اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/monawein/sh/13.htm?print_it=1

الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك

2- منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف

 
أطلق الخصوم على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأنصار دعوته شبهة منع الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم، فادعوا أن الشيخ الإمام وأتباعه من بعده يمنعون طلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم وكذلك يمنعون طلبها من الأنبياء والصالحين.
وقبل الشروع في عرض هذه الشبهة ثم ردها، ينبغي أن ننبه إلى أن موضوع الشفاعة يرتبط – إلى حد كبير – بموضوع التوسل، لذا فهناك تداخل كبير بين هذا الفصل، وبين الفصل السابق – كما سيتضح أثناء عرض هذا الفصل -، إلا أنه مع هذا التداخل فهناك بعض المسائل التي يستقل بها موضوع الشفاعة عن موضوع التوسل، مما ناسب إفراده بهذا الفصل.
وقد تحدث خصوم هذه الدعوة عن شبهة منع الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فادعوا أن الشيخ الإمام، وأتباعه من بعده يمنعون طلب الشفاعة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا سائر الأنبياء والأولياء، وذكر الخصوم حجتهم في هذه المسألة، وسنورد أقوالهم – من خلال كتبهم -، وحججهم في هذا المقام.
يدعي القباني الفرق بين المشركين الذين اتخذوا الأصنام شفعاء لهم عند الله لتقربهم إليه زلفى، وبين المسلمين – كما زعم القباني – الذين يطلبون الشفاعة من الأنبياء والأولياء.
فليس سبب كفر مشركي العرب هو اتخاذ الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى، وإنما كان كفرهم بسبب اعتقادهم أن الملائكة والأولياء بنات وأبناء الله على حد دعوى القباني، لذا يقول القباني:
(العلة التي وجبت كفر المشركين هي اعتقادهم في الأنبياء، والأولياء، والملائكة أنهم أبناء الله، وبنات الله تعالى الله عن ذلك..) (2).
ويقول أيضاً: (إن عبادة المشركين للأنبياء، والأولياء إنما هي بالسجود لتماثيلهم، ليتقربوا إليهم) (2).
ويستنكر القباني أن يكفر من قال: يا رسول الله اشفع لي، فيقول بكل قبح ووقاحة مخاطباً الشيخ الإمام:
(أما أنهم كفروا بمجرد قولهم يا رسول الله اشفع لي، أو أغثني، وأنها مساواة لقول المشرك واعتقاده أن المسيح هو الله، ولعبادة تمثاله من السجود والذبح كما ادعيت ذلك، وجزمت به. فما أقمت على ذلك الدليل والبرهان يا طويل الآذان) (3).
ويجوّز ابن داود الهمداني طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء فلا يحتاج إلى إذن من الله، لأن الله أذن لهم في الشفاعة، يقول ابن داود:
(إن الله تعالى أذن لنا أن نطلب منهم – أي الأنبياء والأولياء – الشفاعة، وليعلم أولاً أن طلب الشفاعة منهم لا يحتاج إلى ورود إذن من الله في ذلك، فإنا بعد أن علمنا أن لهم جاهاً وجيهاً عنده تعالى، بحيث إذا شفعوا قبلت شفاعتهم، فعلمنا مع ذلك أن الله تعالى أذن لهم في الشفاعة، ساغ لنا أن نطلبها منهم، ونجعلهم شفعاء عنده، ونقول لهم اشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا فإن لكم عند الله جاهاً وجيهاً، وشفاعة مقبولة كما يسوغ لأحدنا أن يقول لآخر توسط لي عند السلطان واشفع لي لدى فلان) (1).
ويرد ابن داود على الشيخ الإمام في تلك المسألة، فيقول:
(وقول الزنديق الحجازي: إن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن طلبها منه كما قال: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} (2) غلط، فإن الدعاء المنهي عنه هنا بمعنى العبادة، وطالب الشفاعة لا يعبد الشفيع، بل يطلب منه أن يشفّعه عند الله، كما أن يوسف بدعائه لأحد صاحبي السجن لم يكن عابداً له ولا كافراً، وقوله(3) (فإن الشفاعة التي أعطاها غير النبي، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون. أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة، فاطلبها منهم. فإن قلت هذا، فقد عبدتم) غلط أيضاً، لما قلنا من أن طلب الشفاعة ممن أعطيها سواء كان نبياً، أو كان ولياً، أو وصياً، أو ملكاً، أو مؤمناً ليس عبادة له، فيصح لنا أن نطلب الشفاعة من الأوصياء، والأولياء، والملائكة، والصلحاء، وليس في ذلك شرك) (4).
ويسوي ابن داود بين قول: اللهم شفّع محمداً فينا، وبين قول: يا محمد اشفع لي، فيقول:
(وإذا ثبت أن لهم – محمد صلى الله عليه وسلم وعترته – الشفاعة المقبولة، وأنهم مأذونون في الشفاعة، ونحن مأمورون بطلبها، كان لنا الخيار في الدعاء. فإن شئت طلبناها، وقلنا اللهم شفعهم فينا، أو لا تحرمنا شفاعتهم، أو تقبل شفاعته فينا، وإن شئنا طلبناها منهم وقلنا يا أولياء الله اشفعوا لنا عند الله، واستغفروا ذنوبنا إلى غير ذلك) (5).
ويفسر محمد بن عبد المجيد معنى الإذن – أحد شرطي قبول الشفاعة – فيقول:
(والذي يظهر - والله أعلم - تفسير الإذن بلازمه، من الرضى والاختيار، والمعنى: لا أحد يشفع عنده شفاعة نافعة، إلا برضاه، واختياره تعالى، إذ لا ينفذ لأحد مراد لم يرده الله تعالى …)(6).
وبناءً على ذلك فإن محمد بن عبد المجيد لا يشترط الإذن للشافع، لذا يقول:
(والمتحصل من هذا أن الشفاعة لا تتوقف على إذن خاص، بمعنى إطلاقها وإباحتها للشافع، ولكن يتوقف نفعها على رضاه تعالى أن يقبلها واختياره لذلك..) (7).
ويدافع محمد بن عبد المجيد عن المستغيثين بالموتى والذين يسألونهم الشفاعة فيقول:
(والمشركون كانوا يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع وتضر.. فأين هذا ممن يستغيث من المسلمين بنبي، أو ولي، ويسأله الشفاعة، معتقدا أنه لا يملك نفعاً ولا ضراً..) (1).
ويرد محمد ابن عبد المجيد على اعتراض لما قرره، فيقول:
(وأما تمسكه – أي الإمام سعود بن عبد العزيز – في منع استشفاعهم إلى الله بقوله تعالى: { قل لله الشفاعة جميعا} (2) قلنا مسلم، ولا ينافي طلبنا منهم الشفاعة في مآرب الدنيا والآخرة، لأن شفاعتهم لنا من بعد إذنه تعالى لهم بإلهام، أو غيره مما يعلمونه أولاً، ولأن شفاعتهم مجرد دعائه لله تعالى، وطلب وابتهال، كما يدعو المؤمن لأخيه بظهر الغيب. ومعنى توقفها على الإذن توقف قبولها على رضاه تعالى، واختياره الإجابة، لا كما زعم المشركون أن معبوداتهم تشفع لهم عنده، وجزموا بذلك، ولم يلتفتوا إلى توقف نفع شفاعتها على قبوله تعالى، ورضاه، حتى كأنهم لا يجوزون رد شفاعتها …)(3).
ويدعي الحداد أن سبب كفر مشركي العرب هو نسبتهم الولد لله تعالى، وليس لأنهم جعلوا الأصنام، أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى. فيقول:
(وقوله تعالى في سورة الزمر: { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}(4) فإن بعدها قوله تعالى ردا على من نسب له الولد، تعالى الله { لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار } (5).. وقولهم ليقربونا معتقدين أنهم آلهة وأنهم شركاء، كما حكي عنهم سبحانه في قوله: { هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } (6)، الآية، ولو أنهم آمنوا بالله وحده، وأقروا برسالة نبيه، وما جاء به، واعتقدوا في الحجر أنه من خلقه، وأنه لا ذنب له، نفعهم، لقوله عليه السلام (لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه) (7)، لاعتقاده أنه لا يضر ولا ينفع خلق من خلقه إلا بإذنه)(8).
ويدعي عمر المحجوب أن الوهابيين ينكرون الكثير من الشفاعة فيقول:
(ولعلك من المبتدعة الذين ينكرون أنواعاً كثيرة من الشفاعة)(1).
ويذكر إسماعيل التميمي أن الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس عبادة له؛ لأنها في ملكه.. يقول:
(وليست – أي مسألة الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم - عبادة للمطلوب – أي محمد ؛– لأنه لا يعظم طالبها كتعظيم المعبود..)(2).
(أما مسألة طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإن هذا الطلب ليس عبادة، فإن الله لما وعده بها، وبالإذن فيها صارت في يده، فطلبها منه كطلب حاجة من يد قادر على إعطائها..) (3).
ويورد جعفر النجفي كلاماً حول الشفاعة، كان مما قاله:
(إن الشفاعة إن كانت من قبيل الدعاء، فيرجع طلبها إلى التماس الدعاء من الأنبياء والأولياء، فتكون عبارة عن دعاء مخصوص لنجاة الغير، أو قضاء حاجته في أمور الدنيا والآخرة. فلا كلام، ولا بحث في جواز طلبها من كل أحد كما لو سألت إخوانك الدعاء .. ولا ريب أن المستشفع بالنبي، والأولياء في دار الدنيا يريد هذا المعنى). (4)
ويسوق دحلان ما قرره علماء الدعوة من اشتراط إذن الله في قبول الشفاعة، ثم ذكر رده، فيقول:
(ومما يعتقده المنكرون للزيارة، والتوسل منع طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون أن الله تعالى قد قال في كتابه العزيز: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (5)، وقال تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}(6) فالطالب للشفاعة لا يعلم حصول الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة للمؤمنين.
وقد صحت الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم يشفع لمن قال بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة..) (7) إلى آخر الدعاء المشهور، ولمن صلى على النبـي صلـى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ولمن زار قبره صلى الله عليه وسلم .. فالطالب للشفاعة كأنه يتوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يحفظ عليه الإيمان إلى أن يتوفاه الله، فيدخل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون من أهلها) (8).
ويذكر السمنودي ما اشترطه علماء الدعوة لقبول الشفاعة، من الإذن للشافع أن يشفع، والرضا عن المشفوع له، ثم يرد ذلك بقوله:
(وأقول أن منعهم المذكور، واحتجاجهم هذا عليه مردود عليهم، وباطل بالأحاديث الصحيحة الصريحة في حصول الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة للمؤمنين، لكونهم ممن ارتضى الله تعالى أن يشفع له، وبما صح متواتراً من طلب بعض الصحابة الشفاعة لله من النبي صلى الله عليه وسلم)(9).
ويورد السمنودي النصوص التي تثبت الشفاعة، ثم يقول:
(وهذه الآيات، والأحاديث وما ماثلها على عمومها، ولم يخصصها أحد بحال الحياة دون الممات)(1).
