صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







زَوْرة سميطية

حسين بن رشود العفنان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

إلى والدي (عبد الرحمن السميط )حين علمتُ أن أنفاسك ،خالطت أنفاس (حائل)!

كمْ كنتُ أحبسُ آهاتٍ يفيضُ بها =صَدْرٌ بحُـبِّكَ مفتـونٌ ومفْؤودُ
لئنْ بعُدْنا فلمْ نسعَـدْ لمحفلِكُـمْ =ولمْ نُشارِكْ لبيدٍ دونَها بِيـــدُ
فإنَّ هذا بياني لنْ يُزاحِمَـــهُ =في ساحةِ الحبِّ نِدٌّ .. فيهِ تخليدُ *

هِبْته وانتشر في نفسي إجلاله ، فارتجف قلمي! خَشية أن يفرط أو أن يعثر!

لا لوم عليه! فأنّى له تصوير قُنّة كلّمتها السحب ، ووصف سماء لا تطاولها سماء، دون أن يُطفف أو أن يجور!(ومن قلّد نفسه عجزا، فقد أقام لها عذرا)ولنرضى من المركوب بالتعلق !

وحاشا أن أكون متفضلا على والدي، رفيع الصوت (عبد الرحمن السميط الكاره لشهادات الضعفاء أشباهي، فلم ينظر لُّبثة للحضيض) بل هو المتفضل ـ بعد الله جل جلاله ـ أن أثّر وأدّب!

زَوْرة سميطية!

هذه زَوْرة لرجل جليل ، ولُّبثة بين يدي داعية عظيم،
تَشْرف نفسك ، وتَتَرقى روحك ، وتُضىء حياتك، حين تقرؤه أو تراه !
فهو رجل مُتقوت من زهور الدنيا، خالع ثوب الحياة، فقد ترك خفض العيش وخُدعه، في بلد نَظَم الدنيا بين يديه، وآثر بلدا نَظَم الموت بين أنيابه ! فبصدره الرَّغِيب وبقلبه الرَّحِيب أدّب الدنيا وصفعها:

يا "وردةُ" غُرِّي غيْري
أخلعُ ثوبَكِ منْ ذاكرتي الناسيةِ *

لم يقفْ في ظل الشهوة ، ولم يجلس تحت شجرة الطمع، فقد أعرض عن إعلانات الدناءة:

لمْ تُحَرِّكْني دفوفُ الأرْضِ يوْما = أوْ غِناءُ المُطــرِبِ الموْهوبِ ليْلَةْ
قدْ قَضِيْتُ العمْرَ تسبيحاً وصَوْما =في ظـلامِ الليــلِ أشتاقْ الأهِلَّةْ *

أعتق ـ بفضل الله ـ رقابا من شِراك الجهالات ، وأضاء قلوبا تكدست في الظلمات !

لا تحرك أعاصير اليأس والإحباط فيه شعره، فهو (يبحث عن قطرة ماء رغم جبال الثلج) :

يوماً كالأشجارِ سخيًّا سيجيءْ
يفتحُ أبوابَ الدَّهشةِ
تُبصرُ أعينُكمْ ما لمْ تُبصرُ من قبلْ
يحملُ مشعلَهُ ويُضيء
النارُ سيشعِلُها في الأحداقِ النَّائمةِ زمانا
ليُنقِّيَكُمْ
لنْ يصعدَ مطربُكمْ حدقاتِ عيونِكمو، ويُغنِّي:
"ورمانا الهوى ورمانا"
ويُخدِّرَكُمْ
فالقادمُ أشعلَ في الأشجارِ الهشَّهْ ..
نارَ الدَّهشهْ
ليُنَقِّيَكُمْ *

وحين يرى الناسَ، يدخلون في دين الله أفواجا، تَراه مُتهلّلا طَلِقا، ترفرفُ نفسه غبطا ومسرة!

***

سرّحتُ عيني في عِظم بِرّه، وتَكاثر نُهوضه، فرأيت فضائح تقصيري، وعورة قعودي،ومدّدتُ عنقي في علو نفسه، وغلو همته، فعرفت وزن نفسي وسَفالتها، وفقر همتي وشُحها! و(حسبت الثريا قرار القليب)!
وعرّضتُ نفسي لبصيص من خلائقه الرشيدة، ومآثره الكثيرة، ومسالكه المنيرة، فشعرتُ بأنّ يُبس قلبي يَتنضّر ، وغِلظته تَرق!

جدّد قاعدة فهمي ،فرأيتُ الهمة، والسمو ، و الدعوة، والنصح، والزهد، والصبر ، وخفض الجناح،وإشراق الوجه، ولين الطبع ،ودفء اللسان، وطهارة الفؤاد، كما خلقتْ وأُنشئتْ!

يقول العلامة محمد الخضر حسين ـ طيب الله ثراه ـ (انظر مقالات لكبار كتاب العربية 2/163) (جرت سنة الله في خلقه ، ألا ينهض بَأَصْر المقاصد الجليلة ، ويرمي إلى الغايات البعيدة ، التي يشد بها نطاق السيادة الكبرى ـ غير النفوس التي عظم حجمها ، وكبرت هممها ، فلم تعلق إرادتها بسفاسف الأمور)

فيا شُبّاننا تواضعوا! وخالطوا عظماءنا وكبراءنا، بنفوسكم وأرواحكم، لتعرفوا قدركم ، وتقفوا عند حدّكم!


والدي عبد الرحمن السيمط
ولو أنِّي أطعتُ رَسِيسَ شوقي = ركبتُ إليكَ أعناقَ الرياحِ

وسلام عليك كفضلك!
 

حسين بن رشود العفنان
الرياض
10/11/1427
 

ـــ
* الأبيات للشاعر الكبير د. حسين علي محمد
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين العفنان
  • عَرف قصصي
  • عَرف نثري
  • عَرف نقدي
  • عَرف مختار
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية