بسم الله الرحمن الرحيم

موقف الإباضية الرسمي من عثمان بن عفان رضي الله عنه


والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:
(لقد نشرت الموضوع منذ فترة ولكنه اختفى وأعيد نشره ليعلم الجميع بعض من خبث الخوارج)
فلقد سئل المفتي العام للإباضية بسلطنة عمان أحمد الخليلي عن موقف الإباضية من عثمان وعلي رضي الله عنهما.
وكان جوابه طويلا ومبتدئا كالعادة "بسلامة صدر" الخوارج تجاه الخليفتين الراشدين.
ولكن المتمعن لجوابه سيرى أنه يحمل في طياته ما يخالف هذا الكلام بشكل تام (نسأل الله السلامة والعافية).
ولقد أرتأيت أن أعيد نشر فتوى الخليلي في نقاط بعد أن أقتلع منها الحشو الذي حجب موقف الإباضية الرسمي من عثمان رضي الله عنه.
وأنوه أن الكلام الذي سرده الخليلي إما انه قد صدر منه ابتداء أو انه موافق لكلام الآخرين من الحاقدين على عثمان. وكونه قد ضمنه فتواه لهو دليل على الموافقة الكاملة التامة لهذا الكلام.
وللعلم فلقد أكثر الخليلي النقل من كتاب "الإمامة والسياسة" المنسوب ظلما لابن قتيبة مع جزمي بأن مثله يعلم علم اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن ان يسطره أحد كبار علماء أهل السنة والجماعة ولكنه تلقفه لأنه وجد مبتغاه فيه. ولا حول ولا قوة الا بالله. كما نقل من كتب سيد قطب وأبي الأعلى المودودي – غفر الله لهما. وكان حري ممن يحمل منصب الإفتاء أن يتحرى بكل ما اوتي من وسائل ليتأكد من صحة نقله من كتب الآخرين. ولعله قد فعل ذلك تماما ونقل ما وافق عقيدته.

والآن هذه هي النقاط الرئيسية والتي قالها ويعتقدها الخليلي في هذه الفتوى الخارجية:
* لا ريب أن الخلافة الإسلامية قد وَلَجَ إليها ما ولج بعدما كبر الخليفة الثالث واستولى الرجال على أمره كما أثبت ذلك المؤرخون.
* وذكروا أنه اجتمع أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة صاحبيه، وما كان من هِبَتِهِ خُمْسَ إفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوي القربى واليتامى والمساكين.
* وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبعة دور بناها في المدينة، داراً لنائلة وداراً لعائشة وغيرهما من بناته وأهله، وبنيان مروان القصور بذي خُشب، وعمارته للأموال من الخُمْس الواجب لله ورسوله، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث وغلمه ، لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور.
* وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة -وهو أمير عليها- إذ صلى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات، ثم قال لهم : إن شئتم أزيدكم صلاةً زدتكم ثلاثاً، وتعطيله إقامة الحد عليه، وتأخيره ذلك عنه.
* وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء، ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم، وما كان من الحِمَى الذي حمى حول المدينة، وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليس لهم صحبة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم لا يغزون ولا يذبُّون.
*· وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدُّرَّة والخيزران.
* ثم تعاهد القوم ليدفعُنَّ الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود، وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بَقِيَ وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه فأذن له في يوم شاتٍ ، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فَرقاً منك. قال: من هم؟ قال: لا أخبرك بهم؟ قال: فلم اجترأتَ عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود – يعني عماراً- قد جَرَّأَ عليك الناس، وإنك إن قتلته نَكَّلْت به من ورائه فقال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه، فغُشيَ عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأُدخل منزلها.
* لقد أَدْرَكَتْ الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يُصَرِّف الأمر بكثير من الإنحراف عن الإسلام، كما أن طبيعة عثمان الرَّخِيَّة، وحَدَبَه الشديد على أهله؛ قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله، وكانت لها معقِّبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيراً.
* منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مائتي ألف درهم، فلما أصبح الصباح جاء زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن، وترقرقت في عينيه الدموع، فسأله أن يُعْفِيَه من عمله، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغرباً: (أتبكي يا ابن أرقم أن وَصَلْتُ رَحِمي) فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف: (لا يا أمير المؤمنين، ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيراً) فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين، وقال له: (ألقِ بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك).
* والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات، فقد منح الزبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونَفَل مروان بن الحكم خُمْس خراج إفريقية، ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصحابة على رأسهم على بن أبي طالب فأجاب: (إن لي قرابة ورحماً) فأنكروا عليه وسألوه : فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحماً ؟!) فقال: (إن أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي) فقاموا عنه غاضبين يقولون: (فهديهما والله أحب إلينا من هديك).
* وغير المال؛ كانت الولايات تُغْدَق على الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية الذي وسَّع عليه في الملك فضم إليه فلسطين وحمص، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة، ومهَّد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي، وقد جمع المال والأجناد، وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آواه عثمان، وجعل ابنه مروان ابن الحكم وزيره المتصرف، وفيهم عبدالله بن سعد بن أبي السرح أخوه من الرضاعة.
* وإنه لمن الصعب أن نتَّهِم روح الإسلام في نفس عثمان، ولكن من الصعب كذلك أن نعفيه من الخطأ الذي نلتمس أسبابه في ولاية مروان الوزارة في كبرة عثمان.
* ولقد اجتمع الناس فكلَّفوا علي بن أبي طالب أن يدخل إلى عثمان فيكلمه، فدخل إليه، فقال: ……[بعد كلام] ….إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم)). فقال عثمان: (قد والله علمت ليقولن الذي قلت، أما والله لو كُنتَ مكاني ما عَنَّفْتُك ولا أسلمتك ولا عِبْتُ عليك، وما جِئْتُ مُنْكِراً أن وَصَلْتَ رحماً، وسَدَدتَ خَلَّة، وآويتَ ضائعاً، ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولي، أنشدك الله يا علي هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك؟) قال: (نعم) قال: (أتعلم أن عمر ولاه؟) قال: (نعم) قال: (فلم تلوموني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته؟) قال عليٌّ سأخبرك: ( إن عمر كان من ولى فإنما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه، ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقاربك) قال عثمان: (وأقرباؤك أيضاً) قال علي: (لعمري إن رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم) قال عثمان: (هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها؟ فقد وليته؟) قال علي: (أنشدك الله؛ هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟) قال: (نعم) قال علي: (فإن معاوية يقطع الأمور دونك، وأنت لا تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيَبْلُغُك ولا تغير على معاوية.
* وأخيراً ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل والخير بالشر، ولكن لا بد لمن ينظروا إلى الأمور بعين الإسلام ويستشعروا الأمور بروح الإسلام أن يقرروا أن تلك الثورة في عمومها كانت ثورة من روح الإسلام
* فهل الإباضية وحدهم الذين يتحدثون عن مثل هذه الأشياء، أو يكتبون عنها؟! وهل نستطيع القول بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مجتمعين على كراهة ما حدث على عثمان ؟! مع أن عثمان لم يقتل غيلة، وإنما قتل بعد حصار دام نحو شهر.
* وذكروا أن عبد الرحمن بن أزهر قال: (لم أكن دخلت في شيء من أمر عثمان لا عليه ولا له، فإني لجالس بفناء داري ليلاً بعدما قُتِل عثمان بليلة إذ جاءني المنذر بن الزبير فقال: (إن أخي يدعوك) فقمت إليه، فقال: (إنا أردنا أن ندفن عثمان فهل لك؟) فقلت: (والله ما دخلت في شيء من شأنه، وما أريد ذلك) فانصرفت عنه ثم اتبعته، فإذا هو في نفر فيهم جبير بن مطعم، وأبو الجهم بن حذيفة، والمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، فاحتملوه على باب، وإن رأسه ليقول: طق؛ طق. فوضعوه في موضع الجنائز، فقام إليهم رجال من الأنصار فقالوا لهم: (لا والله لا تصلون عليه) فقال أبو الجهم: (ألا تَدَعونا نصلي عليه فقد صلى عليه الله تعالى وملائكته) فقال له رجل منهم: (إن كنت فأدخلك الله مدخله) قال له: (حشرني الله معه) فقال له: (إن الله حاشرك مع الشياطين، والله إن تركناكم به لعَجْزٌ منا) فقال القوم لأبي الجهم: (اسكت عنهم وكف) فكف؛ فاحتملوه، ثم انطلقوا مسرعين، فكأني أسمع وقع رأسه على اللوح حتى وضعوه في أدنى البقيع، فأتاه جبلة بن عمر الساعدي من الأنصار فقال: (لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله، ولا نترككم تصلون عليه) فقال أبو الجهم: (انطلقوا بنا إن لم نصل عليه فقد صلى الله عليه) فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في "حُقْ" حتى إذا أتوا به "حش كوكب" حفروا له حفرة، ثم قاموا يصلون عليه، وأمَّهم جبير بن مطعم، ثم دلُّوه في حفرته، فلما رأته ابنته صاحت، فقال ابن الزبير: (والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عينيك) فدفنوه ولم يلحِّدوه باللبن، وحثوا عليه التراب حَثْواً .
* فهل يمكن بعد ذلك أن نحكم بأن الذين قتلوه هم رعاع الناس، جاءوا شُذاذاً من الآفاق إلى المدينة المنورة، فاستطاعوا أن يحققوا مقصدهم وأن يصلوا إلى غايتهم، وأن يصدعوا الإسلام بقتل خليفته، مع عجز المهاجرين والأنصار عن الكف عنه، إن ذلك مما لا يقبله المنطق السليم.

أقول: هذا هو موقف الإباضية الرسمي من عثمان رضي الله عنه. اما عن موقف الإباضية الحقيقي والذي ستجده في كتبهم فلا أقول الا "حسبي الله ونعم الوكيل".
وأرجو من المولى عز وجل أن يهب الرشد والهداية لإخواننا الأباضية الذين يبحثون عن الحق في هذه المسألة العقائدية المهمة. وأقول لهم هذا هو الموقف الرسمي للإباضية. وما خفي كان أعظم. ولذا عليكم النجاة من هذه العقيدة الفاسدة التي تتهم عثمان رضي الله عنه بالخيانة العظمى. كما أرجو من الله العلي الوهاب ان يهدي الخليلي للحق والصواب.

ملاحظة: فتوى الخليلي موجودة في موقع إباضية.نت حتى يستطيع الأباضية الباحثين عن الحق الرجوع إليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبه : أخوكم العماني