صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فوائد من كتاب (التبيان في أقسام القرآن) للإمام ابن القيم –رحمه الله-

انتقاء: إبراهيم بن فريهد العنزي


بسم الله الرحمن الرحيم


1- إقسامه (سبحانه) ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته .. فالقسم إما على جملة خبرية - وهو الغالب - كقوله تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق}، وإما على جملة طلبية، كقوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون}، مع أن هذا قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد تحقيق القسم، والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلابد أن يكون بما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور الظاهرة المشهورة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها..

2- وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب وتارة يحذفه، كما يحذف جواب (لو) كثيرا، كقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} وقوله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض}..ومنه قوله تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب} فالمعنى في أظهر الوجهين : لو يرى الذي ظلموا في الدنيا إذ يرون العذاب في الآخرة والجواب محذوف..

3- القسم لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء، ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة، والتاء في أسماء الله، كقوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} وقد نقل: ترب الكعبة..

4- هو سبحانه يقسم على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها، تارة يقسم على التوحيد وتارة يقسم على أن القرآن حق وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة على حال الإنسان..

5- لفظ السعي: هو العمل، لكن يراد به العمل الذي يهتم به صاحبه ويجتهد فيه بحسب الإمكان، فإن كان يفتقر إلى عدو بدنه عدا، وإن كان يفتقر إلى جمع أعوانه جمع، وإن كان يفتقر إلى تفريغ له وترك غيره فعل ذلك..ولهذا قال في الجمعة: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}..وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون".. فلم ينه عن السعي إلى الصلاة؛ فإن الله أمر بالسعي إليها، بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه، والإتيان فعل البدن وسعيه عدو البدن وهو منهي عنه وأما السعي المأمور به في الآية: فهو الذهاب إليها على وجه الاهتمام بها والتفرغ لها عن الأعمال الشاغلة من بيع وغيره والإقبال بالقلب على السعي إليها..

6- قال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقّ} وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وقال تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها يأمر نبيه أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة والقرآن والمعاد..

7- المراد باللوامة، هل هي خاصة أم عامة؟: قال ابن عباس: كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته واختاره الفراء، قال: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت خيرا، وإن كانت عملت سوءا قالت: يا ليتني لم أفعل. والقول الثاني: أنها خاصة، قال الحسن: هي النفس المؤمنة، وأن المؤمن والله لا تراه إلا يلوم نفسه على كل حالة؛ لأنه يستقصرها في كل ما تفعل، فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه. والقول الثالث: أنها النفس الكافرة وحدها، قاله قتادة ومقاتل، وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله..

8- (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها): قال الحسن: قد أفلح من زكى نفسه وحملها على طاعة الله، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله، وقاله قتادة، وقال ابن قتيبة: يريد أفلح من زكى نفسه أي نماها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف، وقد خاب من دساها أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي، والفاجر أبدا خفي المكان زمن المروءة غامض الشخص ناكس الرأس فكأن المتصف بارتكاب الفواحش دس نفسه وقمعها ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الربى ويفاع الأرض لتشهر أنفسها للمنتفعين وتوقد النيران في الليل للطارقين...وقال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي عن قوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} فقال: دسى معناه: دس نفسه مع الصالحين وليس منهم وعلى هذا فالمعنى أخفى نفسه في الصالحين يرى الناس أنه منهم وهو منطو على غير ما ينطوي عليه الصالحون..

9- (ذكر ثمود في سورة الشمس): ذكر في هذه السورة ثمود دون غيرهم من الأمم المكذبة، فقال شيخنا: هذا والله أعلم من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ فإنه لم يكن في الأمم المكذبة أخف ذنبا وعذابا منهم. قلت –ابن القيم-: وقد يظهر في تخصيص ثمود ههنا بالذكر دون غيرهم معنى آخر وهو أنهم ردوا الهدى بعد ما تيقنوه وكانوا مستبصرين به..فكان في تخصيصهم بالذكر تحذير لكل من عرف الحق ولم يتبعه وهذا داء أكثر الهالكين وهو أعم الأدواء وأغلبها على أهل الأرض...

10- من اعتبر أحوال العالم قديما وحديثا وما يعاقب به من سعي في الأرض بالفساد وسفك الدماء بغير حق وأقام الفتن واستهان بحرمات الله علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون...

11- قيل جواب القسم في: والفجر..:{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }، وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: طول الكلام والفصل بين القسم وجوابه بجمل كثيرة والثاني: قوله: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ذكر لتقرير عقوبة الله الأمم المذكورة وهي عاد وثمود وفرعون فذكر عقوبتهم ثم قال مقررا ومحذرا: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }....

12- { وَالْفَجْرِ } إن أريد به جنس الفجر كما هو ظاهر اللفظ فإنه يتضمن وقت صلاة الصبح التي هي أول الصلوات فافتتح القسم بما يتضمن أول الصلوات وختمه بقوله { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } المتضمن لآخر الصلوات، وإن أريد بالفجر فجر مخصوص فهو فجر يوم النحر وليلته التي هي ليلة عرفة..

13- (مدار الأقوال في معنى الشفع والوتر على قولين): أحدهما: أن الشفع والوتر نوعان للمخلوقات والمأمورات، والثاني: أن الوتر الخالق والشفع المخلوق..

14- عرف الفجر باللام إذ كل أحد يعرفه ونكر الليالي العشر لأنها إنما تعرف بالعلم وأيضا فإن التنكير تعظيم..

15- تضمنت هذه السورة ذم من اغتر بقوته وسلطانه وماله وهم هؤلاء الأمم الثلاثة قوم عاد اغتروا بقوتهم وثمود اغتروا بجنانهم وعيونهم وزروعهم وبساتينهم وقوم فرعون اغتروا بالمال والرياسة...

16- (لا أقسم بهذا البلد...ووالد وما ولد)تضمن القسم أصل المكان وأصل السكان فمرجع البلاد إلى مكة ومرجع العباد إلى آدم...

17- قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} فيه قولان: أحدهما: أنه من الإحلال وهو ضد الإحرام، والثاني: أنه من الحلول وهو ضد الظعن، فإن أريد به المعنى الأول فهو حلال ساكن البلد بخلاف المحرم الذي يحج ويعتمر ويرجع ولأن أمنه إنما تظهر به النعمة عند الحل من الإحرام وإلا ففي حال الإحرام هو في أمان وإذا أريد المعنى الثاني وهو الحلول فهو متضمن لهذا التعظيم مع تضمنه أمرا آخر وهو الإقسام ببلده المشتمل على رسوله وعبده فهو خير البقاع وقد اشتمل على خير العباد فجعل بيته هدى للناس ونبيه إماما وهاديا لهم..وفي الآية قول ثالث: وهو أن المعنى وأنت مستحل قتلك وإخراجك من هذا البلد الأمين الذي يأمن فيه الطير والوحش والجاني وقد استحل قومك فيه حرمتك...

18- طريقة القرآن بذكر العلم والقدرة تهديدا وتخويفا لترتب الجزاء عليهما ، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ}..وليس المراد به مجرد الأخبار بالقدرة والعلم لكن الأخبار مع ذلك بما يترتب عليهما من الجزاء والعدل؛ فإنه إذا كان قادرا أمكن مجازاته وإذا كان عالما أمكن ذلك بالقسط والعدل...

19- (وما أدراك ما العقبة) اختلف في هذه العقبة هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟ فقالت طائفة: العقبة ههنا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر وحكوا ذلك عن الحسن ومقاتل..وقالت طائفة: بل هي عقبة حقيقة يصعدها الناس، قال عطاء: هي عقبة جهنم وقال الكلبي: هي عقبة بين الجنة والنار وهذا قول مقاتل إنها عقبة جهنم وقال مجاهد والضحاك: هي الصراط يضرب على جهنم وهذا لعله قول الكلبي وقول هؤلاء أصح نظرا وأثرا ولغة...
20- {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} فأقسم سبحانه بهذه الأمكنة الثلاثة العظيمة التي هي مظاهر أنبيائه ورسله أصحاب الشرائع العظام والأمم الكثيرة.. وترقى في هذا القسم من الفاضل إلى الأفضل فبدأ بموضع مظهر المسيح ثم ثنى بموضع مظهر الكليم ثم ختمه بموضع مظهر عبده ورسوله وأكرم الخلق عليه...

21- (أسفل سافلين)الصحيح أنه النار...

22- (غير ممنون) أي غير مقطوع ولا منقوص ولا مكدر عليهم وهذا هو الصواب، وقالت طائفة: غير ممنون به عليهم بل هو جزاء أعمالهم...

23- {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} اختلف في (ما) هل هي بمعنى أي شيء يكذبك أو بمعنى من الذي يكذبك؟ فمن جعلها بمعنى أي شيء تعين على قوله أن يكون الخطاب للإنسان، أي: فأي شيء يجعلك بعد هذا البيان مكذبا بالدين وقد وضحت لك دلائل الصدق والتصديق؟ ومن جعلها بمعنى من الذي يكذبك، جعل الخطاب للنبي، قال الفراء: كأنه يقول: من يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له من خلق الإنسان ما وصفناه...

24- (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) أتى بصيغة المضارع؛ لأنه يغشى شيئا بعد شيء وأما النهار فإنه إذا طلعت الشمس ظهر وتجلى وهلة واحدة...

25- ذكر للتيسير لليسرى ثلاثة أسباب أحدها: إعطاء العبد.. السبب الثاني: التقوى.. السبب الثالث: التصديق بالحسنى، وفسرت بلا إله إلا الله وفسرت بالجنة وفسرت بالخلف.. وتأمل ما اشتملت عليه هذه الكلمات الثلاث وهي: الإعطاء والتقوى والتصديق بالحسنى من العلم والعمل وتضمنته من الهدى ودين الحق فإن النفس لها ثلاث قوى: قوة البذل والإعطاء، وقوة الكف والامتناع، وقوة الإدراك والفهم، ففيها قوة العلم والشعور، ويتبعها قوة الحب والإرادة، وقوة البغض والنفرة، فهذه القوى الثلاث عليها مدار صلاحها وسعادتها وبفسادها يكون فسادها وشقاوتها.. ولما كان الدين يدور على ثلاث قواعد فعل لمأمور وترك لمحظور وتصديق الخبر ..فقد تضمنت هذه الكلمات الثلاث مراتب الدين أجمعها...

26- قال ابن عباس {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي نهيئه لعمل الخير تيسر عليه أعمال الخير وقال مقاتل والكلبي والفراء نيسره للعود إلى العمل الصالح...

27- إن قيل: كيف قابل (اتقى) بــ (استغنى)؟ وهل يمكن العبد أن يستغني عن ربه طرفة عين؟ قيل :هذا من أحسن المقابلة؛ فإن المتقي لما استشعر فقره وفاقته وشدة حاجته إلى ربه اتقاه ولم يتعرض لسخطه وغضبه ومقته بارتكاب ما نهاه عنه فإن من كان شديد الحاجة والضرورة إلى شخص فإنه يتقي غضبه وسخطه عليه غاية الاتقاء ويجانب ما يكرهه غاية المجانبة ويعتمد فعل ما يحبه ويؤثره فقابل التقوى بالاستغناء تبشيعا لحال تارك التقوى ومبالغة في ذمه...

28- في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي أنه قال "ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار" قيل: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} تضمن هذا الحديث:
1- الرد على القدرية والجبرية وإثبات القدر والشرع وإثبات الكتاب الأول المتضمن لعلم الله سبحانه الأشياء قبل كونها وإثبات خلق الفعل الجزائي.
2- وفي الحديث: دلالة على أن الصحابة كانوا أعلم الناس بأصول الدين فإنهم تلقوها عن أعلم الخلق بالله على الإطلاق وكانوا إذا استشكلوا شيئا سألوه عنه.
3- وفي الحديث: استدلال النبي على مسائل أصول الدين بالقرآن وإرشاده الصحابة لاستنباطها منه.
4- وفي الحديث: بيان أن من الناس من خلق للسعادة ومنهم من خلق للشقاوة.
5- وفيه: إثبات الأسباب وأن العبد ميسر للأسباب الموصلة له إلى ما خلق له.
6- وفيه: دليل على اشتقاق السنة من الكتاب ومطابقتها له فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ومطابقته لقوله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى آخر الآيتين.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

تغريدات

  • تغريدات
  • إشراقات قرآنية
  • غرد بصورة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فنيات
  • نصائح للمغردين
  • الصفحة الرئيسية