكافر قول محمود درويش: "سقط القناع/ عرب أطاعوا رومهم/ عرب وباعوا روحهم"، وقول آخر: وإخواناً حسبتهم دروعاً * فكانوها ولكن للأعادي. وخلتهم سهاماً صائبات * فكانوها ولكن في فؤادي. وفي خضم هذا المسلسل الخياني والإجرامي واستكمالاً له وجعله في طور التنفيذ، وعن العلاوي صنيعة أمريكا.. في أقاويله وأفاعيله التي فاق بها ابن سلول وإبليس اللعين نقرأ ما بثته وكالات الأنباء بتاريخ 25/ 1/ 2005 من تصريحه بأن "من غير المجدي تحديد موعد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق"، وهو ما صرح به من قبل ممثله في الأمم المتحدة قبل افتتاح مؤتمر كفر الشيخ، الأمر الذي يعني بقاء قوات الاحتلال إلى أجل غير مسمى وربما إلى ما لا نهاية .. كما نطالع ما جاء في دورية العراق (المدار) بتاريخ 16/ 9 /2004 :
"بدعوى معارضة النظام السابق قام كل من إياد علاوي وأحمد الجلبي بتشكيل ما يسمى بحركة الوفاق الوطني العراقي والمؤتمر الوطني العراقي، لكن هذه الحجة كانت مجرد واجهة إعلامية للتغطية على تخطيط مسبق مع الموساد والـ CIA بهدف تدمير العراق وتحويله إلى ثكنة للقوات الأمريكية وعملاء الموساد، وبعد الغزو بدأ المدعوان علاوي والجلبي بتنفيذ مخططهما وبدأت المناورات والاتصالات المكثفة بينهم وبين العدو الصهيوني بهدف إيجاد تطبيع كامل وتمثيل دبلوماسي كامل بين إسرائيل وعراق ما بعد الغزو، علاوي والجلبي هما أبطال المؤامرة، أما محور ومركز الاتصالات أو كما يسمى بحلقة الاتصال السرية في محاكم المخابرات– فهو المدعو وفيق السامرائي - أما هيئة التنسيق والضغط فتتكون من ستة أشخاص يتصدرها ثلاث أسماء كردية هي البرزاني والطالباني ورئيس وزراء كردستان نيجرفان البرزاني أما مستشارهم الأمني في مسألة المفاوضات فهو رئيس مليشيا البشمركة الذي اعتاد زيارة إسرائيل، وعلمت المدار أنه خلال إحدى زياراته إلى تل أبيب التي تمت في الأسبوع الثاني من شهر آب الماضي قد أُدخل إلى إحدى المستشفيات الإسرائيلية في تل أبيب حيث جرت معالجته على حساب الحكومة الإسرائيلية .. شخصيات الضغط الستة- التي تريد أن تحكم عراق المسلمين- تتردد على إسرائيل باستمرار عبر مطارات تركية، وعلمت المدار أن إحدى الشخصيات الخليجية البارزة على إطلاع تام بهذه الاتصالات والمشاورات التي زادت في الفترة الأخيرة في فندق دان بهر تسيليا.
أثناء اللقاء السري الذي جمع بين علاوي وشخصية أمنية إسرائيلية كبيرة في عاصمة عربية داخل مبنى السفارة الأمريكية خلال جولة علاوي الأخيرة في المنطقة، أثناء هذا اللقاء تم الاتفاق على إرسال وفد عراقي إلى إسرائيل لإجراء المفاوضات النهائية المتعلقة بكيفية إيجاد علاقات متميزة بين بغداد وتل أبيب، وفعلاً بعد أن أنهى علاوي جولته قام بتشكيل وفد من أربع عراقيين يرأسه وفيق السامرائي، وبقي الوفد في إسرائيل ستة أيام كاملة عقد خلالها لقاءات عديدة كان معظمها في مقرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستثناء اجتماعان، عقدا بسرية تامة في فندق دان بهرتسيليا.
أما آخر اللقاءات بين فريق المحاورين العراقي وبين الجانب الإسرائيلي فقد علمت المدار أنه تم في 23 من شهر آب الماضي في مدينة ساحلية إسرائيلية ضمن فيلا تعود لمسئول أمني إسرائيلي كبير، وقد مثل الجانب العراقي في هذا الاتصال السري كلاً من وفيق السامرائي ومسعود البرزاني والمدعو أحمد زاده رئيس مليشيات إياد علاوي ومستشاره للشؤون الأمنية إضافة لثلاث ضباط عراقيين وشخصيتان عراقيتان إحداهما تقيم في لندن والأخرى في الولايات المتحدة، أما الجانب الإسرائيلي فقد ضم خمس مسئولين أمنيين رفيعي المستوى إضافة لمدير عام وزارة الخارجية، وبحث الوفدان نص الاتفاق المتعلق بإقامة العلاقة الدبلوماسية بين بغداد وتل أبيب والزمن المناسب لإعلان هذا الاتفاق، والتعاون في شؤون كثيرة في مقدمتها ما أسمته مسودة الاتفاق بمكافحة الإرهاب، وتؤكد المصادر للمدار أن طاقماً أمريكياً خاصاً ساهم بدور بارز في رسم مسار هذه الاتصالات واللقاءات التي عقد بعضها في بغداد وأربيل ولندن داخل معسكرات أمريكية أو داخل إسرائيل حيث عقدت كل الاجتماعات داخل مباني أجهزة الأمن أو في هرتسليا، واجتماع واحد فقط عقد ليلاً داخل أحد أجنحة وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس الغربية.
ويصب هذا الاتفاق بالطبع في مصلحة الجميع، أما الإدارة الأمريكية الحالية المعنية بإقامة تمثيل دبلوماسي بين بغداد وتل أبيب، فلأن ذلك يمثل خطورة إيجابية لصالح حملة بوش الانتخابية.. وأما إسرائيل فلأنها ترى في الخطوة نجاحاً واختراقاً باتجاه دول الخليج والدول المجاورة له ووصولاً يهودياً إلى نهر الفرات وتحويل الوجود الإسرائيلي في العراق إلى واقع محمي بغطاء حكومة الاحتلال المؤقتة تنطلق منه مخابراتياً باتجاه سورية وإيران لزعزعة استقراره، إضافة لاستخدام هذا الواقع في الضغط على السعودية وما ستجنيه إسرائيل من فوائد اقتصادية هائلة .. أما حكومة الاحتلال المؤقتة التي يترأسها علاوي، فمصلحتها تتمثل بتقديم خدمة كبيرة لواشنطن وفاءاً لما فعلته المخابرات الأمريكية من حسنة تجاههم حين عينتهم على رأس حكومة الاحتلال المؤقتة، وهو المنصب الذي طالما أباحوا من خلاله دماء الشعب العراقي وماله للوصول إليه، إضافة لما ستحققه هذه الخطوة في توجيه ضغوط على الدول المجاورة التي يخشى علاوي أن تتخذ مواقف سلبية تجاهه وتجاه حكومته المعينة أمريكياً .. وقد أكدت صحيفة هآرتس الإسرائيلية هذه العلاقات المشبوهة حيث نقلت عن صلاح الشيخلي سفير العراق في بريطانيا قوله: "أن هناك لوبي قوي في العراق يؤيد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".. وهكذا تخطط قوى الظلام وتتآمر على شعب العراق المسكين والمغلوب على أمره.

وفي خبر مثير أشارت جريدة (الزمان) إلى اشتراك كويتيين (مترجمين وضباط أمن) في تعذيب أبطال المقاومة في سجن أبو غريب، ولا غرابة مع هذا لأن نقرأ في تصريح مضحك- وشر البلية ما يضحك وإذا لم تستح فاصنع ما شئت- وتحت عنوان: (مسئول كويتي يصرح بعدالة العمليات العسكرية الأمريكية في الفلوجة): "الشيخ جابر مبارك الأحمد الصباح وزير الدفاع الكويتي يعلن أن بلاده تعترف بما وصفه بعدالة العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الأمريكية ضد المقاومة في العراق، بدعوى أن هذه العمليات العسكرية من شأنها إشاعة الاستقرار هناك، وكانت وكالة الأنباء اليابانية (كيودو) قد نسبت للمسئول الكويتي قوله خلال اجتماعه أمس مع رئيس الوزراء الياباني (جونيشيرو كويزومي): "إن القوات التي تقودها الولايات المتحدة تعمل الشيء الصحيح في محاربة الجماعات المسلحة"، كما نقلت البيان الإماراتية عن الوكالة قول الصباح: "إن الجماعات المسلحة لا تشكل تحدياً للقوات الأمريكية فقط بل للشعب العراقي أيضاً".. ولله في خلقه شئون!!
ويأتي هذا التصريح بالطبع متسقاً مع التوجهات الكويتية التي تسمح بالطعن في رموز وثوابت الإسلام، والتي وافقت على طبع ونشر قرآن أمريكا (الفرقان الحق) ومنحته جوائز لطلبة الكويت المتفوقين .. والتي سمحت لمجلة (المنبر) الصادرة عن هيئة خدام المهدي بالكويت لأن تنال بكل وقاحة من صحابة النبي فتزعم أن عمر كان مصاباً بداء يدفعه للشذوذ الجنسي وأن أبا بكر لم يكن مع الرسول في الغار، وأن (أم المتسكعين) ويقصد الوقح بها أم المؤمنين عائشة عليها الرضوان كانت ساقطة وكاذبة ومتسكعة وقوادة .. تلك التوجهات الكويتية هي عينها التي أغدقت على المطربة (نانسي عجرم) 70 ألف دولار وعلى المطربة (أليسا) 50 ألف لإحياء حفل رأس السنة الميلادية للعام 2005 .. والتي فتحت أبوابها لاستقبال القوات الأمريكية, ومنها انطلقت لغزو العراق واحتلال أرضه وقتل أطفاله وتدمير مساجده واغتصاب نسائه.. ويذكر أن السلطات الكويتية لاحقت ولا زالت عدداً من أبنائها المخلصين بل وقتلت بعضهم تحت مسمى تأييد الجهاد في العراق, وحث الشباب على التوجه إلى العراق لنصرة أهلها من قوات الاحتلال الغازية, كما منعت مؤخراً أيّاً من علماء المملكة العربية السعودية الـ29 الذين وقعوا على بيان بوجوب الجهاد في العراق من دخول أراضيها أو استضافتهم في الندوات واللقاءات.
والسؤال الذي يلح في طرح نفسه ونود أن نختم به، أإلى هذا الحد تصل الجرأة بأصحاب تلك العروش وتصل خيانتهم للدين والأهل والولد، والعروبة والأرض والعرض؟ وهل هناك مصطلح شرعي أو غير شرعي يمكن أن يطلق على هذه التصرفات وتلك التصريحات، سوى العمالة والخيانة والنفاق ومحاربة أولياء الله والإعانة على قتلهم ليس بشطر كلمة بل بكل كلمة وبكل درهم؟ هل هناك من ينكر أو يماري أن ما ذكرناه يدخل في باب المجاهرة بموالاة أعداء والمسارعة فيهم وتجهيز من يغزو في سبيل الطاغوت بدلاً من تجهيز من يغزو في سبيل الله، أو ينكر أن فاعله هو المتوعد بنحو قوله تعالى: (والْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)، وأنه المعني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في باب الزهد: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)؟.

