بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(1)


المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، وتعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد إن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن الإيمان بالغيب هو أساس التسليم المطلق لله تعالى في أمره ونهيه وإسلام الوجه له، ولهذا كان أول الصفات التي وصف الله بها عباده المتقين ورتب عليها فلاحهم كما قال تعالى: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب-إلى قوله تعالى-: أولئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون} البقرة:1-5 ومثل ذلك قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون-إلى قوله تعالى-: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}. المؤمنون 1-11.
وبهذا يتضح المنهج الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم-بأمر من ربه-في العهد المكي، الذي زاد على عشر سنوات، وهو يدعو قومه إلى الإيمان بوحي الله وما تضمنه من البيان والهدى،-وهم-لعدم إيمانهم بهذا الوحي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم-لا يزدادون إلا عتوا في الأرض واستكبارا ويطلبون منه أ ن يأتيهم بآيات محسوسة تدل على صد قه كما قال تعالى:{ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا.}. الإسراء 89.
ولما كان الإيمان بالغيب هو الأساس في التسليم المطلق لله تعالى لم يستجب الله تعالى لتعنت الكافرين الذين طلبوا من رسوله أن يأتيهم بآية من عند الله محسوسة حتى يصدقوه بزعمهم بل تعجب من عدم اكتفائهم بهذا القرآن الذي هو أعظم آية دالة على صدقه وأن الله وحده كاف في الشهادة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}. العنكبوت 50-52
وعندما يثبت الإيمان بالغيب في قلب المؤمن، لا تجده يعترض على شيء أمر الله به أو نهى عنه، محكما عقله أو هواه أو ما جرت به العادة، ويدل على ذلك موقف أبي بكر رضي الله عنه من قصة الإسراء التي طارت بها طائرة المشركين استدلالا بها على كذب محمد حاشاه-صلى الله عليه وسلم-ليثنوا الناس وبخاصة أصحابه عن الإيمان به، فقالوا عندما سمعوا النبأ (والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟... وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة. قال فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا: بل هو ذاك في المسجد يحدث به الناس. فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوا لله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه.ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله، فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم. قال يا نبي الله فصفه لي، فإني قد جئته..... فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله......) [السيرة النبوة لابن هشام (2/33)الناشر مكتبة الكليات الأزهرية]
تأمل من النص المعاني الآتية:
تكذيب المشركين-كعادتهم-لعدم إيمانهم بالغيب.
عدم إسراع أبي بكر في تصديق الخبر الذي نقله له أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، لأمرين:
الأمر الأول أنه لم يسمعه من الرسول بنفسه.
الأمر الثاني: خوفه من أن يكونوا كذبوا عليه.
احتياط أبي بكر لنفسه وتصميمه أمام المشركين على تصديق الرسول تصديقا مطلقا في كل ما يثبت أنه قاله : (والله لئن كان قاله لقد صدق).
تثبت أبي بكر رضي الله عنه من الخبر بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم.
إنكار أبي بكر تعجب قريش من شيء قد صدقه هو فيما هو اعظم منه، (خبر السماء الذي يأتيه صباح مساء).
كما أن الذي يؤمن بالغيب لا يرده عن طاعة الله راد، ولا يصده عنها صاد ولو كان في ذلك ذهاب ماله وولده ونفسه، وفي قصة السحرة مع فرعون عبرة لمن اعتبر، فقد كانوا رهن إشارة فرعون قبل إيمانهم بالله طلبا للحظوة عنده، وخوفا من بطشه، ولكنهم في لحظة واحدة وقفوا أمامه متحدين بطشه زاهدين في ماله وجاهه.
قال تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}. طـه: 65-73
ولما كانت هذه هي منزلة الإيمان من الدين كان حقا على العلماء والدعاة إلى الله أن يهتموا به قبل غيره من أمور الدين ليغرسوه في نفوس الناس، ليمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، راضية بذلك نفوسهم مؤثرة ما عنده على ما سواه وبذلك تتربع الأمة الإسلامية على مقعد توجيه الأمم عن جدارة واستحقاق، وليس عن دعوى وافتراء، وبذلك أيضا تقبل أمم الأرض على هذا الدين لتدخل فيه أفواجا كما فعلت الأمم قبلها عندما رأت في الأمة الإسلامية القدوة الحسنة. وهذا هو السبب الرئيس الذي حفزني لكتابة هذه الرسالة التي حاولت أن تكون سهلة على الأفهام، قاصرة على أصول الإيمان العظام التي تضمنتها بعض آي القرآن والأحاديث الصحيحة الواضحة البيان، كحديث جبريل المشهور.
وهذه الرسالة هي في الحقيقة أهم فصل من فصول كتاب شرعت في إعداده وترتيبه وهو بعنوان:{أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة} أسأل الله أن ييسر لي إكماله وأن ينفعني وكل من قرأه أو نقل إليه مضمونه، به إنه سميع مجيب.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل