بسم الله الرحمن الرحيم

التعقبات والتنبيهات على ما في مقالات الإباضي المتلقب بِـ"المنصور" من الهفوات
[الحلقة الثالثة]


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذه الحلقة الثالثة من ردي على الإباضي المتلقب بِـ"المنصور" وقد أسميت هذا الرد كما سبق ذكره: [التعقبات والتنبيهات على ما في مقالات الإباضي المتلقب بِـ"المنصور" من الهفوات].
وهذه الحلقة محورها بيان صحة أثر أبي إسحاق السبيعي –رحمه الله- في تفسير "الزيادة" في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} مع بيان ما وقع لـ"المنصور" الإباضي من الأخطاء والمغالطات وفوائد أخرى أثناء هذا البحث.
والله الموفق لا رب سواه .
1/ قال الإباضي المتلقب بِـ"المنصور" : [وبهذا يتضح بطلان ما نسب إلى أبي بكر وحذيفة بن اليمان. فهل لديك يا أخي دليلاً أخر ؟؟؟؟؟؟ ].
الــجَــــواب
بل اتضح بطلان كلام المتلقب بِـ"المنصور" وصحة أثر أبي بكر الصديق وأثر حذيفة –رضي الله عنهما-.
كما وضحته وفصلته في الحلقة الثانية من هذا الرد.
وهناك أدلة كثيرة جداً على إثبات الرؤية من الكتاب والسنة وقد أجمع السلف على ذلك .

2/ قال الإباضي المتلقب بِـ"المنصور" : [وأما الرواية التي تنسب تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله إلى أبي اسحاق السبيعي نفسه فهي ضعيفة جداً :
" حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا شريك ، قال سمعت أبا إسحاق يقول في قول الله ( وزيادة ) قال : النظر إلى وجه الرحمن " .
هذا التفسير المنسوب إلى أبي إسحاق السبيعي ليس بصحيح وذلك بسبب يحيى بن طلحة اليربوعي.
فقد نقل ابن حجر في التهذيب ما نصه : " قال النسائي : ليس بشيء . وذكره بن حبان في الثقات وقال : كان يغرب عن أبي نعيم وغيره .
قلت [ القائل ابن حجر ] : وكذبه علي بن الحسين بن الجنيد وخطأه الصغاني " ( تهذيب التهذيب 11 / 203 –204 )
وقال عنه في التقريب ما نصه : " لين الحديث " ( تقريب التهذيب ، 2 / 306 )
بهذا يتبين ضعف هذا القول المنسوب إلى أبي إسحاق السبيعي. ].
الــجَــــواب
ضعف المتلقب بِـ"المنصور" هذا الأثر بِـ"يحيى بن طلحى اليربوعي" ويجاب عن تضعيفة بما يلي :
أولاً: أن طلحة بن يحيى اليربوعي ليس ضعيفاً جداً بل هو إلى التوثيق أقرب وإليك البيان:
قال النسائي: ليس بشيء . والنسائي متشدد في الجرح وجرحه هنا مجمل غير مفسر .
وهذا معارض بتوثيق من وثقه .
فقد وثقه ابن حبان في الثقات وقال: كان يغرب عن أبي نعيم وغيره.
واحتج به ابن حبان في صحيحه.
وروى عنه الحسن بن سفيان وهو لا يروي إلا عن ثقة .
وأما تخطئة الصغاني له فلا يضره لأن الثقات الحفاظ الكبار يخطؤون ولا ترد رواياتهم بمطلق الخطأ وإنما ترد رواية الراوي إذا كثر غلطه وفحش خطؤه .
كما سبق وأن بينته عند الكلام على حماد بن سلمة –رحمه الله- في الحلقة الأولى من سلسلة هذه الردود .
وهذا –أعني: كثرة الغلط وفحش الخطأ- مما لم يثبت هنا .
وقال الحافظ الذهبي في "الميزان" : صويلح الحديث وقد وثق ، وقال النسائي : ليس بشيء .
وهذا من الذهبي تحسين لحال يحيى اليربوعي .
وقال الحافظ ابن حجر: لين الحديث.
وقول الحافظ فيه نظر بالنسبة لمن وثقه فقولهم أولى بالقبول .
فإن قيل: إن الحافظ ابن حجر قد قال: كذبه علي بن الجنيد !
فأقول: هذا غلط من الحافظ ابن حجر –رحمه الله- .
فعلي بن الجنيد لم يكذب يحيى اليربوعي .
بل كيف يكذبه ويروي عنه وهو-أعني: بن الجنيد- معروف بتحريه في الرواية ؟!!
وغلط الحافظ بسبب تصرفه في العبارة وحكايته لها بالمعنى .
فإن علي بن الجنيد لما روى أو بلغه حديث يحيى بن طلحة اليربوعي عن أبي معاوية عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس –رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً)).
قال: هذا كَذِبٌ وزُورٌ .
رَ: ميزان الاعتدال(3/293) وفيض القدير(6/221) .
يشير إلى متن الحديث لا إلى رجاله .
فعقب عليه الذهبي قائلا: [أفحش علي بن الجنيد فقال: هذا كذب وزور].
وسبب تعقيب الذهبي: أن الحديث ضعيف وليس مكذوباً وقد صح موقوفاً على ابن مسعود –رضي الله عنه- والحسن البصري-رحمه الله-.
ويحيى اليربوعي ليس علة هذا الحديث الذي قال فيه علي بن الجنيد: كذب-بفتح الكاف وكسر الذال- وزور-بضم الزاي وتخفيف الواو- .
بل علته: ليث بن أبي سليم فإنه ضعيف مخلط .
وقد توبع يحيى على روايته لهذا الحديث . انظر: السلسلة الضعيفة للعلامة الألباني-رحمه الله-(1/54رقم2).
فظهر بما سبق أنه لا يصح تكذيب علي بن الجنيد لـ"يحيى بن طلحة اليربوعي" وإنما كان تكذيبه للخبر الذي رواه والعهدة فيه على ليث بن أبي سليم .
والله أعلم .
والخلاصة: أن يحى بن طلحة اليربوعي حسن الحديث تجتنب رواياته التي أخطأ فيها .
والله أعلم.
ثانياً: أن طلحة بن يحيى اليربوعي قد توبع على روايته ؛ تابعه إسماعيل بن موسى الفزاري .
وهذه المتابعة رواها الدارقطني في كتاب الرؤية (ص/163-164رقم247) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/462رقم794) من طريقين عن إسماعيل بن موسى قال ثنا شريك عن أبي إسحاق قال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: النظر إلى وجه الرحمن.
وإسماعيل بن موسى صدوق لا بأس به .
قال الإمام أبو حاتم الرازي-وناهيك به-: صدوق .
وروى عنه أبو داود وبقي بن مخلد وأبو زرعة الرازي وهم لا يروون إلا عن الثقات.
وقال أبو داود: صدوق في الحديث ، وكان يتشيع .
وقال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروب بِـ"مطيَّن" : كان صدوقاً.
وقال النسائي: لا بأس به.
وذكره ابن حبان في الثقات ونقل المزي عنه أنه قال: كان يخطئ.
وقال ابن عدي: [وإسماعيل هذا يحدث عن مالك وشريك وشيوخ الكوفة وقد أوصل عن مالك حديثين ، وقد تفرد عن شريك بأحاديث ، وانما أنكروا عليه الغلو في التشيع ،
وأما في الرواية فقد احتمله الناس ورووا عنه]. انتهى كلام ابن عدي.
وشدد عليه أبو بكر بن أبي شيبة أو هناد بن السري فقال أحدهما-الشك من عبدان المروزي- : ذاك الفاسق! يشتم السلف! .
وهذا لما عنده من تشيع .
أما في الرواية فقد احتمله الناس ورووا عنه ووثقه الأئمة الكبار .
وقال الحافظ ابن حجر: صدوق يخطيء .
وفيه قوله نظر يعرف مما سبق .
وقال الحافظ الذهبي: صدوق شيعي .
والخلاصة أنه صدوق في الرواية وحديثه حسن على أقل الأحوال .
وهنا هو متابع لـ"يحيى اليربوعي" فهي متابعة قوية تجعل رواية يحيى من قبيل الرواية الصحيحة .
فالخلاصة أن رواية طلحة بن يحيى اليربوعي عن شريك رواية صحيحة لا مطعن فيها خلافاً لما زعمه المتلقب بِـ"المنصور" .
فيتلخص لدينا أن تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله –عز وجل- من طريق أبي إسحاق السبيعي قد صح :
أ/ من طريقه عن أبي بكر الصديق وحذيفة –رضي الله عنهما-.
ب/ من طريقه عن عامر بن سعد البجلي وسيأتي مزيد بيان له –إن شاء الله تعالى- .
ج/ عن أبي إسحاق السبيعي نفسه .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
مُـــلاحـــظــــة
يلاحظ القارئ أن هذه الحلقة مختصرة بالنسبة للحلقتين السابقتين وذلك تيسيراً للقارئ حيث إن التطويل قد يؤدي بالقارئ إلى الملل وعدم قراءة ما يكتب .
لذلك ستكون طريقتي في الحقات القادمة –إن شاء الله تعالى- هو ما سلكته في هذه الحلقة من عدم التطويل في الحلقات .
وأطمئن القاريء الكريم أن هذا لن يؤثر على الرد من حيث بيان شبه المتلقب بِـ"المنصور" واجتثاثها من جذورها .
والله أسأل العون والتوفيق والسداد والهدى والرشاد.
وأسأله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يوفق المتلقب بِـ"المنصور" لمنهج أهل السنة وأن يجعله من الدعاة إلى منهج أهل السنة والجماعة وأن يوفقه للبراءة من المذاهب البدعية الردية.
والله الموفق.

كتبه : أبو عمر العتيبي