صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فضحنا تويتر وفضحهم

عادل أحمد الماجد
‏@AdelMajd


بسم الله الرحمن الرحيم


قبل أربع سنوات لو قلت فلان يغرد.. أو حذر أحدهم فقال : أيها المغردون اتقوا الله في تغريداتكم, لعد ذلك لغزا محيرا أو غلطا واضحا.. ولم نكن نربط بين الإنسان والتغريد إلا في الشواذ من الأقوال والأفعال عندما نقول : فلان يغرد خارج السرب!!.واليوم صار المصطلح شائعا واضحا مستخدما من شرائح المجتمع ويبدو أن الاستعارة قلبت بأن أصبح التغريد في تويتر أصلا وتغريد الطيور مستعارا.. فهل قلب تويتر أوضاعنا وخلط أوراقنا وأعاد ترتيب حياتنا..؟.
إن دخول ما يقرب من أربعة ملايين مغرد في السعودية في هذا الوقت الوجيز له دلالة, وطبيعة الحوار في تويتر له معان ,ودورنا هو التحليل والتفكيك والتركيب.

تعطش شعبنا للتعبير عن ذاته واضح جدا من خلال تويتر وأن منافذ التعبير ضيقة ,ومع هذا الضيق يوجد حراس أشداء يمنعون الكلمة أن تمر وحولوا هذه المنافذ الضيقة إلى استراحات خاصة لا يأتيها إلا من يريدون.
إن التعبير من خلال تويتر يحكي قصة حرمان طويلة فشلنا في فهمها ,ولذا فشلنا في حل روايتها.
أن تصبح الشخصية السعودية في تويتر هي الأعلى حضورا هو حكم على إعلامنا وأنديتنا الأدبية ومهرجاتنا السنوية بأنها غير قادرة خلال سنوات طويلة أن تستوعب شعبها وأن تتعامل معه وفق معايير عادلة بعيدا عن الشللية والواسطة و" جايكم من طرف فلان..".

الصورة الذهنية التي زرعت بأننا على رؤية واحدة و"أن المواطنين بصوت واحد يقولون" التي يكررها إعلامنا المحلي ,وأن هذا القرار نال رضا الجميع وحكايات الإجماع الدائمة ماهي إلا أمنيات وسراب خادع.تويتر كشف لنا أننا مجتمع حقيقي مختلف ومتنوع ,وأن ما يؤيده بعضنا يعارضه بعضنا الآخر وأن القرارات الرسمية لا تحظى بإجماع كما يصبحنا به إعلامنا الحكومي.
ومن خلال المغردين السعوديين فإن الخلاف شائك وواسع مذهبي ومناطقي وقبلي وفكري وثقافي.. وهو خلاف ينعكس على المواقف والآراء والقبول والرفض وهو أمر غير مزعج . المزعج حقا أن نخدع أنفسنا بإجماعات واهية لا واقع لها.

تحطمت آمال كثير منا في كثير من المشاهير ,فتويتر كشف لنا حمق من نظنهم عقلاء وسذاجة من اعتقدنا أنهم عميقون, وصدمنا تويتر بكتّاب لا يستطيعون كتابة مائة و أربعين حرفا دون أخطاء إملائية أو سوء تعبير مما يصف الجهد الكبير الذي يبذله الدسك الصحفي للتصحيح, ومن يعلمنا الحكمة والصبر فضح تويتر حمقه وعجلته وأن الألفاظ الجميلة التي يتغنى بها بعضنا حولتها سخونة تويتر إلى كلمات نابية قبيحة.
وانتعشت آمالنا مع آخرين من النجوم الحقيقين الذي كشف لنا تويتر سمو أخلاقهم وجودة أقلامهم وغزارة أفكارهم, وكشفت لنا تغريدات تويتر مبدعين منسيين يكتبون بإبداع في المبنى والمعنى وبنفس طويل وثقافة عالية.

السعوديون سياسيون بدرجة عالية رغم الفقر المجتمعي للمنافذ السياسية ,بل ضعف وندرة تخصصات علم السياسة في جامعاتنا, ويتضح العمق ورصانة الحديث السياسي في كثير من المغردين وهو دلالة على وجود بناء ذاتي للخبرة السياسية في تحرير الخبر السياسي وتحليله وتوقع نتائجة والبناء التراكمي للحدث السياسي واتخاذ المواقف حيال الأحداث برؤية سياسية محنكة ذاتية لا يمليها عليهم أحد.
لك أن تطلع على #هاشتاق سياسي أو قضية سياسية وتتابع التعليقات والنقاشات وكأنك في مجتمع سياسي منذ نعومة أظفار أجداده.

رؤساء تحرير الصحف في العالم من قياديي تويتر, بينما يغيب رؤساء تحرير الصحف المحلية عن المشهد التويتري وهي فرصة لهم ولكنهم غائبون, وللمتابع حق التساؤل هل غيابهم لضعف شخصياتهم.. أم جبنا من مواجهة القارىء ؟ ومما يخافون ولم يختبئون دوما خلف أوراقهم الصحفية وعلى الأرض خلف بوابات كالطود العظيم؟.
تويتر فرصة سانحة للمثقف أن يتواصل مع جمهوره, والذي يحضر بقوة للإعلام المرئي بعد المونتاج ويعتذر عن المباشر, وللإعلام المقروء بعد التصحيح ويعتذر عن تويتر فلا يلوم من اتهمه بأنه مثقف مزور!.

كثيرون في تويتر يضعون صورهم واسماءهم الحقيقية وهي نقلة نوعية في المجتمع لأن الرجال ظلوا عمرا يتخفون باسم "أبو عبد الله" والنساء " أم محمد".. وفي غالب المنتديات كانت الأسماء المستعارة هي السمة الأكثر شيوعا ,ولكن مع تويتر عبر الكثير عن شخصياتهم وأنهم يعنون ويتحملون ما يقولون وأن آراءهم ومواقفهم ومقولاتهم في المجالس مستعدون أن يعبروا عنها في أي محفل!

ولازالت الأسماء المستعارة في تويتر, بعضها من بقايا زمن التخفي وبعضها جبنا وخوفا أن يتحمل ما يكتب وبعضها تتناقض شخصيته التويترية مع شخصيته الحقيقية فهرب من التناقض, وآخرون يتيح لهم التخفي الشتم والكذب والسباب, وضعف بعض المغردين العلمي والإملائي يجبرهم على التخفي هربا من الفضيحة, وربما يتخفى انتقاما من أفراد أو أحزاب أو أفكار للهجوم عليهم دون تحمل مسؤولية من عدوان أو كذب أو تزوير, وتظل الكتابة باسم مستعار ضعف مهما كانت اسبابه.

وأقبح منه انتحال الشخصيات والتحدث باسمها ورغم أنها تتلاشى مع النضج التويتري إلا أنها دليل خلل فكري وأخلاقي. ومن القبائح التويترية الكتابة اللطيفة العفيفة بالاسم الحقيقي واسم آخر مستعار بأسوأ الأخلاق والكذب والشتيمة, أو أن يكتب باسمه الحقيقي ثم اسماء مستعارة مخصصة لمدحه والدفاع عنه والتصدي لمن خالفه, وبعضهم قليل خبرة تقنية لا يعلم أنه يحتاج إلى دقيقتين تقنيتين فقط لفضح ازدواجيته.

ومشاهدون في تويتر كثيرون لا يغردون ولا يرتوتون, يكتفون بالاطلاع على حراك المجتمع لا يحفزهم جمال التغريد ولا يستفزهم قبح الردود, يناقشون المغردين في المجالس بأدق تفاصيل حوارات تويتر وله وجهات نظر كثيرة ,ولكن لا زال عدد تغريداتهم صفرا, هؤلاء يستاؤون من المتابعين ,وكلما انسحب منهم متابع شكروه لأنهم مشاهدون فقط, ولا يعميهم التكاثر.

الذي ألهاهم التكاثر منهم صادق يريد أن يكثر من يستفيد منه, وفيهم المجامل الذي يرضي المتابعين ولو على حساب الحقيقة وقناعاته, وفيهم من يخالف ليعرف وينظر في توجه المغردين ليعكسه ويجمع المتابعين, وربما بحث البعض عن مشاهير المغردين وداوم تأييدهم أو الاعتراض عليهم ليجمع من مؤيديهم أو مخالفيهم مزيدا من المتابعين, وتبادل المتابعة نموذج قديم للتكاثر لكنه ينضب مع الزمن.

وشراء المتابعين وإهداء القوائم والزيادة بالرتويت هي وسائل مريضة لخداع النفس وهي شبيهة بشراء الشهادات العلمية ورغم أن ظاهرة "البيض" مجمع بوجودها ولا شك في تعاطيها إلا أن المشاهير من المغردين حافظوا على تفوقهم عدديا خارج تويتر. فالشيخ الذي يتابعه الملايين هو نفسه الذي تمتلىء المساجد بوجوده والإعلامي المتهم بشراء المتابعين يحتشد المشاهدون لسماعه, و يبقى المسكين المغمور الذي يغرد بسذاجة ويتابعه مئات الآلاف ليس له مفر من الاعتراف بالشراء..!.

وعلى هامش تويتر عشرات البرامج المختصة بدراسة المتابعين وفعاليتهم وطبيعتهم ,بل وقناعاتهم من خلال التغريد ,وتتيح لك هذه البرامج التعرف على عدة خرائط لمتابعيك, وهي تعني أن المغرد مكشوف أمام العالم المفتوح ,وأن المجتمعات يمكن قراءت أفكارها ومواقفها ,ويمكن للحكومات أن تتوصل للمشكلات الحقيقية وأسبابها دون تقارير الوسطاء, كما يمكن لأي قوة أن تخترق المجتمعات وتتحكم بمشاعر الجماهيروترتب لها أولوياتها وترفع تحفز المجتمع وسخطه ويمكن لها أن تحبط معنوياته وتضعف ثقته في وطنه.

لذلك يمكن أن يسمى تويتر "البرلمان" فهو يمثل المجتمع بكل شرائحها الاجتماعية والقبلية والمناطقية والاقتصادية بل وفئاتها العمرية, وليس برلمان تصويت فقط, بل نقاش وحجج وتعاقب الردود ,ويمكن أن تطلع على وجهة نظر الجميع تجاه قرار أو قكرة أو رأي أو شخص أو تيار, وما يتحدث به سابقا نخب المجتمع المضللة باسم الجميع ,وينوب عنهم بغير توكيل أصبح مع تويتر ماضيا ,وما يتبرع به إعلامنا من الحديث باسم المواطنيين انتهى مع برلمان تويتر.

وهذا البرلمان تتابع فيه العضو الذي تختاره, فيأتي به تويتر كلما نطق وكلما علق على ناطق وكلما أعجبه قول عضو آخر حوله إليك. بعضهم يتابع الآف وتعجب كيف له وقت للمتابعة ,وبعضهم بكل غطرسة لا يتابع أحدا, وكأنه يقول لا أحتاج لأي منكم ,فقط أنتم يجب أن تستمعوا لي, وآخر يتابع من يتطابق معه في المواقف حتى أنه لا يفرق بين تغريداته وتغريداتهم ,ويظن أن المجتمع نسخة منه, وعكسه الشرير الذي يختار مخالفيه بدقه كي يرد على تغريداتهم ويفسد نشوة أفكارهم.
ومن خلال المتابعين تستطيع أن تتعرف على ملامح المغرد وتوجهاته وأفكاره ومهاراته بل ورغباته وميوله الرياضية والفنية.

وحوى تويتر شذوذات مجتمعنا من إلحاد وكفر صريح وفي تويتر شذوذات المجتمع من إلحاد وكفر صريح وتكفير وتفسيق لأدنى اختلاف, وفيه الجنس باشكاله وأنواعه وشذوذه يعرض مصورا, وفيه التعصب القبلي بكل عنفه التعصب المناطقي الفاضح, وفيه غرائب الناس وعجائب البشر ,وهذا الكم من المتناقضات والغرائب سببه أن تويتر أشبه بالعدسة المكبرة التي اقتربت من وجه المجتمع فأبرزت تفاصيل كانت غائبة عن السطح رغم وجودها لذا أصبح القليل قبل تويتر كثيرا.

والوجه الباسم أبرزه تويتر بخفة دم بعض المغردين أو ردود بعض المعلقين ,ولعل مصطلح "في الجبهة" الذي يعني بالردود المسكتة القوية من إفرازات خفة الدم, والتعليق على القرارات والأحداث والأقوال في بعضها لغة ساخرة جميلة, ومن الوجبات التويترية المسلية تعليق المغرد على نفسه وأخطائه, ومنها التعليقات المتبادلة بين مشجعي الأندية والتعيقات الهازلة على نخب المجتمع الذي اعتاد أن يتحدث مع مصفقين, ولع لفظ"هههههه" الذي انتشر للرد على التغريدة الباسمة يدل على روح الطرفة التي زرعها تويتر.

والوجه الحقوقي واضح في تويتر في نصر القضايا العاجلة ومناصرة المظلوم والدفاع عن الحقوق المسلوبة ليس على المستوى السياسي فقط ,بل على المستوى الاجتماعي والأسري والفردي, وكان للسجين السعودي في العراق أو الأردن أو أمريكا أو غيرها حضورا واضحا, بل بعض المهتمين في قضايا الحقوق يرتفع معدلات متابعيهم كلما نشط في القضايا الحقوقية.
ويبقى بعض الحقوقيين يبرز في جانب حقوقي واحد ويبرر الجرم في حقوق أخرى ,لا يحكم بالسوية ولا يعدل في القضية.

أما الوجه الخيري فهو شامة على جبين المغرد السعودي من دعم مبادرات إعانة الملهوف والمحتاج ودعم المرضى والمسارعة في نجدة المستنجد واتفاق المختلفين أن الأزمة خارج ميدان الصراع, ويبرز روح التهاني لالأعياد والمناسبات بين المغردين ولو اختلفوا وتقديم واجب العزاء لكل مفجوع بعيدا عن آرائه ومواقفه, وتنبيه الجميع للأسر والقرى المحتاجة وعمل الرتويت للجمعيات والأعمال الخيرية يتسابق عليه كثير من المغردين على تنوع توجهاتهم.
وينغص الوجه الخيري "شحاذون" محترفون جعلوا تويتر أحد أساليبهم في جمع المال مستغلين تعجل بعض الخيرين.

والوجه الأعنف هو الصراع الفكري بين مكونات المجتمع, ورغم أن الصراع ينضج الأفكار والوجه الأعنف هو الصراع الفكري بين مكونات المجتمع, وغم أن الصراع ينضج الأفكار إلا أن كثيرا من الصراع هو جدل عقيم وحروب شخصية ومكايدة متبادلة لا ترى فيها صراع الأفكار ,ولكن نزاعا وخصومة حول كل قضية, وهذا الإبحار في تفاصيل الصراع المفصلة أنست الجميع حقوقهم المشتركة وعدوهم المتربص وبعض الصراعات التويترية هي أضحوكة يستمتع بها عدو للجميع.

هذه الأوجه المتعددة جعلت تويتر بديلا عن كثير من الإعلام لأنه قام بكل أدواره وكثير من المغردين اكتفى بتويتر عن القناة والجريدة ,بل والمنتديات والصحف الألكترونية, وبعض المغردين مفردا يتفوق متابعوه بأضعاف على عدد ما تطبع الصحف السعودية مجتمعة, ورب مغرد بلا رأسمال يفكك قناة تنفق المليارات ورأي آخر يغير في المجتمع أكثر من بيان رسمي أو شخصية وزارية أو ملياردير, وطالب علم ثقة عند الناس لا مسمى رسمي له تؤخذ فتاواه وتترك فتاوى لجان وهيئات ومنظمات.
ولن يسبق الإعلام بالصورة الثابتة والمتحركة والمقالة لأن تويتر عبر الروابط أكل كل هذه الأجواء.

مائة وأربعون حرفا غيرت وجه العالم وأعادت ترتيب البشر صعد أناس في القمة وسقط آخرون وتبدلت موازين القوة, تكونت به مجتمعات جديدة وعلاقات غير معتادة, المغرد يستطيع أن يكون امبراطورا بإرسال تغريدته لتصل لعدد لا نهائي من الرتوتة والتعليقات, ويخسر آخرون لأنهم يريدوا أن يطوعوا تويتر لزمن القراطيس فيتحول من رمز أيام القرطاس إلى رقم من الأرقام في عالم تويتر, ولا زال بشر يعيشون في زمن التحذير من تويتر وحث الناس على اجتنابه والعودة لزمن المعلم والصف..!.

ومغردون بعقول مدرسي صفوف أولية يريدون أن يملوا عليك ما يجب أن تعتقد وما يجب أن تصدق وتكذب.. وما هو الواجب عليك أن تقول وما لا تقول ويحذرك من تسليم عقلك لغيره ويعتبر من يخالفه مقلدا بائسا ومن يوافقه مبدعا متحررا صيغه المستخدمة ]يجب وينبغي وعليك ويفترض ولا نسمح ولا نرضى..[ هو صحيح في تويتر تقنيا, ولكنه في فصل مدرسي إبتدائي عمليا, ومع كثرة اعتراضهم لا يسمحون بمخالفتهم وإن كررت الاعتراض فالبلوك علاجك.

جولة تويتر مليئة بالمتغيرات وتملك زخما من المفاجآت ,وهو مجتمع جدير بالدراسة والمتابعة والتفكيك والتركيب, ولكل قارىء فاحص رؤية مختلفة ولكنها تبقى ثرية وتحمل دلالات,
ربما تستأثر بك الرؤية الفكرية أو السياسية أو التقنية أو الاجتاعية أو غيرها ولكن القراءة المتمعنة والفاحصة تعطيك بعدا جديدا لعالم سهل في الآداء فاجع في النتائج.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

تغريدات

  • تغريدات
  • إشراقات قرآنية
  • غرد بصورة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فنيات
  • نصائح للمغردين
  • الصفحة الرئيسية