صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







(طاعة ولي الأمر..منهاج الصالحين)

أ.د/فيصل بن سعود الحليبي
@Dr_fisal_holibi


بسم الله الرحمن الرحيم


من الاحتياجات الفطرية للبشرية:
(الأمن والإيمان)، بهما تسعد النفوس، وتطمئن القلوب، ويتاح للمرء في ظلهما من العبادة والعطاء والنماء ما لا يتاح عند فقدهما، ولذلك أسباب عظيمة، وعوامل جليلة، من أعظمها: توحيد الله واستغفاره، ووجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فقد كان أمنة لأمته، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

ووجود الصحابة الكرام رضي الله عنهم أمنةٌ بعد الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) رواه مسلم.

أما وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فقد بقي لنا الاستغفار، وبقيت لنا ـ بعد الله تعالى ـ ما دلنا الله تعالى إليه، من طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة ولي أمر المسلمين في المعروف، فبذلك يأمن الناس، وتتوحد صفوفهم، وتجتمع كلمتهم، ويتولى الشيطان عن طريقهم، كيف وقال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.

والله تعالى هو الذي خلق الخلق، وهو أعرف بطبائعهم، وأعلمُ بحاجاتهم، وما يصلح لهم وما يفسد عليهم حياتهم، فجعل الخير كل الخيرِ في طاعته، والسعادةُ كل السعادة في منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن سار على هديهما ربح ونجح، ومن تنكب عنهما خسر وضاع.

قال سبحانه:
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}.

وإن من حكمة الله تعالى ورحمته، أن جعل لكل أمة من الناس سلطانًا يسيّر أمورهم، ويراعي مصالحهم، ويقودهم نحو حاجاتهم، وأمر بالاجتماع عليه وعقد بيعته بالمعروف، ونهى عن التفرق أو شق العصا عن أمره ونهيه، عصمةً للأمة عن الفرقة الشيطانية المذمومة، وحفاظًا لها عن التحزب المقيت، الذي يوري نار النكبات والحروب والدماء.

والكلام في ذلك جاءت به النصوص الصحاح، وعليه اتفق جماهير السلف والخلف من علماء الأمة الربانيين، وعلى هذا سار عباد الرحمن الأخيار.

ومن هذه النصوص:


حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: (
بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) رواه البخاري ومسلم.

وحرَّص الحريص على أمته صلى الله عليه وسلم ألا يخرج المرء عن طريق الجماعة الآمن، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(مَن خرج من الطاعةِ، وفارق الجماعةَ، فمات، مات مِيتةً جاهليةً، ومن قاتل تحت رايةٍ عَمِيَّةٍ، يغضبُ لعَصَبِيةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ، أو ينصرُ عَصَبِيَّةً، فقُتِلَ، فقَتْلُه جاهليةٌ، ومَن خرج على أمتي يَضْرِبُ بَرَّها وفاجرَها، ولا يَتَحاشَا من مؤمنِها، ولا يَفِي لِذِي عُهْدَةٍ عَهْدَه، فليس مِنِّي، ولستُ منه) أخرجه مسلم.

والخارجون عن بيعة الإمام لا حجة لهم لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فقد جاء في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:
(مَن خَلَعَ يَدًا مِن طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)، أخرجه مسلم.

فيا ويح أولئك الجهلة الذين ينزعون من رقابهم بيعة إمامهم المسلم، الذي أقام التوحيد، وعظَّم الشعائر، وأقام الحدود، وأظهر العبادات وأركانَ الإسلام، وأمَّن الناس في بيوتهم وأعمالهم وأرزاقهم، وعبَّد لهم الطرق، وعلمهم أمور دينهم ودنياهم، وبذل الوسع في صحتهم وعافيتِهم، وجميعِ ضروراتهم وحاجياتهم وكمالياتهم، وتعلق أولئك الخارجون في ذلك كله بأمور واهية، وبمرجعيات مغرضة، بعيدةٍ كل البعد عن أدلة الشرع، وأصول الإيمان.

أما سمع هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً وأُمُورًا تُنْكِرُونَها، قالوا: فَما تَأْمُرُنا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: أدُّوا إليهِم حَقَّهُمْ، وسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ) رواه البخاري.

ويربط النبي صلى الله عليه وسلم طاعة الله وطاعتَه بطاعة الأمير، تعظيمًا لشأن هذه الطاعة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن أطاعَنِي فقَدْ أطاعَ اللَّهَ، ومَن يَعْصِنِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصانِي) رواه مسلم.

أما النصح للإمام فهذا أمر واجب على كبار أهل العلم الربانيين وذلك بالمنهج النبوي الكريم، الذي جاء في حديث عياض بن غنيم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن أرادَ أنْ ينصَحَ لذي سُلْطانٍ بأَمْرٍ فلا يُبْدِ له علانِيةً، ولكنْ ليأخُذْ بيَدِه؛ فيخلُوَ به، فإنْ قبِلَ منه فذاكَ، وإلَّا كانَ قد أدَّى الذي عليه) رواه أحمد وصححه الألباني.

وإن تكريم وليَّ الأمرِ سبيلٌ لتكريم الله للعبد، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله:
(السلطانُ ظِلُّ الله في الأرض، فمَن أكرَمَه أكرمَه اللهُ، ومَن أهانَه أهانه اللهُ) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وحسنه الألباني.

إذن فلنعلم أنَّ: الاستغفارَ، والسمع والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولإمام المسلمين، صماماتُ الأمن والإيمان، فلتجتمع القلوب عليها، فهي سبيل الجماعة الآمن، ومن حاد عنها ضل وهلك، وإنَّ يد الله مع الجماعة.

ولهذا أجمع المسلمون جميعًا على وجوب طاعة ولي أمر المسلمين، وتحريمِ الخروج عليه، لما في الخروج عليه بكل أشكال الخروج من مفاسد عظيمة، ومصائب جسيمة، تهلك دونها الأرواح، وتنقص بسببها الأرزاق، وتنتهك من أجلها الحرمات.

قال الإمام النووي رحمه الله:
((وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين)).

وقال ابن تيمية رحمه الله:
((طاعة الله ورسولهِ واجبةٌ على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبةٌ لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله، فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم، فماله فى الآخرة من خلاق)).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
((ليس من منهج السلف التشهيرُ بعيوب الولاة وذكرُ ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدمِ السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعةَ عند السلف النصيحةُ فيما بينهم وبين السلطان، والكتابةُ إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير)).

وبهذا المعنى تجتمع قلوب عباد الرحمن على إمامها، ليمنحها اللهُ القوةَ والمكانة والهيبة، وليطمئن الناسُ على صلاتهم، ولييسر الله لهم عمرتهم وحجهم، وليأمنوا على أموالهم وممتلكاتهم وأعراضهم، وليبوء العدو بالخذلان، وتخرس ألسنة الفئةِ الباغية، وإن هذا دينٌ يدينون الله به، وعقيدةٌ يتعبدون الله بها، ويرجون بها رضاه.

هكذا يتمثلون الجسد الواحد، وبالصف الواحد، الذي لا تجد شياطينُ الإنس والجن إليه منفذًا، فيبقى للدين عزمه وقوته ومكانته.

فاللهم لك الحمد على فضلك وكرمك، ولك الحمد كله، ولك الشكر كله، اللهم متعنا بالطاعة ما أحييتنا، ودلنا إلى ما يرضيك عنا، ووفق ولي أمرنا وولي عهده إلى كل خير، وخذ بنواصيهما إلى البر والتقوى، واجعلهما ذخرًا للإسلام والمسلمين، إنك سميع مجيب.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

د.فيصل الحليبي

  • مقالات
  • حوار مع القلوب
  • استشارات أسرية
  • كتب دعوية
  • الخطب المنبرية
  • مختارات صوتية
  • الصفحة الرئيسية