صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ردا على حمزة المزيني: عقدة المشايخ

أ . د . مسفر الدميني


أُصيب بعضٌ من كتابنا بمرض جديد اسمه " عقدة المشايخ " وللإصابة بهذا المرض أسباب ، وله أعراض وأوصاف... كما له علاج كسائر الأمراض المستعصية .

إن " عقدة المشايخ " تلك هي الوقوف ضد كل ما يصدر عن المشايخ ، دون عدل وإنصاف ، ودون عقل أو تمييز في أحيان كثيرة ، فكل كلامهم ومواقفهم وأنشطتهم محل نقد واعتراض في نظر أولئك المرضى الذين أصيبوا بهذا الداء الخبيث .

ويستوي في شمول هذا النقد مشايخ الصحوة ودعاتها ، وقضاة المحاكم وأعضاؤها، ورجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأساتذة الكليات الشرعية والدينية ، ومن ظهرت عليه آثار الصلاح والاستقامة من الشباب ...

فالعلماء والدعاة – مثلاً - ليس له أن يظهروا في القنوات الفضائية ، ولا تُجرى معهم المقابلات التلفزيونية أو الصحفية ، وإذا ظهروا فيها فهم متناقضون ، يتدخلون فيما لا يعنيهم من أمور الأمة وحياتها ومستقبلها .

وإذا حكم أحد القضاة على فاسق أو مجاهر بالمعصية فحكمهم جائر ، ليس فيه عدل ولا رحمة ! ، ولم يكلفوا

أنفسهم النظر في بعض الأحكام القضائية الغربية على بعض المسلمين في ديار الغرب بعشرات السنين دون بيّنة أو مناسبة بين الجريمة والعقوبة .

وإذا قبض رجال الحسبة على أحدٍ في مكان ريبة – بإذن من الجهات الرسمية – فقد تجاوزوا حدودهم ، وتعدوا السلطات الممنوحة لهم ...

وإذا سطر علماء الشريعة ودعاتها بياناً يساندون فيه ولاة الأمر في حرب المعتدين على الوطن من الحوثيين ومن معهم من أذناب القاعدة ، ويدعون الناس لمواساة إخوانهم المتضررين من الحرب ، وإخلاص النية لله ، وسؤاله النصر على الأعداء ، والبعد عن المعاصي وأسبابها فهم دعاة " طائفية " و " تأليب على الحكومة " و " إدانة للشعب السعودي " !!!

أقول هذا الكلام وأنا أقرأ اليوم مقالاً في " جريدة الوطن " عنوانه : " مجاهيل الموقعين " للدكتور حمزه المزيني .

ولي مع مقاله هذا وقفات : أولها العنوان !!


قوله : " مجاهيل الموقعين " كذا في نظر سعادته ، حيث يرى أن أولئك الموقعين من مجاهيل الناس الذين لا يؤبه لهم ، ولا يؤخذ عنهم علمٌ ولا قول ، وهذا منه يذكرني بقول الفرزدق لهشام بن عبد الملك في مناسبة يعرفها أخونا د . حمزة ، قال :

فليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم

وإذا كانوا كذلك في نظره فلا يعيبهم أو ينقص من قدرهم جهله بهم هو وغيره – ممن يرى رأيه - من كُتّابِ

صحفنا ، كما لا يزيدهم رفعة أو منزلة معرفته بهم ، ولنعتبرهم من ملايين المواطنين الذين لا يعرفهم سعادة الدكتور ، فهل ننكر عليهم أن يقفوا مع دولة الإسلام وحماة الحرمين الشريفين في وجه الاعتداءات ، وهل يشترط فيمن ينافح عن وطنه وحكومته أن يعرفه الأستاذ الدكتور حمزه المزيني !!

ثم لننظر في أولئك المرابطين على الثغور الذين يقدمون دماءهم وأرواحهم فداء للوطن هل يعرفهم سعادته بأسمائهم أو أشخاصهم ؟ أو نطلب منهم العودة إلى أهليهم حتى يتفضل عليهم بتلك المعرفة ، ويراهم أهلاً لمواجهة الأعداء !!

هذه واحدة والثانية : ليت كلام الدكتور حمزه المزيني كان موجهاً لأشباه الحوثيين ومحبيهم من الرافضة الذين أظهروا تهديدهم بالطلب من إيران التدخل في شئون بلد الحرمين ، فلم أر لسعادته نقداً لأصحاب الخطب العنترية – تلك - التي تهدِّد بطلب العون من " الملالي " و " أصحاب الحوزات "!
أو لعل قائل تلك الدعوة المفتوحة لإيران بالتدخل في أوضاعنا ليس من المجاهيل النكرات الذين لا يعتد بقولهم ، بل هو عنده من الأئمة الأعلام الذين يُقتدى بهم ويُؤخذ بأمرهم !

ألا ترى – يا دكتور حمزة - أن أولئك " المعممين " أولى بهذا المقال – وعشرات من أمثاله - ممن دافع عن بلاد التوحيد ، وأظهر ولاءه ومحبته وطاعته لولاة الأمر !!

أيسلم من قلمك من هدَّد بالاستعانة " بالرافضة " الداعمين للحوثيين ، ولا يسلم علماء الأمة ودعاتها من استعدائك عليهم بما ليس فيهم ، والتقليل من شأنهم ومنزلتهم !!

إن الاختلاف مع العلماء والقضاة والدعاة لا يعني ردَّ الحق الذي نطقوا به ، ولا تأويل كلامهم بحسب الهوى ، فلو كنت منصفاً في قولك لما كتبت مقالتك تلك ، ولكنك كما قال الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا.

والثالثة : أن " الرفض " غير " التشيع " عند أهل العلم ، وأهم فرق بينهما أن الرافضي يسب أكثر الصحابة وأمهات المؤمنين ، بينما الشيعي يفضل علياً على عثمان .

وهنا لم يدع البيان إلى التضييق على أتباع الطوائف في بلادنا أو اضطهادهم أو ظلمهم ، كما لم يدع – أيضاً - إخواننا السنة في إيران إلى الخروج على حكومتهم ، أو التمرد عليها ، وإنما سألوا الله أن يفرج عنهم ، ويرفع الظلم الواقع بهم .

والرابعة : مطالبتك بعزل هذه الفئة وحرمانها من التحدث باسم الوطن .

أليس العزل والمنع في نظرك " إقصائية " وأنت أحد دعاة الحرية وقبول الرأي الآخر في بلادنا !

ألا ترى أن لهم الحق في إبداء آرائهم وإظهار مواقفهم !

ثم متى تحدثوا باسم الوطن ؟

إنهم إنما تحدثوا باسمهم دون غيرهم من العلماء فضلاً عن عامة الناس ، فهل يحق لأحدٍ أن يمنع غيره من التعبير عن دعمه وتأييده لولاة الأمر في مثل هذه النازلة التي حلت بالبلاد ؟

وإذا لم يُظهر أهلُ العلم والدين للناس موقفهم وتأييدهم - وهم القدوة والأسوة - فمن أحرى - إذن - بإظهار قوله ورأيه !

ألا ترى عموم الناس ينتظرون من أهل العلم والقضاء والفتوى أن يظهروا مواقفهم وآراءهم في زمن الفتن والمحن ليُعرفَ الحق من الباطل ، والخطأ من الصواب ، أم تراهم ينتظرون " كتاب الصحف " ليأخذوا بقولهم ويتبعوا طرائقهم !!

إنها " عقدة المشايخ " في نظر بعضٍ من كتاب صحفنا ومثقفينا ، فمواقفهم منهم معروفة سلفاً ، وأسبابها معلومة ، أهمها هو إصابتهم بــ" مرض القلوب " الذي ابتُلي به بعضُ الناس ، وإذا تمكن منه أعمى بصيرته عن الحق ، وصار اتباع الهوى أهون على نفسه من أَطْرِها على الإنصاف والعدل ، أسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق والهدى ، وأن ينصر " دولة التوحيد " على أولئك الظالمين المعتدين إنه ولي ذلك والقادر عليه .

أ . د . مسفر الدميني

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية