بسم الله الرحمن الرحيم

لعبة الموت - التفحيط

 
الحمد لله الذي خلق فسوى .. وقدر فهدى .. وأمات وأحيا .. وأغنى وأقنى .. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى .
والصلاة والسلام على عبده المصطفى .. ورسوله المجتبى .. وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى .
أما بعد
السيارة نعمة من نعم الله ، وأي نعمة .. فكم قضت من حاجة .. وكم أسعفت من مريض .. وكم أغاثت من ملهوف .. ناهيك عن الطاعات والقربات من سير إلى المساجد .. أو حج وعمرة .. أو بر والدين .. أو صلة رحم .. أو عيادة مريض .
ولقد أشار الله إلى هذه النعمة المتجددة .. أعني نعمة وسائل النقل .. قبل ألف وأربعمائة سنة فقال سبحانه : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم . والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون ) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " ويخلق ما لا تعلمون مما يكون بعد نزول القرآن ، من الأشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو ، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم " انتهى كلامه .
إنها نعمة عظيمة .. تستوجب شكرَ المنعم سبحانه .. وتسخيرَها فيما يحبه ويرضاه .
لكننا في هذا الزمان رأينا والله .. كيف يحوّل بعض شبابنا هذه النعمة إلى نقمة .. رأيناهم بالموت يلعبون .. وبالأرواح يغامرون .. وبالأبرياء يضحون .. وللأموال يبددون .
إنها لعبة الموت .. تفحيط وتطعيس .. وتربيع وتخميس .. وجنون وتهويس .

وفي هذا اللقاء .. أنقلكم أيها الأحبة إلى مشاهدَ مروعة .. وأحداثٍ واقعية .. يوم أن يتلاعب شبابنا بالموت .
نعم .. الموت الذي يأخذ أربعة آلف ومائتي إنسان سنوياً في هذه البلاد بسبب الحوادث المرورية .. ففي عام واحد .. تقول الإحصائيات أربعةُ آلاف ومائتا حالة وفاة.. وألف ومئتا إعاقةٍ دائمة .. وثمانية آلاف إعاقةٍ مؤقتةٍ سنوياً .
وقد ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات فقط بنسبة أربعمائة بالمائة .. وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب .. توفي منهم ستون ألفَ إنسان .
إنها أرقام مخيفة .. يقف وراءها ظواهر سيئة كالسرعة وقطع الإشارة والتفحيط وغيرها .
ظاهرة التفحيط .. ظاهرة مرعبة .. لكنها عند بعض شبابنا مجرد لعبة .
إنها لعبة الموت .. فما هي ظواهرها عند شبابنا .. وما واقعها في شوارعنا .. ثم ما هي آثارها .. وما حكمها شرعاً .. وما دوافعها وأسرارها .. وما هو العلاج منها .
هذا ما سنتعرض إليه في هذه المحاضرة بمشيئة الله .. ثم نختم بحوار طريف بين مفحط ورجل مرور .

ولنبدأ بالعنصر الأول من هذه المحاضرة وهو :

1) مظاهر التفحيط ، وواقعه بين شبابنا :
ماذا يفعل هؤلاء الشباب في الشوارع ؟ وما الذي يدور خلف الكواليس ؟
شاب متهور .. يقوم بحركات قاتلة .. يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير .. التي اصطفت يميناً وشمالاً .. في الطرقات .. وبعد المباريات .. وعند المدارس والساحات .
يشجعون ويضحكون .. ولكن .. سرعان ما يندمون ويبكون .
ويلقب المفحطون أنفسهم ، أو يلقبهم غيرهم بألقابٍ غريبة .. أحدهم لقب نفسه ليمونة .. والآخر كازانوفا .. قشطة .. الشبح .. العقرب .. فروج ..آمري يا كامري .. الزين يطلب .. وآخر يلقب بالـخنزير .. أكرمكم الله ..
هذه الألقاب تكون وسيلة لشهرتهم بين الشباب في الأحياء ، وصعوبة معرفتهم من رجال الأمن أو من أقاربهم .
واشتهر المفحطون .. حتى بلغ الحال ببعض شبابنا أن يدفعوا لهم المبالغ الطائلة .
يقول أحد المفحطين : " كان بعض الناس يؤمنون لي السكن والرحلات في مقابل التفحيط .. وفي يوم من الأيام .. قابلني شاب في شارع التخصصي .. يقود سيارة فخمة .. وقال لي : هذا مبلغ خمسة آلاف ريال .. بدل مواصلات وبنزين ( كما يقول ) .. بشرط أن تفحط عندنا .. ثم تقف وتسلم علينا ويركب معك واحد منا .. حتى يعرف الجمهور أنك من شلتنا " .
وإذا قبض على المفحط ثم خرج من السجن .. أقام له رفاقه الاحتفالات .. واستأجروا الاستراحات .. وقد يدعون إليها المغنين في جلسات على المحرمات .. فرحاً بخروج هذا البطل من السجن .
ويحدثني أحد الشباب الموقوفين في مرور الرياض .. يقول " مع توفر الجوالات .. أصبح الشباب يتناقلون الأخبار .. أن المفحط المشهور سيفحط في الشارع الفلاني .. وفي بعض الأحيان يعجز جوال المفحط عن الاستقبال بسبب كثرة المتصلين عند الموعد " .

وهناك مواقف وأوقات تمثل مناخاً خصباً لهذه الظاهرة .. كالمباريات .. والتجمعات .. وأوقات الامتحانات .. حيث ينتشر الطلاب بعد الامتحان ما بين مفحط ومتفرج .
لقد فتن كثير من شبابنا بهذه الظاهرة .. فأصبحوا يتفننون في أنواع الحركات .. من تربيع وتخميس .. وسلسلة واستفهام .. بل وحركة الموت .
وحركة الموت عندهم أنواع ، منها ما حدثنا به أحد المفحطين الموقوفين بالمرور ، يقول عن هذه الحركة : بعد أن تصل السرعة إلى المائة والثمانين أنطل السيارة المرة الأولى ، ثم الثانية للجهة الأخرى ، وأترك السيارة تمشي بسرعتها على الجنب حتى تتوقف ، وكم حدث بسبب هذه الحركة من الحوادث والوفيات .
وأما النوع الآخر من حركة الموت ، فهو والله أشبه بالجنون .. ينطلق المتحدي من جهته بأقصى سرعة ، ثم يقابل المتحدي الآخر وجهاً لوجه .. والجبان هو من ينحرف عن الآخر .
وقد يكون كل منهما شجاعاً فتقع الكارثة .. كما ذكر لي أحد المسؤولين في المرور ، وقال : كان آخر ضحايا هذه الحركة شابين قبل أيام .. توفي أحدهما في الحال .. ونقل الآخر إلى الإنعاش .
ومع ممارسة التفحيط ، وتشجيع الشباب ، يصاب المفحط بالإدمان ، كما يقول أحدهم عن التفحيط : لهو ثم هواية ثم إدمان .
بل وحتى الركاب يصابون بالإدمان .. يحدثنا أحد المفحطين أن اثنين من الشباب ركبا مع أحد المفحطين .. ونجاهما الله من الموت في حادث مروع .. وفي اليوم التالي ، يقول : رأيتهم يبحثون عن مفحط آخر ليفحط بهم .
ومن العادات السيئة التي ظهرت مؤخراً .. التجمعات والمواكب في الشوارع .. عشرات السيارات تجتمع سوياً وتدور في الشوارع بسرعة واحدة .. وغالباً ما يتقدم المسيرة أو التجمع سيارة أو سيارتان تقومان بالتفحيط أمام الموكب .
هذا هو جزء من واقع هذه الظاهرة بين شبابنا .. ولعل أخاً كريماً يعترض ويقول : : لماذا كل هذا الخوف والتحذير ؟ أنتم كل شيء عندكم حرام وممنوع ؟
فأقول : إليك أيها المبارك العنصر الثاني من المحاضرة وهو أضرار التفحيط .

العنصر الثاني : أضرار التفحيط :
أيها الأحبة .. للتفحيط آثارٌ وأضرارٌ خطيرة على الشاب والأسرة والمجتمع ، أول هذه الأضرار :

قتل النفس .. الموت وكفى به ضرراً .
فالمفحط وهو يقوم بهذه اللعبة .. يغامر بروحِه التي يحيا بها ..وحواسِّه التي يشعر بها ..وأطرافِه التي يتحرك بها .
لعبة الموت .. كم أزهقت من روح .. وكم فجرت من جروح ..إنها مسرحية الانتحار .. فكيف يرضى العاقل أن يقتل نفسه .. أو يَشُلَّ جسده .
ومن المؤسف أن أول من يتبرأ من المفحط عند وقوع الحادث رفقاؤه الذين يركبون معه ، أو يشجعونه .. فيتركونه يصارع الموت ويهربون .. وقد يعود أحدهم لأخذ جواله ولا يفكر في مساعدة رفيقه المصاب .
في أحد شوارع الرياض .. يقوم أحد المفحطين المشهورين بالتفحيط .. وبعد لحظات تصطدم سيارته بأحد الوايتات .. وفي حادث مؤلم تدخل السيارة تحت الوايت فيموت الشاب في الحال ، وينقل الشباب الذين معه إلى العناية المركزة .
وهذا أبو حبل ، أحد المفحطين ، يحدثنا بعد إيقافه ، يقول : كنت أركب مع أحد المفحطين .. فحلف علي أحد أصدقائي المقربين أن أنزل ويركب هو مع المفحط .. فقلت : والله ما أنزل .. فحلف علي ثانية حتى نزلت .. ثم ركب مع المفحط .. وبعد شوط واحد وقع عليه الحادث فمات .. فتأثرت كثيراً لفقد هذا الصديق .. وكرهت التفحيط من تلك اللحظة .
وفي مستشفى النقاهة .. وقفت على شابين من ضحايا التفحيط ، مصابين بالشلل النصفي .. أدخل الغرفة .. فإذا بالمنظر المؤلم .. على السرير الأيمن ، شاب .. عمره يوم أن دخل المستشفى عشرون عاماً .. ثم أمضى بعد الحادث أحد عشر عاماً على السرير .. قد انثنت أطرافه .. وانحرفت رقبته .. وشلت حركته .. فلم يبق له من الحركة سوى نظرةٍ بالعين .. والتفاتةٍ يسيرة بالعنق .. نظر إلي .. فتغيرت ملامح وجهه .. كأنه يريد أن يعبر لي عن شعوره .. لكنه لا يستطيع الكلام .. حاولت أن أتكلم معه .. فعجزت أن أخرج كلمة واحدة .. لم أجد إلا أن أرفع أصبعي إلى السماء .. لعلي أذكره رحمة رب العالمين .. الذي لا يضيع أجر الصابرين .
ثم التفت إلى السرير الآخر .. وإذا بالمصيبة الأخرى .. شاب دخل المستشفى وعمره أربعة وعشرون عاماً .. أمضى في المستشفى بعد الحادث ثماني سنوات .. كان بجوار هذا الشاب أحد الممرضين ، معه وعاء فيه طعام سائل .. كيف يأكل هذا الشاب ؟ رأيت الممرض وهو يقوم برفع السائل بالملعقة .. فإذا وصلت إلى فم الشاب المسكين حرك شفتيه ليشرب .. ثم ينتظر الملعقة الأخرى .
هكذا يعيشون .. بعد أن فقدوا حياتهم .. إنهم أموات في صور أحياء .. أسأل الله أن يلهمهم الصبر .. ويعظم لهم الأجر .
هذه أحوالهم .. فإن لم تتعظ وترتدع .. فزرهم .. فليس من رأى كمن سمع .

التعدي على الآخرين .. بإتلاف أرواحهم .. وتحطيم أبدانهم .. وترويعهم في طرقاتهم .
كم من رجال ونساء .. وأطفال أبرياء .. تحولوا إلى أشلاء بسبب تهور المفحطين .
كل من يركب مع المفحط ، أو يتـفرج عليه ، أو يسير في الشارع بأمان عرضة لهذا الخطر العظيم .
رأينا شاباً ركب مع أحد المفحطين في أحد شوارع الرياض .. وبدأ التفحيط .. وبسبب السرعة الرهيبة اختل توازن السيارة .. فصارت تزحف على جنبها مسافة طويلة .. ثم اتجهت إلى الرصيف .. صعدت الرصيف .. ثم ارتطمت بقوة بالعمود .. وكانت الضربة من جهة الراكب ففارق الحياة .. أما السائق فنزل ولاذ بالفرار مع رفاقه .
التقيت بأحد المفحطين الموقوفين في مرور الرياض .. سألته عن هذه الحادثة .. فذكر لي أنه كان موجوداً في الشارع وقت وقوع الحادث .
يقول : عندما وقع الحادث .. اتجهنا إلى السيارة .. وإذا بالحديد قد التف على الراكب .. وهو يصرخ ويستنجد بالناس .. أغيثوني .. أخرجوني . لكننا لم نستطع إخراجه إلا بصعوبة بسبب قوة الصدمة .. ثم بقي هذا الشاب شيئاً من الوقت ثم مات .. وكان قد رزق ببنت وحيدة قبل أسبوع من الحادث .
وفي حادث آخر .. في أحد أحياء شرق الرياض.. يخرج عليٌّ بعد الامتحان .. من مدرسته المتوسطة .. وبينما هو واقف قرب أحد المساجد .. أقبل أحد المفحطين ففقد السيطرة على السيارة .. فانحرفت باتجاه الفتى المسكين .. حاول الهرب .. لكن السيارة المسرعة لم تدع له خياراً .. وسرعان ما ارتطمت به وسحقته على الجدار .. فتطايرت كتبه في الهواء .. وتفجرت من أشلائه الدماء .. وفي المستشفى .. تبتر ساقه بسبب الصدمة .. ثم يموت متأثراً بإصابات قاتلة في رأسه .
وفي شارع أبي موسى الأشعري بحي الروضة .. يمر ثلاثة أطفال .. إخوة .. وبينما كان أحد الشباب يفحط بسيارة لانسر .. اصطدم بسيارة أخرى فانحرفت باتجاه الرصيف لتسحق الأطفال الثلاثة .. فيتوفى أحدهم في الحال .. وينقل الآخران إلى المستشفى وهم بحالة خطرة .

أيها الأحبة .. أعرف امرأة عمرها الآن ستة وعشرون عاماً .. لا تشعر بمن حولها .. لم يبق لها من الحياة إلا النفس والأكل عبر أنبوبٍ في أنفها ، وفتحةٍ في حلقها .. هي على هذه الحالة منذ ثلاثة عشر عاماً .. ما السبب ؟
كانت هذه المرأة طفلة عمرها ثلاثة عشر عاماً .. خرجت من المدرسة ومعها زميلاتها الثلاث .. يقبل أحد الشباب المفحطين .. فتنحرف سيارته إلى الرصيف .. لتسحق الأزهار الأربع .. فتموت واحدة منهن في الحال .. وتصاب اثنتان بكسور .. وتبقى الرابعة التي أحدثكم عنها ثلاثة عشر عاماً على سريرها .. وبين أهلها .. لكنها في عداد الأموات .

وقبل سنوات .. وفي إحدى ساحات التفحيط في جنوب الرياض .. وقفت بنفسي على دماء أحد الأطفال .. خرج هذا الطفل البريء من بيت أهله .. وهو يلبس حذاءً له عجلات .. ولما كان في منتصف الشارع أقبل أحد المفحطين وهو يسير بسرعة رهيبة .. اصطدم بالطفل فطار في السماء عدة أمتار .. ثم سقـط على الأرض .. ونزف الـدم حتى مات .
بل قد يتعدى المفحط على أحد أحبابه أو أقاربه وهو لا يدري .. كما وقع لأحد المفحطين حينما اصطدمت سيارته بإحدى السيارات .. فلما نزل اكتشف أنه اصطدم بأحد أخواله .
ويحدثنا مفحط عمره واحد وعشرون عاماً موقوف بالمرور ، يقول : كنت أفحط .. وأفحط .. حتى وقع الحادث .. نزلت من السيارة .. وإذا بالمصـدوم والدي .. يقول : والحمد لله أنه لم يتأثر بالصدمة .
وهذا شاب عمره تسعة عشر عاماً موقوف في مرور الرياض يقول : بينما كنت أقوم بالتفحيط قبل سنة .. اصطدمتُ بإحدى المواصير .. وانقلبت السيارة .. فتوفي أخي وأحدُ أبناء عمي .
وحتى المتفرجون في سياراتهم .. فإنهم كذلك لم يسلموا من الخطر .. فهذا شاب يتفرج على التفحيط وهو في سيارته فتنحرف سيارة المفحط وتصطدم بسيارته .. لتزحف ما يقارب الثلاثين متراً .. ولم يوقفها إلا كومة من الرمال .. وينقل الشاب بعد الحادث إلى العناية المركزة .

الخسائر المادية في الممتلكات العامة والخاصة بسبب الحوادث الناتجة عن التفحيط .
أيها الإخوة .. هناك أموال طائلة .. وثروات مهدرة .. تنفق سنوياً بسبب تهور المفحطين .
حوادث التفحيط شنيعة .. وآثارها مضاعفة .
ففي أحد الحوادث تصطدم سيارة المفحط بسيارة أخرى ، فترتطم هذه السيارة بثلاث سيارات أخرى تقف على جانب الطريق .. حتى إن السيارات تزحزحت عن مكانها بسبب قوة الصدمة .. وكانت النتيجة تلفياتٍ كبيرةً بالسيارات الخمس .

أن التفحيط مفتاح لجرائم متعددة .. من سرقات .. وأخلاقيات .. ومسكرات ومخدرات .
ما إن يدخل الشاب عالم التفحيط .. إلا ويتعرف على مجموعة من المنحرفين الذين يفتـحون له أبـواب الشرور .
يقول أحد المفحطين : كان الشباب يدعونني إلى أشياء كثيرة .. يقولون كيف تفحط ولا تدخن معنا .. كيف تفحط ولا تسكر .. كيف ولا تفعل كذا وكذا .. فكنت أجاملهم ، وأضـع السيجارة في يـدي وأنا في الواقع لا أدخن .
ويقوم بعض مروجي المخدرات بالتعرف على المفحطين .. ويعرضون عليهم الأموال في مقابل إيصال المخدرات .
كما إن كثيراً من المفحطين يقومون بالتفحـيط بسرعات عالية وهـم تحت تأثير المخدرات أو المسكرات .
فهذا شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف بدار الملاحظة يقول : كنت في الغالب لا أفحط إلا وأنا محشش .
أما السرقات .. فإن كثيراً من حوادث السرقة وسرقة السيارات إنما يعود سببها إلى التفحيط .
هذا شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في دار الملاحظة يقول : قمت أنا وبعض رفاقي بسرقة سيارة لكي نقوم بالتفحيط عليها .. وفي إحدى المرات .. قمت بالتفحيط بسرعة مائتي كيلو متر.. فانحرفت السيارة إلى الجمهور وانقلبت على طفل عمره أربعة عشر عاماً فمات في الحال .. هربت إلى المنزل .. لكني اكتشفت من أحد الجماهير فتم القبض علي .
وهذا شاب آخر عمره سبعة عشر عاماً .. موقوف في دار الأحداث في قضية سرقة .. يقول : سبب قيامي بالسرقة هواية التفحيط .. حيث أنني رأيت تجمعات الشباب بعد مباريات دورة الخليج .. ولم يكن عندي سيارة .. فقمت أنا وأصدقائي بسرقة سيارة .. والتفحيط بها .
ويقول أحد المفحطين :كنا نسرق كل شيء .. نسرق السيارات ولوحات السيارات والإطارات وأشياءَ أخرى بسبب التفحيط .
ومن الجرائم ما يقوم به بعض المفحطين من استئجار سيارة .. أو يستأجرها له غيره ، ثم يفصلُ العداد .. ويستخدمُها استخداماً سيئاً .. غيرَ مبالٍ بحقوق الناس .

5 ـ معاناة أسرة المفحط :
فقد تسبب كثير من المفحطين في معاناة آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرتهم .. إما بسبب كونه مطلوباً للجهات الأمنية .. أو بسبب مراقبة المنزل .. أو بسبب الحوادث المترتبة على قيامه بالتفحيط .. أو بسبب السمعة السيئة التي تلحق الأسرة بفعله .
فهذا أحد المفحطين يقول : أمي مصابة بمرض السكري وارتفاع الضغط .. وكنت أسبب لها الكثير من المشاكل بسبب التفحيط .. وأذكر أنه عندما قبض علي وزارتني .. أغمي عليها لما رأتني في الزنزانة .
وآخر يقول : كانت أمي تبكي خوفاً علي .. والله إنها إذا سمعت صوت الإسعاف بكت وظنت أن الشرطة قادمة للقبض علي .
وإذا عدت متأخراً في آخر الليل وجدتها تنتظرني ، لم تذق طعماً للنوم خوفاً علي .
وبعد إحدى المحاضرات حدثني أحد الإخوة أن إحدى عماته ابتليت بابن متهور .. فسعت في تزويجه حتى يصلح حاله .. تزوج الشاب وأنجبت زوجته بنتاً وحيدة ، ثم طلقها بسبب كثرة المشاكل .
عاد هذا الشاب إلى رفاقه السيئين ، وبينما كان يفحط في أحد الشوارع قام بدهس أحد الأشخاص ، فمات بسبب الضربة . فُجعت الأم المسكينة بالحادث ، وأُودع ولدُها السجن ، ثم سمعت أن أهل المجني عليه سيطالبون بالقصاص من ولدها ، ظنت أن ولدها قاتل عمد يستحق القصاص ، فتوجهت إلى والد القتيل ، وتعلقت به ، وقبلت رأسه ، فرقّ لها ووعدها بالعفو .
وبعد أيام ، اجتمع أهل المجني عليه ورفضوا أن يعفو الوالد عن الشاب .
نزل الخبر على الأم المسكينة كالصاعقة .. وأقبل الليل ، فلم تر عمتي كهذه الليلة الظلماء ، حزن وبكاء .. هم ودعاء .. حتى تفطر قلبها .
وفي الصباح افتقد أهل البيت صوت أمِّهم .. دخلوا عليها الغرفة ، فإذا المشهد المؤلم .
لقد ماتت الأم .. ماتت بعد هم وحزن على ولدها .

6 ـ ما يعيشه المفحط من قلق واضطراب :
فما إن يشكُ في سيارة إلا ويظنها من سيارات الأجهزة الأمنية .. وما إن يقابلُ إنساناً إلا ويحسبه متعاوناً مع رجال الأمن .. قلق خائف .. لا يستقر حاله .. ولا يستطيع أن يجلس في مكان عام .

7 ـ تعطيل الحركة المرورية .. ووجود الازدحام .. واختناق السير في شوارعنا .

8 ـ ما يسببه التفحيط من تجمعات الشباب التي تكون سبباً في الفوضى ، والتعدي على الناس والممتلكات ، وانتهاك الأنظمة .

العنصر الثالث : حكم التفحيط شرعاً :
لا يشك من كان له أدنى رائحة من العلم الشرعي أن التفحيط محرم في الشريعة الإسلامية .. وأن مرتكبه متوعد بالعقوبة جزاء إيذائه عباد الله .
قال تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وأثماً مبيناً )
وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال ( إن الله كـره لكم ثلاثاً : قيل وقال وإضـاعة المال وكثرة السؤال )

ولهذا أفتى علماء المسلمين في هذا العصر بحرمة التفحيط ، فقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم ( 22036 ) في 27/7/1422هـ ما نصه : ( التفحيط ظاهرة سيئة .. يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم .. نتيجة لقصورٍ في تربيتهم وتوجيههم ، وإهمالٍ من قبل أولياء أمورهم ، وهذا الفعل محرم شرعا ، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس وإتلافٍ للأموال وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير ) .

العنصر الرابع : أسباب ودوافع التفحيط :

لماذا يفحط شبابنا ؟
التفحيط ليس مجردَ حركات بالسيارة .. بل هو ظاهرة لها دوافعها وأسبابها .
ومن الطريف أننا سألنا أحد المفحطين عن أسباب التفحيط فقال : التفحيط وراثة .
سبحان الله ، ما سمعنا أن التفحيط من الأمراض الوراثية.. لماذا ؟ .. قال : أنت ما رأيت الأطفال وهم يمسكون النعال مثل الدركسون ويفحطون .
طبعاً هذا الكلام غير صحيح ..
بل هناك أسباب ودوافع مهمة لفهم هذه الظاهرة ، لعلنا نقتصر على أهمها :
1 ـ ضعف الإيمان :
التفحيط أمر محرم شرعاً .. لا يقدم عليه إلا من ضعف إيمانه .. وقلت خشيته من الله تعالى .
وإلا كيف يرضى المسلم حقاً أن يؤذي نفسه أو إخوانه بهذه الأفعال . ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام ( المسلم ـ أي المسلم الكامل ـ من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .. فإذا رأيت إنساناً يؤذي عباد الله فاعلم أنه ضعيفُ الإيمانِ والصلةِ بالله تعالى .

2 ـ حب الظهور والشهرة :
وهذا من أهم الأسباب التي تدفع الشاب إلى ممارسة التفحيط .. رغبةً في الشهرة .. وطمعاً في تهافت المعجبين عليه .
هذا شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في دار الملاحظة يقول :
أفحط لتشتهر سمعتي عند الشباب .. ويعرفوا أني سواق .. فقمت بسرقة سيارة ، وبعد قيامي بالتفحيط بها تم القبض علي .
إن كثيراً من المفحطين يفتن بالشهرة.. فالشباب يرونه إنساناً محترفاً .. سواق .. ملك الطارة .. فيتسابقون إلى التعرف عليه .. وهذا يجعله يدمن على التفحيط ولا يقلع عنه .
ومن الطرائف (في مسألة حب الظهور) ما حدثني به أحد الشباب الموقوفين ، يقول : لما رأيت زملائي متجمعين بجوار سور المدرسة ، أردت أن أظهر مهارتي أمامهم .. فأسرعت بالسيارة .. ومع المنعطف سحبت الجلنط .. فلم أشعر إلا والسيارة تتجه إلى إحدى الأشجار وتصطدم بها ، فيا للخزي والندم.

3 ـ الفراغ :
شباب .. يتسكعون في الأحياء .. ويجوبون الشوارع بلا مهمة .. وبلا هدف .. هذا هو حال كثير من المفحطين .. أكثرهم من أهل البطالة العاطلين عن العمل ..والآخرون ممن لم يستثمروا أوقاتهم الفائضة فيما ينفعهم .

4 ـ تقليد ومحاكاة رفقة السوء :
وهذا أمر بارز في حياة المراهقين .. حيث إن كثيراً من السلوكيات الخاطئة ، إنما يكتسبها المراهق من طبقة الأقران .
لعلك تلاحظ في بعض الشلل أو تجمعات الشباب شاباً له شعبية كبيرة بين هذه الشلة .
إما بسبب امتلاكه قدراتٍ معينة .. أو اتصافه بالمرح والدعابة .. أو غيرِ ذلك .. فيتأثر أفراد الشلة بهذا الشاب تأثراً كبيراً .. في سلوكهم .. وتصرفاتهم .. وألفاظهم .. بل وحتى كلماتِ المِزاح ومصطلحاتِ الشباب .. تجد أنهم سرعان ما يحفظونها من فم هذا الشاب .. وتنتشر بينهم .
ومن هنا نقول : كثير من الشباب دخل عالم التفحيط تقليداً ومحاكاة لمن حوله من رفاقه .
وأشير هنا إلى قضية التحدي الذي يقع بين الشباب .
فهذا أحد الشباب يقول : كنت أسير بسرعة مائة وتسعين كيلو متر .. فتحداني أحد الشباب أن أفحط بهذه السرعة ( منتهى الجنون) .. يقول : قبلت التحدي ، ومع أول محاولة انكسر العكس وانقلبت السيارة .. وبعد الحادث ، لم أستطع الخروج لأن الحديد قد التف علي بسبب الصدمة .. أمضيت لحظاتٍ مخيفة داخل السيارة.. كنت أنتظر احتراقَ السيارة أوانفجارَها في أية لحظة .. حتى حضر رجال الأمن ، فقصوا الحديد وأخرجوني .. ولكن مع كل أسف .. توفي أحد الشباب الذين كانوا معي .
ومن الطريف (في التقليد والمحاكاة) أن أحد المفحطين كان يركب مع عامل بنجلاديشي يعمل عندهم .. فقال الشاب للعامل أنا اليوم إن شاء الله أعلمك التفحيط .. قال : كيف تفحيط ؟ .. قال : لف بالسيارة يمين ، لف يمين . لف يسار . والسيارة تروح وتجي . وبعد أول شوط .. كانت الدورية في وجه العامل المسكين فتم القبض عليه وإيقافه في قضية رسمية مسجلة في مرور الرياض قضية تفحيط .

5 ـ ضعف رقابة الأسرة .. وغفلة كثير من الآباء عن أبنائهم .
فبعض الآباء ينتهي دوره بشراء السيارة لولده .. فلا يكلف نفسه متابعةَ سلوك الولد .. ومنعَه من السيارة إذا أساء استخدامها .
ومن جانب آخر .. يقوم بعض الآباء بشراء سيارة لولده الصغير الذي لا يعي خطورة التفحيط .. بعضهم يقود السيارة وعمره عشر سنوات أو أقل ..حتى إنه يخيل إليك أن السيارة تمشي بدون سائق . فإذا اقتربت من السيارة وجدت هذا الصغير جعل تحته مخدة أو مخدتين وتعلق بالدركسون .
إن هذا الطفل .. سرعان ما يقلد غيره من المفحطين .. ويسيء استخدام السيارة .

6 ـ بعض ما يعرض في وسائل الإعلام والاتصال والألعاب الإلكترونية :
يتأثر كثير من الشباب بأفلام المطاردات والعنف التي تعرض في بعض القنوات .. فيحاول الشاب تقليدَ الحركات التي يشاهدها في الفيلم .
كما ينتشر بين الشباب أفلام فيديو لمشاهد تفحيطٍ مسجلةٍ من شوارعنا عبر الكاميرات .. وهذه الأفلام ، قد يشاهدها الشاب في باديء الأمر لمجرد التسلية .. لكنها سرعان ما تثير في نفسه الرغبة في التفحيط .
في دار الملاحظة لفت نظرَنا وجودُ طفل صغير.. سألناه ما قضيتك ؟ .. قال : تفحيط .. تفحيط!! وهل تعرف قيادة السيارة أصلاً حتى تقوم بالتفحيط ؟
فرفع إبهامه وضم أصابعه .. يعني علامة الجودة .. قال : تبغى عقدة ، استفهام ، سفتي ، وبدأ يعدد الحركات .
قلنا : كيف تعلمت هذه الحركات ؟ قال : كنت أشاهد أفلام المطاردات .. ثم أخرج بالسيارة ، وأطبق الحركة حتى أجيدَها .
وعلى شبكة الإنترنت وقفت مع كل أسف على مواقع سيئة .. تشجع التفحيط وتعرض حركاتِه ومشاهدَه للشباب .. مما يسبب تعلقَهم بهذه الظاهرة .
ومما ينبه إليه أيضاً ما تتضمنه بعض الألعاب الإليكترونية مثل ( البلاي ستيشن ) من إثارة ، وتعليم للعنف والسرقة والتفحيط .. حتى غدا بعض أطفالنا يتنافسون في التفحيط عبر هذه الألعاب ، فاليوم يفحطون عبر الشاشات ، وغداً يفحطون عبر الساحات .

7 ـ الغنى والترف :
كثير من الشباب لا يَقْدِر هذه النعمةَ .. أعني السيارة .. قدرَها .. ولا سيما إذا كان قد حصل عليها بسهولة دون كد أو نصب .. فلو تحطمت السيارة أو احترقت .. لكان أمراً عادياً ..لأن الوالد حفظه الله .. سيشتري له من الغد سيارة أخرى (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).

8 ـ العلاقات الشاذة .. ومحاولة بعض الشباب لفتَ انتباه الأحداث والمردان .. واستدراجَهم لعلاقات حب شاذة .. أو لفعل الفاحشة والعياذ بالله ..
ومن خلال لقاءاتنا مع المفحطين .. تبين أن هذا السبب كان وراء قيام بعضهم بالتفحيط .
ولهذا يكثر التفحيط عند المـدارس .. وفي تجمـعات الشباب .
التقينا بأحدهم بعد أن قبض عليه هو وصاحبه .. ولما أفرج عن صاحبه جلس وحده في التوقيف وهو يبكي لفراقه ، والله المستعان .
وحتى لا نتحدث من فراغ .. أو أتهم بالمبالغة .. اسمحوا لي أن أذكر بعض عبارات المفحطين الذين التقينا بهم .
فهذا أحدهم عمره واحد وعشرون عاماً موقوف بمرور الرياض ، سألناه لماذا تفحط ؟ فقال : من أجل الحلوين .
وآخـر يقول : علشان الوجيه الحلوة .
وآخر يقول : لأن هناك بعض المردان فيهم الجمال.. فنتعرف عليهم عن طريق التفحيط .
وآخر عمره خمسة وعشرون عاماً يقول : بسبب إنسان أحبه .. وعندما أراه أقوم بالتفحيط .
وآخر يقول : لأنها هواية لي وللي أهواه .
وآخر عمره تسعة عشر عاماً يقول : لأن الوليف أو الحبيب فاك مع التفحيط .
وهذا عمره عشرون عاماً يقول : افحط لعيون خلي .. ثم يقول :
أفحط على شانه وانقلب وأموت واكتب على اللوحات لعيونك خلي
الله المستعان يا شباب .. اتقوا ربكم يا شباب .. كيف يليق بالشاب أن يقيمَ علاقة شاذة .. ويتعلقَ برجل مثله .. فليحذر أخواني الشباب .. وليجاهدوا أنفسهم على الإقلاع عن هذه العلاقة المحرمة . فالتعلق بالصور .. النساء أو المردان.. مرضٌ في القلب .. وهو تعلق بغير الله .. وعذاب في الدنيا والآخرة .

العنصر الخامس : العلاج :
ما هي أهم الحلول للتصدي لهذه الظاهرة ؟
هذه الظاهرة التي أقلقت المسؤولين والمربين والأسر .. جديرة بالاهتمام وتظافر الجهود من المجتمع بأكمله للقضاء عليها .
ولعلي أذكر ببعض الأمور التي يمكن القيام بها لعلاج هذه الظاهرة :

أولاً : لابد من رفع الوعي بين الشباب .. والتذكير بأضرار هذه الظاهرة .
فنخاطب المفحط أولاً ونقول :
أيها الشاب .. إلى متى وأنت تغامر بروحك وأرواح الآخرين .
ألم تر أو تسمع ببعض المفحطين الذين فقدوا حياتهم ، وأفضوا إلى ربهم بسبب هذا الفعل ؟
ألم تسمع نداء ربك ، وهو ينهاك عن قتل نفسك ؟ (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) أيسرك أن تلقى الله وقد قتلت نفسك بهذا الفعل .. الانتحار .. طريق النار .. كما قال عليه السلام في المتفق عليه عن أبي هريرة ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) .
وهذا وعيد شديد .. نسال الله أن يحسن لنا ولك الختام .
فهل يسرك أن تلقى الله بهذه الخاتمة السيئة ؟ .
في بعض حوادث التفحيط يموت الشباب على ترك الصلاة .. يموتون على المعصية .. يموتون على الأغاني المحرمة .
فهذا شاب عمره واحد وعشرون عاماً موقوف في المرور ، يقول : كان معي أربعة من الشباب .. بدأت بالتفحيط وأنا أسير بسرعة مائة وثمانين كيلو متر .. كان أحد الشباب يرقص على الأغاني في المرتبة الخلفية .. ويشجعني بصوته المرتفع : ( دز البنزين ، دز البنزين ) .. وفي لحظة واحدة ، انحرفت السيارة فارتطمت بحاجز ترابي على جانب الطريق .. صرخ الصديق الذي كان يرقص صرخة قوية ، ثم انقطع صوته .. سكن كل شيء في السيارة إلا صوت الأغاني .. رفعت رأسي .. التفتُّ إلى الراكب الذي بجواري فإذا به يبكي ويداه مكسورتان .
أما الراكب الأوسط الذي في الخلف فقد ارتطم وجهه بدعسة الفرامل في الأمام .. رفعت وجهه ، وأخرجته من السيارة ، قلت له : اذكر الله .. قل لا إله إلا الله .. فلم يرد علي ، وكانت الدماء تخرج من فمه ، وروحه تكاد أن تخرج .
ثم رجعت إلى أحد المصابين في السيارة ، فسألته عن حاله ، فكان يصيح ويقول بغير شعور : عقّد .. عقّد .. كمل التفحيط ..
ونقل أحد الشباب إلى المستشفى وهو يغني .. ثم اتصلت بالمستشفى بالجوال ، فقالوا : ها هو في الإسعاف ، لا يزال يغني بغير شعور ، نسأل الله حسن الخاتمة .
أغمي علي بسبب ما شاهدت .. ثم استيقظت بعد حضور رجال الأمن والإسعاف .. شاهدت سيارتي وهي تحترق .. فتوجهت إلى القبلة .. وصليت ركعتين لله .. الذي نجاني من الموت .
أيها المفحط .. إن دماءَ المسلمين غاليةٌ عند الله .. فكيف تكون رخيصةً عندك .. ألم تسمع قول الحبيب عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجه بسند صحيح : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ).
كم من نفس قتلتها .. وكم من أسرة حصدتها .. وكم من امرأة أرملتها .. وكم من طفلة يتمتها .
كم من بريء أصبح مشلولاً على الفراش لا يتحرك منه إلا رأسه أو عيناه .. يدعو عليك بأن ينتقم الله منك .. وكم من أم مكلومة تدعو عليك بأن يحرمك الله الجنة كما حرمتها ولدها .
في شارع ابن الجوزي بحي العريجاء بالرياض .. عجوز مسكينة تمشي مع ابنتها في طريقهما إلى المنزل .. وبعد عبورهما الشارع .. يقبل أحد الشباب وهو يفحط بسيارته.. فتزحف السيارة لتحصِد المرأة وابنتها .. ثم يهرب الشاب تاركاً ضحيتيه أمام الناس .. فزع الناس .. ونقلوا الضحيتين إلى المستشفى .. لتموتَ الأم .. وترقدَ البنتُ في العناية المركزة بسبب إصابة شديدة بالرأس .. ثم يقبض بحمد الله على هذا المفحط من قبل الدوريات الأمنية .
أخي .. أين خوفك من الله .. أين شهامتك ونخوتك .. ما هو شعورك لو كانت هذه المسكينة لا قدر الله أمَك .
هل غرك حلم الله عليك .. أم استخففت بنظره إليك .. أهذا شكر نعمته عليك .
أنسيت أخوة لك على تراب الأقصى ..ينامون على الجوع والأحزان .. ويستيقظون على أزير المدافع والطائرات .. وأنت ترفل بالأمن والعافية .
ومن العجيب .. ما يقوم به بعض المفحطين من لُبس الشماغ الفلسطيني .. فيتلثم المفحط بهذا الشماغ .. ويرفع أصبعيه .. علامة النصر .. وهو يقوم بالتفحيط .
قابلنا بعضهم بعد أن أوقف في المرور ، وهذه الشماغ لا تزال على رأسه ، سألناه ، فقال بكل جرأة : حتى أذكر الشباب الضايع القدس .
سبحان الله .. القدس أهكذا تحرر القدس ؟
أيسلمُ منك إخوانُ القردة والخنازير .. وتقتلُ إخوانك في الطرقات .. ثم تقول القدس ؟
أين أنت يا بطل .. أين أنت يا بطلَ البطالة من أبطال القدس .. أطفال ، سطروا التاريخ بدمائهم . أين شجاعتك وبطولتك .. من شجاعتهم وبطولاتهم .. أين اهتماماتك الدنيئة من اهتماماتهم .
أين أنت من فارس عودة .. فارس .. أحد أبطال الانتفاضة .. عمره أربعة عشر عاماً .. يخرج يومياً مع أصحابه لمواجهة العدوان اليهودي .. يأبى إلا أن يكون في المقدمة أمام الرصاص والدبابات .. تقول أمه في لقاء معها : كنت أقول له يا فارس ، يا ولدي ، لا تكن في الصفوف الأمامية لأنك صغير .. فيقول : لا أقابل اليهود إلا وجهاً لوجه .
لقد رأينا فارساً في مشهد من مشاهد الموت .. يقف أمام دبابة يهودية مدججة بالأسلحة الثقيلة .. وفوهة المدفع تتحرك صوب رأس الصغير .. فما الذي حدث ؟
وقف فارس كالجبل .. جبل في يديه حجر .. ورمى الدبابة بالحجر .. وأتبعه بحجر .. فبهت الذي كفر .. وتقهقر واندحر .. فصارت الدبابة الثقيلة تهرب إلى الوراء .. والبطل الصغير يتقدم إليها ، ويرميها بالحجارة .. لله درك يا بطل .. وأعز الله الأمة بأمثالك ، لا بأمثال المفحطين .
وفي مشهد آخر .. يظهر فارس في الصورة وهو يرمي الجنود اليهود بالحجارة .. ثم يلاحقه جندي يهودي يحتضن رشاشه .. يلتفت فارس فيرى الجندي يصوب رشاشه نحو ظهره .
فيتوقف فارس ويستدير إلى الوراء ، وإذا به يقف أمام الجندي المسلح وجهاً لوجه ، ثم يتوقف المشهد قليلاً .. يتوقف المشهد ، لتنقلب الموازين .. فيأخذ فارس حجراً ويرمي به الكلب اليهودي فيولي بسلاحه هارباً .. ويتبعه فارس بأحجار أخرى ، والجندي يركض من الخوف .. فلا نامت أعين الجبناء .
وبعد أيام .. وفي موقف من مواقف الشهادة .. يطلق قناص يهودي مجرم طلقاتٍ ناريةً آثمة على هذا البطل الصغير .. لينتقل إلى ركب الشهداء .
وفي أحد المشاهد تظهر أم فارس ، وقلبها يكاد أن يحترق لولا أن ربط الله عليه .. تقول وهي تحتضن ملابس ولدها : أحرق الله اليهود كما أحرقوا قلبي على فارس .
وتفجع مدرسته .. ويظهر رفاقه الصغار في الصورة وهم يبكون على فراقه بكاءً شديداً ، كما يظهر كرسيه في الفصل بعد أن فقد البطل الذي ترجل عن جواده .
فهل يستوي هذا البطل ، وأهلُ الاهتمامات البطالة ؟ كــلا.

ثانياً : – في العلاج - التفحيط ظاهرة جماهيرية في الغالب .. فالشباب المتجمهرون المتفرجون .. عليهم جزء من المسؤولية والإثم فيما يحدث من المآسي بسبب التفحيط .
أخي الشاب .. إنك بتجمهرك تغري المفحط بالاستمرارِ في التفحيط من جهة .. وتعرض نفسك للتلف من جهة أخرى .
فهذا أحد المفحطين الموقوفين يقول (بعبارته) : أنا إذا رأيت الجمهور أتهيض ولا أصبر .
وأعرف أماً أصيبت بمأساة مفجعة ، استمع إلى مشاعرها وهي تقول : رجع ولدي عبد الله بعد الامتحان إلى المنزل .. ثم وضع دروسه وخرج مع زملائه .. لكني لم أكن مطمئنة في تلك الساعة .
توجه عبد الله ورفاقه إلى أحد شوارع التفحيط .. وبينما هم يتفرجون على جانب الطريق .. انحرفت سيارة أحد المفحطين ، لتسحق الشباب على الأرض .. وكان عبد الله أول الضحايا .
أخي الشاب .. إنك غالٍ على نفسك .. غالٍ على أمك وأبيك .. غالٍ علينا جميعاً .. فلا تغامر بروحك بحضورك في ساحات الموت .

ثالثاً : على الآباء دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة .. في حسنِ تربيتهم .. ومراقبتِهم سلوك أبنائهم .. وعدمِ تمكين الصغار منهم من قيادة السيارة ، فإن كثيراً من الآباء يشتري الموت لأبنائه وهو لا يشعر .

رابعاً : على الجهات الأمنية دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة .. فوصيتي إليهم بذل المزيد من الجهود المباركة .. وتكثيف التواجد في الساحات والاجتماعات ..وعدم التساهل أو المجاملة في تطبيق العقوبات .. وهناك جهود مشكورة يقوم بها الإخوة في المرور والدوريات الأمنية والشرطة لضبط المفحطين وتطبيق العقوبة عليهم .. وهم في الواقع يمرون بمواقف عصيبة بسبب التجمعات والفوضى التي يحدثها الشباب بسبب هذه الظاهرة .
وأنا والله لا أقف هذا الموقف للدفاع عنهم على كل حال .. فهم بشر .. ليسوا بمعصومين وعملهم عرضة للنقص أو الخطأ ، كغيرهم من الموظفين .. لكنهم في الجملة يقومون بأعمال جليلة من أجل سلامتنا وسلامة أبنائنا وأسرنا .. فلا بد أن تقف معهم صفاًُ واحداً .. ونتعاون معهم في الإبلاغ عن المفحطين وضبطهم .
في أحد أحياء مكة على سبيل المثال كان يجتمع الكثير من المفحطين .. فقامت شرطة مكة بوضع خطة محكمة تم من خلالها محاصرةُ الموقع والقبضُ على ستة عشر شاباً يقومون بالتفحيط .. وتم تسليمهم لمرور العاصمة المقدسة .

خامساً : نناشد القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام أن يتقوا الله في أبنائنا .. وأن يقوهم شر هذه الأفلام .. التي تعلم العنف والإجرام .. وأن يكون للبرامج الإذاعية والتلفزيونية والصحافة دور فعال في التصدي لهذه الظاهرة .
كما أذكر الآباء والمربين بخطورة هذه القنوات على سلوك أبناءنا ، فاتقوا الله ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم .
ثم لا بد من حجب المواقع السيئة على شبكة الانترنت والتي تغري الشباب بممارسة هذه الظاهرة .

سادساً : ولمدارسنا دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة .. برفع الوعي بين أبنائنا .. ومتابعة وتقويم السلوكيات التي تصدر ممن يقومون بهذه الظاهرة .. والتعاون مع الجهات المختصة للقضاء عليها .

سابعاً : لابد من احتواء أوقات الشباب .. وامتصاص طاقاتهم في النشاطات النافعة ، أو البرامج الترفيهية البريئة .. عبر المراكز والمخيمات والملاعب وغيرها .

العنصر السادس : عقوبات التفحيط :
التفحيط معصية محرمة ..ومخالَفة للأنظمة .. يعرض الإنسان بها نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة.
أما العقوبة النظامية فقد تضمن القرار الوزاري الصادر من مقام وزارة الداخلية برقم 1607 في 28 / 3 / 1422 هـ تقريرَ عقوبة التفحيط على النحو التالي :
في المرة الأولى : التوقيفُ لمدة خمسة أيام والغرامةُ بحدها الأوسط وحجزُ المركبة لمدة شهر .
2 ـ في المرة الثانية:التوقيفُ لمدة عشرة أيام والغرامةُ بحدها الأعلى وحجزُ المركبة لمدة شهرين.
3 ـ في المرة الثالثة : تحجز السيارة ، ويربط المخالف بالكفالة ، ويرفع عنه لأمير المنطقة لتقرير ما يجب بحقه شرعاً ، مع المطالبة بمصادرة السيارة .

أما العقوبة الأخروية فهي أشد وأعظم ، فإن الله تعالى توعد من آذى عباده المؤمنين .. حيث قال سبحانه : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) .
ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند الطبراني وحسنه الألباني : " من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم "

أخي الحبيب .. أسألك بالله .. إذا وجبت عليك اللعنة .. وطردت من رحمة الله .. فمن الذي ينجيك من عذاب الله .

العنصر السابع : حوار بين مفحط ورجل مرور :
هذه أبيات لطيفة تحكي حوارً طريفاً بين أحد المفحطين ، وأحد رجال المرور .

ولنبدأ بالمفحط .. فهذا المفحط يقول لرجل المرور :

دعني أفحط ما الشباب ببـاقي *** واكـتب مخـالفـة على الأوراق
يا أيها الجندي دعني ،كف عن *** جلدي وعن حبسي وطول لحـاقي
إني خبـيـر مـاهر متفـنن ٌ *** فاسأل ـ رعاك الله ـ كل رفـاقي
واسأل دروب الحي عن سيارتي *** تنـبيـك عن نـوعيـة السـواق

رد عليه رجل المرور ، فقال :

يا ذا المفحط هـاك من أعماق  *** سـيلَ الـوعيد بغيبة الإشفاق
قسماً ـ وإنك عـالم ـ أني لها *** أن سوف يقرن ، راحتيك وثاقي
يـا أيهـا المسـكين إن إرادتي *** لم تستكن ـ يوماً ـ إلى الإرهاق
بالحزم لا بـتـوددي وتخـاذلي  *** سترى الطريـق وفاضل الأخلاق

وهذه أبيات .. طلب مني أحد الإخوة إلقاءَها على مسامعكم .. أهديها لمحبي الشعر الشعبي .
(يقول الشاعر) :

لا تحسب التفحيط يا جاهل فنون *** مع جدعت الموتر يمين ويساره
كـم واحد باسبـابه اليوم محزون *** وكم واحد راحت حياته خساره
وكم واحد خلف لاطفال يدعون *** باسمـه وهـو عنهم بعيدٍ مزاره
هـذا يبي دفـتر وهذي تبي لون *** وزوجـه ترمّل بعـد موته بداره
وكم من بري حاله اليوم وشلون *** اتبـدلت عـقب الحـلا بالمراره
باسباب جـهَّل للمواتر يسوقون *** لا رخصة بيده ولا ايضا استماره
واطفال همَّل في الشوارع يدورون *** ومـع صغر سنه باليمين الزقاره
واليا سألته ليه تفحيط وجنون ***  جالـك جوابه ذاك فن ومهاره

وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى ، والله ولي التوفيق .

النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام حالياً ..
ومكافحة المخدرات سابقاً

الصفحة الرئيسة