صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ثقافة الخلود : الهوانم في صالونات الفرفشة

بقلم: محمد حسن يوسف

 
اتفقت شيرين وباكينام وريم على الاجتماع في منزل إحداهن مرة كل شهر للتدارس في الأمور التي تحدث حولهن. وقد قررن أن يكون الاجتماع الأول في منزل ريم. كان أفراد عائلة ريم في عمل متواصل. فقد أخذوا في الإعداد لهذه الزيارة المرتقبة.
كانت ريم تفاضل بين فساتين السهرة، إلى أن استقر رأيها على فستان " سواريه " أسود يكشف عن نصف الصدر. وهنا تدخل هيثم ابنها قائلا لها:
- ولماذا هذا الفستان يا مامي؟! إنه لا يكشف إلا عن نصف الصدر فقط! ألا تتذكري صاحبتك باكينام التي كانت ترتدي فستانا يكشف عن ثلثي صدرها؟!!
وهنا ابتسمت الأم ابتسامة عريضة، وانفرجت أساريرها من ملاحظة ابنها الذكية!! لقد كادت أن تقع في مأزق، حيث كانت ستسرق باكينام الأضواء منها لولا أن انتبهت لذلك في اللحظة الأخيرة!!
وهنا أبدى تامر – زوج ريم - امتعاضه الشديد. وظنت ريم في بادئ الأمر أن مرجع هذا الامتعاض هو ذلك الفستان الذي لا يترك شيئا في جسدها إلا ويكشفه. ولكن تامر كان يمتعض لسبب آخر!! قال تامر موجها حديثه لريم:
- إنني في غاية الدهشة! كل الأزياء تركز على كشف أجسادكن!! في حين لا يهتمون بنا على الإطلاق!! كم كنت أتمنى لو كانت الموضة في هذا العام للرجال الشورت القصير أو الفانلة " الحمالات "!!!
وتدخل هيثم في الحديث مقاطعا:
- دعونا من هذا الآن! إننا نريد أن نستعرض الاستعدادات لهذا الحفل!! نريد أن يكون هذا الحفل لا مثيل له حتى تأتي جميع الاجتماعات الشهرية التي تليه على غراره!!
ونظرت الأم إلى ابنها نظرة حانية. فللمرة الثانية يتدخل ليضع الأمور في نصابها. هكذا يكون النشء!!! وبدأت الأسرة في استعراض برنامج الاجتماع. قال هيثم:
- هل نبدأ بالعشاء أم بفيلم مثير؟!!
قال تامر بصوت تملؤه الخبرة:
- الأفضل أن يكون الفيلم مع العشاء، حتى تكون الإثارة أكبر!!!
وقاطعت ريم مجرى الحديث قائلة:
- أرى أن يكون العشاء عبارة عن قطع من " البيتزا " الإيطالية، ودجاج على الطريقة الأمريكية، و " شوربة " على الطريقة البريطانية "!!
قال هيثم:
- وفي البداية نستمع للأغاني الشبابية الجديدة! عندي كوكتيل فظيع!!!

*****

إن ما سبق ليس إلا صورة لما تريده مجلة مشبوهة تبدو للأسف وكأنها تخصصت لنقد الملتزمين من المسلمين!! فقد تبنت المجلة في أعدادها الأخيرة حملة عن اجتماعات النساء العفيفات في بيوتهن لمناقشة أمور دينهن والتفقه فيه. وأنكرت عليهن أن يقمن بذلك. وأطلقت على هذا الملف اسم " ثقافة الموت "، كما أطلقت على حملتها على هؤلاء النساء: " الهوانم في صالونات الاكتئاب ". وكأن ما تريده هذه المجلة من النساء أن يكون اجتماعهن على غرار الاجتماع المذكور أعلاه: اختلاط وعُريّ وأفلام داعرة وموسيقى صاخبة وأنماط غربية في طريقة الأكل والشرب والتفكير ... إلى آخر هذه الموبقات.
فكرت في البداية ألا اكتب أي تعليق على هذه المقالات، عملا بقول الشاعر (1) :
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصخر مثقال بدينار
لكني بعد أن استخرت الله، وجدت أن من الأفضل التعليق عليها، حتى لا يظن من يقرأ هذه المقالات أنها على الحق، أو أن ما تفعله هؤلاء النسوة العفيفات أمرا لا يجانبه الصواب. لذلك وجدت من الأصوب توضيح حقيقة هذه المقالات، ذلك أنها – كما عودتنا هذه المجلة المشبوهة – تستهدف الدين!!
فحين تقرأ المقال ( المنشور في العدد الصادر في 19 – 25 يونيو 2004 ) تجده يمتلئ بالحكايات " التافهة " التي لا أدري مم جمعتها كاتبة المقال؟! كما أنه مليء بالأخطاء العقدية والقرآنية والحديثية. وسوف أتطرق فقط لعدة أمثلة، لأنني لو استعرضت المقال برمته لطلبت منها أن تلقيه في سلة المهملات!! ذلك أن من العيب على كاتبة أن تخوض غمار شيء تجهل حقيقته!!!
وبداية لا يعجب كاتبة المقال أن يكتب " المسلم " وصيته وفقا للشرع الحنيف، رغم أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (2) . وانظر ماذا قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعد سماعه هذا الحديث. لقد قال: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. وليست هناك صيغة محددة لهذه الوصية، ولكن كلما كانت هذه الوصية مطابقة للشرع كلما كان ذلك أفضل بطبيعة الحال. وتوجد صيغ كثيرة للوصية الشرعية في المكتبات، فيمكن أخذ أي صيغة منها والاسترشاد بها في كتابة وصيتك.
إذا أردنا أن نعرف لماذا تحقق لجيل الصحابة والأجيال التي تلته العزة والنصر، ولماذا مُنيت أجيالنا بالفشل والهزيمة، فلندرس جيدا سلوك الصحابة وهذه الأجيال مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وموقفنا نحن منها، سواء تمثل ذلك في تشكيك أو استهزاء بها أو إظهار صعوبة العمل بها والمداومة عليها. لقد تعامل الصحابة مع أمر واحد من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الانصياع، حينما أمر الرماة على جبل أُحد بعدم النزول من على قمته مهما كان الأمر. وبعد أن تحقق النصر في بادئ الأمر، بدأ الرماة في مخالفة هذا الأمر النبوي، فكان العقاب الإلهي بإنزال الهزيمة بالمسلمين، لكي يتعلموا عدم مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم مهما كان هذا الأمر. وها نحن نواجه سنن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية، فهل عرفنا لماذا وصلنا إلى هذا المستوى الذي انحدرنا إليه؟!!
وتتكلم كاتبة المقال عن داعية بدأت بتعليم النساء كيفية نطق الكلمات الصعبة في آيات القرآن الكريم، ثم قامت بشرح بعض الآيات المختارة، مثل " سورة نوح "، وأنها تحدثت عن الأصنام التي ورد ذكرها في الآية: " اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ". وتقول التي تجهل قرآنها: وهي آلهة كان قوم نوح يعبدونها ويسلمون لها بالأمر وينقادون إليها فأصابتهم التهلكة!! هكذا قالت.
وبالطبع فسورة نوح ليس فيها هذا الكلام على الإطلاق! فعن أي قرآن تتحدث كاتبة المقال؟!! إن القرآن الذي بين أيدينا ليس به ما تقول! فهل عندها قرآن آخر تتحدث عنه!!! أليس من العيب أنها لا تحفظ حتى سور القرآن القصيرة، أي على الأقل آخر جزئين من المصحف؟!! وإذا كانت لا تحفظ القرآن، فألم يكن من الأصوب لها أن تعود إلى مصحفها؟!! أم أنها أيضا لا تحمل مصحفا معها؟!!
فسورة نوح تتحدث عن الآلهة: ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا .(3) فهذه هي الآلهة التي كان يتعبدها قوم نوح. أما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى التي تتحدث عنها كاتبة المقال، فقد ورد ذكرها في سورة النجم (4) . وهذه هي الآلهة التي كان يتعبدها قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته.
ويمتلئ المقال بالأخطاء في الآيات القرآنية!!! وكان يجب على المجلة أن تراجع الآيات القرآنية بعد كتابتها، ولا تترك الأمر بيد محرريها الذين يجهلون القرآن الذي يتكلمون عنه. فالآية ( 16 ) من سورة الكهف تقول: ﴿ وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ ] الكهف: 16 [ ، ولكن المجلة تكتبها ( وإن اعتزلتموهم ). وفي الآية ( 15 ) من نفس السورة: ﴿ هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾ ] الكهف: 15 [ ، والمجلة تكتبها ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة ).
وفي التعقيب على هذا المقال ( والمنشور في العدد الصادر بتاريخ 26 يونيه 2004 – 2 يوليو 2004 )، تقول كاتبة المقال أنه: ( انهالت الاتصالات والخطابات على المجلة بعد نشر موضوع " الهوانم في صالونات الاكتئاب " ما بين مؤيد ومعارض ). ولكن للأسف حين استعرضت آراء من اتصل بها، لم تستعرض إلا آراء تعارض هذا الموضوع وتصوره على أنه رحلة للعذاب والمعاناة!! ولا أدري؟ فإذا كان الأمر كذلك، ومن يتصل بها هو " رجل " فعلا، فكيف لم يستطع منع هذا " العذاب " – على حد قوله - من بيته؟!!
وتتحدث كاتبة المقال عن آراء اثنين فقط من الرجال، رغم انهيال الاتصالات عليها كما ادّعت!! أحد هذين الرجلين طبيب في إحدى المؤسسات العلاجية، هكذا تقول كاتبة المقال. وتحكي على لسانه أنه يضطر لمغادرة المنزل أثناء اجتماع السيدات في منزله. فهل يضن ببضعة ساعات من أجل تفقه زوجته في دينها، وتكون تلك الساعات في ميزان حسناته يوم القيامة إن شاء الله؟!! أليس هذا أفضل من أن يترك زوجته لجلسات النميمة والغيبة التي تمتلئ بها حياتنا!! أما الزوج الثاني، فقد رفض ذكر أي شيء عن هويته، وهو ما يعني أن كلامه هو مجرد تلفيق!!!
يا أصحاب الأقلام! اتقوا الله فيما تكتبونه!! لمصلحة من التشكيك في كل ما يمت بصلة للإسلام؟!! إن هذا لن يخدم إلا مصلحة أعدائنا المتربصين بنا. لا أدري ما الذي تريدونه؟! يكفينا في هذه الأوقات العصيبة التي نمر بها أن نفكر جميعا في كيفية مواجهة العدو الخارجي المتربص بنا يريد أن يستأصل شأفتنا. وهو في سبيل تحقيق أغراضه لن يردعه أي مانع!! فإذا تحقق له ما يريد، فلن يرحم أي منا!!
إن من سنن الدنيا أن حياة الإنسان تعقبها الوفاة. فليس بمقدور أحد الخلود في الدنيا!! ولذلك فإن الإسلام يهتم بدراسة أمور ما بعد الوفاة. فهو يُولي أهمية خاصة للاهتمام بآخرة الإنسان، مع عدم إغفال الحياة الدنيا. ولذا فإن من الأهمية بمكان أن يتدارس المسلمون أمور آخرتهم لكي يفوزوا فيها بالجنة. فليس من الغريب أن نهتم بهذه الأمور، كما أن تدارس الناس لهذه الأمور فيما بينهم هو أمر لا يدعو للسخرية على الإطلاق!!
كان من الأولى بهذه المجلة أن تكرس جهودها للصالونات التي تقام للنيل من الإسلام!! تلك التي تسير على خطى الغرب وتدعو المجتمع للتغريب والتفرنج!!! ولماذا تثير المجلة كل هذه الزوبعة لمجرد أن بعض النساء يتكلمن في أمور الدين، بينما لم تحرك ساكنا حينما يكون الهجوم على الدين؟!! ولماذا لم يتحرك علماء الدين الذين استشارتهم المجلة حينما قرءوا إعلان لأحد الأفلام مؤخرا تقول بطلته الناشئة في أولى أفلامها: " أنا كل يوم قبل ما أنام بأتخيل نفسي بغني في استاد كبير والناس كلها بتغني وترقص معايا "!!! لماذا يكون التحرك سريعا تجاه أي عودة للدين، بينما تسود عدم المبالاة حينما يعادي أحد الدين أو يدعو للخروج على نصوصه؟!!
وماذا فعلت المجلة لمواجهة حملة " مليون ضد محمد " التي تبنتها منظمة تسمى " رابطة الرهبان لتنصير الشعوب "؟ لقد حشدت هذه المنظمة - والتي يتبعها أكثر من 85 ألف قسيس، و450 ألف جمعية دينية – جهودها للحد من انتشار الإسلام، وتشويه صورة النبي صلوات ربي وسلامه عليه، فدشنت العمل بتلك الحملة بهدف الحد من انتشار الإسلام في العالم!!! فماذا فعلت تلك المجلة في مواجهة ذلك؟ أم أنها ترى عدم غضاضة ذلك، وأن الأهمية القصوى لديها هي توجيه الجهود للنيل ممن يلتزمون بدينهم!!!
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ النور: 19 ] . وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ النور: 23 ] .

---------------------
[1]  هو الشاعر: علي الغراب الصفاقسي.
[2]  متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: صحيح البخاري ( 2738 )، وصحيح مسلم ( 1627 ).
[3]  ﴿ وَقَالُوا َلا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [ نوح: 23 ] .
[4]  ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ الَّلاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ اْلأُخْرَى ﴾ [ النجم: 19-20 ] .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مـقـالات

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية