صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رمضانيات

الدكتور عثمان قدري مكانسي


 رمضانيات (1)

عرف من جاره أحمد أن سعيداً دعا الأصدقاء جميعاً إلى الإفطار عنده . أخبره أحمد بذلك لأن خالداً من الأصدقاء بل من قدمائهم الخُلّص !. ولن يظن أحمد أن خالداً لم يكن من المدعويين في رمضان هذا ، إلا أن الدعوة لم تصل خالداً .
لم يكن حزن خالد كبيراً لأن سعيداً لم يدعُه ، فقد عرف ابتداءً أنه لن يكون من المدعويين في رمضان هذا ، لقد كان تلك السنة ضيق ذات اليد ، فلم يدعُ الآخرين كما كان يفعلون . وتمنى لو رزقه الله تعالى أثناء السنة ليعوّض ما فاته ، ولكنّ العين بصيرة واليد قصيرة . إنما كان حزنه أنه لم يعرف أصدقاءه حق المعرفة ، فصارت اللقاءات بينهم واحدة بواحدة ، وكانوا يتبارون ، بل قـُلْ : كانت النساء يتبارين أيتهنّ تقدم في دورها أطايب الطعام وأشهاها ، وأكثرها تنوّعاً ، وكمية وأغلاها ثمناً .
لقد صارت دعوات الإفطار – كما تقول زوجة خالد - حلبات المنافسة في عرض الثياب وأفانين المأكولات . فبعد الإفطار تُقدم المشروبات المتعددة من عرق السوس إلى شراب الورد والبرتقال ، إلى نقيع الكركديه وشراب العسل ، ويذهب الرجال بعد ذلك إلى صلاة التراويح ، في الجامع القريب ، يؤدون ثماني ركعات سريعات بعد صلاة العشاء ، لقد كان الإمام نشيطاً ! يسرع في صلاته فيدمج الركوع بالقيام ، ويسجد فلا تلامس جبهته الأرض حتى يرتفع عنها ، ويعود بحركة رياضية إلى الأرض ليلمسها بأنفه وقليل من جبهته ، فيرتد جالساً . وتنتهي الصلاة في ماراثون سباق يرضاه الكثيرون من المصلين . فالمراد عندهم أن يًعُدّوا ثماني ركعات يحسبون أنهم أدَّوا فيها الصلاة كما علّمـَناها رسول الله صلى الله عليه وسلم !.
وتبدأ السهرة ببعض الحلويات الشرقية : كنافة مبرومة ، وبين نارين ، وبقلاوة ، وقليل من الفواكه لا تتعدى سبعة الأنواع ، فالإسراف مذموم !!
وعرف بعد ذلك أن سميراً لم يكن من المدعوّين رمضانَ هذا ، فقد كانت زوجته مريضة لا تستطيع – حين يأتي دورهما– أن تخدم هذا الجمع الوفير ، فاتفق وزوجته أن يحملا معهما في كل دعوة يحضرانها كيلين من الحلويات الغالية ، وكأنهما يقولان : اعذرونا ياجماعة ؛ فوضع الزوجة الصحي لا يسمح لها أن نفعل ما تفعلون وإن كنا ميسورَين . ..
هكذا كانا يفعلان رمضان الفائت ، ثم تبين الآن أن هذا العذر لم يكن مقبولاً ، فلم يكن سمير وزوجته من المدعوّين .
 


 رمضانيات (2)
( الشفاعة )

شفع له في أمر : أعانه عليه ، وساعده في الحصول عليها ، وذلـّلها له .
وقد أثنى الله تعالى على الشفيع الخيّر حين قال " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها " .
أما في الآخرة فلا يشفع أحد لأحد إلا بإذن الله تعالى " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " .
والشفاعة : إذاً طلب الخير للغير والوساطة لهم عند من يرجونهم . وهذا ماعلـّمناه النبيُّ الكريم إبراهيم حين قال لأبيه : " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً "
إن المدعو حين يرى من الداعية اهتماماً واعتناءً يلين قلبه ثم يتقبل منه ما يقول ، ثم يؤمن بما يقول ، ثم يعتنق ذلك ويكون منافحاً عن هذه الدعوة " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " ..
كان الصحابة متحلقين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل رجل من بعيد إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إليهم صلى الله عليه وسلم ، وقال : " هذا الرجل قادم يريد مني مسألة ، وإني معطيه إياها إن شاء الله ، ولكن إذا سألنيها فاشفعوا له ، والله يُؤجركم على شفاعتكم ، وليقض الله على لسان نبيه ما يشاء " .
جاء الرجل وجلس ولم ينبس ببنت شفة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألك حاجة يا رجل؟." قال : نعم يا رسول الله ، صلى الله عليك وسلم . وذكر حاجته . فكان أصحاب رسول الله يقولون :
- هو أهلٌ لفضلك يا رسول الله .
- ما علمنا عنه إلا خيراً يا رسول الله .
أحسن إليه يا رسول الله . فما عهدناك إلا محسناً .
كان الرجل ينظر إليهم مسروراً من شفاعتهم ، وقد أحبهم وشعر أنه منهم وأنهم منه . ... يا لـَهذا المجتمع المتحاب المتكافل ...
وابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد اكتسب إلى المسلمين واحداً آخر ، وعلم أصحابه أن يناصر بعضهم بعضاً .... وقضى للرجل حاجته .
جميل جداً أن يهتم المسلم بأمر أخيه فيعينه على قضاء حوائجه ، ويسعى بخدمته ، فإذا بالحب والود والشعور بالأخوة يتعمق ، ويصير المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضاً .
وحب الصالحين يجعلنا معهم يوم الحشر . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " يُحشر المرء مع من أحب " فحبهم شفع لنا أن نكون معهم ، ورحم الله الشافعي إذ يقول :

أحب الصالحين ولست منهم --- لعلي أن أنـال بهم شـفـاعة
وأكره مَن تجارتـُه المعاصي --- ولو كنا سواءً في البضاعة

وفي رمضان الخير يعوّد المرء نفسه أن يكون سفير إخوانه إلى المحبة والود وحُسن الأخلاق ، وسفير الود وحسن الأخلاق إلى إخوانه سواء بسواء . فيسعى في خدمة إخوانه وقضاء حوائجهم ، فيسعدوا به ويسعد بهم ، وتتمكن اصداقة والأخوّة في قلوبهم وأفعالهم . ويبدأون السير إلى الله في الطريق الصحيح ...... أليس هذا صحيحاً يا أحبائي ؟؟
 


 رمضانيات (3)
الله أكبر

أديت صلاة العشاء أمس في المسجد القريب من بيتنا ، وسلمت على بعض الأحباب وهنـّأ بعضنا بعضاً برمضان ، وهممت بالخروج من المسجد .
سلّم أحد المصلين عليّ وقال لي بعد ن أخذ بيدي إلى إحدى الزوايا وكأنه يريد أن يخلوَ بي :
ألم تلاحظ يا أخي أن الأذان يبدأ بالنداء " الله أكبر " وينتهي به كذلك؟
قلت : بلى .
قال وكذلك يفعل من يقيم الصلاة ، فيرفع صوته بـ " الله أكبر " .
قلت : نعم يأخي .
قال : وتبدأ تكبيرة الإحرام بقوله : " الله أكبر " وقبل الركوع والسجود وبعدهما نردد هذه العبارة حتى صارت جزءاً منا نعيش بها ، ونتنسمها ، ونأنس إليها ، ونرددها إرادياً وغير منتبهين . إنها في دمنا وأرواحنا .. فلماذا اعتدنا قول: " الله أكبر " في كل لحظة من لحظات حياتنا ؟
يرددها الإمام في صوات العيد وفي خطبها ، ويترنم بها المسلمون في تكبيرات العيد .. ويندفعون بها في ميادين الجهاد ، ويستعينون بها في كل أمر يسير أو عسير .
نقولها إذا تعجبنا مما نرى أو نسمع ، ونقولها إذا ألمّت بنا النوازل ، وإذا فرحنا ، إذا ابتسمنا وسعدنا أو تألمنا وبكينا .. نشعر أنها الوقود الذي يحركنا وبه نحيا ، ونحس أنها العون يهبنا القوة والنشاط والإرادة والتصميم .......
كنت أسمع ما يقول ، وأسبح في الذكريات إلى أن وصلت- في ذكرياتي - إلى صلاة عيد الفطر السعيد حين كنت في مدينة " بولونيا " الإيطالية منذ أربع سنوات .. كان الناس مجتمعين في خيمة تتسع لأكثر من عشرة آلاف يهللون ويكبرون . وخارجها مثل عددهم أو يزيد .
دخلت عليهم ، فقادني أحد المنظمين لهذا الجمع الحاشد إلى مقدمة الخيمة ، والمسلمون من جنسيات مختلفة تتعدى العشرين جنسية أو أكثر يقولون " الله أكبر الله اكبر ، لا إله إلا الله وحده ،صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا شيء قبله ولا شيء بعده ... " ثم يهدرون بصوت واحد " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " قلت نعم ، ولو كره الكافرون . وانطلقت معهم أترنم بهذا الحداء الخالد والهتاف الأبدي العظيم .
وقبل الصلاة تقدم أحدهم يعلن إسلامه ، فقا ل مردداً ورائي بلغة عربية ثم إيطالية :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله . أحيا على هذا وأموت في سبيله . اللهم أحيني مسلماً وأمتني مسلماً ، واجعلني في عبادك الصالحين .
ضجت القاعة بالتكبير والتهليل ، وهنأ المسلمون أخاهم الجديد بالهداية ، ودعوا له بالثبات على هذا الدين العظيم .
وبعد الصلاة والخطبة تقدمت صحفية إيطالية تسألني : لقد استرعى انتباهي كثرة ترداد " الله أكبر " فيما قلتَ وما كانوا يقولون ، فما المقصود منها ، بل ما معناها ؟ أرجو أن تفصل في ذلك.
ولما كنت أجهل اللغة الإيطالية تقدم بعض المصلين يريدون أن يترجموا بيننا الحديث ، ونظرت حولي لأرى أخاً إيطالياً أسلم منذ ست سنوات ، وعاش في مصر وتزوج مسلمة مصرية ، وهو الآن – أقصد في عام 2004 للميلاد الموافق 1425 للهجرة – لولب في خدمة المسجد في بولونيا وخدمة إخوانه ، فاخترته ليكون المترجم لما أقول . اخترته لأن الإسلام في قلبه حار وقوي ، وله نبض جديد متدفق بين الضلوع والحنايا .
قلت لها :
الله أكبر من الدنيا وشهواتها ، وملذاتها وأهوائها .
الله أكبر في قلوبنا من زخارفها وبهارجها ومغرياتها.
الله أكبر في نفوس عباده من لعاعات الدنيا ، ومكر الشيطان وأهواء النفوس .
الله أكبر من الظلم والظالمين وأكبر من المتجبرين والطغاة الذين يكيدون للدين وأهله .
الله أكبر ، إن له الدنيا والآخرة ، وهو يمهل ولا يُهمل ، وهو ناصر دينه ومؤيد عباده .
الله أكبر لأنه حليم غفور رحيم ودود لطيف .
الله أكبر لأنه الرحمن القوي العظيم الجبار المهيمن القادر العزيز
الله أكبر يفعل ما يشاء ، لكنه عادل لا يظلم أحداً مثقال ذرة ، بيده الأمر وهو على كل شيء قدير .
كان أخي المسلم المترجم يجهش بالبكاء ، وهو ينقل هذه المعاني ، ويتمثلها بقلبه وعقله وروحه الشفافة ونفسه المؤمنة الطيبة ، حتى ذرفت عيناي وتغير صوتي .
أرأيت لِمَ اخترت مسلماً إيطالياً ينقل هذه المعاني وتلك المشاعر ؟ إنه المسلم الجديد الذي دخل الإسلام قلبه حديثاً ، فهو به منفعل ، وله محب وهو أقدر على نقل هذه الأفكار والأحاسيس إلى بني قومه .
 


 رمضانيات (4)
أستاذي لا يحمل شهادة عليا

دخلت بيته وأنا غلام ، سألتهم أين صاحب البيت ؟ قالوا في غرفة أمه .. كان الصبيان وأمهم يأكلون الخبز اليابس مفتتاً في شوربة العدس مع البصل اليابس . .. كان الوقت ظهراً وأنا جائع ، فجلست معهم آكل . وكل طعام لذيذ حين يكون المرء جائعاً . شبعت ،ثم شربت كأسين ماءً بارداً من ( الخابية ) ، فارتويت – والخابية : إناء فخاري كبير ذو مسامات دقيقة يرشح منها الماء فيبرد ما فيها، وحمدت الله تعالى على نعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى .
طرقت الباب ودخلت عليهما ، فسلمت فردّا السلام . كان وحده معها يطعمها بيده اللحم المشوي ، ويحدثها ، ويمازحها ، فتردّ عليه بما يثلج صدره فيضحك ، ثم يعود إلى إلقاء بعض الكلمات فتسبه سباً لطيفاً فيعود إلى تقبيلها من يديها ثم من خديها ورأسها . وتقول لي أسمعت ما يقول عمك يا عثمان ، فأرد : لا دخل لي بين البصلة وقشرتها ، فتسبني قائلة أنت مثله قليل الأدب ، فأضحك وأقول : قصدت التفاحة وقشرتها يا جدتي . فتبتسم وتقول داعية لنا جميعاً : اللهم ارض عنهم وعن أبنائهم ، فأنا راضية عنهم .
لم يكن عمي وقتذاك ميسوراً ، وطلبت منه جدتي اللحم المشويّ . إنه يطلب رضاها ويودّ أن يكون بها باراً ، فالجنة تحت أقدام الأمهات ، وكان يردد القول المأثور : " برّوا آباءكم تبرَّكم أبناؤكم " . فكر قليلاً ثم قال لزوجته – وهي امرأة لبيبة عاقلة – يا ابنة عمي ؛ لن أستطيع شراء ثلاث كيلات من اللحم لتاكل الأسرة كلها معاً ، ولن أشوي نصف كيل من اللحم وأضعه أمام أمي ، والأولاد ينظرون ، إنهم لا يقدّرون الظروف فهم صغار لا يعقلون . وسيتألمون إن رأوا جدتهم تأكل اللحم وحدها ، وهم يأكلون شوربة العدس المطحون . وقد يمدون أيديهم إلى اللحم ويسبقون جدتهم في أكله . أشغليهم بالأكل وسأدخل إلى أمي فأطعمها ثم أعود إليكم .
حفر عمله هذا في قلبي حباً للوالدين ، فكان لي أستاذاً ومعلماً ، ولن أنسى هذا الدرس ما حييت ، ولأحدثَنّ به كي يتأساه كل ذي قلب حي وعقل عقول .
مرت الأيام ، وشب الصبيان فصاروا آباء . وكانوا بارين بواليديهم ، يتأدبون بحضرة والدهم ويتلطفون مع أمهم .
علّموا أولادهم أن الجد والجدة مقدّسان ، وأن نيل البركة كل يوم بتقبيل يديهما وطلب الدعاء منهما والتأدب بحضرتهما . وإدخال السرور إلى قلبيهما .
عمي الحبيب له بقالة يعمل فيها ويساعده أبناؤه .. كبرت هذه البقالة ، وفتح الله باب الرزق الطيب الوافر عليهم ،
يجلس الآن بينهم فيسارعون إلى مرضاته ، ويقولون له : إذا دخلت المحل كثر الزبائن يا أبانا ، فما السبب؟!
فيقول : أدبكم يا أولادي معي ومع والدتكم ، وحسن أخلاقكم ،وطلب الرزق الحلال ، وابتسامتكم في وجوه الناس يجلب رضاء الله . ويزيد في الرزق .
يلتفت إليّ قائلاً : أنا رجل عامّي يا ولدي ، لا أعرف العربية مثلك ، ولا أتقن القراءة ، فأسمعني شيئاً من القرآن وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فهما الماء للعطشان والزاد للغرثان .
وعلمت أنه – أطال الله في عمره وحسّن عمله – يجلس بين أترابه ، فيحدثهم بما سمعه وما فقهه من علم وأدب وتفسير وسيرة ، فهو يتعلم ويعلم . ونعم المعلم المتعلّم .
 


 رمضانيات (5)
فضل الله على خلقه

لو أنك اقترضت من رجل تسعين ديناراً ، ثم جاء ابنه فاستقرض منك ستين ديناراً ، ومرت أيام وشهور ثم طالبك الرجل بدينه فلن تجد حرجاً أن تعطيه ثلاثين ديناراً فقط ، وتحيله على ابنه ليستوفي منه .
ولنفرض أن رجلاً استأجر غرفة في فندق بتسعين ديناراً ، ثم جاء ابنه فاستأجر غرفة بستين ديناراً ، فلما التقيا رغبا أن يكونا متقاربين دون أن يدفعا شيئاً ، فسوف تعطي كل واحد منهما غرفة أجرتها خمسة وسبعون ديناراً ، فليس مالك الفندق مضطراً أن يخسر ثلاثين ديناراً إنما تنزل درجة الأب خمسة عشر ليرتفع الولد خمسة عشر ، فيلتقيان في غرفتين متقابلتين . وليس المالك للفندق ملوماً بما يفعل .
أما رب العزة الكريم – سبحانه- فقد أخبرنا بأفضل من ذلك في سورة الطور حين قال تعالى " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ ألحقنا بهم ذريتهم ، وما ألتناهم من عملهم من شيء " .
فمن عظيم فَضْله وَكَرَمه وامتنانه وَلُطفه بِخَلقِهِ وَإِحسَانه أَنَّ الْمُؤمِنِينَ إِذَا اتبعتْهم ذرّيّاتهم فِي الإيمان يُلْحِقُهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي الْمَنْزِلَة وَإِنْ لَم يَبلُغُوا عَمَلَهُمْ لتقرّ أَعيُن الآباء بالأبناء عِندهمْ فِي منازلهم فَيَجمَع بَيْنهم عَلَى أَحسَن الْوُجُوه فيَرفَع النَّاقِصَ العمل بِكَامِلِ العمل ولا يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ عَمَله وَمَنزِلَته ، ويساوي بينهما قَالَ" أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلهمْ مِنْ شَيْء " .
وَقَالَ الْحَافِظ الطَّبَرَانِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا دَخَلَ الرَّجُل الْجَنَّة سَأَلَ عَنْ أَبَوَيهِ وزوجَتِهِ وَوَلَدِهِ فَيُقَال إِنَّهُمْ لَمْ يَبلُغُوا دَرَجَتَك فَيقول يَا رَبّ قَدْ عَمِلتُ لِي وَلَهُم فَيُؤمَر بِإِلحاقِهِم بِهِ "
هَذَا فَضله تَعَالَى عَلَى الأبناء بِبَرَكَةِ عَمَل الآباء وَأَمَّا فَضْله عَلَى الآباء بِبَرَكَةِ دُعَاء الأبناء فَقَد أورد الإمام أَحمَد رحمه الله عَن أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه لَيَرْفَع الدَّرَجَة لِلْعَبدِ الصَّالح فِي الجَنَّة فَيَقول يَا ربّ أَنَّى لِي هَذِهِ ؟ فَيَقُول بِاستِغفَارِ ولَدك لَك " إِسْنَادُهُ صَحِيح ولَهُ شَاهِد فِي صَحِيح مُسْلِم عَن أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم اِنْقَطَعَ عَمَله إلا مِنْ ثلاث : صَدَقَة جَارِيَة أَو علم يُنْتَفَع بِهِ أَو وَلَد صَالِح يدعو لَه " .
أَخبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مَعَ غِنَاهُ عَنْ الخلائق جَمِيعهم وَمَعَ بِرّه وَإِحْسَانه بِهِم يُجَازِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَحْسَن الْجَزَاء فيُكَفِّر عَنْهُمْ أَسوَأ الَذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَنِ الَذِي كَانوا يعملون ، فَيَقبَل القلِيل مِنْ الحَسَنَات وَيُثيب عَلَيهَا الوَاحِدَة بِعَشرِ أَمثَالهَا إِلَى سَبعِمِائَةِ ضِعف وَيَجْزِي عَلَى السَّيِّئَة بِمثلها أَوْ يَعفو وَيَصفَح كَمَا قال: " إِنَّ اللَّه لا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْه أَجْرًا عَظِيمًا " وَقَالَ في سورة العنكبوت : " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُم سَيِّئَاتهمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ " .
فيمحو السيئات فلا تبقى ، ولا يجزيهم على عملهم الحسن بالنسبة التي فعلوها ، إنما يجعل العمل الحسن كله بأعلى نسبة ، وهذا من كريم عظيم .
وتعال معي نستجلي الأمر بشكل واضح في الآيات من سورة الزمر . يقول الله تعالى
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
يخبرنا الله تعالى أنه يكفر عن المسلمين أسوأ ما عملوا ، فإذا عفا عنا اسوأ ما عملناه ، وهي الكبائر والذنوب العظيمة المخيفة فمن باب أولى أنه سبحانه غفر لنا الذنوب الأصغر . فتلاشت كل السيئات بحمد الله ومنـّه .
واقرأ معي بقية الآية " ويجزيهم أحرهم بأحسن الذي كانوا يعملون " فالمسلم يعمل أعمالاً عظيمة أجرها كبير ، ويعمل أعمالاً بسيطة أجرها قليل . فيجعل الله تعالى أجر القليل كأجر الكثير ، فتكثر الحسنات وتنتفي السيئات ، فتكون أيها المسلم من أهل الجنة ، وتدخلها معززاً مكرماً .
من يفعل ذلك سوى الكريم سبحانه المتفضل لا إله إلا هو ؟
بقي أن تهمس في أذني وأهمس في أذنك أن نتعاهد على فعل الخيرات وعمل المبرّات ، وأن نعصي شياطين الإنس والجن ، وأن نتوجه إلى الله بقلوب سليمة ...
فادع لي بظهر الغيب يا أخي ، إنني والله لبحاجة إلى دعائك .. اللهم اغفر لي ولإخواني وتجاوز عن سيئاتنا ، واجعلنا من عتقائك في هذا الشهر الفضيل .. اللهم آمين .
أخوك المحب عثمان
 


 رمضانيات (6)
تخترق الحُجُب
 

- اعتمر علي رضي الله عنه يوماً فرأى رجلاً متعلـّقاً بأستار الكعبة وهو يقول :
يا من لا يَشغَلـُه سمْعٌ عن سمع ، ولا تُغلطُه المسائل ، ولا يُبرمه إلحاح المُلِحّين ؛
أذِقني بردَعفوك ، وحلاوة مغفرتك .
فقال علي : والذي نفسي بيده ، لو قلتَها وعليك ملءُ السموات والأرَضين ذنوباً لَغُفِر لك .

***

- دعا أعرابيّ عند الملتزَم فقال : اللهمّ إن لك عليّ حقوقاً ، فتصدّقْ بها عليّ ، وللناس قِبَلي تَبِعات ، فتحمّلْها عنّي ، وقد أوْجَبْتَ لكل ضيف قِرى ، وأنا ضيفك . فاجعل قرايَ الجنّة .

***

- وقال آخر: اللهمّ إليك خرجْتُ ، وما عندك طلبْتُ ، فلا تَحرمني خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندي . اللهمّ وإن كنتَ لم ترحمْ نَصَبي وتعبي فلا تَحرمني أجرَ المصاب على مصيبته.

***

- وقال آخر : اللهمّ ؛ إنه مَن تهيّأ أو تعبّأ وأعدّ واستعدّ لوفادة مخلوق رجاء رِفده وطَلَبَ نَيلِه ، فإن تهيـُّئي وتعبـّئي وإعدادي واستعدادي لك رجاء رِفدك وطَلَبَ نَيلك الذي لا شبيه له ولا مثيل . .. اللهمّ إنّي لم آتِك بعملٍ صالح قدّمْتـُه ، ولا شفاعةِ مخلوق رجَوتـُه ، أتيتُك مُقِرّاً بالظلم والإساءة على نفسي ، أتيتُك بأني لا حُجّة لي . أرجو عظيمَ عفوك الذي عُدْتَ به على الخطـّائين ، ثمّ لم يمنَعكَ عُكوفُهم على عظيم الجُرم أنْ جُدْتَ لهم بالمغفرة . فيامن رحمتُه واسعةُ ، وفضلُه عظيم ، اغفرِ الذنبَ العظيم .

***

- وقال آخر : اللهمّ لا تُدخلنا النار بعد أن أسكنْتَ قلوبنا توحيدَك ، إنّي لأرجو أن لا تفعل ، ولئنْ فعلتَ لتجمعَنّ بيننا وبين قوم عادَيناهم فيك .

***

- وقال آخر :
وإني لأدعـو الـلـهَ والأمـرُ ضيّقٌ *** عـَلـَيّ فـمـا يـنـْفـَكّ أن يـتـَفـرّجا
ورُبّ فـَتىً سُـدّتْ عليـه وجـوهُـهُ *** أصابَ له في دعوة الله مخرَجا

***

- قال إبراهيم بن أدهم لأصحابه حين عرض لهم سَبُعٌ : قولوا :
اللهم احرُسنا بعينك التي لا تنام ، واجعلنا في كَنَفِك الذي لا يُرام ، وارحمنا بقدرتك علينا ، لا نَهلك وأنت رجاؤنا .
قال خلف : فما زلت أكرّرُها مذ سمعتها ، فما عرض لي قَـَطّ لص ولا غيرُه.
- قال أعرابيّ : مَنْ أقام بارضنا فليُكثِر من الاستغفار ، فإنّ مع الاستغفار القـُطار ( السحاب العظيم القطر ) .
- وكان أعرابي يدعو : اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجِز ، ولا إلى الناس فنضيع ، اللهم اجعل خير عملي ما قاربَ أجلي .
- ومسك الختام دعوة سيّد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم :
" اللهم اجعلني لك شَكـّاراً ، لك ذكّاراً ، لك رهّاباً ، لك مطيعاً ، إليك مُخبتاً ، لك أوّاهاً منيباً ، ربّ تقبّل توبتي ، وغسل حَوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبّتْ حُجّتي ، واهدِ قلبي ، وسدّدْ لساني .
 


 رمضانيات (7)
بين جبريل ويوسف عليهما السلام
 

- يروى في الإسرائيليات أن يوسف عليه السلام لمّا لبث في السجن سبع سنين أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام بالبشارة بخروجه فقال له :
أتعرفني أيها الصدّيق؟
قال له يوسف : أرى صورة طاهرة وروحاً طيبة لا يشبه أرواح الخاطئين .
قال جبريل : أنا الروح الأمين , رسول رب العالمين .
قال يوسف : فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين وراس المقرّبين؟.
قال جبريل: أوَ لمْ تعلم – أيها الصدّيق – أن الله يُطهّر البيوت بطُهر النبيين،وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرَضين ؟ وقد طهّر بك السجن وما حوله يا ابن الطاهرين.
قال يوسف : كيف تشبهني بالصالحين وتسميني بأسماء الصدّيقين ، وتـَعُدُّني مع آبائي المخلصين ، وأنا أسيرٌ بين هؤلاء المجرمين ؟!
قال جبريل : لمْ يكلِم ( يجرح)قلبَك الجزعُ ، ولمْ يغيّر خُلـُقـَك البلاءُ ، ولمْ يتعاظمْك السجنُ ، ولمْ تطأ فراش سيّدك ، ولمْ يُنسِك بلاءُ الدنيا بلاءَ الآخرة ، ولمْ تُنسك نفسُك أباكَ ، ولمْ يُنسِك أبوك ربّكَ .
وهذا الزمانُ الذي يفُكّ اللهُ به عُنُوّك( أسرك ) ، ويعتق به رقّك ، ويُبَيّن فيه للناس حكمَتَك، ، ويُصَدّق رُؤياك ، ، ويُنصفك ممن ظلمك ، ويجمع إليك أحبتك ، ويهب لك ملك مصر ، يُمَلّكك ملوكَها ، ويُعبّد لك جبابرتها ، ويُذِلّ لك أعزّتها ، ويُصغـّر لك عظماءها ، ويُخدِمُك سوقَتَها ، ويُخوّلك خوَلها ، ويرحم بك ساكنيها ، ويُلقي لك المودّة والهيبة في قلوبهم ، ، ويجعل لك اليد العليا عليهم ، والأثر الصالح فيهم ، ويُري الملكَ حلماً يفزع منه ، ويأخذه كربٌ شديد ، حتى يُسهره ويُذهب نومَه ، ويُعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكَهَنة ، ويعلّمك تأويله .
- كلام منمّق يدل على أن راويه متمكن في اللغة العربية تمكناً رائعاً فجمع هذه الجمل القصيرة المترادفة ، فجلّى لنا بعض ما أراده الراوي وأحسن السبك والتصوير . لكنْ خانه البيان في بعض الجمل والتعابير في أمور نذكر بعضها :
1- لم يكن للصديق يوسف عليه السلام أن ينكر صدّيقيته ولو كان في السجن ، فهو يعلم أنه بريء مما رمي به ، وأن المكان يطهر بالطاهرين – فعلاً- ولا يضيره أن يكون في السجن ما دام في رعاية الله وحفظه . كما أنه عليه السلام نبيٌّ ابنُ نبيٍّ ابنِ نبيٍّ ابنِ أبي الأنبياء .
2- أخطأ الراوي حين جعل مَنِ اشتراه سيده ، والقرآن الكريم يتجاوز ذلك حين يقول معرضاً وملمّحاً " وألفيا سيّدَها لدى الباب " فجعله سيدها لا سيّده فلا ينبغي أن يكون الكافر سيّداً لنبي . وكذلك لم يجعل القرآن المرأة سيدته حين قال " وراودَتـْه التي هو في بيتها عن نفسه " أما قوله تعالى حكاية عن يوسف " معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي " فالرب هنا الله تعالى على أصح الوجوه ، فهو سبحانه الذي رعاه وحفظه وأكرم مثواه .
3- ولا يليق التعبير " ، يُمَلّكك ملوكَها ، ويُعبّد لك جبابرتها ، ويُذِلّ لك أعزّتها ، ويُصغـّر لك عظماءها ، ويُخدِمُك سوقَتَها ، ويُخوّلك خوَلها " بمكانة نبي داعية ينشر الحق والعدل بين الناس أن يتسلط على رقاب العباد فيتعبدهم ويستذلهم ويستخدمهم ، ويجعلهم خولاً ... وقد ذاق مرارة الظلم والقهر ..

والنص – حقيقة – جيد السبك مرصوف العبارة ، قويّ الحبكة .
وكان يوسف عليه السلام رحيماً بالناس ذا أثر صالح فيهم ، له اليد العليا عليهم ، فسبحان الله تعالى الذي ابتلاه فرفع درجته في الأنبياء والصدّيقين ، فكان نموذجاً رائعاً ، وأسوة صالحة . ورفع ذكره بين خلقه إلى يوم القيامة .
 


 رمضانيات (8)
قرّاء آخر زمان !
 

- عام ألف وتسع مئة وستة وتسعين من القرن الماضي شارك في مسابقة حفظ القرآن الكريم في دبي – في دولة الإمارات العربية المتحدة - شارك فيها أحد حفاظ القرآن من الباكستان . فلما جاء دوره طلب إليه المقرر أن يقرأ من سورة طه .
وهنا بدأت الطامة الكبرى إذا قرأ هذه الآية " طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " هكذا بعد أن انقطع نفَسُه : " طه ، ما أنزلنا عليك القرآن " .
" أنزلنا عليك القرآن لتشقى "
ومن المعتاد أن يعيد القارئ كلمة مما قرأ ، أوجملة حتى يصل ما انقطع . إنه فعل هذا ، ولكنه لجهله قلب المعنى وقطعه قطعاً حادّاً ، وغيّره تغييراً كبيراً ، فكأن الله تعالى لم ينزل القرآن على نبيّه الكريم ، ثم لمـّا أنزله قصد أن يشقي نبيّه بذلك !! . فأسكته الشيخ ، ثم أنهى المقابلة ، وصرفه . ولم يدر القارئ سبب إنهاء مسابقته لأنه لا يفهم العربية ، لقد حفظ القرآن دون أن يفهم معانيه ، وردد آياته ترديد الببغاء . ووقف وقفة خاطئة .
- وفي دبي – كذلك – عام سبعة وتسعين وتسع مئة وألف دخلت سوق بيع الجملة للخضار والفاكهة ، فأدركتني صلاة المغرب هناك . ، فدخلت المسجد في تلك المحلة ، فقرأ الإمام البنغالي في الركعة الأولى أول سورة " المنافقون " .. كتبتها بالرفع على الحكاية ، هكذا علمنا أساتذتنا ..
- قلت إنه قرأ الآية الأولى " إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " فجعل الكلمتين يشهد ونشهد " نشحد ويشحد " بالحاء بدل الهاء ... قلت لا بأس أن نكون نحن معشر العباد " شـحّادين " أما أن يتصف الله جل شأنه بـ " الشحادة " فمصيبة كبرى .
واتصلت بمدير الأوقاف إذ ذاك ، ونبهته إلى وجوب أن يكون الإمام ناطقاً للعربية بشكل صحيح ، وأن هذا البنغالي لا ينبغي أن يكون إماماً ، فلم أجد منه أذناً صاغية .
بل إن مدير الوقاف هذا كان منحرف العقيدة – إن صح التعبير - فقد حضرت له خطبة في إحدى الجمع فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بشراً ، واحتج بقصة مختلقة ما أنزل الله بها من سلطان يقول فيها : إن السيدة عائشة رضي الله عنها حين أرادت أن تُحكم النطاق حول خصره صلى الله عليه وسلم عاد النطاق بين يديها . فلما نزل من المنبر وصلى بنا الفريضة أخبرته أنه اعتمد قصة مختلقة لا أصل لها ، وتناسى أنه صلى الله عليه وسلم شُج في معركة أحد وانكسرت رباعيته ، وسال دمه ، وأنه صلى الله عليه وسلم يأكل ويشرب وينام ويصحو ويموت . وذكرت له الآيات الدالة على بشريّته صلى الله عليه وسلم ، .. وكأنك تحرث في الماء ، وتزرع في الهواء ، وكان بيننا ما كان .
- أما في عام ألفين وأربعة للميلاد فقد كنت ضيفاً في رمضان على المركز الثقافي الإسلامي في مدينة جنوة الإيطالية ، وصليت وراء الإمام نافلة التراويح ، فقرأ في الركعة الأولى من سورة مريم ما قرأ وأنهاها بقوله تعالى : " وإن منكم إلا واردها ، كان على ربك حتماً مقضياً " ثم ركع وركعنا ، قلت في نفسي : سامحه الله ، كيف رضي أن يتركنا في جهنم دقائق عدة ، ثم بعد السجود والقيام إلى الركعة الثانية وقراءة الفاتحة أخرجنا منها حين قرأ " ثم ننجي الذين التّقَوا ، ونذر الظالمين فيها جثيّاً " .. على فرض أننا من المتقين إن شاء الله تعالى !.. هذا دليل على أن الإمام لا يعي ما يقرأ ، ولا يفهم ما يتلو ..
- إن ما ذكّرني بهذه المواقف أنني صليت أمس اليوم الرابع عشر من هذا الشهر الفضيل خلف إمام مسجدنا ، وعهدي به لمّاحاً ذكيّ الفؤاد ، فوقع في المطبّ نفسه حين أنهى الركعة الأولى لصلاة التراويح بقوله تعالى من سورة الصافات على لسان الكفار المستهزئين " أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنـّا لمبعوثون ؟ ! أوَآباؤنا الأوّلون ؟! " ثم ركع وسجد وركعنا وسجدنا معه ، ثم قام إلى الركعة الثانية فقرأ الفاتحة ثم أورد الردّ القاصم الذي كان ينبغي أن يقرأه في الركعة الأولى وهو قوله تعالى " قل : نعم ، وأنتم داخرون أي خاضعون ذليلون . ... وكان المصلون يتابعونه – على ما أظن- غير مدركين ما يقرؤه ، غير أنهم ربطوا أجسادهم بحركاته : قيامه وركوعه وسجوده يؤدون عملية رياضية ليس غير ، تقبل الله منا جميعاً .
 



رمضانيات (9)
رحمة الله بأمة الحبيب المصطفى
 

كنت أقرأ اليوم - صباح السادس عشر من رمضان عام 1429 للهجرة سورة البقرة ، فتوقفت عند آخرها في قوله تعالى " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأرض وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ اللَّه فَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وفيها أن الله تعالى لا تَخْفَى عَلَيْهِ الظَّوَاهِر وَلا السَّرَائِر وَالضَّمَائِر وَإِنْ دَقَّتْ وَخَفِيَتْ وأَنَّهُ سَيُحَاسِبُ عِبَاده عَلَى مَا فَعَلُوهُ وَمَا أَخْفُوهُ فِي صُدُورهمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرض، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " . وَقَالَ " يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى " وأنه سبحانه يحاسب العباد على جليل الأعمال وحقيرها
لما سمع أصحاب رسول الله هذه الآية اشتد الأمر عليهم وخافوا وجثـَوا على الركب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون هلكنا والله يا رسول الله ، وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه كُلـّفنا مِن الأعمال مَا نُطِيق : الصلاة وَالصِّيَام وَالْجِهَاد وَالصَّدَقَة وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْك هَذِهِ الآية ولا نُطيقها .
فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْل الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك الْمَصِير " . فَلَمَّا أَقَرَّ بِهَا الْقَوْم وَذلَّتْ بِهَا أَلسِنَتهمْ أَنْزَلَ اللَّه فِي أَثَرهَا " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك الْمَصِير " .
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّه تعالى ، فَأَنْزَلَ : " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اِكْتَسَبَتْ رَبّنَا لا تُؤَاخِذنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " قَالَ نَعَمْ " رَبّنَا وَلا تَحْمِل عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا " قَالَ نَعَمْ " رَبّنَا ولا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَة لَنَا بِهِ " قَالَ نَعَمْ " وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مولانا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ" قَالَ نَعَمْ . من حَدِيث اِبْن عَبَّاس
فَتَجَوَّزَ لَهُمْ عَنْ حَدِيث النفس وَأُخِذُوا بالأعمال والأقوال فقط .
يقول القرطبي في تفسيره : قَالَ جِبْرِيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّه قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاء عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك ، فَسَلْ تُعْطَهُ . فَسَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف ، فنزلت الآية الأخيرة " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ثم روى اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ تَكَلَّم أَوْ تَعْمَل " .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حديث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَالَ اللَّه : إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَة وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا "
وَفِي حَدِيث سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا إِنَّا نَجِد فِي أَنْفُسنَا مَا يَتَعَاظَم أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ قَالَ " وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ " قَالُوا نَعَمْ قَالَ " ذَاكَ صَرِيح الإيمان " .
وقد قال العلماء : إِنَّ الْمُذْنِب مُحْتَاج إِلَى ثلاثة أَشْيَاء :
1- أَنْ يَعْفُو اللَّه عَنْهُ فِيمَا بَيْنه وَبَيْنه ،
2- وَأَنْ يَسْتُرهُ عَنْ عِبَاده فلا يَفضَحهُ بِهِ بَينهم ،
3- وَأَنْ يَعْصِمهُ فلا يُوقِعهُ فِي نَظِيره .

وهذا من فضل الله تعالى على أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم . إذ رفع الله سبحانه عنا الفضيحة والعنت مما كانت الأمم قبلنا تعيشه .
فقد كان يُكتب على أبواب الأقوام قبلنا ما كانوا يفعلونه في اليوم السابق ، فيستيقظون ، فيجدون ذلك أمام أعينهم ، يقرؤه الجميع ، فلا سرّ ولا ستر أكان ما فعلوه خيراً أم شراً . مثال ذلك قصة الرجل الذي تصدق على زانية وعلى لص ثم على تاجر .
وكان من طهارة الثوب إذا أصابته نجاسة أن يُقرض مكان النجاسة بالمقاريض .
والإصر كما قال العلماء : الشدة والتكليف الشاق الذي قد لا يتحمله المكلّفُ به إلا بعنت وجهد كبيرين .
من الأمثلة التي نجد فيها شدة الأخذ بخواطر النفس في الأمم قبلنا مارواه صهيب بن سنان رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بشيء لا نفهمه , فقلنا : يا رسول الله إنك تحرك شفتيك بشيء لا نفهمه ! قال : " إن نبياً من الأنبياء أعجبه كثرة قومه , فقال : من يفي لهؤلاء ؟ أو من يقوم لهؤلاء ؟ قال : فقيل له : خيّر أصحابك بين
1- أن نسلط عليهم عدواً فيستبيح بيضتهم ،
2- أو الجوع ،
3- أو الموت , فخيّرهم فاختاروا الموت , قال : فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفاً " . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا أقول : اللهم بك أقاتل , وبك أحاول , وبك أصاول , ولا قوة إلا بك " . وفي رواية : فأُوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم أو الجوع أو الموت فاستشار قومه في ذلك فقالوا أنت نبي الله فكل ذلك إليك خر لنا فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة فصلى ما شاء الله قال ثم قال أي رب أما عدو من غيرهم فلا أو الجوع فلا ولكن الموت فسلط عليهم الموت فمات منهم سبعون ألفا. فهَمْسي الذي ترون أني أقول اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وتصورأن عقوبة هذه الخواطر التي لم يطّلع عليها إلا الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى كانت إحدى ثلاث أمور من أشد ما يُعاقب به الإنسان .
وفي معركة حنين بعد فتح مكة قال المسلمون حين نظروا إلى أعدادهم الكثيرة - وكانوا أكثر من اثني عشر ألفاً – لن نُغلب اليوم عن قلة ، وكانت المعركة درساً عظيماً حين غفل المسلمون لحظاتٍ عن مصدر النصر فأخطأوا فيما قالوه ، فانهزموا أول الأمر إلا أن الله تعالى لم يعاقبهم العقاب الشديد إنما نببهم إلى أن النصر بيده سبحانه ، فلم تمض فترة قصيرة وهم مدبرون مشتتون حتى نادى القائد المعلم صلى الله عليه وسلم :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وأمر عمه العباس أن ينادي بصوته الجهوَري يدعو المسلمين أن يفيئوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،،، وكان النصر للمسلمين من عند الله تعالى
ولم يكن عقاب إنما كان التنبيه الذي يعيد الإيمان بالله والتوكل عليه ، ولم يكن إصرٌ إنما كانت هزة قويّة أعادت الأمور إلى نصابها برحمة الله وفضله :
" لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم ولّيتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وأنزل جنوداً لم تروها ، وعذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين "
فالحمد له – سبحانه – أنه لم يكلفنا إلا ما نُطيق ، ولم يحملنا حساب الخواطر والأفكار وحديث النفس ، فوالله إنها لمن الطامّات لو كانت ، إنها لا تبقي ولا تذر .
يا ربنا لك الحمد ولك الشكر آناء الليل وأطراف النهار ، في كل لمحة وثانية في حياتنا إلى أن نلقاك وأنت راضِ عنا .
 


 رمضانيات (10)
أخبار البكـّائين
 

عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوريّ رحمه الله كنز من كنوز الادب والعلم ، كثيراً ما ألجأ إلى رياضه أتجول بين بستان وحديقة ، وقطيفة وأيكة . فما يزال يُمدّني بالحكم والمواعظ والشعر والأدب والفكرة والخاطرة .
قرأت اليوم من إحدى روضات زهدياته ، فأحببت أن أنقل لكم بعض حِكمها وعظاتها :
- كان زيد الرقاشي يخاطب نفسه قائلاً : ويحك يايزيد ؛ من يصوم عنك ؟ من يصلّي عنك ؟ ومنذا يترضّى لك ربك من بعدك؟ ثم يقول : يا معشرَ مَنِ الموتُ موعدُه ، والقبر بيتُه ؛ ألا تبكون؟ ! .. فيبكي حتى تسقط أشفار عينيه .
- وكان سيّار بن جعفر يقول : أخوك مَن وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه .
- وتكلم الحسن البصري يوماً حتى أبكى مَن حوله ، فقال: عجيجٌ كعجيج النساء ، ولا عزم ، وخدعة كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء وهم يبكون ؟ . ( والعجيج : الصياح ورفع الصوت ) .
- فقد مالك بن دينار مصحفه في مجلسه ، فنظر إليهم كلّهم يبكون ، فقال : كلّكم يبكي ! فمن سرق المصحف ؟! ... قرأت ماقاله ، فابتسمت ابتسامة الموافق تعجّبـَه ، فقد صلينا التراويح في مسجد حينا أمس الأول فلما أردت الخروج لم أجد حذائي ، وهذه ثالث مرة أو رابعها أفقده . وعدت إلى البيت حافياً .. واشتريت حذاءً يزهد الناس فيه .
- قال ابن الحواريّ : رأيت أبا سليمان الداراني يبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : إنما أبكي لذلك الغمّ الذي ليس فيه فرح ، وذلك الأمد الذي ليس له انقطاع .
- قال بعضهم : أتيت الشام ، فمررت بدير حَرمَلة ، وبه راهب كأن عينيه عِدلا مزاد ؛ فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا مسلم ؛ أبكي على ما فرّطْتُ فيه من عمري ، وعلى يوم مضى من أجَلي لم يَحْسُن به عملي . قال : ثم مررت بعد ذلك ، فسألتُ عنه ، فقالوا : أسلمَ ، وغزا ، فقـُتـِل في بلاد الروم .
- قال ابن الحواريّ : دخلت على أبي سليمان الدارانيّ وهو يبكي ، فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا أحمد ؛ إنه إذا جنّ الليل ، وهدأت العيون ، وأنِس كل خليل بخليله فرَش أهل المحبّة أقدامَهم ، وجرَتْ دموعُهم على خدودهم ، وأشرف عليهم الجليل فقال : بعيني مَنْ تلذّذ بكلامي واستراح إليّ ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيباً يعذّب أحبّاءَه ؟! أم كيف أبّيِّتُ قوماً وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملّقونني ! فبي حلفتُ أن أكشف لهم يوم القيامة عن وجهي ينظرون إليّ .
- قالت الخنساء : كنت أبكي لصخر من القتل ، فأنا أبكي له اليوم من النار.
- قال عمر بن ذدٍّ لأبيه : يا أبَتِ ؛ ما لك إذا تكلّمتَ أبكيت الناس ، وإذا تكلّم غيرُك لم يُبكِهم ؟ فقال : يا بنيّ ؛ ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة .
- قال الفضيل لأحد تلامذته وقد أخذ بيده : يا ولدي ؛ كذب مَن الدّعى محبتي وإذا جنّ ليلُه نام عنّي ، أليس كل حبيب يحبّ خَلوةَ حبيبه ؟! ها أنَذا مطّلع على أحبائي ، إذا جنّ الليل جعلتُ أبصارهم في قلوبهم ، مثّلت نفسي بين أعينهم ، فخاطبوني على المشاهدة ، وكلّموني على الحضور .
- وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه : هبْ لي مِن قلبك الخشوعَ ، ومن بدنك الخضوعَ ، ومن عينك الدموعَ ، وادْعُني ، فإنّي قريب .
- وكان عمر رضي الله عنه يقول : استغزِروا العيونَ بالتذكّر .
- ومسك الختام قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " .
 


 رمضانيات (11)
صلاة التروايح أم صلاة التساريع؟
 

لن أدخل في فقه الصلاة – كما يريده الفقهاء أنفسهم – فلست بالذي يبغي أن يؤصل قاعدة فقهية يناقش فيها ، إنما نراوح بين اللغة والعادة التي تعارف عليها الناس في أدائهم صلاة التراويح في كل رمضان .
اعتاد جمهور المسلمين – وأركز على كلمة ( اعتاد) – بعد فرض العشاء في رمضان مباشرة أن يصلوا ثماني ركعات على الأعم وعشرين ركعة على الأقل وكأنها صارت فرضاً عليهم ، لا يخرجون من المسجد إلا إذا صلّوها –
وتعمدت أن أقول " صلّوها " ولم أقل " يقيمون صلاتها " لأن الفرق بين المعنيين كبير . فلن تجد في القرآن حين يأمرنا الله تعالى بالصلاة – على الأعم الأغلب - سوى " وأقم الصلاة .." و " يقيمون الصلاة " وقد ذكرت الإقامة بالفعل الماضي والمضارع والأمر والمصدر خمساً وأربعين مرة ، إلا إذا أراد الدعاء ، فقال " وصلّ عليهم " ثم ذكر الفعل صلّى مرة واحدة بصيغة الأمر في قوله تعالى " فصلّ لربك وانحر " .
وتراهم في أحايين كثيرة يوصون الإمام أن يسرع في صلاته قراءة وأداء ، فيختصر صاحبنا القراءة . ولا حاجة لقراءة " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... " أو " سبحانك اللهم وتبارك اسمك وتعالى جدك ...." بعد تكبيرة الإحرام بل يبدأ بالفاتحة مباشرة ، ويُعدّ ماهراً إذا أنهى الفاتحة بنـَفس واحد أو نفسين ، ثم قرأ من قصار السور آيتين أو آية واحدة إن كانت طويلة بالسرعة نفسها التي قرأ فيها الفاتحة ، ثم يركع فلا يستوي راكعاً ويسجد فلا يستوي ساجداً . ولا ترى كبار السن والبادنين يستطيعون متابعته ، فهو يسير بسرعة مئة وثمانين كيلاً في الساعة !.
وأغلبهم لا يريد أن يسمع كلمة بعد الركعة الرابعة ، فقد تفوته حلقة من مسلسل تلفزيونيّ شائق يتابعه ،أو سهرة ممتعة حان وقتها . وإن لم يكن بد من الكلمة ، فلتكن قصيرة وسريعة قِصَر الركعات وسرعتها .
صليت مرة في مدينتي حلب ، وفي حي الكلاّسة ، وبالتحديد في جامع عبد الناصر ، فانتهت صلاة العشاء وركعتا السنة بعدها ، وعشرون ركعة للتراويح ، ثم ركعتا الشفع ومن بعدها ركعة الوتر كل هذه الركعات في نصف ساعة فقط . إنها كما ترون تسع وعشرون ركعة قضاها في ثلاثين دقيقة ! ، وافتخر الإمام أنه كان نشيطاً وسريعاً ، ومَن أعجبته الصلاة معه فليصل معه الأيام القادمة ، ومن لم يعجبه فالمساجد في المنطقة كثيرة !!
كنت إذ ذاك في الثلاثين من عمري حين انطلقت لزيارة أهلي ومعي زوجتي ، فأُذّن للعشاء ، وكنا في منتصف الطريق إليهم فدخلنا هذا المسجد وأدينا رياضة نصف ساعة ! وسمعت هذا الكلام ، فحمدت الله أن بيتي ليس في هذا الحي وإلا اضطررت أن أمشي كل يوم مسافة أكبر لأصلي في مسجد آخر .
وسألت نفسي :
1- هل من السنّة أن نصلي التراويح بعد صلاة العشاء مباشرة ؟ والجواب قطعاً : لا ؛ إنما نصليها في الوقت بين العشاء والفجر .
2- هل الصلاة أمر ثقيل فرض علينا يجب أن نؤديه بتلك السرعة أو شبيهها دون أن نتفكر أو نتدبّر فيما يقرأ الإمام ؟ ودون أن نعي هذه الرسائل الإلهية فنعرضها على أنفسنا لنرى أنحن ممن يؤديها أم نسيها ومرّ عليها ، فلم يلقِ لها بالاً ؟
3- وما الفرق بين السرعة والاعتدال في الحركات والطمأنينة في الركوع والسجود ؟ إننا لو زدنا في كل ركعة نصف دقيقة لما زاد الأمر عن أربع دقائق في الركعات الثمانية أو عشر دقائق في الركعات العشرين . أليست هذه الدقائق التي نضمها للصلاة تزرع السكينة والطمأنينة في أدائنا للصلاة ، وترضي ربنا تعالى ؟ وما الأمر الخطير الذي نضيعه في حياتنا إذا كانت صلاتنا هادئة ؟. ولن أقارن أنفسنا برجال الله السابقين ، فهؤلاء قوم عمالقة ، لن نصل إلى كعوب أقدامهم .
4- والتراويح من المراوحة ، ويقول العلماء : سمي قيام رمضان " تراويح" لأن فيها مراوحة بين الصلاة والذِكر والعِبَر والعظات ، فبين كل ركعتين أو أربعٍ كلمة ٌ، ثم ذكرٌ لله تعالى وصلاةٌ على نبيه الكريم ، وبعضهم قال – كابن مسعود رضي الله عنه - بل هناك تراويح بين رجل وأخرى في الصلاة لترتاح كل رجل من طول الوقوف قليلاً حين تعتمد على أختها دقائق لطول القيام . وهذه الصلاة التي يحدثنا عنها ابن مسعود لا علاقة لنا بها ، فأولئك – كما قلت – عمالقة شتان ما بيننا وبينهم . ورحم الله سيدنا ابن مسعود فهو يتحدث عن رجال القرون الثلاثة الأولى ولا يقصد رجال القرن الخامس عشر الهجري أو القرن الواحد والعشرين الميلادي !. .
فهل نصل نحن صلاة التراويح أو صلاة التساريع ؟!
 


 رمضانيات (12)
شرور الثقلين
 

قرأ الإمام في صلاة فجر هذا اليوم الرمضاني 20- رمضان 1429من سورة فاطر ، ولما قرأ آخر آية في هذه السورة " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) " كررت في نفسي " ما ترك على ظهرها من دابّة " ثم قلت : أأراد سبحانه وتعالى بكلمة دابـّة مَن يعقل فقط ( الأنس والجن ) وهم المكلفون ، وعليهم يجري القلم أم أراد سبحانه أن كل نسمة في الأرض من حيوانات وحشرات يبيدها الله تعالى بذنوب الجن والإنس وشرورهم ؟ .
وحين عدت إلى البيت لجأت إلى كتب التفسير أستجلي الأمر فوجدت الرأيين كليهما ، وقبل أن أورد ما ارتاحت له نفسي أذكر ما قيل فيهما ، ولعل القارئ يقدم أحدهما على الآخر لعلة قوية يرتئيها .
قال بعض المفسرين في هلاك الجميع " لَوْ أخذهم بِجَمِيعِ ذنوبهمْ لأهلك جَمِيع أَهل السَّمَاوات وَالأرض ، وَمَا يملِكُونَهُ مِن دَوَابّ وَأَرزاق . ويورد ابن كثير عن ابن مسعود " كَاد الجُعل أَن يُعَذب فِي جُحره بِذَنْبِ اِبن آدم " . وزاد القرطبي معللاً : وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ زَمَن نُوح عليه السَّلام . وَقَالَ سَعِيد بن جُبَير وَالسُّدِّيّ في هذه الآية : لَمَا سَقَاهُم الْمَطَر فَمَاتَت جَمِيع الدَّوَابّ . وَقَالَ يَحيى بن أَبِي كَثِير : أَمَرَ رَجُلٌ بِالْمَعرُوفِ وَنَهَى عَنْ المُنكَر , فَقَالَ لَهُ رَجُل : عَلَيْك بِنَفسِك فَإِنَّ الظَّالِم لا يَضُرّ إلا نَفسه . فَقَالَ أبو هريرة : كَذَبت ، وَاَللَّه الَّذِي لا إِلَه إلاّ هُوَ - ثُمَّ قَالَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوت هُزْلا فِي وَكرهَا بِظُلمِ الظَّالِم . وَقَالَ الثمَالِيّ وَيَحْيَى بْن سلاّم فِي هَذِهِ الآية : يَحبِس اللَّه الْمَطَر فَيَهلِك كلّ شَيْء .ويقول مُجَاهِد فِي تَفسِير " وَيَلْعَنهُمْ اللاعنون " في سورة البقرة هم الْحَشَرَات وَالْبَهَائِم يُصِيبهُم الْجَدب بِذُنوبِ عُلَمَاء السُّوء الْكَاتِمِينَ فَيَلعَنُونَهُم . وَذَكَر القرطبي حَدِيث الْبَرَاء بن عَازِب قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي قَوله : " ويلعنهم اللاعنون " قَالَ : ( دَوَابّ الأرْض ) .
ولا تدل لعنة الحيوانات التي لا تعقل وغيرها للمفسدين من البشر والجن في الحديث أن الهلاك يصيبها إلا ان الأذي قد يلحق بها ، وتشعر به . وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه " " كَادَ الجَعْل أَنْ يُعَذَّب فِي جُحْره بِذنبِ اِبْن آدم " فللتهويل وتعظيم الأمر حين استعمل الفعل ( كاد) . وأما حبس المطر في قول الثمالي وابن سلام فيرده قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولولا البهائم لم يُمطروا " .
وقال بعضهم في هلاك الإنس والجن فقط ، فهم أصحاب الشرور . وَقَالَ الْكَلبِيّ : " مِنْ دَابَّة " يُرِيد الْجِنّ وَالإنس دُون غيرهما ; لأنهما مُكَلَّفَانِ بِالعقل . وَقَالَ اِبن جَرِير والأخفش والحسين بن الفضل : أَرَادَ بِالدابة هُنَا النَّاس وَحدهم دُون غَيرهم .
ويقول الفقير إلى ربه : حين قال تعالى " ولكنْ يؤخّرهم " فالضمير المتصل هنا يعود على العاقل فإذا كان التأخير للعاقل ، فالإهلاك لو حصل فللعاقل نفسه ، كما أعتقد أن كلمة " عباده" تطلق على العاقل في القرآن كله ، فالحديث إذاً عن العاقلين ليس غير ...
ولعل القارئ علم من الأسطر الأخيرة وما علّقت عليه في آخر سرد الرأي الأول ما ارتحت إليه من المعنيين ، ولك يا أخي أن تختار ما اطمأنّ قلبك إليه ، فالقرطبي رحمه الله تعالى يرى غير ما أرى ، وهو عالم جليل ذو فكر راجح وآراء صائبة . ولكنْ قد يصل إلى الصواب أحياناً تلميذ صغير لا يؤبه له ، وكلنا ننشد الحقيقة ، هدانا الله إليها ، وعلى الجميع أن يُعمل عقله وفكره ...
والله وليّ التوفيق.
 


 رمضانيات (13)
كبّر، كبّر
 

قد يخطر ببالك أخي الحبيب حين تقرأ العنوان أنني أقول لك : قل ( الله أكبر ) ، لا شك أن من شعارات المسلمين في كل آن وحين أن نكبر فنقول : الله أكبر .
كبّر، كبّر ... كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سهل حين قـُتل أخوه عبد الله – وعبد الله أكبر منه - وكان صديقاً لمحَيّصة بن مسعود ، وكان القاتل معروفاً ،ذكر اسمَه القتيلُ عبد الله وهو يتشحّط بدمه قبل أن يفارق الحياة حين لقيه صاحبه مُحيّصة في اللحظات الأخيرة .
فقد ذهب محيّصة وعبد الله إلى خيبر وقت السلم لبيعٍ أو شراء وافترقا على أن يلتقيا في ساعة محددة ، فلما عاد محيّصة وجد صاحبه يفارق الحياة بضربة غدر من رجل عرفه ونطق اسمه قبل أن يودع .
انطلق محيّصة وأخوه حُويّصة – وحويّصة أكبر الاثنين – ومعهما عبد الرحمن بن سهل أخو القتيل يشتكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطلبون الثأر والقصاص ، وظنّ عبد الرحمن أنه أولى بالحديث لأنه أخو القتيل ، فلما بدأه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم والأخوان حويّصة ومحيّصة معه قال له النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه احترام الكبير وتوقيره ووجوب تقديمه : " كبّر ، كبّر " .. ، فسكت ، وتكلم حويّصة ومحيّصة .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُراني أتسوّك بسواك ، فجاءني رجلان أحدُهما أكبر من الآخر ، فناولتُ السواكَ الأصغرَ ، فقيل لي : كبّرْ ، فدفعته إلى الأكبر منهما " وللإنسان أن يعطي الهدية من يشاء ، لكنّ احترام الكبير وتوقيره مطلوب ، فكان تقديمه أولى .
وكان الحبيب المعلّم صلى الله عليه وسلم يقول منبهاً إلى إكرام الكبير " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم " . فمن إكرامه التأدب في الحديث معه ، وخفض الصوت أمامه ، والنظر إليه بمحبة ولطف ، وإجلاسه في مكان يستحقه ، وتقديمه في حضرة الآخرين وعدم تعدّيه ، ومناداته بكلمة تنبئ عن تقدير ( العم ، أبا فلان .... ) .
ألم نحفظ عنه صلى الله عليه وسلم قوله الرائع المضيء في عالم التربية والأدب " ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرفَ كبيرنا " ولا حظ معي كلمة " ليس منّا " فهي تنبيه وتحذير من جهة ، وحضٌ وتحفيز من جهة أخرى .
وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته الطاهرة الكثير من المواقف التربوية التي تعلمنا الأدب مع الكبير ومراعاة مكانته وتقديره .
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تؤكد على ذلك منها قوله تعالى في الآية 133 من سورة البقرة حين نسمع يعقوب عليه السلام قبل أن يلقى ربه يسأل أولاده عمّن يعبدون من بعده ليثبت إيمانهم على الملة السمحاء فيجيبون " قالوا : نعبد إلهك ، وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون " فأبوه إسحاق وجده إبراهيم أما إسماعيل فعمّه ، لكنهم حين ذكروا الثلاثة قدموا عمه إسماعيل على أبيه إسحاق لأن إسماعيل أكبر منه . وجعلوا إسماعيل من آبائه . وهذا قمة في الأدب وحسن الأخلاق .
وانظر معي إلى الترتيب الجميل في قوله تعالى في الآية 136من سورة البقرة " قولوا : آمنّا بالله وما أُنزل إلينا ، وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد مكنهم ، ونحن له مسلمون " ترتيب زمني جيد من لدن إبراهيم إلى عيسى صلوات الله عليهم ، يعلمنا إنزال الكرام منازلهم .
ونجد في السورة نفسها في الآية 141 الترتيب في المقام نفسه " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أونصارى ؟! ؟ .
بل إننا نتعلم من فرعون نفسه - والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها التقطها – نتعلم توجيه الحديث إلى الأكبر والأكثر وجاهة . فقد دخل موسى وهارون عليهما السلام عليه وقالا له " إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذّب وتولّى " فوجه فرعون السؤال تحديداً إلى أكبرهما وانتظر الجواب منه فقط " قال : فمن ربكما يا موسى ؟ " وكان الحوار بينهما ...
 


 رمضانيات (14)
أين تحب أن تكون
 

قرأ الإمام اليوم في صلاة فجر الثاني والعشرين من رمضان عام 1429 للهجرة قوله تعالى في سورة الشورى الآية الخامسة والأربعين " ... وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ ألا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ " : فقلت إنه والله لأمر جلل أن يبيع الإنسان نفسه للهوى والشيطان رخيصة ، فيخلد في النار ، ويخسر كل شيء ، وأول ما يخسر نفسه .
قد يخسر الإنسان ماله ، فيعوّضه . وقد يخسر عقاراته ، فيسعى للحصول على غيرها ، وقد يخسر خيوله وأنعامه فيجدّ ويجتهد لتعويض خسارته . كل شيء يمكن أن يُعَوّض ، لكنّ خسارة النفس ، وتضييعها لا يُعوّض أبداً . وهنا الألم القاتل والحسرة الدائمة .. ولات حين مندم .
يطلع المؤمنون - وهم في جنة الله ورضوانه ونعيمه ، وعسانا أن نكون من الوارثين لهذا الفردوس المقيم بفضل الله ورحمته – يطّلعون على الكفار في عذاب النار وألمه الذي لا يُطاق فماذا يقولون :
إن من يدخل النار إما أن يكون أهله معه فيها ، فلا انتفاع بهم .
وإما أن يكونوا في الجنة ، فقد حيل بينه وبينهم ، ونالهم غيره .
أما من يدخل الجنة فإما أن يكون أهله معه ، فيسعد بهم ويزداد سروره بوجودهم معه .
وإما أن يكون أهله في النار فيبدله الله تعالى في الجنة أهلاً خيراً منهم من
الحور العين .
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إلا لَهُ منزلان ، مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّة وَمَنْزِلٌ فِي النَّار فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّار وَرِثَ أَهلُ الْجَنَّة مَنْزِله ، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ " )[ الْمُؤْمِنُونَ : 10 ].
وعلى هذا يُضاعف ملكُه في الجنّة فوق حقه هبة وإرثاً بفضل الله تعالى ، يرث ما كان للرجل الكافر لو كان مؤمناً . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَحَد يُدْخِلهُ اللَّه الْجَنَّة إلا زَوَّجَهُ اثنتين وَسَبْعِينَ زَوْجَة مِنْ الحُور الْعِين وَسَبْعِينَ مِنْ مِيرَاثه مِنْ أَهْل النَّار ، .. ) .
قَالَ هِشَام بْن خَالِد : ( مِنْ مِيرَاثه مِنْ أَهْل النَّار ) يَعْنِي رجالاً أُدْخِلُوا النَّار فَوَرِثَ أَهْل الْجَنَّة نِسَاءَهُمْ كَمَا وَرِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم اِمْرَأَة فِرعَون .
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية : إن الخَسَارالأكبر لمن ذُهَبَ بِهِمْ إِلَى النَّار فَعَدِمُوا لذتهم فِي دَار الأبد وَخَسِرُوا أَنفُسهم ، وَفَـُرَّقَ بَينهم وَبَيْن أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم ، فَخَسِرُوهُمْ " ألا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَاب مُقِيم " دَائِم سرمديّ أبديّ لا خُرُوج لهم منها ، ولا مَحِيد لهم عنها .
ولا يقول المؤمنون هذا القول : إلا حين يعاينون لذة الجنة ونعيمها ، يقولون ذلك ويحمدون الله تعالى أن هداهم للإيمان وأكرمهم بالإسلام ، ورزقهم الخلود الأبدي في نعيم لا ينقطع وسعادة لا تزول ، وخير يتجدد .
 

إن كنت إلى خير تسعى *** وافاك الخير ونجّاك
وإلى الفردوس مع النّا *** جين بكل هناء وافـاكَ
يا فرحة قلبك حين ترى *** أحبابَك جـذلى إذْ ذاكَ
والله تعـالـى بالإكـرا *** م وحور الجنّة أرضاك
بل تشـكر ربّك تحمده *** إذ جعـل الجنّـة مأواكَ
وحمـاك بمنّتـه نــاراً *** بلظاها تشوي الأفـّاك
وأعاذك منها ، وحباكَ *** فضلاً ونعيماً يغشـاكَ
وغِراس الجنّة تسبيحٌ *** تهليلٌ ، فالزم ذكـراكَ
واعمل للجنّة في دَأَبٍ *** كي يحلُـوَ فيها مثواكَ
عثمان
 


 رمضانيات (15)
جواهر الكلام


قال ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :
1- سمعت بعض العُبّاد يقول : علامة التوبة الخروجُ من الجهل ، والندمُ على الذنب ، والتجافي عن الشهوة ، واعتقادُ مقْتِ نفسك المُسَوّلة ، وإخراجُ المَظلمةِ ، وإصلاحُ الكَسرةِ ، وتركُ الكذبِ ، وقطْعُ الغِيبة ، والانتهاءُ عنْ خِدنِ السوء .
2- لقي زاهدٌ زاهداً ، فقال له : يا أخي ؛ أحبك في الله . قال الآخَر : لو علمتَ ما في نفسي لأبغضتَني في الله . قال له الأوّل : لو علمتُ من نفسي ما تعلم من نفسك لكان لي من نفسي شُغـُلٌ عن بغضك .
3- قال بَهْزُ بن حكيم : صلى بنا زرارةُ بن أوفى الغداةَ فلما قرأ " فإذا نُقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير ، على الكافرين غير يسير " خرّ مَغشيّاً عليه فحملناه ميْتاً .
4- كان عمر بن عبد العزيز يقول : الصلاةُ تُبَلغك نصفَ الطريق ، والصومُ يبلغك بابَ الملك ، والصدقة تُدخلك عليه .
5- أراد قوم السفر ، فحادوا عن الطريق ، وانتَهَوا إلى راهب منفرد في ناحية ، فنادَوه ، فأشرف عليهم . فقالوا : إنا قد ضللنا ، فكيف الطريق ؟ قال لهم : ها هنا ، وأومأ إلى السماء . فعلموا الذي أرادَ . فقالوا : إنا سائلوك ، أفتجيبُنا ؟ قال : سلوا ، ولا تُكثروا ، فإن النهار لن يرجع ، والعمُرَ لن يعودَ ، والطالبَ حثيثٌ في طلبه ذو اجتهاد . قالوا : ما الخلقُ غداً عند مليكهم ؟ قال : على نيّاتهم . قالوا : فإلامَ الموئلُ؟ قال : إلى المُقـَدِّم . قالوا : أوْصنا .قال : تزوّدوا على قدْر سفركم ، فإن خير الزاد ما بلّغ المحلّ . ثم أرشدهم إلى الطريق وغاب في صومعته .
6- قال أحدُهم : قلت لعابد : عِظني عِظَة نافعة . قال : جميع المواعظ منتظمة في حرف واحد . قلت : ما هو ؟ قال : تُجمع على طاعته ، فإذا أنت قد حوَيتَ المواعظَ والأذكار .
7- قال الأصمعيّ : قيل لأعرابي معه ماشية : لمن هذه ؟ قال : لله عندي ...
8- وكان ابن السمّاك يقول : لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم . أما تستَحيون من الله من طول ما لاتستَحيون؟!
9- وقال بكر بن عبد الله : اجتهدوا في العمل ؛ فإن قصّر بكم ضعفٌ فكُفّوا عن المعاصي .
10- قال منصور بن عمّار : ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله فلا تيئس، وربما أخذ الله على الصغير منها فلا تأمن.
11- أتَتْ عائشةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بصَحفة فيها خبزُ شعير وقِطعةٌ من الكَرِش ، فقالت : يا رسول الله ذبحنا اليوم شاة ، فما أمسكنا منها إلا هذا . قال " بل كلها أمسكتم إلا هذا " .
12- قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم : ما بالُنا نكرهُ الموت؟ قال : لأنكم عَمَرْتمُ الدنيا ، وأخربتم الآخرة . فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب . وحين أخبره بوعيد الله للمذنبين قال له سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال أبو حازم : قريب من المحسنين .
13- قيل لرجل جاء من حَلْبة سباق : من سبق يا عمّ ؟ قال : " المقرّبون " ، وقيل لشيخ رأى ظلماً : أين ربك ؟ قال : " بالمرصاد " .
14- قيل : إن المسيح عليه السلام خرج من بيت عاص ، فقيل له ما تفعل عنده يا روح الله ؟! قال: " إنما يأتي الطبيبُ المرضى " . ومرّ بقوم شتموه ، فقال خيراً . فقال له حواريّوه : كلما زادوك شراً زدتَ خيراً؟! قال : " كل إناء بما فيه ينضح " .
15- قيل لأحد الحكماء : مَنْ شرّ الناس؟ قال : من لا يُبالي أن يراه الناسُ مسيئاً .
16- وقال علي رضي الله عنه : عَجِبتُ لمن لمن يهلك والنجاة معه . قالوا : وماهي يا أبا الحسن ؟ قال : الاستغفار .
17- كان فتىً يجالس سفيان الثوريّ ولا يتكلم . وكان سفيان يحب أن يسمع منه ليرى أين هو من رجاحة العقل . فمرّ به يوماً فقال : يا فتى ؛ إنّ مَن كان قبلنا مرّوا على خيل ، وبقينا على حمير دَبِرة ؛ فقال الفتى : يا أبا عبد الله ؛ إنْ كنا على الطريق فما أسرع لحوقَنا بالقوم .
 


 رمضانيات (16)
ليلة القدر


- القَدَر والقَدْر - بالفتح والسكون - : القضاء والحُكم ، وهو ما يقدّره الله تعالى من القضاء ، ويحكم به من الأمور . قال الله عز وجلّ " إنا أنزلناه في ليلة القدْر" أي الحُكم ، وقد قال الله تعالى في سورة الدخان " إنا أنزلناه في ليلة مباركة
- وليلة القدر ليلة عظيمة فيها نزل القرآن الكريم " إنا أنزلناه في ليلة القدر " فهي فخر الليالي حين اختارها المولى الجليل زمناً لنزول خير كتبه – القرآن الكريم – فما أكرمها من ليلة .
- وهذه الليلة المباركة خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، فهي على هذا تعدل في الفضل ما ينوف على ثلاثة وثمانين عاماً ، ولأن أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم قصيرة بالمقارنة بأعمار الأمم قبلها ، فإن ليلة القدر نبع ثرّ لمن وافاها بعبادة وصلاة وقيام ، وكأن عمره زاد زمناً وعملاً ، فسد النقص ، وفاض خيراً وبركة . هذا في سنة واحدة ، فما بالك إن وافاها المسلم كل عام يجد فيها ويجتهد؟! إنه لعُمُر طويل مبارك خيّر للمسلم إن شاء الله تعالى .
- قال تعالى في فضلها " فيها يُفرق كل أمر حكيم ، أمراً من عندنا .. " ففيها تُقسّم الأرزاق ، وتُقدّر الأعمار . فلنسأل الله تعالى أن يرزقنا الرزق الحلال الطيب المبارك ، وأن يكتب لنا نعيم الدنيا ونعيم الآخرة .
- وكم من أنسان واكبها هذه السنة وهو ممن قـُدّر عليه الموت بعدها ، فتجيء السنة القادمة وهو بين أطباق الثرى . فلندْع دعاء سيدنا يوسف عليه السلام " اللهم فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة ، توفني مسلماً ، وألحقني بالصالحين "
- وليلة القدر ترفع بإذن الله تعالى - قدر صاحبها المتوجه إلى الله يسأله فضله ، ويدعوه أن يحييه مسلماً ، وأن يفيض عليه من خيراته سبحانه . وكيف لا يرتفع قدر من أعتقه الله في هذه الليلة من النار ، وجعله من أهل الجنان التي عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ؟ نرجو أن نكون أهلاً لذلك ، فإن لم نكن فإننا نتضرع إلى الله أن يعاملنا بما هو أهل له ، فهو أهل التقوى واهل المغفرة .

يـا ليـلـة القدر الجميـل بهاؤهـا --- فيك الرضا الموسوم بالخيرات
خير من الألف الشهور،تنزّل الـ --- الروح الملاكُ بأعذب الكلمات
فيهـا البشـائـروالسـلام يخصناالـ --- الملك الكريم إلى الصباح الآتي
في عشره الأولى مكارم رحمة --- يتـلـوه غـفـران مع الحسـنـات
ثم المتـاب ، بـه انعتـاق رقابنـا --- من لفـح نـار لاهب الجمَـرات
برضا الإلـه إلى الجنـان مآلـنـا --- يا سعدَ من يسعى إلى الجنـّات
يا رب فاقبل من عبادك حبهم --- وارفق بهم بالعـفـو والرحَمات
واجعل قبورهم إذا أتـَوك منازلاً --- فتحت نوافذها إلى الروضات
في الحشر أبعِدْ عنهمُ لفح اللظى --- في ظل عرشـك بارد النسمات
وعلى الصراط أجزهمُ في لمحة --- البرق المضيء وواسع الخطوات
أنت المؤمـّل ياعظيـم فهب لنـا --- دار النعـيـم ومـوئــل السـادات


- اللهم هذه ليلتك المباركة أهلّتْ علينا ، فاقبلنا فيها ، واعتق رقابنا من النار ، واجعلنا في عبادك الصالحين ..... يا رب العالمين .
 


 رمضانيات (17)
ضيف لطيف


هذا الضيف العزيز الذي يزورنا كل سنة شهراً يعطينا ولا يأخذ منا . لا يكلفنا ما لا نستطيع إنما يخفف عنا كثيراً من العناء ، ويساعدنا على التخلي عما يضر ولا ينفع . يعيننا مادياً ومعنوياً ونفسياً وفكرياً ... أما كيف ؟ فهاك ما رأيته وأراه .
يأكل أحدنا ما يريد في الوقت الذي يشاء . وفي الوقت الذي يشاؤه غيره في كثير من الأحيان . فقد تلتقي بعضهم فيدعوك بإلحاح إلى غداء أو إفطار ما كنت تحسب له حساباً ، إنك تخرج من البيت أو تتغدى في مطعم وتنطلق إلى عملك فتلتقي صديقاً أو عميلاً يريد أن يتقرب إليك و يكرمك ، وتخبره أن معدتك ممتلئة أو إنك لا ترغب فعلاً بإدخال شيء إليها لعدم شعورك بالجوع أو الرغبة في الطعام ، فلا يراعي الأمر ، ويصر على ذلك ، ولعله يعتبر عدم إجابة دعوته نوعاً من التهرب أو الإهانة !! فإذا أصررت على موقفك فقد تخسر موقفاً أو عميلاً ، وإن جاريته مُكرهاً خسرت صحتك ، نعم خسرت صحتك فالمعدة بيت الداء والحمية أصل كل دواء .
في رمضان تتخلص من كل هذه المواقف الحرجة . ومن أضغوط بعضهم وعدم تفهّمهم الأمور صحيحة .
بل إنك في الإفطار تتناول ثلاث تمرات وتشرب كأساً من الماء ، وتنطلق لصلاة المغرب ، فتؤديها مرتاحاً ثم تعود لتأكل مع أسرتك أو أهلك وأحبابك .. والمسلم الحق يخفف الأكل نوعاً وكمية ، فيرتاح جسمه ويتخلص من الفضلات المقيمة في جسمه ، فيعاوده النشاط وتتحسن صحته ، هذا على فرض فهمنا لمعاني الصيام والعمل به .. أما ما يجري على الطبيعة فمخالف – مع الأسف – لحكمة الصيام ومسنونيته ، إذ ترى الصائمين ! يتموّنون في هذا الشهر ما لم يكونوا يفعلونه في الأشهر الأخرى ، فترتفع فاتورة الشراء وتكثر أنواع الأطعمة على مائدة الإفطار، وكأن القوم عائدون من بلاد الجوع ، أو من إرهاق شديد بعد رياضة مضنية أو عمل شاق .
يُحكى أن مدخّناً يستهلك في اليوم علبة دخان واحدة قرر أن يمتنع عن اليدخين يوماً واحداً ليبرهن لنفسه أنه قادر على لجمها ، فعل ذلك بحق، لكنه كافأ نفسه في اليوم التالي فدخّن علبتين ! وهذا حالنا معشر الصائمين إلا من رحم ربنا ، فإنك ترى أنواع العصائر وتنوّع الأطعمة على الخوان تنتظر مدفع الإفطار حتى يصير ما عليه في خبر كان ، ثم ينطلق الجميع إلى صلاة التراويح شبه نائمين بسبب بخار الطعام المرتفع إلى الرأس ، فإذا ما أدوا صلاة التراويح ( التساريع ) ومرّت ساعتان على وقت الإفطار عاد الناس يتناولون الحـَلـْوَيات وغيرها مما لذ وطاب فإذا المخزون من الطعام في أجسامنا شهر رمضان فاق نظيره في بقية الشهور وتبدّل شهر الصيام إلى شهر المأكولات . ولا ننسَ ما يتناوله الناس في ليالي السمرمن أنواع الحلوى أمثال القطايف ، وغزل البنات ، والكُنافة بأنواعها ، والشُّعيبيات ، وقد تُسمى ( الوَربات ) .... وهي قائمة طويلة ...
والمطلوب في رمضان نوع من الغذاء نحتاجه كثيراً لأنه شهر البركات وشهر العفو والمغفرة ، إنه غذاء الروح والقلب والعقل . وهل أطيب من ذكر الله تعالى وتسبيحه والثناء عليه جل في علاه ؟. وهل ألذ من ركيعات في جوف الليل تغسل أدران الحياة وتجلو القلوب وتُرضي رب العباد سبحانه ؟
وهل أفضل من إصلاح ذات البين ، فنعتذر ممن أسأنا إليه ونستسمحه ، وندعو له ويدعو لنا فإذا كانت ليلة القدر شملنا الله تعالى بالعتق من النار ، وغفر ذنوبنا وستر عيوبنا وقرّبنا إليه سبحانه ؟
لهذا كان أسلافنا ينتظرون هذا الشهر الكريم بفارغ الصبر ويقولون " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلّغنا رمضان" .
ونحن نلهج إلى الله تعالى راغبين أن يجمع قلوبنا ويلم شملنا ، ويجعلنا قوة واحدة ويداً واحدة ترفع مقامنا بين الأمم وأن ينصرنا على أعدائنا ويشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم .
 


 رمضانيات (18)
السلف الصالح...أين نحن منهم

قرأت بعض أخبار السلف الصالح ، فلم أستطع المقارنة بيننا وبينهم ، فأين الثرى من الثريّا ، وأين وهاد الأرض من القمم السامقة؟! وأين الوشل من النهر الواسع العذب . فشتان ما بين الرياض الزاهرة والأرض المعشبة ، وما بين ضوء القمر وذبالة السراج .
قلت :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكـرام فلاح
ألم يقل الشافعي وهو من القمم الذاهبة في سماء أمتنا ومن الشموس المضيئة في عالمنا الإسلامي والنجوم الزاهرة في حياة المسلمين :
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة ؟؟
فإن قال هذا وهو مَن هو من السادة العلماء والرجال النجباء ، فأولى بنا أن نعرف شيئاً عنهم لعلنا نتخذ منهم القدوة الحسنة ، ونحبهم ونعمل بعض عملهم ، فينطبق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يحشر المرء مع من أحب "
ولم أنقل لك سوى عباداتهم أما جهادهم فله - إن شاء الله تعالى - خاطرة أخرى .
- قال الوليد بن مسلم : رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه ، يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف : أن ذلك كان هديهم ، فإذا طلعت الشمس ، قام بعضهم إلى بعض ، فأفاضوا في ذكر الله ، والتفقه في دينه .
- روى حماد بن زيد عن أيوب قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة ، فإن قضى الله موتا ، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا .
- من التوازن عن السلف رحمهم الله أنهم يضاحك بعضهم بعضاً ، فإذا جاء الليل كانوا رهبانا .
- وقال ابن المبارك : قيل لوهيب : أيجد طعم العبادة من يعصي ؟ قال : ولا من يهم بالمعصية.
- وقال الحارث بن قيس العابد الفقيه التابعي : إذا كنت في الصلاة ، فقال لك الشيطان : إنك ترائي ، فزدها طولا.
- عن نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } بكى حتى يغلبه البكاء . وكان لابن عمر مهراس فيه ماء , فيصلي فيه ماقدر له , ثم يصير إلى الفراش يغفي إغفاءة الطائر , ثم يقوم , فيتوضأ ويصلي , يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمساً .

- أما عامر بن قيس الزاهد فقد كان من عباد التابعين ، يشغل نفسه بإقراء الناس ، كان يقول : من أُقرئ ؟ فيأتيه ناس ، فيقرئهم القرآن ثم يقوم فيصلي إلى الظهر ، ثم يصلي إلى العصر ، ثم يقرئ الناس إلى المغرب ، ثم يصلي مابين العشائين ، ثم ينصرف إلى منزله ، فيأكل رغيفا ، وينام نومة خفيفة ، ثم يقوم لصلاته ، ثم يتسحر رغيفا ويخرج ، ولما احتضر بكى ، فقيل مايبكيك ؟ قال : ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل .
- أما العابد التابعي هرم بن حيان العبدي ، فقد قاد بعض الحروب في أيام عمر وعثمان ، قال ابن سعد : كان عاملا لعمر ، وكان ثقة ، له فضل وعبادة .وكان يخرج في بعض الليل وينادي بأعلى صوته : عجبت من الجنة كيف نام طالبها ؟ وعجبت من النار كيف نام هاربها ؟ ثم يقول : { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا}
وكان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه ودهم .
- أما الإمام أبو عمرو الأسود بن يزيد النخعي فكان من رؤوس العلم والعمل .ويضرب بعبادته المثل .سئل الشعبي عنه فقال : كان صواماً قواماً حجاجاً . وكان يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين ، وكان ينام بين المغرب والعشاء ، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال .
قال عنه علقمة بن مرثد: كان الأسود يجتهد في العبادة ، ويصوم حتى يخضر ويصفر ، فلما احتضر بكى ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ فقال : مالي لا أجزع ، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت ، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه ، فلا يزال مستحييا منه .
- أما مُرّة الطيب الهمداني الكوفيّ ، ويقال له : مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه ، فتابعيّ روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم .
يصفه يحيى بن معين فيقول : بلغنا عنه أنه سجد لله حتى أكل التراب جبهته .وقال عطاء بن السائب : رأيت مصلى مُرّة الهمداني مثل مبرك البعير . كان همه العبادة وقراءة القرآن والبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- أما أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي ، أحد السادة الأمراء والحلماء ، ومن يُضرب بحلمه المثل ، فإنه كان يكثر الصيام ، فقيل له : إنك كبير ، والصوم يضعفك . قال إني أعده لسفر طويل . وعُرف عنه محاسبة النفس ، فقد كان يقول : ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا ؟. وذهبت عينه فقال : ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد .
- أما شبيه الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته فعمرو بن الأسود العنسي الحمصي ، أدرك الجاهلية والأسلام ، كان من سادة التابعين دينا وورعا .
حج ابن الأسود ، فلما انتهى إلى المدينة ، نظر إليه ابن عمر وهو يصلي فسأل عنه ، فقيل : شامي يقال له : عمرو بن الأسود ، فقال : ما رأيت أحدا أشبه صلاة ولا هديا ولا خشوعا ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل .
ثم بعث إليه ابن عمر بقرىً وعلف ونفقة ، فقبل ذلك ورد النفقة .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود .
 


 رمضانيات (19)
المبارك وابن عياض
 

موقعٌ في النت من أكثر المواقع نفعاً ، لا أشبع منه ولا أرى غيرهُ – من قبيله – خيراً منه – بزعمي – فما من يوم إلا وأستعين بهذا الموقع في تفسير آية كريمة أو معنى جليل ، أو التعرف إلى قصة وموقف تربوي أو فكري وأدبي أو تاريخيّ . " quran . muslim " فيه تفسير ابن كثير والجلالين والطبري والقرطبي رحمهم الله إلى جانب كل آية من آيات القرآن الكريم . فتعرّج على معنى الآيات في جمع هذه التفاسير الجليلة بسهولة ويسر، وتدرس ما فيها وتقارن مقارنة قاطف الورد وناسم الرّوح لا مقارنة التفضيل والتقديم ، فما يحق لي أن أكون إلا تلميذاً صغيراً من تلاميذ تلامذتهم وأقل من ذلك بكثير . نسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله تحت لواء سيد البشر وخاتم النبيين .
كنت أقرأ تفسير قوله تعالى آخر سورة آل عمران " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) " فمررت في تفسير ابن كثير بقصة العالمين الجليلين " عبد الله بن المبارك " و" الفضيل بن عياض " رحمهما الله تعالى . وكلاهما عالم جليل وإمام في الدين . فقد كان ابن المبارك في أحد الثغور الإسلامية ،يجاهد في سبيل الله تعالى ، وكان الفضيل بن عياض في الحرم المكي معتكفاً لا يكاد يخرج منه إلا لزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينته المشرفة ، ففي قصتهما عبرة وعظة ، وأدب وأخلاق .
رَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي سُكَيْنَة قَالَ : أَملَى عَلَيَّ عَبْد اللَّه بن الْمُبَارَك هَذِهِ الأبيات بِطَرَسُوس ( على حدود الروم ) وَوَدَّعْته لِلْخُرُوجِ وَأَنْشَدَهَا مَعِي إِلَى الْفُضَيْل بْن عِيَاض فِي سَنَة سَبْعِينَ ومئة وَفِي رِوَايَة سَنَة سَبْع وَسَبْعِينَ وَمِئَة.

يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَوْ أَبْصَرْتنَا --- لَعَلِمْت أَنَّك فِي الْعِبَادَة تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدّه بِدُمُوعِهِ --- فَنُحُـورنَـا بِدِمَائِنَـا تَتَخَضَّـبُ
أَوْ كَانَ يُتعِب خَيلَهُ فِي بَاطِـل --- فَخُيُولنَا يَوْم الصَّبِيحَة تَتْعَبُ
رِيح العَبِير لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيرنَا --- رَهْج السَّنَابِك وَالغبارالأطيبُ
وَلَقَدْ أَتَـانَـا مِنْ مَقـال نَبِيّنَـا --- قَوْل صَحِيح صَادِق لايكذبُ
لا تسْتَوِي أغُبَار خَيْل اللَّه فِي --- أَنْف اِمْرِئٍ وَدُخَانُ نَار تَلْهَبُ
هَذَا كِتـاب اللَّـه يَنْطِق بَينـنَـا --- لَيْسَ الشَّـهِيـد بِمَيّتٍ لا يكذَبُ

قَالَ فَلَقِيت الْفُضَيْل بْن عِيَاض بِكِتَابِهِ فِي الْمَسْجد الْحَرَام فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرَفَتْ عَينَاهُ وَقَالَ : صَدَقَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وَنَصَحَنِي ، ثُمَّ قَالَ : أَنتَ مِمَّنْ يكتُب الحَدِيث ؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ : فَاكْتُبْ هَذَا الحَدِيث كِرَاء ( أجرة ) حَمْلك كِتَاب أَبِي عَبْد الرَّحْمَن إِلَيْنَا . وَأَمْلَى عَلَيّ الْفُضَيل بْن عِيَاض :
حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي عملاً أَنَال بِهِ ثَوَاب الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ " هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُصَلِّي فلا تَفـْتُر وَتَصُوم فَلا تُفـْطِر ؟ " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَنَا أَضْعَف مِنْ أَنْ أَسْتَطِيع ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ طُوِّقْت ذَلِكَ مَا بَلَغْت الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه أَوَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَرَس الْمُجَاهِد لَيَسْتَنّ فِي طِوَلِه فَيُكْتَب لَهُ بِذَلِكَ الْحَسَنَات " .
فأقر الفُضيل رحمه الله تعالى بفضل المجاهد على العابد .. والأحاديث الواردة بهذا الخصوص كثيرة وصحيحة . وما أعظم أن يكون المسلم صواماً قوّاماً ومجاهداً مقاتلاً في سبيل الله فينال الأجرين معاً ، وهؤلاء قليل ندرة الأحجار الكريمة في أرض مليئة بالصخور والأحجار . فطوبى للمشمّرين .

 


 رمضانيات (20)
ليتنا نصوم ونفطر معاً

صامت ليبيا قبل الجميع بيوم ، ثم صام أغلب المسلمين في اليوم التالي ، وصامت بعض البلاد الشرقية في اليوم الثالث . وهذه وهدة المهزلة في عالمنا المسلم ...
ولسوف نرى غداً الثلاثاء من يفطر وحده أو مع غيره ، ثم نرى البقية الباقية تتابع في إعلان رؤيتها شهر شوال الأربعاء والخميس !
فلماذا هذا الاختلاف في الأمور البدهية ؟ نعم إنها بدهية على الرغم من تنطع المتنطعين وفلسفة المتفيهقين . وتعليلات من يدّعي الاجتهاد والتأويل .
1- إن من صعد القمر ودار حوله ثم نزل عليه كان يحسب حركاته ودورانه بالثانية وأجزائها ، ويتابعه أيام الصحو والغيوم والليل والنهار أكان هلالاً أم بدراً أم محاقاً ، ويحدد مطالعه ومخارجه ومسافته وبعده .. وتصل إليه المركبة الفضائية بالدقة المتناهية فهل قمرهم غير قمرنا ؟ وأهلّتهم غير أهلّتنا ؟!
2- يقول النبي صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " ولم يحدد صلى الله عليه وسلم طريقة الرؤية ، قد تراه بالعين المجردة أو النواظيرالدقيقة أو الحسابات الفلكية . وقد تكون الرؤية عينية وقد تكون حسابية . والأخيرة – الرؤية الحسابية - دقيقة كما ذكرنا قبل قليل .فلماذا التقيد بالوسائل القديمة ما دامت الطرق الحديثة تؤدي الرؤية على وجه أتمّ وأكمل ؟
3- ولم يقصد صلى الله عليه وسلم أن يرى المسلمون الهلال في صيام رمضان ولا إفطار شوال ويكفي أن يراه الموثوق بهم ليثبت أحد الأمرين ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " صلّوا كما رأيتموني أصلي " ولم يره صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أصحابُه رضوان الله تعالى عليهم ، فهل تسقط الصلاة عمّن لم يره أوْ له أن يصلي كما يشاء؟ أم إن المسلمين التزموا أخبار الصحابة الثقات الذين رأوا صلاته فأوصلوها لنا؟
4- بعضهم يقول : إن هناك مطالع للقمركثيرة . فلنسألهم : هل تعدد المطالع يعني أن من صام أو أفطر اليوم سيجد قمره في الليلة الرابعة عشرة مستديراً ، ومن صام أو أفطر بعده بيوم ستكتمل دورته في اليوم التالي؟! وأقصد أن المتأخرين سوف يكون قمرهم في الليلة الثالثة عشرة حين يكون قمر من صام قبلهم مستديراً استدارة كاملة ؟ قد يكون الجواب إيجاباً حين يكون لكل بلد قمر خاص بهم يظهر لهم بطلعته البهية دون غيرهم !! ، وليس حول الأرض سوى قمر واحد يطلع عليهم جميعاً في ليلة واحدة ويغيب عنهم جميعاً في ليلة واحدة .
5- بعضهم يحتج قائلاً : إن هناك ما يثبت كثرة مطالع الشروق والغروب . ألم يقل القرآن الكريم مرة " رب المشرق والمغرب " ويقول أخرى " رب المشرقين ورب المغربين " ويقول ثالثة " رب المشارق والمغارب " ؟ فالجواب أن الشروق والغروب يحصلان كل ثانية على مساحات في الكرة الأرضية لأنها تدور حول نفسها إلا أن القمر واحد كما أن الشمس واحدة .
6- وللتدليل على أن القمر يطلع على الأرض كلها في ليلة واحدة نقول :إن الهلال يظهر دقائق قليلة في الليلة التي يولد فيها ، لكنه سيمتد بقاؤه في اليوم التالي حوالي خمسين دقيقة ، ولنفرض أن بلداً صام الأحد حين ثبت لأهله رؤية هلاله في الليلة السابقة ، وبلداً آخر صام يوم الاثنين لأنه لم يثبت عنده رؤية الهلال ، فإذا كان صوم البلد الأول صحيحاً فسوف يرى أهل الأرض كلهم الهلال أكثر من خمسين دقيقة قبل غيابه ، وإذا لم يروا الهلال فهذا يعني أنه صام يوماً من شعبان . وقد قلنا إن القمر في استدارته سوف يراه أهل الأرض كلهم مستديراً .
7- لست ممن يحب المناكفة والجدال إلا أن المنطق والعقلانية والعلم ينبغي أن يكون رائدنا إلى الحق وأن يكون تصرفنا دالاً على حكمة وحسن تصرف ، فالبشرية تنظر إلينا نظرة الناقد والمتفحص ينتظرون منا خطأ – وما أكثر أخطاءنا مع الأسف - ليهزؤوا بنا ويسخروا منا وينفـّروا عنا . وها نحن بتفرقنا وبعدنا عن الله نقدم للعدو ما يرغب ويشتهي ، ليتشفى ويسيء .
8- إن تقوى الله يقربنا إلى أنفسنا ويغيّر حالنا من ضعف إلى قوة ، ويجعلنا يداً واحدة ، ويفوّت على المتربص بنا مكره وفساده ، ويخذّله عنا ثم يَخذُلثه . فهل نعي ذلك ؟ أم على قلوب أقفالُها؟!!!


الاثنين : 30 رمضان 1429
30 أكتوبر 2008

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية