بسم الله الرحمن الرحيم

توضيح كلام الجهني
حول كتاب رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة

احصل على نسخة منسقة من الموضوع


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فقد أبدى الأخ الجهني بعض الملاحظات على كتاب( رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة ) لصاحبه الشيخ محمد الدوسري حفظه الله ، مما سماه الجهني بترا وحذفا وتغيرا ، ولما دعا الجهني العلماء وطلبة العلم للتأمل في هذه الملاحظات والنظر في حال الرجل
( يقصد صاحب الكتاب ) رأيت ( كطالب علم ) أن أعلق على ما ظهر لي خطأه من كلامه متغاضيا عن لمزه وهمزه في صاحب الكتاب، فهذا بينه وبين الله يوم تكون( كل نفس بما كسبت رهينة ) وفي نفس الوقت أشكره على جهده في بيان الحق أو ما يظن انه الحق وأسال الله أن يخلص نياتنا ويطهرها من حظوظ النفس وان يرزقنا وإياه وجميع إخواننا الإخلاص والصدق في القول والعمل إنه سميع مجيب .
تتلخص ملاحظات الأخ الجهني في خمس ملاحظات وأنا إن شاء الله أجليها واحدة واحدة بكلام مختصر ليقف المنصف واللبيب على الحق من الباطل والخطأ من الصواب والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

الملاحظة الأولى
يقول الجهني :
" ــ نقل الدوسري ص 24 عن شيخ الإسلام ابن تيميه وأحال على مجموع الفتاوى (7/616) ما يلي : (( قال شيخ الإسلام : ( وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب [ التام ] بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع . سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءا من الإيمان كما تقدم بيانه ) . )) وما بين المعقوفين حذفه الدوسري وهو كلمة ( التام ) . " ا.هـ من كلام الجهني
والجواب عن هذا أقول :
لا شك أن لفظ ( التام) من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله لفظ جوهري في الكلام وهو متعلق الخصم  في مسالة( كفر تارك جنس العمل ) ، ولا شك أن تعمد إسقاط هذه اللفظة مخل بالأمانة العلمية وطاعنا في نية الناقل ! إن ثبت !
ولما عرضت هذا الأمر على صاحب الكتاب ( الشيخ محمد الدوسري )
أقسم بالله أن هذا اللفظ سقط منه سهوا ولم يقف عليه إلا من كلام الجهني هذا اليوم !
وفي الحقيقة أنا أيضا ذهلت كيف سقط هذا اللفظ وقد قرأت الكتاب مرات ومرات ! ..ولكن كما يقال جل من لا يسهوا
و من أوضح القرائن على صدق الشيخ حفظه الله هو أمر هام جدا
ألا وهو تركيز الشيخ الدوسري على توجيه هذا اللفظ بالذات من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله
وذلك في أول رد على الحلبي في الكتاب صـ 24 من كتاب الشيخ الدوسري.
فأول ملاحظة على الحلبي من الشيخ الدوسري حفظه الله هو توجيه هذا اللفظ حيث كرره قرابة عشر مرات متتالية وفي نفس السياق حيث يقول صـ 24 :
(( إذا تبين هذا فإن الحلبي في الكتابين المذكورين لا يرى الأعمال الظاهرة من لوازم إيمان القلب ؛ بل يراها من كمال الإيمان.حيث قال في: "صيحة نذير" ص27 ناقلاً عن شيخ الإسلام قوله: (والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ) ثم علق الحلبي في الحاشية على قول شيخ الإسلام: ( ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام ) بقوله ( أي الحلبي ): ومن تأمل هذا القيد حلت له إشكالات كثيرة: ويعني بالقيد قوله: ( تام )
ويكون المعنى عند الحلبي أنه يمكن أن يكون في القلب إيمان بدون العمل الظاهر ولكنه إيمان ناقص ، أما من أراد الإيمان التام فلابد من العمل الظاهر. وهذا غير مراد لشيخ الإسلام - رحمه الله - فهو يعني بقوله :( إيمان تام ) أي إيمان صحيح ، وهو الذي يتوافق مع قوله -رحمه الله - الذي سبق نقله آنفاً:( وأن إيمان القلب بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع ). ويتوافق أيضاً مع قوله - رحمه الله -: ( وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع ألا يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام )(1). ا هـ . فما رأي الحلبي في هذا ؟ من امتنع أن يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، أيقال: انتفى عنه كمال الإيمان وبقي معه أصله ؟
فإن قال: نعم ، فقد قال قولاً عظيماً . وإن قال: لا ، فقد أقر على نفسه بالغلط في فهم كلام شيخ الإسلام . وشيء آخر ، وهو أن يقال: ما رأي الحلبي في قول شيخ الإسلام(2): (فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب بلا قول ولا عمل ظاهر) فهل هذا يعني أنه يمكن أن يكون الإيمان في القلب بلا قول ظاهر ( أي بدون الشهادتين ) والذي يمتنع إنما هو تمام
وذكر - أي الحلبي - أيضا في ص28 من "صيحة نذير" قول شيخ الإسلام - عن الإيمان -: ( وأصله القلب وكماله العمل الظاهر ... ) وهو يظن أن شيخ الإسلام يعني بالكمال: الكمال الواجب والمستحب ، وهذا غلط منه في فهم كلام ابن تيمية - رحمه الله - فإن سياق الكلام يدل على أن أصل الإيمان الذي في القلب لا يتم ( أي لا يصح ) إلا بالعمل الظاهر حيث قال - رحمه الله - بعدها: (... بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب ) فهل يقول قائل: أنه يكفي في الإسلام أصله الظاهر دون كماله الذي في القلب ؟ فعلى هذا الوجه يُفهم كلام الأئمة بضم بعضه إلى بعض حتى يفسر بعضه بعضاً لا أن يأخذ الناقل ما يوافق هواه ويدع ما يخالفه.
)) ] ا.هـ من كتاب رفع اللائمة
فهذا يوضح بجلاء أن هذا السقط لهذا اللفظ ( التام ) لم يكن مقصودا من الشيخ الدوسري وفقه الله ومع ذلك فقد أقسم على سقوطه سهوا من غير تعمد.

الملاحظة الثانية :
يقول الجهني :
ــ ونقل الدوسري ص 26 عن الإمام ابن القيم كلاما من كتاب الصلاة ص50-51 ما يلي : (( … وعمل القلب الذي هو طاعته وانقياده يقابله ترك الالتزام والتولي عن الطاعة )) . فقد غير الدوسري عبارة ابن القيم أعلاه لتوافق هواه وليبني عليها إجماعا مزعوما . وعبارة ابن القيم كما يلي : ( عمل القلب محبته وانقياده … الخ ) . فقام الدوسري بتغيير كلمة ( محبته ) إلى ( طاعته ) ، ليستقيم له الإجماع المزعوم !!! .
والجواب على هذا أقول :
قول الجهني ( ونقل الدوسري ص 26 عن الإمام ابن القيم كلاما من كتاب الصلاة ص50-51 ما يلي ...)
يعني أن الشيخ الدوسري قد نسب هذا الذي ذكره إلى ابن القيم رحمه الله
وهذا من الجهني خطأ ظاهر وكان بوسعي أن أصفه بالكذب والافتراء لكني اكتفي أن أقول عنه ( خطأ ظاهر ) لأن الجهني في ظني والله أعلم مجرد ناقل لا ناظم !
فهذا الذي زعم أنه من كلام ابن القيم رحمه الله ليس من كلامه بل من كلام الشيخ الدوسري صاحب الكتاب  تعليقا وتأكيدا لكلام ابن القيم رحمه الله ليس إلا !
والناظر في الكتاب يجد هذا بوضوح فقد نقل الشيخ الدوسري كلام ابن القيم رحمه الله بتمامه ثم علق عليه ،وهذا هو النص الكامل والذي وضعه الشيخ الدوسري بين معقوفتين وأتبعها بحروف الاختصار ( ا.هـ ) والتي تعني عند الجميع انتهى !
قال العلامة ابن القيم(1)- رحمه الله -
: ( وهاهنا أصل أخر ، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل ، والقول قسمان: قول القلب ، وهو الاعتقاد ، وقول اللسان ؛ وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان:عمل القلب وهو نيته وإخلاصه ، وعمل الجوارح.فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله ، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء ، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة ، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب ، وهو محبته وانقياده ) ا هـ. كلام ابن القيم
وليلاحظ قول الشيخ الدوسري ( ا. هـ كلام ابن القيم.) فهل خفيت هذه على أخينا الجهني
أم هو التسرع في النقل وعدم التأمل ؟!!!
ثم بعد ذلك علق الشيخ الدوسري على كلام ابن القيم رحمه الله السابق بقوله :
"وقول القلب الذي هو التصديق يقابله الجحود والتكذيب والإنكار والاستحلال.
وعمل القلب الذي هو طاعته وانقياده يقابله ترك الالتزام والتولي عن الطاعة.
فأهل السنة مجمعون على أن الإيمان ينتفي بترك الالتزام والتولي عن الطاعة ولو لم يكن
هناك جحود أو تكذيب...." (رفع اللائمة ) صـ 26-27
فكل هذا كما هو واضح من كلام الشيخ الدوسري صاحب الكتاب وليس من نص كلام ابن القيم رحمه الله !
فأي تغير حصل من الشيخ الدوسري لكلام ابن القيم رحمه الله ؟!!
اللهم إن هذا إما خطأ ظاهر أو كذب كالح أربأ بأخينا الجهني عنه ...

قد يقول قائل إن التغيير وإن لم يكن في نص عبارة ابن القيم رحمه الله إلا أنه لا ينبغي أن يعبر بعبارة  من عنده ولو كان على سبيل الشرح وتأكيد المعنى ! فقد يتغير المعنى !!
والجواب عن هذا قد سبق في ردي على العتيبي وأكدت هناك أن كل من لفظ الطاعة والانقياد والمحبة والاستسلام والنية والإخلاص ....إلخ من أعمال القلوب لا فرق بينها وبين بعضها في الاستعمال للتعبير عن عمل القلب ونقلت هناك عن أهل العلم ما يبين ذلك لكل عارف بل لفظ الطاعة من أشهر الألفاظ استعمالا في هذا المقام !
ولكي أقطع الشك باليقين وأوضح أن قائل هذا الكلام ليس لديه أدنى تأمل في المسألة ولا حتى في كلام ابن القيم رحمه الله الذي نقه أخونا الدوسري وفقه الله أكمل فقط نص كلام ابن القيم رحمه الله في نفس الموضع الذي نقل منه الشيخ الدوسري صاحب الكتاب على لفظ( الطاعة والانقياد ) في الدلالة على عمل القلب القابل لتصديق القلب .
يقول ابن القيم رحمه الله تكملة لما نقله صاحب الكتاب الشيخ الدوسري :
(......فأهل السنة مجمحون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم اعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره ، فإنه يلزمه من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح - (إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت) - ويلزم من-(عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة )
وهو حقيقة الإيمان فإن الإيمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه ( وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد)وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) الصلاة وحكم تاركها
فها هو ابن القيم رحمه الله لا لبس فيه يقرر بجلاء ما تلفظ به صاحب الكتاب الشيخ الدوسري وفقه الله
فهل بعد ذلك يقال عن هذا تغيير لكلام ابن القيم ؟!
وأخيرا أقول للجهني لعله قد وضح الآن غلطك في قولك : " فقام الدوسري بتغيير كلمة ( محبته ) إلى ( طاعته ) ليستقيم له الإجماع المزعوم !!! ."
فهل مازال الإجماع مزعوما ؟!
أم هو نص عبارة ابن القيم رحمه الله والذي قال فيها ( فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب ، وهو محبته وانقياده)

الملاحظة الثالثة
يقول الجهني :
( قال الدوسري ص 33 :
(( ثم إن الحلبي لم يكمل النقل عن الشيخ عبد اللطيف ؛ بل أخذ ما يظنه يوافق مذهبه المردي وترك ما يبين المذهب الحق ، وإليك كلام الشيخ عبد اللطيف كاملا غير مبتور : حيث قال رحمه الله : ( الأصل الرابع : أن الكفر نوعان : كفر عمل وكفر جحود وعناد ، وهو أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه ، التي أصلها توحيده وعبادته وحده لا شريك له [ وهذا مضاد للإيمان من كل وجه وأما كفر العمل ، فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي وسبه ] الخ . وما بين المعقوفين قد حذفه الحلبي … )) الخ كلام الدوسري .
وقد حذف الدوسري بقية كلام الشيخ عبد اللطيف ، وتمامه : ( … وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهذا كفر عمل لا كفر اعتقاد وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض … ) . واللبيب يفهم لما تعمد الدوسري إسقاط هذه العبارة من كلام الشيخ ؟!! . )ا.هـ كلام الجهني
والجواب عن هذا أقول :
إن دعوى البتر هنا لا معنى لها إطلاقا وهي كما يقال من باب الاستكثار فحسب وذلك يظهر من أكثر من وجه :
الأول :
أن سياق كلام الشيخ الدوسري ليس فيه أية استدلال بكلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله على مسألة معينة ( لا الحكم ولا الصلاة ) كما يوهم كلام الأخ الجهني !
ولهذا كان وجود ما ذكره الجهني انه بتر أو عدمه لا يؤثر طالما السياق ليس في إثباته أو نفيه !
ولأن سياق الكلام في هذا الموضع هو بيان بتر الحلبي لكلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله والذي يريد أن
يستدل به الحلبي على كون الكفر يكون بالجحود فقط والذي بتر كلام الشيخ عبد اللطيف من أجله !
لذا أستوجب المقام نقل ما يبرز بتر الحلبي لكلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله وهو تكملة كلامه الذي يدل أن الكفر يكون بالقول والعمل .
ولهذا أقتصر الشيخ الدوسري - في هذا الموضع- على بيان ذلك ولم يكن مستدلا بكلام الشيخ على مسألة معينة فأكمل كلام الشيخ عبد الطيف الذي بتره الحلبي من دون استطراد
لباقي الكلام ولعدم تأثر السياق به وجودا وعدما- كما سبق -
• والدليل على هذا:
أننا إذا رجعنا بسياق الكلام والذي ذكر فيه الدوسري كلام الشيخ عبد اللطيف وذلك في صـ 27 من رفع اللائمة
نجد قول الشيخ الدوسري وفقه حيث يقول :
(( فإذا تبين لك هذا فإن الحلبي قد قرر في كتابيه المذكورين أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والتكذيب(1) والدليل على هذا: ( أي أنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب - فحسب - ) ما يلي:-.....)) ا.هـ رفع اللائمة صـ 7
ثم أخذ يدلل من كلام الحلبي على أنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب ، مبتدأً بهذا النقل عن الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم رحمه الله والذي ينقل بدوره عن ابن القيم رحمه الله كما هو معروف فقال ( الدوسري ) :
(( نقل الحلبي عن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - رحمه الله - قوله: ( إن الكفر نوعان: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد ، وهو - أي: كفر الجحود - أن يكفر بما علم أن رسول الله r جاء به من عند الله - جحوداً وعناداً - من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه التي أصلها توحيده ، وعبادته وحده لا شريك له ) التحذير ص6 ، 7.)) ا.هـ رفع اللائمة صـ 27
فواضح من السياق أن الشيخ الدوسري لم يستدل بكلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله على مسالة الحكم أو الصلاة !كما يوهم كلام الأخ الجهني ، بل السياق كما هو واضح في بيان خطأ استدلال الحلبي نفسه بكلام الشيخ وبتره له .
فإذا ظهر ذلك تبين للمنصف ( اللبيب ) أن ما تركه الشيخ الدوسري في نقل الشيخ عبد اللطيف رحمه الله ليس بترا ولا يسمى كذلك !
ولا يؤثر وجوده او عدمه في السياق بشيء حيث انه لم يسقه للاستدلال به على شيء سوى بيان بتر الحلبي لكلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله ولقد بين ذلك وفقه الله أيما تبيان .
الوجه الثاني :
أن الشيخ الدوسري حفظه الله لما احتاج لكلام الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم رحمه الله والذي هو نص كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة كما هو معروف ، جاء به كاملا من مصدره وهو كتاب الصلاة لصاحبه ابن القيم رحمه الله فقال في صـ 55- من رفع اللائمة - ( ومن كان لديه الكتاب فليراجع ) :
(( و أسوق لك كلام ابن القيم – رحمه الله – كاملاً غير مبتور :
قال رحمه الله:
( وهاهنا أصل آخر ، هو أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد.فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول r جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.
وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى مالا يضاده.. فالسجود للصنم ، والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي ، وسبه ، يضاد الإيمان ، وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، فهو من الكفر العملي قطعاً ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه ، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله r ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمي رسول الله r تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم الكفر... الخ ) كتاب الصلاة ص51 -52 فانظر - رعاك الله - كيف يجعل ابن القيم كفر العمل ينقسم إلى قسمين إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاد الإيمان ( وهذا قد حذفه الحلبي ) ....) ا.هـ رفع اللائمة صـ 55
فهنا كما هو واضح قد ذكر الشيخ الدوسري وفقه الله كلام ابن القيم كاملا بما فيه ما زعم الجهني أنه بتره وذلك لما احتاج الشيخ للاستدلال به وتوجيهه ردا على الحلبي .... ولكن الامر كما يقولون( لكل مقام مقال )
وإذا كان الجهني أو غيره يعتذر للحلبي فيما بترمن كلام أهل العلم ( وبشهادة الكبار ) بأن الحلبي قد أكمل ما بتره في كتب( أخرى !) فكيف ضاقت صدورهم أن يذكروا ولو من باب الإنصاف أن هذا النقل-
والذي يزعم الجهني أنه مبتور- قد أكمله الشيخ في سياق آخر وفي نفس الكتاب !
فهل يخفى هذا على من يعلق على كتاب متتبعا أخطاءه بألفاظه وكلماته ! فما أعز الإنصاف
وأخيرا أقول هل وقف اللبيب على خطأ أخينا الجهني في نسبة البتر للشيخ الدوسري وفقه الله ؟!

الملاحظة الرابعة
يقول الجهني :
( أخيرا بتر الدوسري كلاما للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وقد استفدت هذا من الشيخ علي حسن عبد الحميد حيث قال في شريط له بعنوان ( الرد على الدوسري ) : ( لما أتى لكلام الشيخ ابن عثيمين في تعقيبه على شيخنا الشيخ ناصر في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله والحكام ، فالشيخ يقول : لكنا قد نخالف الشيخ الألباني في أن هذا لا يكون كافرا لأنه لا يتصور أن يفعل ذلك إلا عن كفر . ثم قطع الكلام ! الشيخ ابن عثيمين ماذا يقول بعدها ؟ لكن قد يفعل ذلك مداهنة وحفظا على الكرسي والمنصب فيكون من هنا كسائر المعاصي . هذا كله حذفه . ) انتهى كلام الشيخ علي حسن عبد الحميد . ) ا.هـ كلام الجهني
والجواب عن هذا أقول :
هذا الذي استفدته آخي الجهني من الحلبي والذي نسبه إلى الشيخ ابن عثيمين يعلم الجميع أنه من الخطأ على الشيخ رحمه الله ! فليس هذا الذي نقله الحلبي هو ما ذكره الدوسري في كتابه ! وليس هذا هو نص عبارة الشيخ ابن عثيمين التي نقلها الحلبي نفسه في تحذيره !
وليتك أخي الجهني تراجع ما يقال لك أو تسمعه قبل أن تنقله متسرعا !
فالواجب عليك أخي الكريم وأنت في مقام بيان البتر والتغيير والحذف وتحرير الكلمات أن تتأمل كلام الحلبي نفسه الذي تنقله والذي يقوله هو أيضا في مقام تحرير وبيان بتر الدوسري !
فنص عبارة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والتي تزعم أن الدوسري حذفها ! هي كما في كتاب الحلبي نفسه صـ 79 من التحذير وهي قول الشيخ رحمه الله :
( قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول : إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي) ا.هـ من التحذير ـصـــ79
وما نقلته أنت هنا عن الحلبي مما ينسبه للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يختلف عن هذا في عبارات هو يدري ماذا تعني ؟
فالحلبي بتر ما نقله الشيخ الدوسري في كتابه ! وغير ما نسبه للشيخ ابن عثيمين في عبارته !
فهل هذا الذي استفدته من شيخك الحلبي .؟!.....
أقول ( هذا على طريقتك في نسبة البتر والتغير والحذف !!! فتأمل ).... هذا وجه
الوجه الثاني :
- كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي يدندن حوله الحلبي ومن معه هو قوله رحمه الله في آخر كلامه :
[ قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول : إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي.]
والحلبي ومن معه يتشبثون بعبارة الشيخ الأخيرة فمنهم من يجعلها تراجعا من الشيخ وهذا في رأيي أقبح الأفهام وأردأها‘‘ ولا أضل من رجل يظن في ابن عثيمين أن يتكلم بكلام ينقض بآخره أوله وسيأتي بيان ذلك .
ومنهم من يجعل كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قيد للتكفير بالعمل فيعود الأمر بكلام الشيخ رحمه الله إلى اشتراط الاستحلال وفساد الاعتقاد..... إلى غير ذلك
وقد علقت على كلام الشيخ رحمه الله في ردي على العتيبي حول هذا الكلام وأختصره هنا
فاقول :
كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد صاغه في عبارات واضحة يفهمها العامي قبل طالب
العلم وليتأمل القارئ هذه العبارات البسيطة من قول الشيخ :
( لكنا قد نخالفه - أي الشيخ الألباني - في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حلَّ ذلك،) أقول ماذا يفهم من هذا ؟ !
وما معنى المخالفة هنا إذا كان الأمر يرجع إلى نفس كلام الشيخ الألباني في اشتراط الاستحلال أو فساد الاعتقاد ؟! ثم قال رحمه الله:
(( هذه المسألة تحتاج إلى نظر)) وأقول لماذا تحتاج إلى نظر ؟ وأي نظر هو ؟ هو قول الشيخ رحمه الله :
(( لأنا نقول : من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر –وإن حكم بحكم الله- وكفره كفر عقيدة،))
أقول ... هذا هو السبب في الاعتراض !!!
فكوننا لا نحكم بكفره إلا إن اعتقد الحل يعني أن العمل ليس له أثر في التكفيـــــــــر ثم يتبع
قوله رحمه الله فيقول : ( لكن كلامنا عن العمل ))
أي أن كلامنا في مسألة الحكم بالقوانين هو على مجرد العمل لا الاعتقاد !
فهو( أي العمل ) المناط المكفر عند الشيخ رحمه ،،،،،، ثم يقول الشيخ رحمه الله في آخر كلامه :
( وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع ، هذا هو الظاهر ،وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟)
أقول إن الشيخ رحمه الله يجعل أيضا من لوازم الحكم بالقوانين ( اعتقاد تفضيل هذه القوانين على الشريعة وأيضا استحلالهم للحكم بها ) ولذا يقول ( وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟)
فإذا قرر الشيخ رحمه الله أن كفر المشرعين والحكام بالقوانين الوضعية هو كفر عمل
مخرج من الملة ثم جاء بالأعذار الواردة في المسألة وقال ( قد يكون الذي يحمله على ذلك
خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول إن
هذا كالمداهن في بقية المعاصي)
فهل يعني ذلك عند طلاب العلم أن الشيخ رحمه تراجع عن قوله ؟.
ولكي أقرب المسالة أقول :
نفرض أن الشيخ يقول الذي أن من حكم القوانين الوضعية فهو كافر ( ولكن قد يكون هذا الحاكم مكرها فيكون معذورا بذلك )
فهل يفهم من هذا أن الشيخ رحمه الله تراجع عن قوله بكفر الحكام بالقوانين الوضعية ؟
اللهم لا يفهم هذا إلا رجل بعيد عن تحقيق الكلام في هذه المسائل وهذا لا يحق له الكلام في هذه المسائل بل لا يجوز !
فكذلك الحال في قول الشيخ رحمه الله بعد تقريره كفر الحكام بالقوانين بمجرد العمل
حيث قال : [ ( قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذالم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي) .]
- فبصرف النظر عن كون المداهنة في المعاصي والكفر عذر معتبر شرعا أم لا !
وكذلك الخوف ما لم يكن تحت ضغط إكراه ملجئ يخشى فيه على النفس( وبشروطه ) عذر في ارتكاب الكفر أم لا !
أو أن الشيخ رحمه الله يقصد بكلامه هذا الإعذار أصلا أم لا !
- فإنا نقول بأنه لا متمسك للحلبي ولا لغيره في بكلام الشيخ رحمه الله على اشتراط
الاستحلال أو الجحود في تكفير الحكام بالقوانين الوضعية كما يقرر الحلبي .
وخلاصة كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
- أن الشيخ رحمه الله يخالف الشيخ الألباني والشيخ ابن باز رحمه الله في اشتراط الاستحلال في تكفير الحكام بالقوانين الوضعية
-
- - أن الشيخ رحمه الله يقرر كفر الحكام بالقوانين الوضعية بمجرد العمل
- أن الشيخ رحمه الله يجعل من لوازم الحكم بالقوانين ( اعتقاد تفضيل القوانين على الشريعة وأيضا استحلالهم للحكم بها ) فعلا كلا الوجهين يكفر الحكام بالقوانين الوضعية !
هذا في القسم الأول من كلامه رحمه الله .
القسم الثاني وهو تكملة هذا الكلام :
فيه أن الحاكم قد يفعل ذلك لعذر ما ... فلا يكفر بذلك - كما سبق وان بينا- وليس في ذلك تراجع ولا تقيد للكلام المقرر سابقا والله أعلم .
فإذا ظهر أن لا متمسك للخصم في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كان اقتصار الشيخ الدوسري حفظه الله على موضع الشاهد من كلامه رحمه الله لا يعد حذفا ولا بترا !
وإذا كان الأمر كذلك فلا شك في خطأ كلام أخينا الجهني والذي نقله عن الحلبي بدون مراجعة لنص الكتاب
الذي يزعم أن فيه بترا وحذفا ويستجدي أهل العلم وطلابه للتأمل فيه والنظر في حال صاحبه !
وعلى كل حال فقد وعد الشيخ محمد الدوسري وفقه الله بان يكمل كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في
الطبعة القادمة بإذن الله ليفتح المجال بعد ذلك للنقد الموضوعي - إن وجد - على كلام الشيخ رحمه الله
ولن يخرج كلامنا عما سبق وقلناه إن شاء الله .

الملاحظة الأخيرة
يقول الجهني :
وحذف الدوسري كلاما آخر لابن تيميه رحمه الله حيث نقل في ص 52 من كتابه كلاما لابن تيميه وأحال على الصارم المسلول ص 522 وهو قوله :
(( وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفرا ممن قبله ، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه . ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردا أو اتباعا لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ [ هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون ، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاة ، ويقول : أنا لا أقر بذلك ، ولا ألتزمه ، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه ، فهذا نوع غير النوع الأول ] إلى أن قال ـ رحمه الله ـ فهذا ( أي الامتناع عن التزام التحريم ) نوع غير النوع الأول ( أي : اعتقاد حل المحرم ) وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ؛ بل عقوبته أشد ) انتهى كلامه رحمه الله . وما بين المعقوفين حذفه الدوسري ، وأعيد ما حذفه ليتبين لكم : (هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون ، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ، ويقول : أنا لا أقر بذلك ، ولا ألتزمه ، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه ، فهذا نوع غير النوع الأول ) . وهذا الموضع من أخطر المواضع الموجودة في الكتاب إذ فيه جنايتان : الجناية الأولى : تلاعبه بكلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله حذفا وإسقاطا . الجناية الثانية : شرحه لكلام الشيخ الإمام بما عليه التكفيريون المعاصرون من المذهب الباطل .
الجواب عن هذا أقول :
قول أخينا الجهني إن هذا الموضع من أخطر المواضع الموجودة في الكتاب هو صحيح ولكنه لو يعدل عبارته لكان أولى !
فإن هذا الموضع هو حقا من أهم المواضع التي في الكتاب !
لأنه جلى شبهة مستحكمة في كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله طالما عصفت بأفهام بعض طلاب العلم في تناولهم لبعض كلامه رحمه الله والتي توجد في بعض المواضع من كتبه وهي تدور حول معنى ( الاستحلال ) عند شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله.
-ومن الممكن أن أكتفي بان أقول إن الشيخ الدوسري وفقه الله قد اقتصر على ما يظن أنه محل الشاهد من كلام شيخ الإسلام وأنه لا وجه لاستدراك الأخ الجهني فيما زعم أنه حذف ! حيث أنه لا يؤثر في تقرير المعنى الذي أراده من كلام شيخ الإسلام رحمه الله وهو تمييز ( معنيي الاستحلال ) في كلامه ومع ذلك فقد وعد الشيخ وفقه الله باستدراك هذا سدا لباب الجدل ، وأنه والله كما قال لا يخطر بباله هذا فضلا أن يتعمد بتر أو حذف ‘ وسوف ينتقل الكلام بعد ذلك إلى مناقشة موضوعية لما زعم أنه مبتور ومدى تأثير ه على معاني الكلام ‘‘‘هذا ما يخص الجهني في ملاحظاته ‘‘‘

ولكني سأتناول هذا الأمر بشيء من التوضيح لم يتمكن صاحب الكتاب منه لكونه ما وضع لذلك بل وضع للاختصار والإشارة كما هو مشاهد من حجمه ولعلي اسهم في إزالة شبهة تتعلق بكلام شيخ الإسلام رحمه الله والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

ففي هذا النقل المشار إليه من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يتكلم شيخ الإسلام رحمه الله عن معنى للاستحلال بخلاف المعني الذي عليه الفقهاء والمتداول في كتبهم ألا وهو اعتقاد حل الحرام فيضيف معنى آخر إليه ليزيل الإشكال في بعض كلامه والذي يوجد في بعض المواضع من كتبه وهذا المعنى هو "الامتناع عن التزام الحكم مع التصديق به " ‘‘‘‘‘‘
فالامتناع عن التزام الأحكام مع تصديقه بها يعده شيخ الإسلام رحمه الله كفرا بالاتفاق ويسميه استحلالا .‘
والامتناع عن التزام الأحكام معناه رفضها وترك الانقياد لها وعدم الرضى بها ‘‘
ولنرجع إلى نص كلام شيخ السلام رحمه الله لنقرر هذه المعاني :
- حيث يقول عن النوع الأول من الاستحلال :
"والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة."
فهذا النوع الأول من الاستحلال وكله يرجع إلى عدم التصديق الجازم بما حرم الله  ويقع فيه صاحبه إما بعلم باطل ( اعتقاد ) وقد يسمى ( جهل مركب أو يقع فيه بجهله ( عدم اعتقاد ) وقد يسمى هذا جهل بسيط ، وفي كلا الحالتين ينتفي التصديق الجازم فيقع في استحلال ما حرم الله .
- النوع الثاني من الاستحلال يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:
" وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفرا ممن قبله"
فهذا الرجل عنده تصديق جازم واعتقاد بان الله حرم هذا المحرم ( و هذا على عرف الفقهاء قد لا يسمى من هذا حاله " مستحل للحرام " ) -على المشهور عندهم - لأنه معتقد حرمة الحرام ومقر بها ‘‘
ولكن شيخ الإسلام رحمه الله يضيف هنا معنى آخر للاستحلال ويقول أن هذا الرجل مع اعتقاده أن الله قد حرم هذا وتصديقه به إلا أنه قد يستحل هذا يكونه " يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم " فهذا نوع آخر للاستحلال عند شيخ الإسلام رحمه الله ، ثم يؤكد أن من هذا حاله يكون كفره أشد من كفر من يعتقد حل هذا الحرام ، وهذان الصورتان يدرجهما شيخ الإسلام رحمه الله تحت مسمى ( الاستحلال ) .
- وعلى هذا فالواجب لمن يقف على كلام لشيخ الإسلام رحمه الله يتكلم فيه عن الاستحلال أن يتأمل مصطلحه في ذلك كما يحدث عند المحدثين من أئمة الجرح والتعديل في مصطلحاتهم الخاصة بهم في الرواة ! - فهناك معنيان إذا للاستحلال عند شيخ الإسلام رحمه الله :
- الأول هو المشهور عند الفقهاء وغيرهم وهو اعتقاد حل الحرام
- الثاني وهو مصطلح يخصه وقد يقول به غيره وهو الامتناع عن التزام التحريم وكلاهما كفر عند شيخ الإسلام رحمه الله
وأعطي مثالا لذلك :
حكم ( الزنى )
الزنى كعمل معصية وكبيرة من الكبائر أعاذنا الله وإياكم منها
والواجب على المكلف تجاه حكم الله في هذه الجريمة والذي هو التحريم ثلاثة أمور :
- الأول : التصديق الجازم أن الله حرمها ( اعتقاد حرمتها ) وهذا يرجع إلى قول القلب وهو التصديق أو المعرفة والاعتقاد. - والثاني: التزام ذلك التحريم بمعنى قبوله والانقياد له والرضا والتسليم به وهذا يرجع إلى عمل القلب وهو محبته وانقياده ورضاه واستسلامه.
-والثالث : تركه وعدم الوقوع فيه . وهو يرجع إلى ( عمل الجوارح )
فالأول والثاني يرجعان إلى اصل الدين كما هو واضح وزوالهما كفر مخرج من الملة وهما موضع كلام شيخ الإسلام رحمه الله الذي أسلفنا شرحه والذان يدرجهما تحت مسمى (الاستحلال ) .
والثالث: هو من عمل الجوارح وفعله مع تصديقه وانقياد قلبه يعد من الكبائر غير المخرجة من الملة .
فالأول: يقول أنها حلال وليست بحرام فهو يعتقد حلها وأن الله لم يحرمها - وهذا تكذيب! - ( كفر )
والثاني : يقول أعلم أنها حرام وأقر بهذا ولكن لا اقبل ولا أرضى بهذا التحريم وهذا الحكم وأنا أبغضه ولا ألتزمه . ( كفر )
والثالث: يقول اعلم أنها حرام وأجزم بهذا وأرضى بحكم الله فيها ولكن غلبتني شهوتي فوقعت فيه ( معصية ) هذا هو بيان هذا الموضع والله أعلم .
تنبيه :
ما ذكرته عن حكم التحريم يقال مثله عن حكم الوجوب مع اعتبار أن الاستحلال إنما يتأتى على المحرم ( والجحود ) يتأتى على الواجب .
نأتي لكلام الحلبي وتعامله مع كلام شيخ الإسلام رحمه الله وذلك في قوله :
" ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر فإنه من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر فإن كثيرا من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالا" 5/130 ( منهاج السنة ) ا.هـ
فهذا النص يكثر ما يستدل به اشتراط الاستحلال لتكفير المحكمين والمتحاكمين إلى غير الشريعة من الأحكام الوضعية وغيرها ‘‘‘
ومن هؤلاء ( الحلبي ) حيث علق على هذا النص بقوله :
( وكلامه رحمه واضح في انه بنى الحكم على المعرفة والاعتقاد أو المعرفة والاستحلال وأن عدم وجود ذلك بشرطيه لا يلزم منه الكفر وإنما يكون فاعله جاهلا لا كافرا ....) ا .هـ كلام الحلبي
أقول : من الواضح أن الحلبي حمل كلام شيخ الإسلام رحمه الله على معنى الاستحلال الأول وهو ( اعتقاد حل ) الحكم بغير ما أنزل الله !
ولذا جزم أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يكفر من يبدل الشرائع ويحكم بالقوانين إلا بشرط الاستحلال ! ولذا كان تعليق اللجنة الدائمة هو أنه قد قول شيخ الإسلام رحمه الله ما لم يقل ‘ وأن هذا على مذهب المرجئة !!!
- و ما ذكره الحلبي في تعليقه على كلام شيخ الإسلام لا شك في خطأه ‘
حيث أن القرائن تدل في هذا النقل على إرادة شيخ الإسلام رحمه الله للمعنى الثاني وهذا يتضح من قوله رحمه الله :
" فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالا "
- فقوله رحمه الله " فهؤلاء إذا عرفوا " ينفي إرادة المعنى الأول من معاني الاستحلال
- وقوله : " فلم يلتزموا ذلك " يؤكد إرادة المعنى الثاني من معاني الاستحلال وهو الامتناع عن التزام الحكم مع التصديق به والإقرار بأن الله حرمه وهو ما ندندن حوله .
- فهؤلاء عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم بغير ما انزل الله وفي هذا دلاله على أنهم يعتقدوا التحريم ولكنهم مع ذلك امتنعوا عن التزام ذلك التحريم وهذا كفر لاشك فيه عند شيخ الإسلام بالاتفاق.
فهذا ما ذكره الشيخ الدوسري في هذا الموضع فبين أن شيخ الإسلام رحمه الله يفسر الاستحلال بأكثر من معنى -على سبق ذكره – وقال:
" فجعل الاستحلال في كلام شيخ الإسلام مقصود بإطلاق إلى اعتقاد حل الحرام تحكم بلا دليل ....) صـ52 من رفع اللائمة
ولو أن الشيخ الدوسري وفقه الله قد اقتصر على قول شيخ الإسلام : "..... ، وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفرا ممن قبله....)
لكان قد وفى بالمقصود في تمييز كلا المعنيين للاستحلال لأن هذا كله تقرير نظري غير متعلق بضوابط تنزيلها على المعين ، وهذا يوضح خطأ ما فهمه الأخ الجهني في استدراكه على كلام الشيخ الدوسري حيث زعم أن الشيخ تعمد بتر ما ظنه أنه تقيد لمعنى الامتناع عن التزام الحكم بأن يقول : ( أنا لا أقر به ولا ألتزمه وأبغضه ...) "
فإن لم يقل هذا فهو عند الجهني غير ممتنع عن التزام الحكم ! حتى ولو التزم الحكم بغيره !
وهذا لا شك أنه خطأ في فهم كلام شيخ الإسلام رحمه الله أنه قيد لا وصف أو أن هذا يحصر فيما ذكر ! وأن الامتناع يظهر بهذا ولا يظهر بغيره ! ومما قد يشير على ذلك قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "
( "ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه"اهـ
وقوله " وفي ظني أنه لا يمكن لأحدٍ أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي، فهو كافر ، هذا هو الظاهر وإلا فما حمله على ذلك؟ "
فتبديل الحكم الشرعي أو التزام غيره لا شك انه يدل على الامتناع عن التزام الحكم الشرعي وعدم الرضى به والتسليم له وإن اعتقد التحريم !
بل وعلى فرض كون ما ذكر شيخ إسلام قيدا فلا يلزم ذكره عند تقرير المعنى العام ‘‘
ففي مقام العموم يقرر المفهوم العام دون ذكر للشروط والضوابط المختصة بتنزيله على المعين.
والدليل على ذلك هو كلام شيخ الإسلام رحمه الله نفسه لمن يتأمله :
ففي البداية يقرر كفر المستحل للحرام بالاتفاق فيقول "
" وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق.."
ثم يدرج صورة الجهل البسيط لحكم التحريم ويسميه استحلال ! فيقول :
" وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها "
ولا شك أن هذا على العموم يسمى استحلال لكونه لا يعتقد حرمة ما حرم الله
ولكن على التعيين تجد الأمر غير ذلك بأن من هذا حاله يعذر ولا يحكم عليه بالكفر لأنه جاهل ( حسب الضوابط الموضوعة لذلك ! ).
فإذا تكلمنا عن ضوابط الحكم لزمنا ذكر تلك القيود أو الأوصاف التي تلحق به حتى تتحقق الصورة كما هي
أما إذا تكلمنا عن المفهوم العام لا يلزمنا ذلك ، وهذا هو ما حصل من الشيخ الدوسري
حين اقتصر من كلام شيخ الإسلام على ما يبرز معنى الاستحلال عنده وأن له معنيان ... فاقتصر على كلام شيخ الإسلام رحمه الله والذي يدل على محل الشاهد ‘‘‘ والله أعلم
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

سؤال لأحد الإخوان :
ثم إني سائلك سؤالاً أرجو أن أجد الجواب عليه :
هل من داوم على معصية ولزمها تعد قرينة على عدم رضاه وقبوله وانقياده واستسلامه لحكم الله ؟!!
الجواب :
أخي الكريم الصويلح وفقه الله :
هناك فرق بين التزام" العمل" يعني تكراره والإصرار عليه وعدم التوبة منه وهذا لا شك انه معصية وبين التزام " حكم الله " في هذا العمل الذي هو" التحريم " مثلا أو" الوجوب"
فالأول : التزام الجوارح للمعصية وهو ما يسمى الإصرار على المعصية وهذا لا شك في عدم كفره إلا على مذهب الخوارج ( الحديث )
والثاني : التزام قلبي متعلق بأصل الإيمان ومعناه القبول والانقياد لحكم الله في هذا العمل !
وكلامنا أخي الكريم في الاستحلال المكفر عن " حكم " العمل .
وتأمل قول شيخ الإسلام رحمه الله :
" وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا" التحريم" ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفرا ممن قبله "
فكلا النوعين للاستحلال متأت على حكم الله في الفعل سواءا كان تكذيبا للنص، أو امتناعا عن قبول حكم الله فيه .!
ولكي يظهر لك أن الكلام عن الحكم ، نأتي لكلام شيخ الإسلام رحمه الله والذي يقول فيه :
" ، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاة ، ويقول : أنا لا أقر بذلك ، ولا ألتزمه ، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه ، فهذا نوع غير النوع الأول "
فلا شك أن الكلام هنا عن التحريم كحكم وتشريع فهو يبغضه ويسخطه ،
ولذا يقول : أنا لا اقر به ولا ألتزمه ...) فالكلام هنا عن الحكم وليس عن المعصية ذاتها كعمل مجرد بالجوارح
والالتزام المقصود هنا قلبي متعلق بالقبول والرضا بالحكم ،،،،
ومن هنا يظهر الجواب سؤالك :
"هل من داوم على معصية ولزمها تعد قرينة على عدم رضاه وقبوله وانقياده واستسلامه لحكم الله ؟!! "
فكلامي ليس عن المعصية كما فهمت‘‘‘‘ لكن الكلام عن حكم هذه المعصية وموقف المكلف منها من حيث
الصديق بحكم الله فيها أو ما يقابله والذي يسمى استحلالا وتكذيبا
والانقياد لحكم الله فيها أو ما يقابله والذي يسمى ( الامتناع عن التزام الحكم )
ومن هنا يأتي السؤال الصحيح :
هل الامتناع عن التزام الأحكام الشرعية يكون في الظاهر بتبديل الشرع بغيره من الأحكام الوضعية ؟ ،
أو يكون في الظاهر بالتزام غيرها من الأحكام ؟ يعني بغير إ قرار المكلف كما فهم الجهني من كلام شيخ الإسلام رحمه الله ؟
ولعل الجواب قد أشرت إليه في ثنايا عرضي السابق ومن كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
وكنت سأتوسع قليلا في شرح هذه المسالة لعلمي بان فيها ثمة متعلقات ولكني صدمت لما وجدت تعليق
الجهني وما جاء به عن الرفاعي فالله حسيبه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا