اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/mktarat/ramadan/431.htm?print_it=1

مختارات رمضانية من مقالات الشيخ صفوت الشوادفي رحمه الله

صفوت الشوادفي - رحمه الله -


رمضان : خصائص ولطائف
صفوت الشوادفي


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم ؛ إمام الصائمين والقائمين والعاكفين والصالحين … وبعد :
فقد أظلنا شهر كريم مبارك ، كتب الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه ، فيه تفتح أبواب الجنة ، وتُغلق أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، من صامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم ، وقد بارك الله في هذا الشهر ، وجعل فيه من الخصائص واللطائف ، والعبر ما ليس في غيره من الشهور .
فمن لطائفه وعجائبه أنه أسرع قادم ، وأسرع ذاهب ، فإن شهور السنة - وهي جزء من عمر الإنسان - تمر مرّ السحاب ، ولا نشعر بذلك إلا بقدوم رمضان لسرعة عودته بعد رحيله .
وهو أسرع ذاهب ، لأنه ما أن يبدأ حتى ينتهي ، وتمر أيامه ولياليه مرور النسيم تشعر به ولا تراه .
وأعجب من ذلك كثرة دموع التائبين التي تنهمر في ليل رمضان كأنها سيل جاري ، أين كانت هذه الدموع الغزيرة عبر شهور كثيرة قد مضت وانقضت ؟ لقد حبستها المعاصي ، وسجنها القلب القاسي ، ثم أطلقتها التوبة فسالت وانحدرت من مآقيها لتنقذ العين من عذاب الله ؛ لأنها بكت من خشية الله ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) [ رواه الترمذي ( 1639 )] .
وفي رمضان يقبل المسلمون في المشارق والمغارب على القرآن ، في الليل والنهار ، ويتنافسون على تلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة ، يدفعهم إلى ذلك رجاء رحمة الله ، والخوف من عذاب الله .
كما يختص رمضان دون غيره من الشهور بكثرة التائبين والعائدين إلى الله ، فهو شهر توجل فيه القلوب ، وتدمع العيون ، وتقشعر فيه الجلود ، وهذه الصفات الثلاثة كانت ملازمة للجيل الأول في كل شهور العام ، كما أن هذه الصفات قد جعلها الله عز وجل علامة صادقة على الإيمان ؛ فقال سبحانه وتعالى عن الصفة الأولى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [ الأنفال : 2] .
وقال في الثانية : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [ الزمر : 23] .
وقال عن الثالثة : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ ) [ المائدة : 83] ، وقد أثمر هذا الإيمان الراسخ ، واليقين الكامل عند السلف الصالح مجموعة من الخصال التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والتي لا تجتمع أبدًا إلا في مؤمن صادق ، ويجمعها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله : ( ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ، وببكائه إذ الناس يضحكون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وبخشوعه إذ الناس يختالون ) .
إنها : قيام ليل ، وصيام النهار ، وحزن وندم على التفريط والإسراف على النفس ، وبكاء من شدة الخوف ، وصمت يحفظ من الزلل ، ويدعو إلى التفكر والتدبر ، وخشوع محاط بذل العبودية لله رب العالمين .
ويجتمع في رمضان من صنوف البر ، وأوجه الخير أنواع كثيرة وافرة وكلها أبواب مفتوحة على الجنة ، مفضية إلى رضوان الله ، ومع كثرة الأبواب ووفرتها فإن المسلم قد يطرق بابًا واحدًا ويغفل عن بقيتها ! فيحرم نفسه ، ويضيع عمره هباءً !!
قد يصوم ولا يقوم ، أو يقوم ولا يتصدق ، أو يتصدق ولا يقرأ القرآن ، أو يصوم بطنه ولا تصوم جوارحه ، أو يصوم النهار ولا يصوم الليل ! فيمتنع عن الحلال نهارًا ( الأكل والشرب ) ، ويفطر على المعاصي ليلاً ( الدخان والفيلم ) ، وإذا غلبك شيطانك في رمضان فإنك لن تغلبه غالبًا في غيره !! إلا أن يشاء الله .
ومن أعظم القربات ، وأجلّ الطاعات التي غفل عنها الغافلون : تقديم النصيحة للمسلمين ، ودعوتهم إلى الخير ، وتعليم جاهلهم ، وتذكير غافلهم ، فإن الدال على الخير كفاعله ، وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يرون النصيحة والموعظة أعظم أجرًا ، وأبقى نفعًا من الصدقة !!
كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى القرضي : أما بعد : فقد بلغني كتابك تعظني ، وتذكر ما هو لي حظ ، وعليك حق ، وقد أصبت بذلك أفضل الأجر ، إن الموعظة كالصدقة ، بل هي أعظم أجرًا ، وأبقى نفعًا ، وأحسن ذخرًا ، وأوجب على المؤمن حقًا لكلمةٌ يعظ بها الرجل أخاه ليزداد بها في هدًى رغبةً خيرٌ من مال يتصدق به عليه ، وإن كان به إليه حاجة ، ولما يدرك أخوك بموعظتك من الهدى خير مما ينال بصدقتك من الدنيا … ولأن ينجو رجل بموعظتك من هلكة خير من أن ينجو بصدقتك من فقر !!
وفي رمضان تقبل الأمة الإسلامية بكل شعوبها على الله إقبالاً لو استقامت عليه لنصرها الله على أعدائها ، وأورثها سعادة الدنيا ، ونعيم الآخرة !
لكن الواقع يشهد أن كثيرًا من المسلمين يكون مع الطاعات في كرّ وفرّ ؛ فهو بين الإقبال والإدبار ، فهل من عودة صادقة واغتنام لفرصة سانحة قبل أن تتمنى ساعة واحدة من ساعات الدنيا فلا تُعطاها : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ( 99 )لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ) [ المؤمنون : 99 ، 100] ، وإن أكثر شيء في الأحياء الغفلة ، وأكثر شيء في الأموات الندم على ما فات ! فيا أيها المقبول هنيئًا لك بثواب الله عز وجل ورضوانه ، ورحمته وغفرانه ، وقبوله وإحسانه ، وعفوه وامتنانه .
ويا أيها المطرود بإصراره ، وطغيانه ، وظلمه وغفلته ، وخسرانه ، وتماديه في عصيانه ، لقد عظمت مصيبتك ، وخسرت تجارتك ، وطالت ندامتك ، فأدرك نفسك قبل أن تكون من القائلين ( يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) [ الفجر : 24] ، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا وسائر أعمالنا الصالحات ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
 



بين السحور والفطور
بقلم فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله -


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ، فقد أظلنا شهر رمضان من جديد ، وأشرقت أنواره ، وحلَّت بركاته ، وكثرت حسناته ، وقلَّت سيئاته .
والناس فيه منهم من هو سابق بالخيرات تارك للمحرمات ، مقيم على الطاعات ؛ يبكي ذنوبًا قد فعلها ، وسيئات قد اقترفها وهؤلاء هم الذين حبب الله إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان .
ومن الناس سفهاء وجهال يستثقلون رمضان ، وكثير منهم لا يصلى إلا في رمضان ، ولا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان ، وهو يعد الأيام والليالي حتى يعود إلى معاصيه ! فهم مصرون على ما فعلوا وهو يعلمون ، وفيهم من لا يصبر على المعاصي ؛ فيظل مقيمًا عليها في رمضان ، وقد ذكر ابن رجب - رحمه الله - أن رجلًا كان مصرًّا على شرب الخمر فعاد إلى بيته في آخر يوم من شعبان وهو سكران ! فعاتبته أمُّه ، وهي توقد التنور ( الفرن ) فحملها فألقاها في التنور فاحترقت !!!
أما أهل الإيمان والطاعة ، أهل السنة والجماعة فلهم شأن آخر .
إن أبواب الطاعات في رمضان كثيرة متنوعة ، وكلها أبواب إلى الجنة .
ففي رمضان يكون الصوم وقراءة القرآن والعمرة التي تعدل حجة ! والجود والعطاء وتفطير الصائم ، وتعجيل الفطر ، وتأخير السحور ؛ وصلاة التروايح ، وليلة القدر ، والاعتكاف ، وفتح أبواب الجنان ، وإغلاق أبواب النيران ، وتصفيد الشياطين ، والمغفرة في آخر الشهر ، وغير ذلك من أبواب الخير وصنوف البر ، وأنواع الطاعات والقربات .
والمؤمن الحق يرى أن رمضان فرصة قد لا تتكرر ، وشهر قد لا يعود فكم من صائم عامًا مضى قد أصبح اليوم أثرًا بعد عين ! وفي كل يوم يشيع الناس غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، فخلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وسكن التراب ، وواجه الحساب !
ومن بين نصوص السنة الصحيحة التي تتحدث عن رمضان جاءت نصوص تتعلق بالفطر والسحور ، فأردنا أن ننبِّه على بعضها طمعًا في إدراك أجرها ممن عنده حسن الثواب .
• تفطير الصائم : روى الترمذي بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من فطَّر صائمًا ، كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) .
ويفهم من هذا الحديث أن تفطير الصائم طاعة من أعظم الطاعات ، وقربة من أجلِّ القربات .
وننبه هنا على فائدتين :
الأولى : في قوله : ( من فطر صائمًا ) ، وصف يصدق على من قدم إلى الصائم طعامًا أو شرابًا يفطر عليه ، وبعض الناس يدعو صائمًا أو أكثر إلى مائدته ، فيأتي الصائمون إلى المسجد فيفطرون على تمر المسجد ويشربون من مائه ثم يذهبون بعد الصلاة إلى بيت من دعاهم وهم مفطرون مصلون ! فيكون هذا الداعي قد عشَّى مفطرًا ، ولم يفطِّر صائمًا !!
الثانية : في قوله : ( كان له مثل أجره ) ، ومعلوم أن أجور الصائمين متفاوتة ، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش . فهل يقال : إن هذا الحديث فيه ترغيب وحث على اختيار الصائم المؤمن التقي لمن أراد أن يفطر صائمًا طمعًا في زيادة الأجر ! للنظر في ذلك مجال ، والله أعلم .
• تعجيل الفطر : روى البخاري بسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) .
وتعجيله يتحقق بأمرين : الأول : المبادرة إلى الفطر إذا تحقق غروب الشمس ، والثاني : تقديمه على الصلاة .
ويبحث الناس عن الخير الموعود به في هذا الحديث : ( لا يزال الناس بخير ) ، فيقال لهم : هذا الخير يتحقق بأمور منها :
مخالفة أهل الكتاب كما جاء في رواية أبي داود وابن خزيمة : ( لأن اليهود والنصارى يؤخرون ) أي : الفطر .
مخالفة بعض طوائف الشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم .
الرفق بالصائم وتقويته على العبادة بتعجيل فطره .
وهذه وغيرها أبواب خير فتحها الله لمن يعجل الفطر .
• بركة السحور : روى البخاري ومسلم بسنديهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( تسحورا فإن في السحور بركة ) .
من المعلوم أن السحور ما يؤكل وقت السحر ؛ فهو طعام وشراب ، ومع هذا فقد خصته النصوص بفضل ليس لغيره من الأطعمة والأشربة ! فأمرت به ، ونبهت على أنه بركة !! ولقد نبه أهل العلم على هذه البركات .
فذكروا منها :
امتثال الأمر الشرعي واتباع السُّنَّة ، وهذا يوجب الأجر والثواب .
ومخالفة أهل الكتاب ؛ فإنهم لا يتسحرون : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) رواه مسلم .
والدعاء والاستغفار وقت مظنة الإجابة : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [ الذرايات : 18] .
وتدارك نيّة الصوم لمن أغفلها قبل النوم .
وصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل بسبب الاستيقاظ ، ولذا تجد المصلين في المساجد فجر أيام رمضان أكثر منهم في غيره !
ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع !!
والتَّقوي على العبادة والزيادة في النشاط .
وأخيرًا : الصدقة على السائل في ذلك الوقت (1) !!
• مدفع الإمساك ؟!! قال ابن حجر - رحمه الله - : ( من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان - أي زمانه - من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس ، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا !! فأخرُّوا الفطر ، وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قل عنهم الخير ، وكثر فيهم الشر ، والله المستعان ) . ا هـ من ( فتح الباري ) ( 4/ 235) .
ومن يتدبر هذا الكلام يجد أن الحافظ - رحمه الله - قد نبه على أن مخالفة السنة سبب لقلة الخير ونزع البركة ! وكثرة الشر والمعصية والفساد ، وكأنه يعيش في زماننا ويشاهد حالنا .
ولما أُختُرت المدافع في القرن الرابع عشر الميلادي - كما في دائرة معارف القرن العشرين - تغير شكل البدعة وبقي أصلها ! وأصبحت علامة الإمساك إطلاق مدفع الإمساك بعد أن كانت في الماضي إطفاء المصابيح ، وكلاهما علامة باطلة .
وإنما علامة الإمساك المشروعة طلوع الفجر الصادق ، وهو الوقت الذي يُرفع فيه الأذان لأجل صلاة الفجر .
وبعد : فالحديث عن رمضان حديث شيق ، وكله خير ، وبركة ، وفوائد ، وعوائد ، وأجر ، وثواب ، وجودٌ ، وعطاء .
فنسأل الله بمنه وفضله وكرمه أن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا ودعاءنا ، وسائر أعمالنا الصالحات ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
صفوت الشوادفي

(1) راجع ( فتح الباري ) ج4 ص 166 كتاب الصوم - باب بركة السحور .
 



شهر رمضان … أحداث وتاريخ
بقلم : فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله -


الحمد لله … والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :
‏فقد حل بنا شهر كريم ، فرض الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم قيامه .
‏ويتميز هذا الشهر عما سواه بالحرص من الجميع على الإقبال على الله ؛ الطائعين ‏والعاصين على سواء !!‏
ويختص هذا الشهر بأحداث عظيمة وقعت فيه تحتاج من كل مسلم إلى تذكر وتدبر ‏وتفكر لينتفع بمواضع العبرة ، ويجني بها الثمرة !‏‎ •‎‏
فمنها .. بل أهمها على الإطلاق بداية نزول الوحي الكريم على رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في غار حراء ؛ وقد جلس في خلوته يتعبد ، فنزل عليه ‏جبريل عليه السلام بأول كلمة قرآنية ، فكانت : ( اقرأ ) ، وهي دعوة إلى ‏العلم الذي يصل العبد بربه وخالقه ، ويدرك به الخشية : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ‏مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فاطر : 28] ، ويرفع منزلة صاحبه ودرجته : ( هَلْ ‏يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : 9] ؟ والجواب قطعًا لا ‏يستوون ! ‏وفي بدء نزول القرآن في رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار ‏يتعبد - تنبيه لطيف على أن رمضان هو شهر القرآن ، وأنه شهر العبادة الخاصة ‏‏، وأنه شهر الانقطاع إلى الله متمثلاً في الاعتكاف ، وقد اختاره الله لذلك من بين ‏سائر الشهور مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقطع إلى العبادة في غار ‏حراء في غيره من الشهور ، فاختيار هذا الشهر علامة على فضله وارتفاع درجته ‏دون غيره .‏‎ •‎‏
ومن الأحداث التي وقعت في رمضان ( غزوة بدر الكبرى ) وذلك في السابع ‏عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكان في هذه الغزوة المباركة أول ‏انتصار حاسم للإسلام على الكفر ، وقد ظهر فيها بوضوح مدد الله وتوفيقه ‏لأوليائه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، كما قال الله عز وجل : ( فَلَمْ ‏تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) [ الأنفال : 17] ‏‏.‏
ولما أخذ المؤمنون بأسباب النصر من صدق الإيمان وحسن التوكل على الله واليقين في ‏وعده : ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) [ محمد : 7] ، والإخلاص وسلامة القلب ‏وإعداد العدة والصبر عند اللقاء ، أقوال : لما أخذ المجاهدون بهذا كله أنزل الله ‏ملائكته إلى ميدان القتال ، ومن يقوى على مواجهة الملائكة !!
‏وفي ذلك يقول الله عز وجل : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ‏ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ ‏بَنَانٍ ) [ الأنفال : 12] .‏
ولن ينتصر المسلمون على أعدائهم إلا إذا انتصروا على أنفسهم وكبحوا جماحها ، ‏وشهر رمضان هو خير معين بعد الله للانتصار على النفس الذي هو طريق النصر ‏على الأعداء !!‏
ولذلك سمى بعض العلماء جهاد النفس ( الجهاد الأكبر ) ! تنبيهًا على هذا المعنى ‏الجليل ؛ ولم يصح فيه حديث .‏‎ •‎‏
وفي شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة فرضت زكاة الفطر التي هي ‏طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، ومن لطائف أحكامها أنها تجب على من يملك ‏قوت يوم وليلة ؛ وهذا نصابها !‏وهو ميسور لكل فقير ، وهذا يعني أنها تجب على الفقراء ، فلمن يعطيها الفقير ؟ ‏يعطيها لفقير آخر !
وهو لا يخرج إلا هذه الزكاة فيعتاد على العطاء والجود ، وإن ‏كان فقيرًا ، ويخرج بها الفقير من بيته ليلة العيد قاصدًا بيت فقير آخر ، فيليقاه ‏أخوه الفقير ، وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه !! فيتبادلان الزكاة ! إنها ‏درس عملي في العطاء والجود والكرم والسخاء .‏‎ •‎‏
وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعداد لغزوة الخندق أو ( ‏الأحزاب ) التي انتصر فيها المسلمون بفضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة ‏سوى مبارزات ومناوشات محدودة : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا ‏خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) [ الأحزاب : 25] .‏‎ •‎‏
وفي شهر رمضان كان الفتح الأكبر ( فتح مكة ) ، وكان ذلك في الحادي ‏والعشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، وكان هذا الفتح ثمرة جهاد ‏طويل بالسيف واللسان لسنوات طويلة قد تحلى فيها المؤمنون الصادقون بالصبر ‏واليقين .‏
ولا يتسع المقام هنا لتفصيل هذا الحدث العظيم ، لكن ينبغي على كل صائم وصائمة ‏أن يرجع إلى كتب السنة والسير ليقرأ تاريخ فتح مكة وما وقع فيه من مواقف ‏لينتفع بذلك انتفاعًا عظميًا يعجز القلم عن وصفه ، واللسان عن بيانه .‏‎ •‎‏
وفي شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحطمت بعد فتح مكة رموز ‏الشرك ، وتهاوت الأصنام التي عبدها الناس من دون الله دهورًا طويلة ، فقد ‏بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليهدم إله المشركين الأكبر ( ‏العزى ) !! فهدمها ، وبعث عمرو بن العاص فهدم ( اللات ) ، وبعث سعد ‏بن زيد الاشهلي فهدم ( مناة ) .‏
وكان ذلك إعلانًا صريحًا بأن القلوب يجب عليها أن تتعلق بالله ، ولا تلتفت إلى ‏أحد سواه من الأحياء أو الأموات أو الأصنام أو الأضرحة ؛ وهذا هو التوحيد الذي ‏جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .‏‎ •‎‏
وفي شهر رمضان أقبلت وفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن ‏إسلامها من قبائل شتى وبلاد متفرقة بعد أن أيقنت أن هذا الدين هو الحق من ‏عند الله العزيز الحكيم ، وهكذا دخل الناس في دين الله أفواجًا .‏‎ •‎‏
وفي شهر رمضان المبارك حدثت انتصارات عظمية غير ما ذكرناه لا يتسع ‏المقام لبسطها ، ولعل من أبرزها هذه الانتصارات الرائعة التي أحرزها المجاهد ‏صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين ، وأدركه شهر رمضان منتصرًا وهو صائم في ‏سنة 584 هـ ؛ فأشار عليه رجاله أن يرتاح في شهر الصوم ، فخاف على نفسه ‏من انقضاء الأجل قبل إكمال النصر !!
فواصل زحفه حتى استولى على قلعة ( ‏صفد ) الحصينة في منتصف رمضان من نفس العام .‏‎ •‎‏
ونحن العرب قد حاربنا إسرائيل في العاشر من رمضان سنة 1393 هـ فكان ‏انتصارنا بقدر إقبالنا على الله ، وكانت هزيمتنا بقدر إعراضنا عن الله !! ولأننا ‏خلطنا أعمالنا السيئة بأعمالنا الصالحة ، وجمعنا في حياتنا بين الطاعة ‏والمعصية ، فقد جمع الله لنا بين حلاوة النصر ، ومرارة الهزيمة : ( وَأَنَّ اللَّهَ ‏لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [ آل عمران : 182] .‏
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .‏
 



صوم رمضان دروس وعبر
بقلم : فضيلة الشيخ : صفوت الشوادفى - رحمه الله -


الحمد لله غافر الذنب .. وقابل التوب .. شديد العقاب .. ذى الطول لا إله إلا هو إليه المصير . والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير وبعد :فقد دار الزمان ، وعاد رمضان ، وفرح المسلمون بعودته ، وتنافسوا فى الطاعات ، وتسابقوا فى الخيرات .وشهر رمضان قد اجتمع فيه من الأحداث والعبر والعظات ، والعبادات ما لم يجتمع فى غيره من الشهور !
* ففى هذا الشهر ابتدأ نزول الوحى ، والعبرة فى ذلك أن بداية الهداية لهذه الأمة كانت فى رمضان ، والهداية أعظم نعمة على الإطلاق ولا نصل إليها إلا من طريق الوحى الذى بدأ نزوله فى هذا الشهر فتدبر ذلك !!
* والصائم يجاهد نفسه فى رمضان ، فيتذكر بجهاده لنفسه أول جهاد بالسيف للمشركين فى غزوة بدر ! ويراجع أحداث هذه الغزوة المباركة ويرى أمامه حقيقة ناطقة فى قوله تعالى : " كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً " ! ثم ينظر فى حال أمته اليوم فيراها مغلوبة مقهورة مهزومة ! قد تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها .فيفكر ويقدر ويصل إلى السبب الحقيقى وراء ما نحن فيه فإذا هو : " عندما يغيب منهج الإسلام عن حياتنا يتخلف نصر الله عنا ، فإذا عاد الإسلام إلى واقعنا تنزل علينا نصر الله " !!
* والمسلم يستقبل رمضان بالطاعات من صلاة وصوم وقراءة وصدقة وجود وإفطار صائم ينتظر بذلك العفو والمغفرة وهو يتطلع إلى آخر الشهر ليعطى أجره ، فنعمت البداية ، ونعمت النهاية !ويتدبر كيف استقبلت الأمة الوحى فى رمضان أول ما نزل ، وجاهد المسلمون جهاد الصادقين ، ونصروا الله فنصرهم . حتى أدركوا الغاية بفتح مكة ، وكان ذلك أيضاً فى رمضان ، فنعمت البداية ونعمت النهاية !
* ويتطلع المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها إلى ليلة القدر ، وقد أيقنوا أنها خير من ألف شهر ! وهم يدعون الله بقلوب مخلصة يرجون رحمته ، ويخافون عذابه ويطمعون فى جنته ورضوانه .وقد تفضل الله على هذه الأمة فجعل العمل الصالح فى ليلة القدر خير من العمل الصالح فى ألف شهر !! .
وإنك لتعجب أشد العجب من مسلم تفوته ليلة القدر بغير مغفرة !
* والصوم إقبال على الله ، والاعتكاف انقطاع إلى الله ، وذهاب إليه !! ومن ذهب إلى الله هداه !فى خلوة المعتكف تجد لذة العبادة والبعد عن شواغل الحياة .
* وتأتى زكاة الفطر لتقضى على البقية الباقية من أدران النفس ، وتطهر المسلم ، وتحقق مجتمع الجسد الواحد .
* وصوم رمضان يذكرنا بما ينبغى أن يكون عليه المسلم من صوم دائم عن المعاصى والذنوب ليلاً ونهاراً ، ويلفت الأنظار إلى هذا التناقض الذى يعيش فيه كثير من المسلمين بسبب الجهل بحقيقة الصوم التى هى امتناع عن الحلال والحرام فى نهار رمضان !! وامتناع عن الحرام فى ليلة ! ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش !فإذا نظرت فى واقعنا تبين لك التناقض الذى نعيش فيه بمثل هذه الأمثلة التى نسوقها :صائمة متبرجة !! - صائم تارك للصلاة ؟ !! - صائم لا يدع قول الزور ولا العمل به !! صائم يجلس أمام المسلسلات والأفلام ينظر إلى ما حرم الله ! - صائم يهجر القرآن طوال رمضان ، والأمثلة لا تنتهى ولا تنقضى .
والسبب فى ذلك أن كثيراً من المسلمين يصوم صوم العادة لا صوم العبادة !ولا يغفر إلا لمن صام صوم العبادة لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " . " ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ( متفق عليه ) .
* إن الصوم الحقيقى يزيد فى الإيمان ويوجب الغفران .وعلامة ذلك الحسنة بعد الحسنة ، والطاعة بعد الطاعة ، وثمرة ذلك : مزيد من الإقبال على الله ، والتدبر لكتابه ، والتوبة الصادقة التى لا رجوع فيها وبها نطمع أن يدخلنا ربنا برحمته مع القوم الصالحين .اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وقامنا وسائر أعمالنا الصالحات ، وأنزل علينا نصرك وأمدنا بمدد من مددك وجند من جندك إنك على كل شىء قدير . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .

صفوت الشوادفى
 



الصيام دروس .. وعبر
بقلم الشيخ : صفوت الشوادفى


الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً والصلاة والسلام على رسوله الذى كان لربه عبداً شكوراً .. وبعد .فقد عاد إلينا شهر الصوم ، وأقبلت أيامه ، وفيه من الفوائد العظيمة والحكم البالغة ما اشتهر ذكره ، ولم يخف أمره ‍ .وقد جرت عادة الناس أنهم يتوبون إلى الله من بعض ذنوبهم كلما جاء رمضان ‍ ثم يعودون لما نهوا عنه بعد رحيله ‍ إلا قليلاً منهم .وقد أخبرنا الله فى كتابه أنه فرض علينا الصيام ، كما فرضه على الذين من قبلنا ، لنحقق به ومن خلاله التقوى . فهل نحن نفعل ذلك ؟ إن الصوم ليس جوعاً وعطشاً ، ولكنه خشوع لله وخضوع ‍‍! إنه - كما يقول ابن القيم رحمه الله - لجام المتقين ، وجُنة المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقربين ، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال ! فإن الصائم لا يفعل شيئاً ! وإنما يترك شهوته وطعامه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد سواه .والسر الذى يتحدث عنه العلماء يكمن فى هذا السؤال : هل ترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ؟ أم لشىء آخر ؟!! لقد جاءنا رمضان هذا العام ، فوجدنا - أمة الإسلام - كالحيارى فى الصحارى ، وأصبحنا بحاجة إلى وقفة مع أنفسنا ، بل وقفات نستلهم الدروس والعبر من هذا الشهر العظيم الذى خصنا الله به ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً .* فمن هذه الدروس واللطائف أن التقرب إلى الله بترك الحلال ( الطعام والشراب ) ، لا يكون مقبولاً إلا إذا سبقه تقرب إلى الله بترك المحرمات ، وقد بين هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم فى حديث البخارى " من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " .ونزيد الأمر وضوحاً ، فنقول : إن الصوم لا يكون نافعاً ولا محققاً لحكمة فرضيته إلا إذا صامت الجوارح قبل أن يصوم البطن !وإنك لتعجب من قوم يُجوعون أنفسهم فى نهار رمضان ، وألسنتهم وأعينهم وأيديهم وأرجلهم تعمل فى معصية الله ، فأين الصيام ؟ ! * ومن هذه الفوائد والعبر : أن المؤمن يجتمع له فى شهر رمضان نوعان من الجهاد : جهاد لنفسه بالنهار على الصيام ، وجهاد لها بالليل على القيام . وفريق من المسلمين يصوم نهاره ، فإذا دخل الليل أقبل على المعاصى ! وسارع إلى الذنوب ، فبعضهم يجلس أمام التلفاز يشاهد أنواعاً من المنكرات ، وهو يظن أن الصوم عن المعاصى مختص بنهار رمضان دون ليلة ! وبعضهم يفعل غير ذلك من السيئات والمنكرات . وهؤلاء جميعاً لم يفهموا حقيقة الصوم ، ولم يدركوا الحكمة البالغة التى من أجلها كانت فريضة الصوم .* ومنها : أن الله قد خص شهر رمضان بأنه جعله شهر النصر فى بدر ، وفى الفتح ! وعندما نتدبر قوله : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " نرى أننا اليوم قد صرنا أذلة !! ونحن بحاجة إلى نصر الله كحاجة المؤمنين إليه فى يوم بدر . فالواجب على الأمة أن تأخذ بأسباب النصر ، وعلى رأسها : الدعاء والإنابة ، والرجوع ، والخشوع ، والخضوع ! وفتح الله مكة المكرمة للمسلمين فى رمضان .