لقد تباينت آراء الأمم المسلمة وتوجهاتها دولاً وشعوباً أفراداً وجماعات وتفتتت وفتنت وفجعت واحتارت في أمر عدوها على الرغم من الظلم البين الذي أوقعه احتلاله على بلدة من بلاد المسلمين وعلى الرغم من سيل الإدانات حتى ممن قاموا بهذه الحروب وأعدوا لها.. وما ذلك إلا بسبب مواقف أنظمتنا المحسوبة على العروبة والإسلام التي لم يكفها السكوت عما يفعله فينا عدو الله، فصارت- بعد أن ضيعت شرائع الله وخالفت أوامره، واستعانت ومنذ البداية بعدوها واستأمنته على وضع أموالها التي تقدر بأكثر من واحد وأربعة من عشرة تريليون دولار في خزائنه حسب إحصائية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بالكويت بعد أن حرمت منها أصحابها من فقراء المسلمين- صارت تغض الطرف حتى عن مجرد إدانته، وتعينه على تنفيذ خططه وتتركه يلوغ في دماء المسلمين ويعيث فساداً في أرضهم، يستحل بيضتهم ويقتل شبابهم ويخرب ديارهم ويدمر بيوتهم ويعذب نساءهم وأطفالهم دون أن تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً .. وطفقت طواعية بعد أن انطلت عليها حيل عدو الله وعدو الإنسانية الذي لا حكم له في شريعة الإسلام بل وفي جميع الشرائع والقوانين والأعراف الدولية إلا رد اعتداءاته وإخراجه من البلاد التي احتلها.. تجاريه في تسميته الأشياء بغير مسمياتها، وراحت بعد أن هان عليها دماء الأبرياء التي تسيل مدراراً وجراحات الضحايا التي تنزف ليل نهار، وبعد أن قدمت له الدعم المعنوي وأرست له القواعد وهيئت له الموانئ البحرية والجوية لينقل إليها ومن خلالها جنوده وأفراده وعدته وعتاده، ومكنته من أن يفعل ما فعل دون أن تدرك من نفسها مغبة ما تقبل عليه، ودون أن تصغي لصوت العقل ولا لرأي الشرع في هذا الأمر الخطير على الرغم من كثرة الناصحين لها، ودون أن تنبث ببنت شفة معلنة أو مخفية ندمها، ولا أن تزرف دمعة واحدة على ما تسببت فيه تجاه هذه الآلاف المؤلفة من ضحايا الإرهاب الأمريكي وتحالفه البغيض .. فضلاً عن عجزها عن أن تصمت ولا نقول تدين أو تُكرِه أو تقاوم الاحتلال على مغادرة بلاد المسلمين أو حتى تدين احتلاله، بل راحت بدل ذلك وإرضاء للعدو الغاشم تسارع في إرضائه ولسان حالها يقول (نخشى أن تصيبنا دائرة) تخطب وده وتحقق مطالبه وتركن إليه وتوالي عليه وتحب، وتبغض فيه وتعادي، وتقتل لأجله شبابها وتخون في سبيله شعوبها وبلادها، وتكرس جهودها لاحتلاله بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر- بإقرار وبدعم حكومات عميلة تحقق أهدافه ولا تمثل شعوبها من قريب أو بعيد- أحياناً أخرى.

وما اجتماعات ومؤتمرات شرم الشيخ وطهران ودول الخليج ودول الجوار ووزراء العدل والداخلية والخارجية بخصوص الشأن العراقي بزعم الاستقرار والتهيئة لإجراء انتخابات الكل يعلم سلفاً نتائجها وما تهدف إليه، وما عدم مطالبة أمريكا بوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال .. إلا شاهد عيان على صدق ما نقول، وإلا خطوة لتكريس الاستعمار في بلاد المسلمين وإطالة أمده، وإلا مزيداً من البطش والظلم والطغيان للشعوب المسلمة المغلوب على أمرها.

إن ما يحدث من ولاة أمور المسلمين هو بكل المقاييس صد عن سبيل الله وخروج على إجماع الأمة في وجوب دفع من داهم بلداً من بلاد المسلمين ديدنهم، وطرح لصحيح المنقول ولصريح المعقول ومخالفة لما نادت به لا نقول شرائع السماء فحسب بل ولما نادت به أيضاً الفطر السليمة والقوانين الوضعية وعقلاء البشر وأعرافهم .. هو النفاق بعينه، وهو المستوجب- حسب سنن الله في خلقه- لاستبدال أهل الصلاح بمتخذي الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ولن يتم ذلك بمشيئة الله- بعد استفراغ جهد أهل الصلاح- إلا بتدخل إلهي وعلى يد الأعداء الذين سينقلبون على من أتوا بهم انقلاب السحر على الساحر على ما أفاده قوله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً) .. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية