اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/wahat/foudah/23.htm?print_it=1

قبس من نور النبوة

الجليس

الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد، أيها المستمع الكريم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً بكم ومرحبًا فى حلقة جديدة من برنامجكم "قبس من نور النبوة"
اقتضت حكمة الله تعالى فى خلقه أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم.

وهذه المجالسة لها أثرها الواضح فى فكر الإنسان ومنهجه، بل وسلوكه، وربما كانت سبباً فعالاً فى مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية. وقد دل على ذلك الشرع والعقل والواقع والتجربة والمشاهدة.
فالظالم يندم يوم القيامة ويأسف لمصاحبة من ضل وانحرف فكان سبباً فى ضلاله وانحرافه (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا. ياويلتى ليتنى لم أتخذ فلاناً خليلا. لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا) [الفرقان 27].

مستمعى الكرام ..
روى البخارى ومسلم من حديث أبى موسى الأشعرىِّ رضى الله عنه أن النبى  قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة".

لقد بيّن النبى صلى الله عليه وسلم أن الجليس له تأثير على جليسه سلباً أو إيجاباً بحسب صلاحه وفساده.

فشبّه الجليس الصالح بحامل المسك، فإنك إذا جالسته يحصل لك منه واحدة من ثلاث إما أن يعطيك ويُهديَك أو تشترىَ منه، أو تشمَ منه رائحة طيبة تؤثر على نفسك وبدنك وثوبك.
صحبةُ الصالحين بَلْسَمُ قلبى *** إنها للنفوس أعظمُ راقى

وشبّه النبى صلى الله عليه وسلم الجليس السوء بنافخ الكير، وهو القائم بمهنة الحدّاد، فإما أن يتطاير عليك من شرر ناره فيُحرق ثيابك، أو تجدَ رائحة كريهة تصيبُ بدنك وثوبك، فجليس السوء يُلحق الضررَ بمن يجالسه. وينبغى أن نفطن إلى أن تشبيه النبى صلى الله عليه وسلم لجليس السوء بالحداد لا يعنى تحريمَ هذه المهنة، وإنما يعنى النتيجة المترتبة على الاقتراب ممن يمارس هذه المهنة أثناء عمله.

من أجل هذا أخى المستمع .. لا بد أن يتأنى المرء فى اختيار جليسه وصاحبه، إذ الصاحبُ ساحب، والمجالِسُ مُجانس . وقد أحسن من قال:
فلا تصحبْ أخا الجهلِ *** وإيــاكَ وإيـــاهُ
فكم من جاهـلٍ أردى *** حليمًا حـيـن آخـاه
يُقاسُ الـمرءُ بالمـرءِ *** إذا ما الـمرءُ ما شاه
وللـشئ مِـن الشـئ *** مقاييـسٌ وأشبــاهُ
ولِـلقلبِ على القلـبِ *** دليلٌ حيـنَ يلقــاه
وذو الـعقل إذا أبصَر *** ما يخشى توقّــاه

ولمجالسة الأشرار وجلساء السوء أضرار منها:
أنه قد يشكك جليسه فى معتقداته الصحيحة ويصرفُه عنها، كما هو حال أهل النار (قال قائل منهم إنى كان لى قرين يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمدينون..) [الصافات 53:51]
وانظر إلى وفاة أبى طالب على الكفر بسبب جلسائه حين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فمات عليها.
وجليس السوء يدعو جليسه إلى مماثلته فى الوقوع فى المحرمات والمنكرات (ودوا لوتكفرون كما كفروا فتكونون سواء)[النساء 89].
والتأثر بالعادات السيئة والأخلاق الرديئة لجليس السوء.
ومخالطته تذكّر بالمعصية وتحمل عليها.
ويعرفك بأصدقاء السوء
ولا ينصحك بما يصلحك
وتُحرَمُ بسببه مجالسة الصالحين
ولا تخلو مجالسهم من غيبة ونميمة
وليس فيها ذكر الله عزوجل.

أخى المستمع .. إن لمجالسة الصالحين ثماراً طيبة، منها:
أن من يجالسهم تشمله بركة مَجالِسِهم، ويعمُّه الخيُر الحاصلُ لهم وإن لم يكن عمله بالغاً مبلغَهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم.
التأثر بهم، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
ولقد أحسن من قال:
عن المرء لا تسلْ وسلْ عن قرينه *** فكل قرينٍ بالمقارِن يَقْتَدِى
إذا كنت فى قوم فصاحبْ خيارَهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردَى معَ الرَّدِىِ
ومنها تبصرته بعيوبه لإصلاحها، فالمؤمن مرآة أخيه، إن رأى فيه ما لا يعجبه سدّده وقوّمه، وحاطه وحفظه فى السر والعلانية.
مقارنته عملَه بأعمالهم فيعرف قدره ويصلح خطأه.
مجالسة أهل الخير يدلونك على أمثالهم فتنتفع بمعرفتهم.
ومن ثمارها انكفاف جليسهم عن المعصية.
تحفظ وقتك الذى هو الحياة وهو الوعاء لكل الأعمال.
هذه المصاحبة سبب لدخولك فى الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف 67].
رؤية الصالحين تذكّر بالله سبحانه، فإذا حصل لمن رآهم هذا الخير، فكيف بمن يجالسهم ؟
10 ـ ومن ثمار مجالسة الصالحين الانتفاع بدعائهم لك بظهر الغيب فى حياتك وبعد مماتك.
11 ـ الصالحون زيْن وأُنس فى الرخاء، وعُدّة فى البلاء.
12 ـ المجالسة سبب لمحبة الله تعالى (وجبت محبتى للمتحابين فىّ والمتجالسين فىّ) ومن ثمرات المجالسة للصالحين أنها تؤدى إلى محبتهم فى الله تعالى، وهذه المحبة لها من الثمرات والفضائل الكثير والكثير.

أرأيت أخى الكريم كم لمجالسة الصالحين من ثمار وفوائد، فاحرص عليها تفز وتربح..

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

 عبد الرحمن  فودة
  • قبس من نور النبوة
  • الصفحة الرئيسية