ويدعي السمنودي أن طلب الشفاعة من باب التسبب فقال:
(والشفاعة وإن كانت في الحقيقة بإذن الله..، ولكن على المسلم أن يباشر السبب، وأمر الإذن في القضاء إلى الله تعالى إن شاء، وإن لم يشأ، لم يكن. هذا هو اعتقاد المسلمين لا يعتقدون غيره، فمقصودهم بطلبهم الشفاعة من الأنبياء، والصالحين إنما هو التسبب) (2).
ويذكر الطباطبائي أن الوهابيين يثبتون الشفاعة، ولكن يمنعون طلبها في الدنيا من أصحابها، ثم يرد على هذا المعتقد فيقول:
(قالت الوهابية أن الشفاعة للأنبياء، والأولياء منقطعة في الدنيا وإنما هي ثابتة لهم في الآخرة، فلو جعل العبد بينه وبين الله وسائط من عباده يسألهم الشفاعة كان ذلك شركاً وعبادة لغير الله، فاللازم أن يوجه العبد دعاءه إلى ربه ويقول: اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز له أن يقول يا محمد اشفع لي عند الله) – ثم ذكر أدلتهم على ذلك:
ثم قال: (وقالت الإمامية أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم، وصالح المؤمنين، والملائكة المقربين، فيجوز الاستشفاع بهم إلى الله تعالى لنهوض الكتاب والسنة عليه..
وقول ابن عبد الوهاب: أن الله أعطى نبيه الشفاعة، ولكن نهاك عن الاستشفاع به.. كلام شعري مبناه الخيال، فإنه مثل أن يقول أن الله تعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة سقاية الحوض، ولكن نهى الناس عن الورود عليه، والاستسقاء منه.
وقوله تعالى: { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها } (3) دلت على جواز وقوع الشفاعة الحسنة من المؤمنين، بعضهم في حق بعض، ومتى جاز، جاز التوسل بالشفيع ولو كان ذلك شركاً لما صح الإذن في الشفاعة لا عقلاً ولا سمعاً مع أنها مأذون فيها ومرغب إليها بقوله سبحانه: { يكن له نصيب منها } (4).
ويجوز عبد الرؤوف الرافضي الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الله فيقول:
(وقد جوز الشرع الاستشفاع به إلى الله، وليس فيه شرك ولا هو دين المشركين أصلاً، ونوضح المقال بضرب من المثال ونقول:
ولا شك أن السجود لغير الله شرك، وقد أمر الله تعالى ملائكته المقربين أجمعين أن يسجدوا لآدم، فانقادوا كلهم أجمعون، فصار سجودهم لغير الله الذي كان كفراً وشركاً لولا أمر الله، طاعة مقبولة عند الله، وخاتم الأنبياء خير من فاتح الأنبياء، بل من سائر الأنبياء والاستشفاع به أيسر من السجود..) (5)
ويدعي العاملي جواز طلب الشفاعة من كل مؤمن حياً أو ميتاً، لأنه كطلب الدعاء فيقول:
(فطلب الشفاعة من الغير، كطلب الدعاء منه. وقد ثبت جواز طلب الدعاء من أي مؤمن كان … ويجوز طلب الشفاعة إلى الله تعالى من كل مؤمن فضلاً عن الأنبياء والصالحين، وفضلاً عن سيد المرسلين) (1).
ويدعي العاملي – أيضاً – أن اتخاذ الأصنام، أو الأولياء شفعاء عند الله، ليس سبباً في شرك عباد الأصنام والأولياء، يقول:
(والمشركون لم يعلم أن هذا سبب في شركهم؛ لأنه لم يصدر منهم وحده، بل صدر معه ما هو كاف في الشرك، والكفر من إنكار الرسل، والشرائع، والعبادة للأصنام)(2).
ويستنكر العاملي طلب الشفاعة من الله وحده في الدنيا، فيقول:
(أما قولهم فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله. فإذا كانت حقاً فما المانع من طلبها ؟ أفيجعل الله طلب الحق باطلاً وشركاً؟ تعالى الله عن ذلك، فطلب الحق لا يكون إلا حقاً، وطلب الباطل لا يكون إلا باطلاً، والتقييد بقولهم في دار الدنيا دال على جواز طلبها في الآخرة، كما يدل عليه حديث تشفع الناس بالأنبياء، واعتذار كل منهم ثم تشفعهم بمحمد صلى الله عليه وسلم..
وهل منع الناس من الشرك في الدنيا، وأبيح لهم الشرك في الآخرة (3). ثم يورد العاملي دليلاً له، ويرد عليه:
(وأما قوله: إن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك أن تطلبها منه وقال: { فلا تدعوا مع الله أحداً } (4) فقول فاسد، لأن الدعاء المنهي عنه في الآية لا يشمل طلب الشفاعة، كما لا يشمل طلب الدعاء التي هو نوع منه، ولا يمكن أن يكون شاملاً لذلك، إذ يكون محصله أن الله تعالى أباح لك أن تطلب من كل أحد ما أعطاه الله إياه إلا الشفاعة) (4).
وادعى فضل الرسول البركاتي هذه المقالة:
(والنجدية خالفوا أهل السنة والجماعة في الشفاعة، وخلطوا مع الاعتزال أنواعاً من الخبط والشناعة، قالوا إن الشفاعة بالوجاهة غير ممكنة واعتقادها كفر) (6).
ويبيح الأوردبادي الاستشفاع بالأولياء بقوله:
(وأما الاستشفاع بهم، فلم يكن إلا لأن الله أثبت الشفاعة لعباده المكرمين في قوله تعالى: { إلا لمن ارتضى} (7) وأذن بشفاعتهم في قوله تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (8) فيتوسل عند الله، ويتوجه، ويستشفع إليه بأوليائه من عباده) (9).
يتبين – من خلال هذه النقول أن هؤلاء الخصوم يدعون أن العلّة التي أوجبت كفر المشركين، هي اعتقادهم في الأنبياء، والملائكة أنهم أبناء الله وبناته – تعالى الله عن ذلك -، أو اعتقادهم أن الأصنام تنفع وتضر، وليست علة كفرهم اتخاذهم الأصنام، أو الأولياء شفعاء كي تقربهم عند الله زلفى.
كما أن المناوئين يجوّزون طلب الشفاعة من الأنبياء، والأولياء في دار الدنيا؛ لأن الله أذن لهم في الشفاعة، وبعضهم يفسر الإذن بمعنى الرضا والاختيار. ونلاحظ أنهم ينفون أن يكون طلب الشفاعة من الأنبياء أو الأولياء عبادة لهم، بل هو دعاء المسلم لأخيه كما أن طلب الشفاعة منهم عام لا فرق في ذلك بين الأحياء منهم والأموات.
ويدعي الخصوم أن الشفاعة حين تطلب في الدنيا من الأنبياء، فلأنها في ملكهم وحوزتهم.
لقد أفاض علماء هذه الدعوة السلفية الحديث عن ما يتعلق بهذه المسألة فوضوحها غاية الوضوح، وأوردوا الأدلة والبراهين عليها، وذكروا شبهات الخصوم، واعتراضهم، ثم أعقبوها بالرد والمناقشة.
وقد تحدث الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عن هذه المسألة في أكثر من موضوع، وأطال في بيانها وإظهارها.
فيبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب مشابهة هؤلاء الذين اتخذوا الصالحين شفعاء، ووسائط بينهم وبين الله، ويدعونهم، ويرجونهم، بحال المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن اتخذ الأصنام أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى، مع اعتقاد أن النفع والضر من عند الله، ويورد الاعتراضات في ذلك فيقول:
(إن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجوابه هو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّون بما ذكرت، ومقرّون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه، والشفاعة، كما في القرآن. فإن قال هؤلاء الآيات إنما نزلت فمن يعبد الأصنام. كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً فجاوبه بما تقدم .. فإنه إذا أقرّ أن الكفّار يشهدون بالربوبية كلها، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعله، وفعلهم بما ذكر – فأذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } (1) ويدعون عيسى بن مريم وأمه، ويدعون الملائكة..
فقل له: أعرفت أن الله كفّر من قصد الأصنام، وكفّر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال: الكفّار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبّر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم. فالجواب أن هذا قول الكفّار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } (2). وقوله تعالى: { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } (1) واعلم أن هذه الشبهة أكبر ما عندهم) (2).
ويقرر الشيخ الشفاعة، ويثبتها، ويذكر شرطي الشفاعة، ثم يرد على من قال إن الله أعطى الشفاعة محمداً فأطلبها منه، يقول رحمه الله:
(فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها ؟ فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجوا شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً } (3) ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (4)، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } (5) فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيها، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلّها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فيّ وأمثال هذا.
فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: { فلا تدعوا مع الله أحداً } (6)، فإن كنت تدعو الله أن يشفّع نبيّه فيك، فأطعه في قوله: { فلا تدعوا مع الله أحداً }، وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم، فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه) (7).
ويرد الشيخ الإمام على من ألصق بهم فرية إنكار شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
(يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه. هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباع شرعه) (8).
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن الشفاعة لا تطلب في الدنيا إلا من الله، فلا تطلب من الأنبياء، أو الأولياء بعد موتهم يقول رحمه الله:
(والشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: { وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً } (1) وقال: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } (2)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل (يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها، ثم يقال ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، ثم يحد لهم حداً فيدخلهم الجنة) (3) فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرناه، ولا يخالف فيه أحداً من علماء المسلمين. بل قد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين الأئمة الأربعة وغيرهم..) (4).
وعلى ضوء ذلك، فلا تطلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولأنه – أيضاً – ليس هناك دليل على طلبها منه بعد موته، لذا قال الشيخ الإمام:
(القائل أنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنّة رسول الله، أو من اجتماع الأمة. والحق أحق أن يتبع) (5).
ويؤكد الشيخ الإمام أن طلب الشفاعة من موتى الصالحين يضاد توحيد العبادة وينافيه، فيقول:
(إن أهل الجاهلية يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله، وعبادته. يريدون شفاعتهم، لظنهم أن الله يحب ذلك، وأن الصالحين يحبونه كما قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (6)، وقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (7).
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص..) (8).
ويردّ الإمام عبد العزيز الأول على من ادعى عدم شرط الإذن من الله في مسألة الشفاعة فيبين أن من شفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك له في حصول ذلك المطلوب .. يقول رحمه الله:
(ولهذا حسم جل وعلا مادة الشفاعة عن كل أحد بغير إذن الإله وحده، فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لا ملك ولا نبي ولا غيرهما؛ لأن من شفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك له في حصول ذلك المطلوب لتأثيره فيه بشفاعته، ولا سيما إن كانت من غير إذنه فجعله يفعل ما طلـب منه، والله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه، وكل من أعان غيره على أمر فقد شفعه فــيه، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد بوجه من الوجوه، ولهذا قال عز من قال: {قل لله الشفاعة جميعاً} (9)) (10).
وتبدو أهمية هذه المسألة ومدى قيمتها، من خلال ما كتبه الإمام عبد العزيز الأول، حين تحدث عن حال أولئك المستشفعين بالموتى، ثم أشار إلى فائدة مهمة وهي أن الشفاعة ثابتة بالوصف، لا بالشخص .. يقول:
(وما حجتهم علينا إلا أن المدعو يكون شفيعاً ووسيلة، ونحن نقول: هؤلاء الداعون الهاتفون بذكره، المعتقدون في الأحياء الغائبين المدعوين، والأموات يطلبون كشف شدتهم، وتفريج كربتهم، وإبراء مريضهم وتكثير رزقهم.. لم يكفهم الاقتصار على مسألة الشفاعة والوسيلة، وهما من أعظم المخاصمة الجارية علينا مما قاتلنا وبدّعنا، وجعل اليهود والنصارى أخف شراً منا ومن أتباعنا.
وحقيقة قولنا أن الشفاعة وإن كانت حقاً في الآخرة فلها أنواع مذكورة في محلها، ووجب على كل مسلم الإيمان بشفاعته صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الشفعاء، فهي ثابتة بالوصف لا بالشخص، ماعدا الشفاعة العظمى فإنها لأهل الموقف عامة وليس منها ما يقصدون، فالوصف من مات لا يشرك بالله شيئاً كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل نبي دعوة مستجابة وأني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً) (1)) (2).
ويقرر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معتقدهم في مسألة الشفاعة فيقول:
(ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء، والملائكة، والأولياء، والأطفال حسب ما ورد أيضاً، ونسألها من المالك لها، والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد، بأن يقول أحدنا متضرعاً إلى الله تعالى: اللهم شفّع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة، أو اللهم شفّع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم. فلا يقال يا رسول الله، أو يا ولي الله، أسألك الشفاعة، أو غيرها كأدركني، أو أغثني، أو اشفعني، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى) (3).
ويبين الشيخ محمد بن ناصر بن معمر أن الشفاعة كلّها لله وحده، وأنها لا تكون إلا بشرطيها: الإذن للشافع أن يشفع، والرضا عن المشفوع له، فيقول رحمه الله:
(وبيان أن الشفاعة كلّها لله، ليس لأحد فيها شيء، وأنه لا شفاعة إلا بعد إذن الله تعالى، وأنه تعالى لا يأذن إلا لمن رضى قوله وعمله، وأنه لا يرضى إلا التوحيد، ومعلوم أن أعلى الخلق، وأفضلهم، وأكرمهم عند الله الرسل والملائكة المقرّبون، وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين يديه ولا يفعلون شيئاً إلا بعد إذنه لهم وأمره، فيأذن سبحانه لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له تعالى، والذي شفع عنده إنما بإذنه له، وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته أن يرحم عبيده) (4).
ويسوق صاحب كتاب (التوضيح) شرط رضا الله عن المشفوع له، وشرط الإذن للشافع، مما يقضي وجوب التجرد، والتوجه لله وحده، فيقول:
(ومسألة الشفاعة لم ينفها الله سبحانه، لكن أخبر أنها لا تكون ولا تنفع إلا لمن أذن له، فالشفاعة بعد رضائه تعالى عن المشفوع فيه وهذا بخلاف الشفعاء للمخلوقين، فإنهم قد يشفعون لمن لم يؤذن لهم في الشفاعة وقبل استئذان المشفوع إليه، وهذا كقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (1).
وقوله: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (2)، وقال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (3) وقال: {ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} (4)، وهذا يوجـب انقطاع تعلق القلوب بغيره، ولو كان نبياً، أو ملكاً. فكيف بالمشايخ، والعلماء، والملوك. فإن غاية الراجي لهم المعتقد أن يقول هم يشفعون لي، فقد أخـبر سبحانه أنه ما من شفيع إلا من بعد إذنه، وأنكر أن يشفع أحد إلا بإذنه وأخبر أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له) (5).
ويبيّن الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مناسبة إيراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب لباب (الشفاعة) ضمن أبواب (كتاب التوحيد)، فيقول:
(لما كـان المشركون في قديم الزمان وحديـثه، إنما وقعوا في الشرك لتعلقهـم بأذيال الشفاعة. كما قال تعالى: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } (6)، وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها، وأخبر أنه شرك، ونزّه نفسه عنه، ونفى أن يكون للخلق من دونه ولي أو شفيع، كما قال تعالى:
{ الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون } (7) أراد المصنف – الشيخ الإمام – في هذا الباب، إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك، وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له، كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى، وأنها لله، هو الذي يأذن للشافع ابتداء، لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله } (8).
ويرد الشيخ سليمان على دعوى الخصوم بأن طلب الشفاعة من الموتى ليست عبادة لهم، لأنه دعاهم للشفاعة فقط، فيقول رحمه الله:
(فإن قلت: إنما حكم سبحانه وتعالى بالشرك على من عبد الشفعاء، أما من دعاهم للشفاعة فقط، فهو لم يعبدهم، فلا يكون ذلك شركاً.
قيل: مجرد اتخاذ الشفعاء ملزوم للشرك، والشرك لازم له، كما أن الشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه وتعالى، والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى. وعلى هذا فالسؤال باطل من أصله لا وجود له في الخارج، وإنما هو شيء قدره المشركين في أذهانهم، فإن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة، فإذا دعاهم للشفاعة، فقد عبدهم، وأشرك في عبادة الله شاء أم أبى) (1).
ويكشف الشيخ سليمان بن عبد الله عما يتضمنه اتخاذ الشفعاء من دون الله من التنقص لعظمة الإلهية، والهضم لحق الربوبية، وسوء الظن برب العالمين فيقول:
(إن المتخذ للشفعاء والأنداد، إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير، وهذا أعظم التنقص لمن هو غني من كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع، وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع، أو لا يرحم حتى يجعله الشفيع يرحم، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا.. وهذا أصل شرك الخلق، وكله تنقص للربوبية وهضم لحقها، ولهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أن ذلك شرك، ونزّه نفسه عنه فقال: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } (2)) (3).
ويجمل الشيخ سليمان بن عبد الله حقيقة أمر الشفاعة فيقول:
(وحقيقة أمر الشفاعة، أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فهذا هو حقيقة الشفاعة، لا كما يظن المشركون والجهال أن الشفاعة هي كون الشفيع يشفع ابتداء فيمن شاء، فيدخله الجنّة، وينجيه من النار. ولهذا يسألونها من الأموات وغيرهم إذا زاروهم..) (4).
ويتحدث الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن امتناع طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فيسوق الأدلة النقلية التي تثبت هذا المنع ثم أورد دليلاً عقلياً في منع ذلك فقال:
(وأما دليله من العقل، فالعقل الصريح يقضي، ويحكم بما يوافق النقل بأن النجاة والسعادة والفلاح وأسباب ذلك كله لا تحصل إلا بالتوجه إلى الله تعالى وحده، وإخلاص الدعاء، والالتجاء له؛ لأن الخير كله بيده، وأما المخلوق فليس في يده من هذا شيء كما قال تعالى: {ما يملكون من قطمير} (5) فتسوية المخلوق بالخالق خلاف العقل كما قال تعالى: { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } (6) فالذي له الخلق، والأمر، والنعم كلها منه، وكل مخلوق فقير إليه لا يستغني عنه طرفة عين، هو الذي يستحق أن يدعى ويرجى ويرغب إليه ويرهب منه …) (7).
ويرد الشيخ عبد الرحمن بن حسن على من كذب وادعى فرية الإجماع على طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فيقول:
(الله أكبر ما أعظمها من فرية على الله، وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى السلف، وأئمة الدين. فانظر إلى هذه الجرأة العظيمة، جعل ما أجمع عليه الرسل، والكتب، والسلف، والمسلمون من تحريم دعاء غير الله، وتشديد النهي عنه، وعن اتخاذا الشفعاء، جعل ذلك المحرم أشد التحريم مجمعاً على جوازه..) (1).
ويوضح الشيخ عبد الرحمن بن حسن شناعة اتخاذ الشفعاء من دون الله، وما يتضمنه من الطامات.. فكان مما قاله:
(ولا ريب أن اتخاذ الشفعاء والتوجه إليهم بالقلب واللسان ينافي إسلام القلب والوجه لله وحده، وقد قال تعالى: { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع.. } (2). أخبر تعالى أن النذارة بالقرآن لا ينتفع بها إلا من تخلى عن الشفعاء في دار العمل، وعلق رغبته، ورهبته وسؤاله وطلبه بمن له الملك وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله..) (3).
ويقول أيضاً: (ولا ريب أن الاستشفاع بالموتى يتضمن أنواعاً من العبادة: سؤال غير الله، وإنزال الحوائج به من دون الله، ورجائه، والرغبة إليه، والإقبال عليه بالقلب والوجه والجوارح واللسان .. وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله) (4).
ويظهر الشيخ عبد الرحمن بن حسن المراد بالاستشفاع بالمصطفى في حياته فيقول:
(وأما الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فالمراد به استجلاب دعائه، وليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم بل كل حي صالح يرجى أن يستجاب له، فلا بأس أن يطلب منه، وأن يدعو للسائل بالمطالب الخاصة والعامة..) (5).
ويفرّق الشيخ أبو بطين بين أن تطلب من الشافع أن يشفع، وبين أن تطلبه يقضي حوائجك، كما فرّق القرآن بينهما .. يقول أبو بطين:
(وقد فرق القرآن بينهما في قول صاحب يس { ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون } (6) فالإنقاذ هو بالنصرة والمظاهرة، والشفاعة بالجاه والمكانة) (7).
وينبّه الشيخ أبو بطين على ما يقع اللبس فيه، من إطلاق القول بأن الله ملّك المؤمنين الشفاعة، فيقول رحمه الله:
(إطلاق القول بأن الله ملّك المؤمنين الشفاعة، خطأ، بل الشفاعة كلّها لله وحده { قل لله الشفاعة جميعاً} (8)، وأثبت سبحانه الشفاعة بإذنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء يشفعون والصالحين يشفعون، وعلى هذا فمن أذن الله له في الشفاعة، يصح أن يقال أنه ملك ما أذن له فيه فقط، لا ما لم يؤذن له فيه، فهو تمليك معلق على الإذن والرضا لا تمليك مطلق كما يزعمه هذا الضال (1)، وسيد الشفعاء صلوات الله وسلامه عليه لا يشفع حتى يقال له ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع..) (2).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على هذا التنبيه، ويزيده بياناً ووضوحاً بقوله:
(وليس قولهم: أنه أعطى الشفاعة بمعنى ملكها وحازها كسائر العطايا والأملاك التي يعطاها البشر، وأيضاً فإن الله يعطي رسله وأولياءه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أفيقال أن الله أعطاهم ذلك، وملكهم إياه، فيطلب منهم ويرغب إليهم فيه؟ فإن كان ذلك مشروعاً وسائغاً، فالشفاعة قيدت بقيود لم تقيد بها هذه العطايا والمواهب السنية، وقد قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض } (3)، وقد قال تعالى: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } (4)، وقال تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (5)) (6).
ويقرر الشيخ عبد اللطيف مشابهة من طلب الشفاعة من الأولياء الموتى، بحال النصارى فيقول:
(ولو قال يا ولي الله اشفع لي، فإن نفس السؤال محرم، وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى، يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله. وقد أجمع المسلمون أن هذا شرك، وإذا سألهم معتقداً تأثيرهم من دونه فهو أكبر وأطم) (7).
ويتحدث الحازمي عن الشفاعة، فيؤكد على شرط الإذن للشافع أن يشفع فيقول:
(وأما الشفاعة فإن الله تعالى يقول: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } (8) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشفع يوم القيامة، حتى يأذن الله به بالشفاعة، ثم إن هؤلاء الذين اعتقدهم الخلق، ونصبوا على قبورهم الأعواد المنقوشة، ووضعوا في محلاتهم الفرش النفيسة، ونحروا عند قبورهم، لا يدري هل لهم شفاعة أم لا ؟ قال الله تعالى: { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون } (9)، وقال تعالى في الملائكة الكرام: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } (10)، ولما قال صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت: { وما نتنزل إلا بأمر ربك.. الآية }) أخرجه البخاري، فإذا كان نزول جبريل عليه السلام لزيارة خير الأنام لا يكون إلا بأمر ذي الجلال والإكرام، فكيف يطلب منه شيء وبالأولى من ليس بأمين وحي رب العالمين) (1).
ويذكر الشيخ صالح الشثري ما وقع فيه المبتدعة من قلب الحقائق فكان مما ذكره:
(فإذا كنا على جنازة ميت، ندعوا له لا ندعوا به، ونشفع له لا نستشفع به، فبعد الدفن أولى وأحرى، فبدّل أهل الشرك والبدع قولاً غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعاء نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به..) (2).
ومما ذكره السهسواني – أثناء رده على دحلان – قوله:
(وجملة القول أن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم في حياته ثابت بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد) (3).
ويقول رحمه الله: (ثبوت الشفاعة، وحصول الإذن يوم القيامة مسلّم لا ينكره أحد من أهل السنة والجماعة، وأما حصول الإذن الآن بالشفاعة التي تكون يوم القيامة فثبوته غير مسلّم) (4).
ويشير الشيخ أحمد بن عيسى إلى أن صرف طلب الشفاعة إلى غير الله من الموتى ونحوهم شرك عظيم.. يقول رحمه الله:
(قد أخبر تعالى أن الشفاعة جميعها له، فمن طلبها من غير الله، فقد طلبها ممن لا يملكها، ولا يسمع ولا يستجيب، وفي غير الوقت الذي تقع فيه، ولا قدرة له عليها إلا برضا ممن هي له، وإذنه فيها وقبوله، فطلبها ممن هي له في دار العمل عبادة من جملة العبادات، وصرف ذلك الطلب لغيره شرك عظيم، ومن تدبر آيات الشفاعة حق التدبر، علم علماً يقينياً أنها لا تقع إلا لمن أخلص أعماله كلّها لله واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده وشرائع دينه، فليس لله من عمل عبده إلا الإخلاص) (5).
ويوضح الشيخ ابن سحمان رحمه الله الحكم في الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول أثناء ردّه على الزهاوي:
(قوله ثم إن الوهابية عدوا الاستشفاع إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كفراً مع أن الإجماع منعقد على جوازه. فأقول إن كان أراد بالاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول القائل: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحقه، أو حرمته، فهذا القول بدعة محدثة محرمة ولا يكفر الوهابية أحداً بهذا، وإن أراد بالاستشفاع بالنبي بأن يدعوه ويستغيث به كأن يقول يا رسول الله أغثني، وأدركني، وأنا في حسبك، أو يسأله، أو يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، ويتوكل عليه، ويلجأ إليه في جميع مهماته .. فإن كان أراد هذا فقد ذكر في (الإقناع) من كتب الحنابلة أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً.
وأما دعوى انعقاد الإجماع على جوازه فدعوى مجردة اللهم إلا إجماع عبّاد القبور، وأولئك ليسوا من أهل الإسلام، فضلاً عن أن يجمعوا على الأحكام) (6).
ومما اتفق عليه علماء مكة وعلماء نجد في (البيان المفيد) ما نصّه:
(ونعتقد) أن الشفاعة ملك لله وحده ولا تكون إلا لمن أذن الله له { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (1) ولا يرضى الله إلا عمن اتبع رسله، فنطلبها من الله مالكها، فنقول اللهم شفع فينا نبيك مثلاً، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا، فذلك لم يرد به كتاب، ولا سنّة ولا عمل سلف، ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين، فنبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله أو تشفع لنا عنده، فنكون ممن قال الله فيهم وقد أقروا بربوبيته، وأشركوا بعبادته ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } (2)) (3).
وقد ساق القصيمي الدلائل على بطلان الاستشفاع بالموتى، نختار منها قوله:
(المستشفعون بالموتى لابد أن يعتقدوا أنهم قد أعطوا من كمال السمع، والإحاطة بالغيب ما لم يكن لهم، وما لم يكن إلا لله وحده، ولابد أن يعتقدوا فيهم أيضا أنهم يعلمون الغيوب، ويحيطون علماً بالقريب والبعيد .. ولهذا يدعو النبي والولي في الوقت الواحد منهم الداعون الكثيرون المختلفون لغات، ولهجات، وحاجات، ثم لا يشكون أن ذلك النبي، أو الولي يسمع دعاءهم، واستشفاعهم. فإذا كان الاستشفاع بالموتى يلزمه نحلهم هذه الصفات التي لا يمكن أن تعدو رب العالمين، أو نحل بعضها فلا ريب في بطلان هذا الاستشفاع، وفساد عقائد القائلين به) (4). ثم يقول القصيمي:
(كما أن الله قد ذكر في كتابه إنكار شفاعات المشركين، ونعى عليهم أنواع استشفاعاتهم، فنفى شفاعاتهم جملة، ونعى عليهم استشفاعهم أيضاً جملة، وأخبر أن من جملة ضلال القوم، وفساد عقائدهم، ومن جملة شركهم بالله، واستحقاقهم النقمة والمقت، اتخاذهم الشفعاء إليه، وطلبهم الشفاعة من معبوديهم..)(5).
ويقول القصيمي أيضاً: (ولا يمكن أيضا أن يقال: أن هذا الاستشفاع المنكر على المشركين هو الاستشفاع المقرون باعتقاد صاحبه بأن ذلك المستشفع به المرجو للشفاعة قديم مع الله مساوٍ له في القدرة والسلطان، وذلك لأن المشركين كانوا مقرّين بأن الله وحده هو خالق الخلق وخالق العالم وخالق أصنامهم وشفعائهم وما يعبدون ويدعون من دون الله.
ولا يمكن أيضاً أن يحمل هذا الاستشفاع الذي يعتقد صاحبه أن من استشفع به يشفع بدون إذن الله، وبدون رضاه، بل يشفع قهراً وقسراً، لأن المشركين كانوا مقرّين بخضوع أصنامهم وخضوع كل شيء لله لا ينازعون في هذا ولا يمحالون، ولهذا يتخذون أصنامهم شفعاء لديه تعالى، ويقولون أنها تقربهم إلى الله زلفى، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ولا ريب أنه لابد أن يكون الشافع والمشفوع له خاضعين دائنين لسلطانه وقهره؛ لأنهم لو كانوا يعتقدون أن الأصنام مستقلة عن الله، قادرة على منح الخير، والفلاح، والسعادة من دون الله، وبدون إذنه ورضاه، لما احتاجوا إلى جعلهم شفعاء لديه سبحانه) (6).
فإذا كان الأمر كذلك، فإن هؤلاء المستشفعين بالموتى قد شابهوا المشركين الأولين في اتخاذهم الأصنام شفعاء، ووسائط تقربهم إلى الله زلفى.
ثم يتحدث عما يجره الاستشفاع بالموتى من المحرمات فكان مما قاله:
(إن تجويز الاستشفاع بالموتى يلزمه أنواع كثيرة من أنواع المحرمات المحظورة في الدين، وفي العقول، فإن الميت إذا استشفع به، وقصد للشفاعـة، فلابد أن يعكـف على قبره وأن يطاف به، وأن يستلم، ويقصد، ويحج من كل مكان … ومما يدل على هذا التلازم الواقع والعادة..) (1).
ويرد القصيمي على دعوى العاملي بأن الله أعطى الصالحين الشفاعة، فلا مانع من سؤالهم ما أعطوا، فكان من ردوده أنه قال:
(قد أعطى الله الملائكة الشفاعة على ما ذكر في الآية، ولا يجوز طلبها منهم، ولا الاستشفاع بهم بالضرورة، بل لقد أعطى الجماد الشفاعة كما قال: أنه أعطاها الحجر الأسود، وأخبر أنه يشفع ويشفّع يوم القيامة. وهل يجرأ المخالف الرافضي أن يدعي أنه يجوز طلب الشفاعة من الجماد ومن الحجر الأسود، وأنه يجوز الاستشفاع به ؟ بل لقد جاء وصح أن القرآن يشفع، وأن الأطفال يشفعون لآبائهم وأقاربهم. فهل يزعم الرافضي أن الاستشفاع بالقرآن، والقرآن عندهم مخلوق، وبالأطفال جائز مطلوب ودين يتقرب إلى الله به ؟)(2).
ثم أورد جواباً أخر على دعوى العاملي السابقة، يقول القصيمي:
(ثم من ذا الذي قال بأن كل من أعطي شيئاً جاز طلبه منه ؟ وأي دليل على هذا القول إذا قيل ؟ وهل يجوز للناس جميعاً أن يسألوا الأغنياء الأموال والأشياء التي أعطاها الله إياها ؟ وهل يجوز لكل مسلم أن يسأل كل مخلوق ما أعطاه الله وما ملّكه إياه من أنواع الأموال والأعطيات بحجة أن الله أعطاه ذلك وبحجة أن لا مانع من سؤال الخلق ما أعطوا؛ لأن طلب الحق لا يكون باطلا) (3).
ونختم هذا الفصل بسؤال وجه إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ونص هذا السؤال: -
هل الوهابية ينكرون شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
فأجاب سماحته بما يلي: -
(لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول، لأن الأمام – رحمه الله – قد أثبت في مؤلفاته، لاسيما في كتابيه (التوحيد)، و (كشف الشبهات) شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة، ومن هنا يعلم أن الشيخ رحمه الله وأتباعه لا ينكرون شفاعته عليه الصلاة والسلام، وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين، بل يثبتونها كما أثبتها الله، ورسوله، ودرج ذلك سلفنا الصالح عملاً بالأدلة من الكتاب والسنة، وبهذا يتضح أن ما نقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الباطل، ومن الصد عن سبيل الله والكذب على الدعاة إليه وإنما أنكر الشيخ – رحمه الله – وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم.. (4).
يظهر من خلال هذه النقول المتعددة ما كان عليه أئمة هذه الدعوة السلفية من الفهم العميق والمعتقد الصحيح لمسألة الشفاعة، وطلبها وشروطها، وما يتعلق بها..، ومن ثم استطاعوا أن يردوا شبهات الخصوم ودعاويهم بأقوى الأدلة وأوجزها.


--------
(*) للاطلاع على الهوامش والتعليقات حمل كتاب دعاوى المناوئين على ملف وورد من هذه الصفحة
 

دعاوى المناوئين

  • ترجمة الشيخ
  • حقيقة دعوته
  • ما قيل في الشيخ
  • أثر دعوته
  • كتب ورسائل
  • مؤلفات في دعوته
  • مقالات ورسائل
  • شبهات حول دعوته
  • صوتيات
  • english
  • الرئيسية