وهنا يأتى الدرس : ففى رمضان نزل القرآن ، فلما تمسك به المسلمون واعتصموا ، نصرهم الله فى بدر ، وفى الفتح ، وهذا من سنن الله فى عباده المؤمنين !! .* ورمضان شهر الجود والكرم والصدقة والعطاء ، وليس الجود - فقط - أن تكون غنياً فتتصدق ، ولكن الجود أن تكون فقيراً ، فتقسم ما فى يدك مع محتاج مثلك ! ولذلك كانت صدقة الفطر : مظهراً من مظاهر الأخوة الصادقة ، وهى فى نفس الوقت : طهرة للصائمين ، وطعمة للمساكين ! * ولو أن كل مسلم أهدى إلى جيرانه طعاماً أو شراباً فى رمضان لتحول المجتمع المسلم إلى جسد واحد ، وليس الخبر كالمعاينة ! * وفى رمضان من الدروس النافعة أن الله قد أكرمنا فيه بليلة القدر ، التى هي خير من ألف شهر . ومن الأحاديث العجيبة التى جاءت فى ذكرها : ما رواه البخارى فى صحيحه بسنده إلى عبادة بن الصامت - رضى الله عنه - قال : خرج النبى صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين - أى تخاصم وتنازع - فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها فى التاسعة ، والسابعة ، والخامسة " وتدبر أيها القارئ الكريم : كيف كان الخصام والتنازع سبباً فى رفع الخير أو منعه وخفائه !! .* ومن لطائف هذا الشهر الكريم : أن باب التوبة فيه مفتوح على مصراعيه ، ولا يستغنى العبد عن المغفرة لذنب فعله ، أو لإثم ارتكبه .* ولا يغفر الذنوب إلا الله ، وقد ذكر القرآن من أخص صفات المتقين : أنهم يستغفرون من ذنوبهم ، ولا يصرون على فعلهم فقال : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " ( آل عمران : 135 ) .* فمن تدبر هذا علم أن الصوم يثمر التقوى " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( البقرة : 183 ) والتقوى تثمر الاستغفار ، وعدم الإصرار " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ..." ( آل عمران : 133 ) وباب التوبة مفتوح والدعاء مجاب ، فمن انتفع بهذا ، خرج من رمضان بغير ذنوب كيوم ولدته أمه ، ومن لم ينتفع به فخرج من رمضان بغير مغفرة فلا يلومن إلا نفسه !! * وأخيراً ، فإن شهر رمضان هو شهر الفرح الحقيقى ! فإن الناس قد يفرحون بالأموال ، والأبناء أو بالمنصب ، والجاه والسلطان ، وقد يوقعهم ذلك فى الفرح المذموم " لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ " ( القصص : 76 ) أما الفرح الحقيقى ، فهو : الفرح بالطاعة ، وبفضل الله ، وهذا الذى أرشد إليه القرآن فى قوله تعالى : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " ( يونس :85 ) وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح ، الذى رواه البخارى ومسلم ، ذلك الفرح الحقيقى الذى يدركه الصائم ، فقال : " للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه " .فإذا تدبرت الآية مع الحديث ، فإنك تقف على وصف دقيق للسعادة الحقيقة التى يبحث عنها كل الناس ولا يدركها إلا المؤمن ! .إنها : فرح بفضل الله ، فرح بإتمام نعمة الصوم والقيام بما أوجب الله : " فرحة عند فطره " ، وفرح عند لقاء ربه ، وهو أعظم الفرح وأجمله وأحسنه . اللهم تقبل صيامنا ، وركوعنا ، وسجودنا وسائر أعمالنا الصالحات .وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .

 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية