صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حكم الهدايا والمزايا في المحافظ الرقمية -stc pay-

عبدالرحمن بن سعد الحيد


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد:

فإن مما جد من التطبيقات الحديثة ، وهو من المنافذ المالية لعدد من الشركات الكبيرة: إنشاء محافظ رقمية يضع فيها العميل رصيدًا من المال يستعمله في مدفوعاته ، ومن أبرز هذه الشركات: شركة المدفوعات الرقمية السعودية STC Pay وهي شركة ماليّة تابعة لشركة الاتصالات السعودية STC.

وغرض هذه المحفظة: تسهيل عمليات دفع الأموال وتحويلها ؛ فيمكن للعميل أن يشتري بها، أو يدفع بها فواتيره، أو يُحول ماله عن طريقها محليًا أو دوليًا، أو يسحب ما وضعه فيها ، والشركة تقدم عددًا من الهدايا والمزايا –أحيانًا- عند استعمال المحفظة بشروط مخصوصة .

وقد أصبح لهذا المنتج رواجًا كبيرًا؛ فقد أعلنت الشركة قبل أيام أن عدد عملاء stc pay وصل إلى 2 مليون عميل بعد نحو عام من انطلاق أعمال الشركة، في حين تجاوز عدد مرات التحميل لتطبيق stc pay للأجهزة الذكية 3.2 مليون مرة.

وقد ثار إشكال عند كثير من المهتمين حول حكم الهدايا المقدمة من الشركة للمتعاملين بهذا المنتج مثل: استرداد مبلغ مالي في الرصيد عند الشراء أو تعبئة البنزين عن طريق هذه المحفظة مرات محددة.

فأقول -مستعينًا بالله سائلًا منه التوفيق والسداد والهداية للصواب-:

يظهر أن مجرد الاشتراك في هذه المحافظ الرقمية لا إشكال فيه عند المعاصرين؛ إذا خلت شروط التعاقد بين الطرفين من الأمور المحرمة ، وأما موطن الإشكال والبحث فهو في حكم الهدايا والمزايا المقدمة من الشركة للعميل، ويتعين قبل الولوج في حكم هذا الهدايا: تحديد التوصيف الفقهي للعقد وللعلاقة بين الطرفين؛ لأثره في الحكم عليها.

أولًا: التوصيف الفقهي.

يظهر أن أبرز التوصيفات المحتملة لهذا العقد:
أنه قرض أو عقد سمسرة أو عقد صرف.
وسأذكر مستند هذه التوصيفات وما قد يرد عليها.

التوصيف الأول:
أنه عقد قرض ؛ فالمال المضاف في المحفظة: قرض من العميل للشركة ، وعليه فالعميل هو المقرض والشركة هي المقترضة.
مستندهم:
1- أن حقيقة القرض التي هي: (دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله) منطبقة على هذه المعاملة؛ إذ الشركة تمتلك الأموال المودعة في محافظ العملاء ويكون لها الحق في التصرف فيها ولها نماؤها، وعليها ضمانها فتلتزم برد المماثل عند الطلب .
2- قياس المحفظة الرقمية على الحساب الجاري؛ فالعميل في كلا المعاملتين يودع مالًا تحوزه الشركة أو المصرف ، والعميل يسترده بالسحب أو الشراء متى ما شاء، وهذه المشابهة تجعل توصيفهما واحدًا، وقد ذهب أكثر المعاصرين على تكييف الحساب الجاري بأنه قرض وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي- قرار رقم 89 و 222- ، وهو رأي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية –معيار القرض19- وغيرهم .

يناقش هذا التوصيف:

بأن وجود أوجه تشابه بين المحفظة الرقمية والقرض لا يجعل حكمهما واحدًا؛ إذ هناك أوجه اختلاف بينهما مؤثرة، منها:
1- أن الغرض من عقد القرض هو الإحسان والإرفاق بالمقترض المحتاج للقرض، وهذا المعنى غير موجود في المحفظة الرقمية؛ إذ غرضها: تسهيل المدفوعات ، والشركة ليست بحاجة لهذا المال.
2- أن المال في عقد القرض هو بيد المقترض ولا يتمكن الـمُقرض من التصرف فيه ، أما في المحفظة الرقمية فالمال بيد العميل يتصرف فيه متى شاء ،كما لو كان المال نقدًا في جيبه.

أما قياس هذه المحفظة على الحساب الجاري ثم ترتيب أحكام القرض على ذلك: قياس لا يصح الاستدلال به؛ لأمور:

1- أن تكييف الأصل المقيس عليه ليس محل اتفاق ، والخلاف في تكييف الحساب الجاري معروف محفوظ –ويراجع ما كتب حوله من بحوث-.
2- على التسليم بكون القرض هو التكييف الصحيح للحساب الجاري إلا أنّ بينه وبين المحفظة الرقمية اختلافات؛ من حيث مسمى المعاملتين واعتباراتهما الاقتصادية والمالية ، واختلاف غرض كل منهما ووظيفته؛ فغرض العميل في الحساب الجاري: حفظ ماله, وإن أراد استعماله فيكون بالسحب أو التحويل أو الدفع ، إلا أن السحب النقدي وظيفة أساسية لهذا الحساب ، وهذا مما يُقربه من حقيقة القرض؛ فعين مال العميل يعود إليه.

أما غرض العميل في المحفظة الرقمية:
فهو تسهيل مدفوعاته وتحويلاته ، أما السحب النقدي فهو مع إمكانه إلا أنه ليس غرضًا ووظيفة أساسية للمحفظة.
وهذا من أوجه الاختلاف المؤثرة بين الحساب الجاري والمحفظة الرقمية.

التوصيف الثاني:
أن العقد سمسرة.
ومستند هذا التوصيف: أن الشركة مجرد وسيط في الدفع بين العميل والتاجر ، فليس العميل مُقرضًا ولا الشركة مقترضة لا في العقد بينهما ولا في عرف الناس .
يناقش من وجوه:
1- بأن الشركة تسمح للعميل أن يسحب النقود المودعة في المحفظة عن طريق البنك أو بعض المتاجر المتعاونة وليست هذه وظيفة الوسيط والسمسار.
2- أن الشركة تحوز المال المودع وتتصرف فيه ثم ترد بدله ، وليست هذه وظيفة الوسيط والسمسار.

التوصيف الثالث:
أن العقد صرف.
ومستنده: أنك تستبدل النقود المصرفية بنقود رقمية: وهذا الاستبدال بين النقدين هو حقيقة عقد الصرف.

يناقش: بأن عد المحفظة الرقمية مجرد عقد صرف لا يستقيم؛ وذلك لأمور:
1- أن الغالب في عقد الصرف كونه: مبادلة مالين مختلفين جنسًا أو نوعًا أو قدرًا ، أما في المحفظة المالية فالعميل يجد عين ماله وقدره المودع، فلو شحن حسابه أو محفظته ب100 ريال سعودي سيجدها بعينها ، وله أن يستهلكها: شراءً أو تحويلًا أو سحبًا بنفس ما أودع.
2- لازم هذا التوصيف أن التعاقد قد تم بمجرد الإيداع ، فيكون ما في المحفظة هو من ضمان العميل ، والواقع غير ذلك؛ إذ ما في المحفظة من رصيد هو من ضمان الشركة.
فإن قيل: إن المصارفة تمت بالإيداع والشحن إلا أن العميل قد أقرض أو أودع الشركة ما صارفها عليه.
أجيب عنه: بأن هذا تطويل عاد به صاحبه إلى التكييف الأول ، فلم يكن العقد بينهما عقد صرف لوحده.

الترجيح:
بعد النظر فيما ذكر من توصيفات والاستدلالات والمناقشات التي يمكن أن تورد عليها يظهر والله أعلم ضعف التوصيف الثاني والثالث للمحفظة المالية بأنها سمسرة أو صرف ، يبقى الكلام في توصيف المعاملة بأنها قرض؛ استنادًا لما بينهما من تشابه ، وهذا التوصيف وجهه قوي إلا أنه قد أورد عليه أوجه للاختلاف بينهما ظاهرة.
وعليه فيترجح أن المحفظة الرقمية عقد جديد يأخذ أحكام القرض في بعض صوره؛ لما بينهما من تشابه، ولا ينكر القول بتبعيض الأحكام؛ فقد ذكر الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله من ضمن القواعد الفقهية: (القاعدة الحادية والثلاثون: الأحكام تتبعض بحسب تباين أسبابها، فيعمل كل سبب في مقتضاه ولو باين الآخر. –ثم قال- وهذه قاعدة لطيفة تستدعي معرفة مآخذ المسائل وحكمها، وترتب آثارها) ثم ذكر أمثلة على هذه القاعدة. ([1])

ثانيًا: حكم الهدايا والمزايا المقدمة لصاحب المحفظة الرقمية.


تُقدم الشركات المنتجة للمحافظ الرقمية هدايا ومزايا لعملائها، مثل أن تقدم للعميل: مبلغًا ماليًا أو عينيًا عند تعبئته البنزين عن طريق التطبيق أربع مرات ، أو عند دعوته غيره لتحميل التطبيق وإجراء تحويلٍ دولي به، فما هو حكم مثل هذه الهدايا والمزايا؟
بناءً على التوصيفات الفقهية المتقدمة يظهر أن الـمُكيّف للعقد بأنه قرض: يُشدّد في حكم الهدايا المقدمة ، ولا يستلزم قوله: تحريم جميع هذه الهدايا والمنافع، إلا أنه أضيق في الحكم بالإباحة من بقية التوصيفات؛ فهو يمنع من (كل منفعةً زائدة متمحضة مشروطة للمقرض على المقترض أو في حكم المشروطة فهي ربا)([2])، ومن كيّف العقد: سمسرة صرح بإباحة ما يُقدم في هذه المحافظ من هدايا عند استعمالها([3])، أما من كيّف العقد بأنه صرف ، فيظهر أنه كذلك يتوسع في حكم الهدايا المقدمة ، إلا إذا اعتبر مع الصرف عقدًا أخر فهو بحسب ما انضاف إليه.

وعليه فيقال في تحرير محل النزاع:

أ‌- إن كانت هدايا الشركة لصاحب المحفظة الرقمية مرتبطة بإيداع المال فيها ، وقدر المال المودع ، ومدة بقائه في المحفظة فحكم هذه الهدايا: التحريم؛ سدًا للذريعة ، إذ الهدية فيه من أجل القرض ، وكل قرض جر نفعًا فهو ربا ، وعليه يحمل ما يُحكى من إجماع على تحريم الهدية في رد القرض؛ قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "ولو قال له وقت القرض: أنا أعطيك مثله وهذه الهدية: لم يجز بالإجماع"([4]).

ب‌- إن كانت هدايا الشركة لصاحب المحفظة الرقمية لا علاقة لها مطلقًا بما في المحفظة من رصيد، بأن كانت لجميع المشتركين أو لمن يدعو غيره للاشتراك معهم ولو كان رصيده خاليًا ولم يقم بأي عملية بهذه المحفظة، فيظهر -والله أعلم- أن هذه الهدايا جائزة؛ إذ لا يوجد ما يمنع منها ، ولا شبهة ربا فيها ، وفعلها هذا من باب التسويق ، وتوسيع قاعدة زبائنها.

ج- أما إن كانت الهدايا والمزايا لصاحب المحفظة الرقمية تقدم عند شرائه أو استعماله لرصيده فهذه المسألة محل خلاف ، وقد اُختلف في حكمها على قولين:
القول الأول: التحريم، وهذا هو رأي بعض الباحثين([5]).
القول الثاني: الجواز، وهذا هو رأي الشيخين: سعد الخثلان([6]) وسليمان الماجد([7]).

أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن هذه الهدايا مقابل إقراض العميل للشركة؛ فهي إنما أهدته لأجل ما أودعه عندها ، ولذا تجد هذه الهدايا خاصة بمن أودع وشحن محفظته دون من حمّل التطبيق وفتح محفظة له ولم يودع فيها شيئًا، وقد قال أبو بردة أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: (..إنك بأرض الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا) –رواه البخاري في صحيحه برقم (3814)- ، وسُئل أنس بن مالك رضي الله عنه: الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي له ؟ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى له أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله . إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ) -رواه ابن ماجه برقم (2432)- ومن المعلوم أنه لم يجر بين الشركة والعميل قبل الإقراض إهداء فمُنع منه.

الدليل الثاني:
قياسه على تحريم هدايا البنك لأصحاب الحسابات الجارية؛ فالمجامع الفقهية والهيئات الشرعية على المنع من هذه الهدايا ، وأي فرق بين الحساب الجاري والمحفظة الرقمية حتى يقال بالمنع من الهدايا في الأول دون الأخر([8]).

الدليل الثالث:
أن هذه المعاملة عين الربا؛ وذلك لأن العميل قد أقرض الشركة مالًا على أن ترد القرض وزيادة، فالعميل إذا أودع في محفظته 200 ريال مثلًا واستعملها في تعبئة البنزين 4 مرات، ثم أعطته الشركة رصيدًا زائدًا مقداره 50 ريال، صارت المعاملة قرض ب 200 ريال وسداد مقداره 250 ريال ، وهذا ربًا صريح.

تناقش أدلة المانعين من وجوه:

أولًا: عدم التسليم لهم بأصل المسألة وكون المعاملة قرضًا من كل وجه ، بل بينهما فروق كبيرة
–تقدم ذكر شيء منها- ، وعليه فلا يستقيم استصحاب أحكام القرض وأدلته على هذا المنتج، ويكون هذا الإهداء على أصل الإباحة .
ثانيًا: على القول بأن التوصيف الصحيح للعقد بأنه قرض، فإن هذا الإهداء ليس من أجل القرض حتى يمنع منه، وإنما غرضه التسويق للشركة أو الاستفادة مما قد تحصله من التجار فيكون مباحًا، والدليل على أن هذا الإهداء ليس من أجل القرض:
1- أنه متعلق بالشراء بالمحفظة واستعمالها لا بمجرد الشحن والإيداع فيها ، وغرض الشركة من الإهداء: التسويق وكسب الزبائن لا الانتفاع بما في المحفظة من سيولة ورصيد.
2- أن هذه الهدايا لا تكون لكل من شحن محفظته؛ ولذا قد تجد من شحن محفظته بعشرة آلاف ريال ولم يستفد من هذه الهدايا والمزايا؛ لكونه لم يستعملها ، وتجد من يشحنها بألف ريال وينتفع بهذه الهدايا ، مع أن انتفاع الشركة من الأول أكثر.
3- تتميمًا لما سبق يُعلم بأنه لا أثر لقدر ما في المحفظة من مال على هذه الهدايا؛ فتجد أحيانًا صاحب القرض الأكثر والأعلى رصيدًا في المحفظة: أقل انتفاعًا من صاحب القرض الأقل؛ وهذا يدل على أن الإهداء ليس من أجل القرض.
4- أن الشركة قد تهدي العميل ورصيد محفظته خاليًا ، وعقد القرض بينهما قد انتهى وانقضى بعد استعماله للمحفظة؛ مما يدل على أن الإهداء لأجل شرائه عن طريق المحفظة والتطبيق.
5- أنه لا أثر لهذا الإهداء على مدة القرض وأجله ؛ فالشركة لا تطلب من العميل محاباة في تأخير أجل الاستيفاء , بل هي بهذا الإهداء تسعى لتعجيل زمن السداد لا تأخيره ، مع حسن في القضاء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خياركم أحسنكم قضاء" –رواه البخاري برقم (2393) ، ومسلم برقم (1600)-.
6- أن المنع من الهدايا والمزايا في الحساب الجاري ليس على إطلاقه بل هناك ما هو مستثنى، ثم إنه يوجد فرق بين هدايا الحساب الجاري والمحافظ الرقمية؛ إذ المصرف غرضه من إهداء صاحب الحساب الجاري: زيادة قدر القرض وأجله ، ولذا فهو ينتفع من إبقاء الرصيد: في الاستثمار وغيره؛ ولذا فلا تجد غالبًا مثل هذه الهدايا عند استعمال العميل لبطاقة الحساب الجاري ، وهذا بخلاف المحفظة الرقمية فالهدايا مربوطة بالشراء والاستعمال فظهر الفرق بين المنتجين.
7- بإمكان العميل أن يشحن محفظته ثم يشتري بها مباشرة في وقتها ، ثم يكرر هذا متى شاء، وعليه ينال الهدية ولو لم يبقى المال في محفظته ساعة واحدة, وهذا دليل على أن الهدية مربوطة بالشراء والاستعمال لا الإقراض .

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن هدايا الشركة لصاحب المحفظة ليست من أجل الإيداع ، وإنما هي من أجل الشراء –وقد تقدم ذكر المستند لهذا من سبعة وجوه-، وما دام الأمر كذلك فهذه الهدايا جائزة؛ لأن الظاهر في هدية المقترض للمقرض أنها جائزة إذا لم تكن من أجل القرض ، وقد رُوي أن عمر رضي الله عنه أسلف أبي بن كعب رضي الله عنه عشرة آلاف درهم، فأهدى إليه أبي بن كعب من ثمرة أرضه, فردها عليه ولم يقبلها, فأتاه أبي فقال: (ابعث بمالك فلا حاجة لي في شيء؛ منعك طيب تمرتي) فقبلها,ن وقال: (إنما الربا على من أن يربي وينسىء) –رواه عبدالرزاق برقم (14647) والبيهقي برقم (11248) –قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على هذا الأثر: " فكان رد عمر رضي الله عنه لـمّا توهم أن تكون هديته بسبب القرض ، فلما تيقن أنها ليست بسبب القرض قبلها ، وهذا فصل النزاع في مسألة هدية المقترض"([9]).

الدليل الثاني:
التمسك بالبراءة الأصلية ؛ إذ الأصل في معاملات الناس الإباحة ، ولم يأت ما يرفع هذا الأصل، فتكون هذه الهدايا جائزة؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "العقود والشروط من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم"([10]).

الترجيح:

يترجح والله أعلم القول بإباحة الهدايا المقدمة من الشركة لأصحاب المحافظ الرقمية عند استعمالهم لمحفظتهم في الشراء وغيره؛ لظهور دليله وتمسكه بأصل الإباحة ، وإمكان الإجابة عن أدلة المانعين.
ومما يؤيد القول بالإباحة: ما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي رقم222 بشأن المزايا التي يمنحها المصرف لعملاء الحساب الجاري من المنظور الشرعي: وفيه (أما إذا كانت –أي المزايا المادية- تُعطى لكل عميل جديد يكسبه البنك -سواء أكان في الحساب الجاري أو حساب المضاربة أو في التمويل وغيره- فهي من نفقات الإعلان والتسويق، وكسب الزبائن والعملاء، وتكون مباحة تطبيقاً للإباحة الأصلية، طالما أنها لا ترتبط بخصوص الإقراض بحجمه ومدته).

والهدايا المقدمة في المحافظ الرقمية لا ارتباط لها بحجم القرض ولا مدته فتكون جائزة ، والمحافظ الرقمية إن لم تكن أولى بالإباحة من الحسابات الجارية فهي مساوية لها والله أعلم.
وإن كان في اجتناب مثل هذه الهدايا: احتياط وورع لمن أراد السلامة ، إلا أن هذا باب أخر يختلف عن التأثيم والتحريم.

هذا هو ما ظهر للباحث في هذه المسألة برأيه القاصر ، وما ذُكر فيها هو نتاج بحث ومدارسة, فما كان من صواب فمن الله وحده ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان, ولا أستغني عن أي إفادة أو استدراك أو إضافة ، والمسألة بحاجة لمزيد بحث وتحرير من أهل العلم وطلابه.

والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

كتبه: عبدالرحمن بن سعد الحيد
محاضر في كلية الشريعة-جامعة الإمام
16/6/1441 ه


-------------------------------------------
([1])انظر: القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة ص65
([2])انظر: المنفعة في القرض أ.د. عبدالله العمراني ص335
([3])هذا هو رأي الشيخ د. سليمان الماجد https://www.salmajed.com/fatwa/findnum.php?arno=22125
([4])مجموع الفتاوى (30/ 107)
([5])انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب https://islamqa.info/ar/answers/305491/ حكم-الخصومات-واسترداد-النقود-المقدم-من-تطبيقات-تعتمد-المحافظ-الرقمية
([6])فتوى الشيخ على برنامج الجواب الكافي https://www.youtube.com/watch?v=MaNdvflNz-I
([7])جواب الشيخ لسؤال وارد إليه https://www.salmajed.com/fatwa/findnum.php?arno=22125
([8])جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي رقم222 بشأن المزايا التي يمنحها المصرف لعملاء الحساب الجاري من المنظور الشرعي: (..المزايا المادية، وهي الأعيان والمنافع والنقود الزائدة على المبلغ المثبت في الحساب الجاري يبرز فيها ما يشبه العلاوة المادية مقابل الإقراض، كتقديم أجهزة كهربائية وأجهزة إلكترونية وتذاكر الطيران ونحوها.
وحكم هذا النوع من المزايا سواء أكانت مشروطة أم غير مشروطة؛هو المنع شرعاً، إذا كانت بسبب الإقراض، وبالنظر لحجمه ومدته باعتبارها من جنس الزيادة الربوية التي يلتزم المقترض بدفعها إلى المقرض زيادة على مبلغ القرض..) ، وجاء في قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي رقم 355 بشأن توزيع بعض الهدايا العينية، مثل البشوت والساعات، على عملاء الحسابات الجارية، أو بطاقات الائتمان أو التسهيلات الائتمانية: "لا يجوز منح هدايا عينية، خاصة بأصحاب الحسابات الجارية، أو بعضهم؛ لأنها تدخل في الصور الممنوعة من صور القرض الذي جر نفعا"
([9])تهذيب سنن أبي داود (2/141)
([10])الفتاوى الكبرى (4/90)
 


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية