بسم الله الرحمن الرحيم

    سلسلة رسائل إصلاح الأسرة

الرسالة الأولى : تكريم النظر بغض البصر


عناصر الموضوع
1 ) مقدمة : نعمة العين والمسئولية عنها                          6 ) أحكام النظر
2 ) أهمية الموضوع                                               7 ) ثمرات غض البصر
3 ) الأمر بغض البصر                                            8 ) عواقب النظر المحرم
4 ) معنى غض البصر في اللغة                                  9 ) علاج النظر المحرم
5 ) أنواع غض البصر في الشريعة                             10) نماذج من حياة السلف

1) مقدمة : نعمة العين والمسئولية عنها :
 النـعـمــة :
قال تعالى : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً }، { ألم نجعل له عينين }، { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} إلى غير ذلك من الآيات .
 المسـئولـية :
قال تعالى : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين }
وقال تعالى : { يعلم خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وما تخفي الصدور }
عن منصور قال :قال ابن عباس : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } قال :الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإن رأى منهم غفلة نظر إليها فإن خاف أن يفطنوا به غض بصره عنها وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أنه نظر إلى عورتها . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17228)
وقال تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً }
عن أنس بن مالك قال :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : هل تدرون مم أضحك قال قلنا :الله ورسوله أعلم . قال :من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى قال فيقول : فأني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني .قال : فيقول :كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا . قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله ، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام ، قال : فيقول : بعداً لكُنّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل . رواه مسلم 4/2280 ح2969

2) أهمية الموضوع :
1) أن فتنة النساء من أعظم مداخل الشيطان على الإنسان :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال :إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء . رواه مسلم ج: 4 ص: 2098 ح2742
وعن أسامة بن زيد قال :قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . رواه البخاري 5/1959ح4808 و مسلم ج: 4 ص: 2097 ح2740
قال مجاهد : إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر فإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر . ا.هـ تفسير القرطبي ج: 12 ص: 227
وقال المناوي :ما يثق [ أي الشيطان ]في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء .
[ وقال ] قال بعض العارفين : ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عنهن لأنهن من ذوات الرجال وشقائقهم 0
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا . ا.هـ فيض القدير 1 / 133
2) عموم البلاء وانتشار الفتنة في هذا العصر بسبب الانفجار الإعلامي عبر وسائل الإعلام المتعددة وعرضها الصور المحرمة . مثل : المجلات ، البرامج التلفزيونية ، القنوات الفضائية ، شبكة الإنترنت .
3) غربة الحجاب الشرعي _بكل ما يحويه من مفردات _ في كثير من بلاد المسلمين ، وانتشار مظاهر التبرج والسفور سواء في وسائل الإعلام أو الطرقات أو الأسواق أو الأماكن العامة . فحيثما توجه المسلم العفيف فإنه في الغالب سيواجه في طريقه شيئاً من هذه المظاهر ، والله المستعان .

3) الأمر بغض البصر
أمر الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم  المؤمنين بغض البصر في آيات وأحاديث كثيرة منها :
1) قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ...} إلى قوله تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إن الله خبير بما يصنعون .وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... } الآيات
قال القرطبي : البصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله وفي صحيح مسلم عن جرير عن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري وهذا يقوي قول من يقول إن من للتبعيض لأن النظرة الأولى لاتملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف .
[ وقال:] وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال: ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف ا.هـ تفسير القرطبي 12 /222
قال أبو العالية : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه . ا.هـ تفسير البغوي ج: 3 ص: 338
• وقال النسفي : ولم يدخل (من ) هنا [ أي في قوله : ويحفظوا فروجهم ] لأن الزنا لارخصة فيه بوجه . ا.هـ تفسير النسفي ج: 3 ص: 143
قوله تعالى { ذلك أزكى لهم } :
قال القرطبي : أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدنيا وأبعد من دنس الأنام{ إن الله خبير } أي عالم { بما يصنعون} : تهديد ووعيد .
ا.هـ تفسير القرطبي ج: 12 ص: 226
وقال ابن كثير : أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم .
ا.هـ تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 283
2) عن أبي سعيد الخدري عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال :إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه قال :غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . رواه البخاري ج: 2 ص: 870 ( 2333) و مسلم ج: 3 ص: 1675 (2121)
3) عن جرير بن عبد الله قال :سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري . رواه مسلم ج: 3 ص: 1699 ح 2159
4) عن بريدة مرفوعاً : يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك ,
الترمذي 2777 و احمد 1298 و أبو داود 2149 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
قال البيهقي : لك النظرة الأولى وليست لك الثانية إذا كانت الأولى لا عن قصد تعمد فإذا أعاد النظر فهو كمن حقق الخطرة .
شعب الإيمان : (ج: 1 ص: 298 )
5) عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم ) كراهة أن يرين من عورات الرجال .  رواه أبو داود ج: 2 ص: 246 / 851 وصححه الألباني في صحيح أبي داود
6) وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ : لا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً . رواه البخاري معلقاً بالجزم 5/2299
7) وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِي الَّتِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ رواه البخاري معلقاً بالجزم 5/2299
8) عن خالد بن مجدوح قال :سمعت أنسا يقول : إذا لقيت المرأة فغض عينك حتى تمضي . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17222)

4) معنى غض البصر في اللغة :
قال الشوكاني :
1] إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية ومنه قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقول عنترة :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى تواري جارتي مأواها
ومن في قوله (من أبصارهم )هي التبعيضية وإليه ذهب الأكثرون وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على مايحل وقيل وجه التبعيض أنه يعض للناضر أول نظرة تقع من غير قصد ، وقال الأخفش إنها زائدة وأنكر ذلك سيبويه ، وقيل إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء واعترض عليه بأنه لم يتقدم مبهم يكون مفسرا بمن ، وقيل إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية .
2] وقيل الغض :النقصان يقال غض فلان من فلان أي وضع منه فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ومنقوص فتكون من صلة للغض وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة . ا.هـ فتح القدير 4 / 22

5) أنواع غض البصر في الشريعة :
قال ابن تيمية : والله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان :
1 ]
غض البصر عن العورة 2] وغضه عن محل الشهوة . فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره 000 وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير وعلى صاحبها الحد وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها كان عليه التعزير لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر. ا.هـ مجموع الفتاوى 15 / 414
غض البصر عن بيوت الناس :
قال ابن القيم : ومن النظر الحرام النظر إلى العورات وهي قسمان :عورة وراء الثياب ،وعورة وراء الأبواب. ا.هـ مدارج السالكين ج: 1 ص: 117
وقال ابن تيمية : وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما اشبهها من النظر إلى المحرمات فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الإستئذان ، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التى على البدن ، كما جمع بين اللباسين فى قوله تعالى { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فكل منهما وقاية من الأذى الذى يكون سموما مؤذيا كالحر والشمس والبرد وما يكون من بنى آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك . ا.هـ مجموع الفتاوى 15/ 379

6) أحكام النظر :
تتعلق بالنظر الأحكام التكليفية الخمسة على ما بينه العلامة ابن القيم وذكر لكل حكم بعض الأمثلة .
قال :

1]
أما النظر الواجب : فالنظر في المصحف وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها ، والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الإعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها ونحو ذلك .
2] والنظر الحرام : النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا وبغيرها إلا لحاجة كنظر الخاطب والمستام والمعامل والشاهد والحاكم والطبيب وذي المحرم .
3] والمستحب : النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلما ، والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين ، والنظر في آيات الله المشهودة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته .
4] والمكروه : فضول النظر الذي لا مصلحة فيه فإن له فضولا كما للسان فضولا وكم قاد فضولها إلى فضول عز التلخص منها وأعيى دواؤها،وقال بعض السلف:كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.
5] والمباح : النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ولا منفعة . ا.هـ مدارج السالكين ج: 1 ص: 117

مسألة هامة : تحريم النظر عند خوف الفتنة أو كان النظر لشهوة وإن كان أصله مباحاً :
قال ابن تيمية : وكذلك المرأة مع المرأة ، وكذلك محارم المرأة مثل ابن زوجها وابنه وابن أخيها وإبن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الإحتجاب بل وجب .
[ وقال :] والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو شهوة التلذذ بالنظر فلو نظر إلى أمه وأخته وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة .
مجموع الفتاوى 15 / 377 ، 21 /246

7) ثمرات غض البصر :
1) أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من إمتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره وما شقي من شقى في الدنيا والآخرة الا بتضييع أوامره . الجواب الكافي ج: 1 ص: 125
2) أنه من أسباب دخول الجنة :
عن أبي أمامة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : اكفلوا لي بست أكفل لكم الجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا اؤتمن فلا يخن وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم . رواه الطبراني في المعجم الكبير ج: 8 ص: 262 والمعجم الأوسط ج: 3 ص: 77 ( 2539) والخرائطي في مكارم الأخلاق ج: 1 ص: 45( 116) ، وانظر مجمع الزوائد ج: 10 ص: 301 وحسنه الألباني في السلسلة ( 1525) ، وصحيح الجامع 1225

قال ابن تيمية : فقد كفل بالجنة لمن أتى بهذه الست خصال فالثلاثة الأولى تبرئه من النفاق والثلاثة الأخرى تبرئة من الفسوق ،والمخاطبون مسلمون فإذا لم يكن منافقا كان مؤمنا وإذ لم يكن فاسقا كان تقيا فيستحق الجنة. ا.هـ مجموع الفتاوى 15 / 396
3) حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى :
فإن من ترك شيئا لله عوضه الله عز وجل خيرا منه . إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 47
وقد روي في هذا المعنى حديث في إسناده ضعف عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  : مامن مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها. رواه أحمد 5/264 ح 22332 ، وقال ابن كثير :وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر وحذيفة وعائشة رضي الله عنهم ولكن في أسانيدها ضعف إلا أنها في الترغيب ومثله يتسامح فيه. تفسير ابن كثير 3 / 283 ، وضعفه الألباني في الضعيفة (1064 ) .
4) نور القلب وصحة الفراسة : قال أبو شجاع الكرماني : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة .
وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ثم قال بعد ذلك {: إن في ذلك لآيات للمتوسمين } [الحجر : 75 ] وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة ، وقال تعالى عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم : { الله نور السموات والأرض ) [النور: 35 ] .
وسر هذا : أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله عز وجل عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى . وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون . إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 47
قال محمد بن سعيد الوراق : من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهتدي بها سامعوه ومن غض نفسه عن شبهة نور الله قلبه نورا يهتدي به إلى طريق مرضاة الله.
البداية والنهاية ج: 11 ص: 167
ويتفرع عن هذه الثمرة أن نور القلب وإشراقه يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه . روضة المحبين ج: 1 / 97
5) أنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول فمتى هتك الحجاب ضري على المحظور .
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في سبيل الله وعين خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله . رواه الحاكم ج: 2 ص: 92 و الدارمي ج: 2 ص: 267 و أبو يعلى ج: 1 ص: 186 . وانظر الترغيب والترهيب ج: 2 ص: 160 ، وضعفه الألباني في الضعيفة (1562 )
6) أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب . ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه لما أطلق بصره .
7) أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات وانكشفت له بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه .
8) أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه .
9) أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه ، و يخلصه من رقدة الغفلة فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق .
الفوائد من 5 إلى 9 من روضة المحبين 1 / 97

8) عواقب النظر المحرم :
1) أنه باب من أبوب الزنا ومن أخطر وسائله وذرائعه الموصلة إليه :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال :مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ . رواه البخاري 5774
عن أبي موسى قال : كل عين فاعلة يعني زانية .
رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17231)
قال الغزالي : ونبه به على أنه لا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكرة وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها قال عيسى عليه السلام : إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة ثم قال الغزالي : وزنا العين من كبار الصغائر وهو يؤدي إلى الكبيرة الفاحشة وهي زنا الفرج ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه .
فيض القدير ج: 4 ص: 65
2) أن النظر المحرم في بيوت المسلمين يبيح فقأ عين الناظر :
عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا جُعِلَ الإذْنُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ. رواه البخاري6392 و مسلم ج: 3 ص: 1698 ( المدرى ) : شيء يُعْمل من حَديد أو خَشبٍ على شَكْل سِنٍّ من أسْنان المُشْطِ وأطْوَل منه يُسرَّح به الشَّعَر المُتَلبِّد ويَسْتَعْمله من لا مُشْط له . النهاية 2/115
قال ابن تيمية في تقرير هذا الحكم :
وقد ظن طائفة من العلماء أن هذا [ أي حديث فقأ العين ] من باب دفع الصائل لأن الناظر متعد بنظره فيدفع كما يدفع سائر البغاة ولوكان الأمر كما قالوا لدفع بالأسهل فالأسهل ولم يجز قلع عينه إبتداء إذا لم يذهب إلا بذلك والنصوص تخالف ذلك فإنه أباح أن تخذفه حتى تفقأ عينه قبل أمره بالإنصراف وكذلك قوله لو أعلم أنك تنظرنى لطعنت به فى عينك فجعل نفس النظر مبيحا للطعن فى العين ولم يذكر الأمر له بالإنصراف وهذا يدل على أنه من باب المعاقبة له على ذلك حيث جنى هذه الجنابة على حرمة صاحب البيت .
مجموع الفتاوى 15 /379
3) أنه يورث الغفلة واتباع الهوى وانفراط الأمر:
فإن صحة القلب أن يفرغه للفكرة في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى { : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحبسه . الجواب الكافي ج: 1 ص: 127
4) - وهي من أعظمها -أنه من أسباب فساد القلب :
وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته روضة المحبين ج: 1 ص: 92
وبيان ذلك : أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته . الجواب الكافي ج: 1 ص: 127
فإن داعي الإرادة والشهوة إنما يهيج بالنظر والنظر يحرك القلب بالشهوة وفي المسند عنه : النظرة سهم مسموم من سهام إبليس وهذا السهم يشرده إبليس نحو القلب ولا يصادف جنة دونه وليست الجنة إلا غض الطرف أو التحيز والانحراف عن جهة الرمي فإنه إنما يرمى هذا السهم عن قوس الصور فإذا لم تقف على طريقها أخطأ السهم وان نصبت قلبك غرضا فيوشك أن يقتله سهم من تلك السهام المسمومة .
عدة الصابرين ج: 1 ص: 42 تنبيه : حديث (النظرة سهم من سهام إبليس ) ضعيف جداً السلسلة الضعيفة ح (1065)
5) تعلق القلب بالصور ودوام حسرته وعذابه :
فمن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد المحبة فتبدأ علاقة يتعلق بها القلب بالمنظور إليه ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته ثم تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه ثم يقوى فيصير عشقا وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم التعبد ومنه تيمه الحب إذا عبده وتيم الله عبد الله فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له وهذا كله جناية النظر ، فحينئذ يقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد أن كان ملكا ومسجونا بعد أن كان مطلقا يتظلم من الطرف ويشكوه والطرف يقول أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني وهذا إنما تبتلي به القلوب الفارغة من حب الله والإخلاص له فإن القلب لابد له من التعلق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده محبوبه وإلهه ومعبوده فلابد أن يتعبد قلبه لغيره قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام
{ كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } [يوسف : 24] فامرأة العزيز لما كانت مشركة وقعت فيما وقعت فيه مع كونها ذات زوج ويوسف عليه السلام لما كان مخلصا لله تعالى نجا من ذلك مع كونه شابا عزبا غريبا مملوكا .
إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 47
قال الأصمعي : رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها فقالت لي :يا هذا ما شأنك قلت :وما عليك من النظر فأنشأت تقول :

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل :

كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر فهو إنما يرمي قلبه ولي من أبيات :
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** توقـه إنـه يأتيك بالعطب .
روضة المحبين ج: 1 ص: 97
6) أنه يتدرج بالعبد إلى أن يقع في فاحشة الزنا :
قال الله تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}
والنظر أصل عامة الحوادث التى تصيب الانسان فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع وفى هذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر علي ألم ما بعده . الجواب الكافي ج: 1 ص: 106

7) أنه من الأخلاق الرذيلة والخصال الدنيئة التي يتنزه عنها العقلاء ذوي المروءة فضلاً عن الأتقياء ذوي الديانة .
قال عنترة :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

9) علاج النظر المحرم :
1) مراقبة الله تعالى واستحضار اطلاعه وعلمه الذي وسع كل شئ ومعيته لعبده :
وقد تقدم قوله تعالى :{ وما تكون في شأن …الآية } ، { يعلم خَائِنَةَ الأعْيُنِ وما تخفي الصدور } ، { وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير } .
عن ابن عباس قال كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى :{ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } . رواه أحمد (2779) والترمذي (3122 ) والنسائي (870 ) وابن ماجه (1046) وصححه الألباني في الصحيحة (2472) .
قال ابن رجب : وكان وهب بن الورد يقول خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك وقال له رجل :عظني فقال له اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك 000
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر قال :بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره .
وكان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب
ا.هـ جامع العلوم والحكم ج: 1 ص: 162
2) الاستعانة بالله تعالى والتضرع إليه بالدعاء :
ومن ذلك الدعاء المشهور : اللهم طهر قلبي من النفاق و عملي من الرياء و لساني من الكذب و عيني من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وقد روي هذا الدعاء مرفوعاً رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ج: 2 ص: 227 والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5/267 من حديث أم معبد وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح ( 1209 )
3) فضل الوضوء وتكفيره خطايا العين :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب .
رواه مسلم 1/215 ح244
والنظر المحرم الذي هو متعلق التكفير في الحديث هو ما كان من باب الصغائر ، أما من أدمن النظر وأصر عليه فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب إذ لا صغيرة مع الإصرار ، وعلى هذا فلا يكفر إلا التوبة لقوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } الآية والله أعلم .
4) سد الذرائع والابتعاد عن مواطن الفتنة :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها . رواه البخاري (4942 )
عن أبي قلابة قال :لا يضرك حسن امرأة ما لم تعرفها .رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6( 17223)
عن أيوب قال :كان طاوس لا يصحب رفقة فيها امرأة . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17226)
قيل لهند بنت الخُسّ ـ وكانت إحدى أميرات العرب في الجاهلية المشهورة بالعقل والذكاء والفصاحة والحكمة ـ وقد زنت بعبدها : لم زنيت بعبدك وأنت سيدة قومك ولم تزني بحر؟ وما أغراك به ؟ فقالت : قرب الوساد وطول السِّواد ) السِّواد : المناجاة والمحادثة سراً . تعليق أبي غدة على رسالة المسترشدين للمحاسبي /177
من ذرائع الفتنة في عصرنا :
أ) أماكن الاختلاط كالأسواق والمستشفيات ومدن الألعاب والشواطيء وغيرها .
ب) الجلوس أمام شاشات التلفاز وشبكات الإنترنت .
ج) المجلات والصحف الماجنة التي تتخذ صور النساء وسيلة لرواجها بين ضعفاء الإيمان والمروءة .
ومن أساليبها: فتاة الغلاف ، اللقاءات مع الفنانات ، ركن التعارف ، عروض الأزياء ، بل وحتى الإعلانات التجارية عن سلع لا تمت للمرأة بأي صلة .
5) تجديد التوبة :
قال شيخ الإسلام : وفى هذه السورة ذكر آية النور بعد غض البصر وحفظ الفرج وأمره بالتوبة مما لابد منه أن يدرك ابن آدم من ذلك 15 / 396
بل قد ذكر الفقهاء أن التوبة من النظر المحرم لا تسقط حتى عن الأعمى لأنه قادر على الندم فيتوب قدر استطاعته.
قال ابن عبد السلام : التوبة مركبة من ثلاثة أركان العزم والندم والإقلاع ، وقد تكون التوبة مجرد الندم في حق من عجز عن العزم والإقلاع فلا يسقط المقدور عليه بالمعجوز عنه كما لا يسقط ما قدر عليه من الأركان في الصلاة بما عجز عنه وذلك كتوبة الأعمى عن النظر المحرم وتوبة المجبوب عن الزنا وهذا مبنى على قاعدة مستفادة من قوله  صلى الله عليه وسلم  : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم . قواعد الأحكام 1/187
6) إعفاف المرء نفسه بما شرع الله له من الأمور المشروعة :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء . رواه البخاري ج: 2 ص: 673 ح 1806 و مسلم ج: 2 ص: 1018 ح1400
وعن جابر أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال :إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه . رواه مسلم ( 1403 )
قال النووي : (تمعس ) : المعس : الدلك . ( منيئة ) :الجلد أول ما يوضع في الدباغ .
وقال : قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل الى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن في شبيهة بالشيطان في دعائه الى الشر بوسوسته وتزيينه له .
ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا ا.هـ
شرح مسلم (9/178 )
ومن اللطائف ما ذكره بعض العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) . قال ابن حجر: وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه . فتح الباري ج: 2 ص: 366
7) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي الشباب والحيلولة بينهم وبين الوقوع في الفتنة :
عن عبد الله بن عباس أنه قال :كان الفضل بن عباس  رضي الله عنه  رديف رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال :نعم وذلك في حجة الوداع . رواه مسلم ج: 2 ص: 973
قال ابن أبي شيبة :حدثنا حسين بن علي عن موسى الجهني قال :كنت مع سعيد بن جبير في طريق فاستقبلتنا امرأة فنظرنا إليها جميعا قال :ثم إن سعيدا غض بصره فنظرت إليها قال :فقال لي سعيد :الأولى لك والثانية عليك . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17219)
نظر رجل إلى امرأة عفيفة فقالت : يا هذا غض بصرك عما ليس لك تنفتح بصيرتك فترى ما هو لك . نفح الطيب للتلمساني 5 / 314

10) نماذج من حياة السلف:
من آداب النبوة :
عن عبدالله بن بسر  رضي الله عنه  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم .
رواه ابو داود 5186 و احمد 17730 وصححه الألباني في صحيح الجامع (4638)
في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين :
قال ابن جرير { : إن خير من استأجرت القوي الأمين } تقول إن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها الأمين الذي لا تخاف خيانته فيما تأمنه عليه ، وقيل إنها لما قالت ذلك لأبيها استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها وما علمك بذلك فقالت أما قوته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر وأما الأمانة فما رأيت من غض البصر عني ، وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل .
تفسير الطبري ج: 20 ص: 63
عن وكيع قال :خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال :إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر . حلية الأولياء 7 / 23
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ : إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ قَالَ :اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ . رواه البخاري معلقاً بالجزم 5/2299
عن أبي عمرو الشيباني قال :قال أبو موسى : لأن تمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إلي من أن تمتلئان من ريح امرأة . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17229)
• عن إبراهيم قال :قال عبد الله : لأن أزاحم بعيراً مطلياً بقطران أحب إلي من أن أزاحم امرأة .
رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17230) .

وجمعها أخوكم / سامي بن خالد الحمود
1421هـ

الصفحة الرئيسة