اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/wahat/husseen/56.htm?print_it=1

لنتذوق قصص محمود توفيق

حسين بن رشود العفنان


بسم الله الرحمن الرحيم


أقرأ لمحمود توفيق حسين المولود في قفط المصرية عام 1968م لأترقى في درجات السرد ، فهو ذكي ولماح ومجدد ومتجدد وصاحب هم وهمة ، نصوصه تثير عقلي وتجدد نفسي ، تشمخ بي إلى قممها الأنيفة ، التي لم يعبث بها عابث ، أراني بعدها قادرا على قبض القلم والدخول في العالم السردي الرحيب.

***

حين تقرأ مجموعته الأولى ( غسيل المنتقبات ) وهي عشرون نصا قصصيا انتقاها من نتاجه ولعلها من أقربها إلى نفسه.
حين تقرؤها تأخذك لغتها التصويرية التعبيرية الرفيعة ، إنها تنساب بين يديه نهرا عذبا شبما ، تشعر أنك أمام رجل لم ينطق مذ خلق إلا لغة فصيحة شريفة ، فقد جمع في لغته السردية أطراف البلاغة : دقة التصوير وأداء المعنى وجمال الكلمة .

واقرأ : ( خرجت حبيبة القلب ، تمشي على مهل ، فأسندت رأسي على الحائط خلفي وأرخيت جفوني قليلا ممثلا للنوم..كأني أراها الآن أمامي . خرجت ترتدي البرنس الأبيض، وخرج معها البخار ، أمالت رأسها على جانب ، فتجمع شعرها في ناحية ، وأخذت تضربه بيدها لتنثر منه الماء...) الخبء ص 28

واقرأ : (وقبل أن يتنبه الرجل إليه ، قفز القرد على فخذ الرجل
فأفزعه ، وكسح النقود بكفه مسرعا وجمعها في الكف الأخرى ، وتسلق برشاقه ) قرد الماد ، ص 127 .

واقرأ : ( يد حزينة تطرق الباب الخشبي العتيق ، ففرت الحمامة ، قامت عائشة ، واربت الباب لصوت القريب الشاب ، جاءها الناعي حزين النبرة وأخبرها أن ياعمة ، أحسن الله عزاءك ، عريس بنتك ، مات في سبيل الله على ترابنا الطيب ، تصبري يا عمة ، وصبري بنتك ، لا أدري ما أقول ...) جدار عائشة 206
أنت في عالم محمود توفيق لا تقرأ حروفا جامدة بل تعيش حياة أخرى بين ظهري حياتك..

***

وكذلك تأخذك هيكلته العجيبة لقصصه ، وبناؤه المتقن لها ، فهو يتسلل بدهاء إلى هدفه مصيبا القارئ بالدهشة جاعلا المتعة تسري في عروقه ..
فانظر كيف افتتح قصته (غسيل المنتقبات) فقد خلق حدثا تمهيديا مشوقا ليصل بمنطقية إلى الحدث الأهم وهو الاختلاء في المقهى بلص الغسيل ليغلق نصه بعد ذلك بدوي يأكل قلوب أعداء الحجاب.

***

وفيها ينتشر الرمز بأشكاله فقد أخذه محمود بقوة اقرأ قصته ( جبل الذراق ) فقد صور الشذوذ بين الفتيات بدقة وصدق دون أن يخدش عفة أحد وفي (غسيل المنتقبات ) أغناه الرمز عن رفع الصوت بسب أو شتم وقلب الأرض على أعداء العفاف وأن كل من يهاجمه قردا معلما لا يفقه إلا قول سيده ومدربه.وفي (طوفان مهند ) و( خلفات الجند) التي جملها بالشعر و (يعرج وحده ) و( عرائس الموت ) و (كير اليساري ) وفي غيرها كان الرمز فيها خاتما بين يديه.

***
يسدل محمود الستار على نصوصه ويغلقها فتتفجر القراءات في أذهان المتأملين المتفكرين المستمتعين..(الخبء) ، (لست نحسا )...
و الخيال ملتحم بالواقع بتقنية عالية حافرا الأثر النفسي في الأعماق ( لست نحسا ) ، ( خط العنقز )
والتشويق أمر لازم في حروفه وإن أطال وإن خفض سرعة سرده بوصف دقيق .فالقارئ يضع يده في يد محمود ويتنقل من حدث إلى حدث ومن وصف إلى وصف غارقا مستمتعا.
وشخوصه في غالبهم ممن لا يؤبه لهم ولا لمشاعرهم ( المنتقبات ، الحمل في بطن أمه ، ضحايا العنقز ، العاطل الذي يقول اذكروني ولو بزجاجة عطر ، سكان الحي الشعبي، عائشة الجنوبية التي ذاقت ويلات الحوثيين...)

ولعل تواضع محمود وقلبه الذي لا ينبض إلا بهموم أمته جعلته يهبط بعدسته إلى هذه المناطق التي يأنف منها الكثيرون ..

( غسيل المنتقبات ، قصص ، محمود توفيق حسين ، دار اكتب للنشر والتوزيع في القاهرة)

 

حسين العفنان
  • عَرف قصصي
  • عَرف نثري
  • عَرف نقدي
  • عَرف مختار
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية