بسم الله الرحمن الرحيم

فضل الحمير على كثير من مدعي التحقيق والتحرير!!
[الحلقة الثانية ]


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فقد سبق في الحلقة الأولى من هذا الموضوع بيان سبب كتابة هذه المقالات ، وكانت الحلقة الأولى كمقدمة وتمهيد للموضوع ، وهذه هي الحلقة الثانية ؛ وهي ذكر المواضع التي ورد فيها ذكر الحمار في القرآن الكريم .
وقد ذكرت في هذه الحلقة الموضع الأول وذكرت فيه بعض الفوائد والنفائس .
أسأل الله أن ينفع بها كاتبه وقارئه.

وهذا رابط الحلقة الأولى:
اضغط هنا

ورد ذكر الحمار في القرآن الكريم في خمسة مواطن باسمه المعروف به مفرداً في أربعة مواطن ومجموعاً في موطن واحد.
الموطن الأول: قال تعالى في سورة البقرة: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، قال أني يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}.
فذُكر الحمار في هذا آية في سياق إثبات أمر عظيم ألا وهو إحياء الله للموتى .
وإحياء الله للموتى ذكره الله عز وجل في مواطن كثيرة من كتابه العزيز لإثبات البعث والرد على منكريه من الكفرة والمشركين .
ومن الحكمة من تخصيص الحمار في هذه الآية –والله أعلم- هو بيان ما كان عليه الأنبياء والصالحون من التواضع وخفض الجناح .
فقد ذكر كثير من أهل العلم أن الذي مر على تلك القرية هو عزير النبي –صلى الله عليه وسلم- وقيل غيره .
ولاشك أنه من الصالحين لما اختصه الله بهذه الآية العظيمة وهي موت مائة سنة ثم إحيائه ، وطعامه وشرابه لم يفسد ولم يتغير ، وحماره أمامه يتكون ويعاد بعثه وخلقه.
ولقد كان الحمار من مركوبات النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد ورد في ذلك عدة أحاديث .

## منها : عن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال: كنت رِدْفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له : "عفير" فقال: ((يا معاذ! تدرى ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله –عز وجل- أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)).
قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: ((لا تبشرهم فيتكلوا)).
رواه البخاري في مواضع من صحيحه منها(3/1049رقم2701) ومسلم(1/58رقم30).
وهذا فيه بيان تواضعه –صلى الله عليه وسلم- وبيان أنه يشرع تسمية الدواب ، وأن اسم حماره –صلى الله عليه وسلم- عفير ويقال له : يعفور ، وقيل هو غيره والله أعلم.
ومنها: عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لو أتيت عبد الله بن أبي.
قال: فانطلق إليه ، وركب حماراً ، وانطلق المسلمون -وهي أرض سبخة- فلما أتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إليك عني ، فوالله لقد آذاني نتن حمارك !
قال: فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطيب ريحا منك .
قال: فغضب لعبد الله رجل من قومه ، قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال . قال: فبلغنا أنها نزلت فيهم : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} .
رواه البخاري(2/958رقم2545) ومسلم(3/1424رقم1799) في صحيحيهما.

## وفي هذا الحديث فوائد عديدة منها: تواضعه –صلى الله عليه وسلم- وحرصه على الدعوة إلى الله وتأليف القلوب .
وفيه جواز الرد على المسيء بمثل إساءته ، وفيه بيان ما كان عليه عبد الله بن أبي المنافق من سوء الأدب وسوء الخلق والتكبر .
ولقد فضل الأنصاري –وأقره النبي صلى الله عليه وسلم – ريح حمار الرسول –صلى الله عليه وسلم- على ريح ذاك المنافق عبد الله بن أبي .
ففيه تفضيل الحمار على المنافق ووجهه :

## أن الحمار باق على فطرته وخلقته التي خلقه الله عليها بخلاف المنافق فإنه منْتكس الفطرة ، حاد عن الفطرة التي فطره الله عليها ألا وهي الحنيفية وهي الإسلام والتوحيد.
وقد دل القرآن على ذلك . فقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا }.
وقال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}.
وانتكاس الفطرة وقع فيه خلاق من أهل القبلة كالجهمية والمعتزلة والخوارج والمرجئة والقدرية والرافضة والباطنية وغيرهم من أهل البدع والانحراف .
ومن انتكاس الفطرة : أن الله عز وجل فطر الخلق على معرفته وتوحيده (وهو الإسلام) .
قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها}
يفسره قوله –صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) .
وفي "صحيح مسلم" قال –صلى الله عليه وسلم-: ((إني خلقت عبادي كلهم حنفاء وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم)) الحديث .
وبعث الله الرسل –عليهم السلام- لإحياء هذه الفطرة ولرد من انتكست فطرته .
وتوحيد الله هو إفراده بالعبادة وحده دون سواه ، وإثبات ما له –عز وجل- من الأسماء الحسنى والصفات العلى .
وقد انتكست فطر كثير من الخلق في هذا التوحيد .
والذي أركز عليه في هذا المقال هو انتكاس فطر كثير من الخلق فيما يتعلق بصفات الله عز وجل .
فإن من أجل صفات الله عز وجل ومن أكثرها توارداً في الكتاب والسنة : صفة علو الله على خلقه .

## وعلو الله على خلقه له معان ثلاثة –كلها ثابته في الكتاب والسنة- وهي: علو الذات ، وعلو القدر ، وعلو القهر .
وقد أجمعت الطوائف على إثبات علو القدر وعلو القهر .
وانتكست فطر طوائف كثيرة من الناس فأنكروا علو الذات الإلهية .

وقد دل على علو الذات الإلهية : الكتاب والسنة والإجماع والعقل وهو موافق للفطرة السوية .

أما الكتاب: فقد تنوعت الأدلة الواردة في القرآن الكريم في الدلالة على إثبات علوه عز وجل على خلقه علو ذات منها:
النوع الأول: أن الله عز وجل سمى نفسه بِـ"العلي" وَ "الأعلى" وأسماء الله عز وجل تتضمن صفاته عز وجل .
والقاعدة السلفية: (أسماء الله أعلام وأوصاف) .
فاسم "العليم" دال على صفة العلم دلالة تضمن .
وكذلك اسم "العلي" وَ"الأعلى" دالان على صفة العلو .

النوع الثاني: إثبات استواء الله –عز وجل- على عرشه .
وقد جاء هذا في سبعة مواضع في كتاب الله جل وعلا .
# منها: قوله تعالى في سورة "طه" : {الرحمن على العرش استوى}.
والاستواء في لغة العرب إذا عدي بحرف الجر "على" كان بمعنى علا وارتفع .
وقد عطل الجهمية الملاحدة صفة الاستواء وأولوها بمعنى السيطرة والاستيلاء .
وكأن الله كان له مغالب فغلبه الله واستولى على العرش !!
تعالى الله عما يقول الملاحدة المشبهة المعطلة علواً كبيراً .
النوع الثالث: إثبات فوقيته تعالى .
قال تعالى عن الملائكة : {يخافون ربهم من فوقهم}.
النوع الرابع: التصريح بصعود الكلم الطيب إليه .
قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
النوع الخامس: التصريح برفع بعض الأشياء إليه .
قال تعالى عن عيسى –عليه السلام-: {بل رفعه الله إليه} وقال تعالى: {إذا قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} الآية
إلى آخر الأنواع الدالة على علو الله على خلقه وهي كثيرة جداً ولولا خشية الإطالة لذكرتها كلها .
ولقد ذكر بعض العلماء أن في القرآن الكريم أكثر من ألف دليل على علو الله وأوصلها بعضهم إلى ألفين .

بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: [فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- من أولها إلى آخرها ، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة: مملوء بما هو نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وهو فوق كل شيء ، وعلي على كل شيء ، وأنه فوق العرش ، وأنه فوق السماء مثل قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ، وقوله تعالى:{إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} ، وقوله تعالى: {بل رفعه الله إليه} ، وقوله تعالى: {ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه} ، وقوله تعالى: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} ، وقوله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} ، وقوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} ، وقوله تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين * ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} ، وقوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} ، وقوله تعالى: {تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى* الرحمن على العرش استوى} ، وقوله تعالى : {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً * الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل به خبيراً} ، وقوله تعالى: {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير} ، فذكر عموم علمه ، وعموم قدرته ، وعموم إحاطته ، وعموم رؤيته ، وقوله تعالى:{ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير} ، وقوله تعالى: {تنزيل من حكيم حميد} ، وقوله تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة] انتهى كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- .

وأما الأدلة من السنة المطهرة فهي كثيرة جداً لا تكاد تحصى :
## منها: الحديث المتواتر في قصة الإسراء والمعراج ، وتجاوز النبي السموات سماء سماء حتى انتهى إلى ربه تعالى ، فقربه ، وأدناه ، وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة ، فلم يزل بين موسى عليه السلام ، وبين ربه تبارك وتعالى ، وينزل من عند ربه -تعالى- إلى عند موسى فيسأله كم فرض عليك؟ فيخبره ، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف.
## ومنها: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: ((لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي))
## ومنها: ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله بخمس كلمات فقال: ((إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)).
## ومنها : ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم -وهو أعلم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وآتيناهم وهم يصلون)).
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على علو الله على خلقه .

أما الإجماع:
فقد أجمع المسلمون من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا على أن الله فوق خلقه ، عال عليهم بذاته وقدره وقهره ، بائن منهم ، وأنه تعالى مستو على عرشه ، وأنه مطلع على خلقه وهو معهم بعلمه لا تخفى عليه خافية –سبحانه وتعالى.
قال الإمام أبو عمرو الطلمنكي في كتابه في الأصول: [ أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته].
وقال-أيضا- : [أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز ، ثم ساق بسنده عن مالك قوله: الله في السماء وعلمه في كل مكان ]
ثم قال: [وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى : {وهو معكم أينما كنتم} ونحو ذلك من القرآن ؛ بأن ذلك علمه ، وأن الله فوق السموات بذاته ، مستو على عرشه كيف شاء ].
وقال الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني في كتاب "الحجة في بيان المحجة" : [وزعم هؤلاء أنه لا يجوز الإشارة إلى الله سبحانه بالرؤوس والأصابع إلى فوق فإن ذلك يوجب التحديد!
وقد أجمع المسلمون أن الله سبحانه العلي الأعلى ، ونطق بذلك القرآن ، فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة لا علو الذات !
وعند المسلمين أن لله -عز وجل- علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو ؛
لأن العلو صفة مدح ، فنثبت أن لله تعالى : علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة.
وفي منعهم الإشارة إلى الله -سبحانه وتعالى- من جهة الفوق خلاف منهم لسائر الملل ؛ لأن جماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من جهة الفوق في الدعاء والسؤال ، واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حجة ، ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق] إلخ كلامه –رحمه الله-
روى ابن أبي حاتم في "كتاب السنة" عن سعيد بن عامر الضبعي-رحمه الله- أنه ذكر عنده الجهمية فقال: هم شر قولاً من اليهود والنصارى ، وقد أجمع أهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش ، وقالوا هم : ليس على العرش شيء! .
وقد نقل الإجماع جماعة من الأئمة أكتفي بما سبق نقله ، ومن أراد الاستزاده فليرجع إلى:
# الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية .
# العلو للعلي العظيم للإمام الذهبي .
# اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية .
# إثبات علو الله على خلقه والرد على المخالفين للشيخ أسامة القصاص –رحمه الله-.

أما العقل فقد دل دلالة يقينية على علو الله عز وجل علو ذات وقهر وقدر .
وفي إثبات دلالة العقل طرق أذكر منها طريقة واحدة وهي ما ذكره شيخ الإسلام –رحمه الله- في الفتوى الحموية(ص/44-47) حيث قال –رحمه الله- : [وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ، ولا فوق السموات ونحو ذلك بقوله : {هل تعلم له سمياً} ، لقد أبعد النُّجعة ، وهو إما ملغز وإما مدلس لم يخاطبهم بلسان عربى مبين !!
ولازم هذه المقالة : أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم فى أصل دينهم ؛ لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد [يعني: العقل] ، وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة!!
يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول –صلى الله عليه وسلم- يوماً من الدهر ، ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه ، ولكن اعتقدوا الذى تقتضيه مقاييسكم ، أو اعتقدوا كذا وكذا ؛ فانه الحق ، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره ، أو انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه ، وما لا فتوقفوا فيه أو أنفوه !!
ثم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فقد علم ما سيكون ، ثم قال: ((إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله)).
وروي عنه أنه قال فى صفة الفرقة الناجية: ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابى)).
فهلا قال: من تمسك بالقرآن ، أو بدلالة القرآن ، أو بمفهوم القرآن ، أو بظاهر القرآن فى باب الاعتقاد فهو ضال! وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم ، وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة -فى هذه المقالة- !!
وان كان قد نبغ أصلها فى أواخر عصر التابعين .
ثم أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل للصفات- انما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين…] إلخ كلام شيخ الإسلام –رحمه الله-.
وقد جاءت الفطرة موافقة للكتاب والسنة والإجماع والعقل .
فكل الناس مفطورون على علو الله علو ذات وقهر وقدر ، ألا ترى أنهم يتجهون عند دعائهم وتنفيس كرباتهم إلى جهة العلو ؟!!
بل الطفل الصغير إذا سئل : أين الله ؟ أجاب بالإشارة أو الكلام بأنه عز وجل فوق !
بل الحمير تعرف ذلك وكذلك البقر بل وجميع الحيوانات والبهائم تعرف ذلك بفطرتها .
وهذا الذي فطر عليه الإنس وجميع الحيوانات تنكب عنه الجهمية وغيرهم من المشبهة المعطلة فأنكروا علو الله على خلقه علو الذات.
فعجباً لقوم هبطوا إلى درجة علت عليها الحمير!!
لذلك فالحمير –مع أنها بهائم – أفضل من كثير من مدعي التحقيق والتحرير من المتكلمين والمتفلسفين من الجهمية والمعتزلة والإباضية ونحوهم من أهل البدع .

نعود إلى ذكر الأحاديث التي ذكر فيها ركوب النبي -صلى الله عليه وسلم للحمار .
فأنبه إلى أن ثمة أحاديث صحيحة سيرد ذكرها في ذكر المواضع التي ورد ذكر الحمار فيها من السنة النبوية.
بهذا يكون انتهى الكلام عن الآية الأولى التي ذكر فيها الحمار .
في الحلقة القادمة سيكون الكلام عن المواضع الأخرى التي ورد فيها ذكر الحمار في القرآن الكريم .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

كتبه : أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي الفلسطيني